أيهما أكثر ردعاً للإنسان، القيم التي يحملها من ثقافته ومجتمعه، أم القانون الذي سنّه الآخرون له؟ تلك إشكالية تعب في تتبعها الكُتاب والفلاسفة، إلا أن هناك جسراً يربط بينهما، وحتى لا نبقى في إطار التنظير، فإن الأمثلة التي سآتي بها هنا هي من الفضاء الكويتي الممارس في السابق واللاحق، إلا أنني أجزم أن معظم مجتمعاتنا العربية، إن لم تكن كلها، تعاني اليوم الإشكالية التي بين أيدينا.
لنبدأ القصة من البداية، تأخر المعلم نصف ساعة من بدء الدراسة، ولما حضر سأله الناظر عن سبب التأخير: قال المدرس، توفي والدي فجر اليوم، وذهبنا للمقبرة لدفنه! روى تلك القصة فيصل العظمة في كتابه بلاد اللؤلؤ، وهو مدرس سوري كان يعمل في الكويت في سنة 1942، أي قبل أكثر قليلاً من ثمانين عاماً، والكتاب أصبح نادراً اليوم، إلا عند بعض المهتمين بجمع الكتب القديمة، إلا أن العظمة بعدما روى في كتابه تلك القصة التي كان شاهداً عليها، أكمل بالقول: إنه تبين له أن تلك الممارسة من أخلاق الكويتيين في العمل! أما اليوم فيقوم وزير التربية، ونتيجة كثرة تغيب بعض المدرسين عن أعمالهم، بفرض (البصمة)، إلا أن ذلك الإجراء أحدث ضجة في الجسم السياسي في المجلس المنتخب، بعضهم ينادي برفع ذلك الإجراء، ورفع شهية الاحتجاج لدى (ممثلي الأمة) ضد الوزير تلمساً للشعوبية، وقليل منهم يؤيده إلا أنهم أقلية شجاعة، أي أن القيام بالواجب، وهنا هو التدريس، أصبح محط قول ورد.
في الحالة الأولى، كانت القيم العامة تحث عليه، وفي الثانية انقلبت القيم، وتم الأخذ بالقانون إن تحققت أسباب تطبيقه.
على مقلب آخر، نجد أن الغلظة في القول سمة نسبة كبيرة من ممثلي الأمة، وفهم هؤلاء من جهة أخرى أن (الديمقراطية) هي القول الخشن ضد الآخر (الوزير). ولم تمضِ أسابيع على تشكيل الوزارة الجديدة في الكويت، حتى سمعنا خشونة القول إلى حد التطاول وأبشع الأقوال، في خلط جاهل بين الدفاع عن حقوق الناس، والتهجم بأبشع الألفاظ على الآخرين، في خلط معيب بين الفعل والشخص.
لم تكن تلك الظاهرة موجودة أو حتى مستحبة للرجال الأوائل الذين مارسوا العمل السياسي في الكويت، مهما كان اختلافهم مع المنفذين في السلطة، كان الحديث دائماً في حدود الاحترام.
ليس ذلك الشكل من التعبير موجوداً أو حتى مقبولاً في الممارسة الديمقراطية في بلاد كثيرة، أتابع النقاش في فترة (الأسئلة لرئيس الوزراء البريطاني) بعد ظهر كل يوم أربعاء، في حال عمل مجلس العموم، وأجد أن هناك اختلافات كثيرة في السياسات، بين الحكومة والمعارضة، بل حتى بين أفراد الحزب الواحد، ولكن النقاش يتم بالكثير من الاحترام للشخوص ودائماً ما يشار إلى الآخر (العضو المحترم..) بل حتى في بلد مثل السنغال حصل خلاف مع رئيس الجمهورية في توقيت الانتخابات، فشهد العالم النقاش في البرلمان، صحيح كان غاضباً، ولكنه لم تستخدم فيه ألفاظ نابية!
من جديد، إنها القيم التي يعتمدها المجتمع، ربما القانون يكون رادعاً، ولكن القانون يتطلب إجراءات قد تكون طويلة، أما القيم التي يحملها الفرد، فإنه يتربى عليها ويقبلها المجتمع ويتوافق عليها، والسكوت عن الشاذ منها معيب، يجب ألا يُتمنع عن نقده، وما يتستر به بعضهم من (حصانة) هو ذريعة يجب ألا يؤخذ بها، لقد بلغ التنابز في العمل السياسي في الكويت حداً معيباً وطارداً لأي فكر عقلاني صحيح، وأصبح الصياح والتخوين، وربما حتى التكفير، الذي لم ينجُ منه أحد، سمة للشعوبية التي يجري وراءها بعضهم لجهله، ويكفي أن نرى أن (تغريدة واحدة) مكررة بالحرف وحتى الفواصل من عدد من أعضاء مجلس الأمة وكان بعضهم قاصراً عن التعبير عن نفسه.
ليس ذلك ما يرغب في أن يراه المجتمع الكويتي المتحضر، والذي جعل مدرساً بسيطاً قبل ثمانين عاماً ونيف يدفن والده ويتأخر نصف ساعة عن دوامه ويعتذر. وقديماً قيل (تكلم حتى أراك)!
محمد الرميحي – جريدة البيان
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی الکویت إلا أن
إقرأ أيضاً:
أهم أخبار الكويت اليوم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يقدم موقع “البوابة نيوز” تقريرا عن أهم أخبار الكويت ويرصد خلاله أبرز وأهم الأحداث التي تجري في الدولة العربية الشقيقة.
ولي العهد الكويتي يستقبل وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي
استقبل ولي العهد الكويتي صباح الخالد، وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي جان نويل بارو والوفد المرافق، وهذا بمناسبة زيارته للكويت، في حين تسلم رئيس مجلس الوزراء الكويتي بالإنابة فهد اليوسف من وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي رسالة موجهة إلى رئيس مجلس الوزراء الكويتي أحمد العبدالله، من نظيره الفرنسي فرانسوا بايرو، تتعلق بالعلاقات الثنائية بين الدولتين، بحسب ما ذكرت جريدة "الأنباء" الكويتية اليوم الجمعة.
وفي تصريحات صحافية بعد اللقاءات، أكد وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي علي عمق علاقات الصداقة العريقة والعميقة التي تجمع بلاده والكويت في الكثير من المجالات، بما في ذلك الديبلوماسية والاقتصادية والدفاع.
وقال بارو إن هذه العلاقات تشمل أيضا مجالات الثقافة والتعليم العالي والبحث العلمي والصحة وتدعمها روابط إنسانية وثيقة تتجسد في الكثير من مشاريع التعاون بين الدولتين.
كما أعرب الوزير الفرنسي عن تطلعه أن يقوم أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد وولي العهد الكويتي الشيخ صباح الخالد بزيارة رسمية إلى باريس، تلبية لدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وزير الإعلام الكويتي: خطة شاملة لتطوير قطاع السياحة
بحث وزير الإعلام والثقافة ووزير الدولة لشؤون الشباب الكويتي عبدالرحمن المطيري، مع نائب حاكم مقاطعة قوانغدونغ الصينية ليو هونغ بينغ، سبل تعزيز علاقات التعاون الثقافي والسياحي والرياضي والشبابي بين الدولتين والاستفادة من التجربة الصينية في هذه المجالات.
وشدد الوزير المطيري، في تصريح صحفي بعد استقباله المسؤول الصيني والوفد المرافق له في وزارة الاعلام، علي حرص الكويت على تطوير قطاع السياحة ليكون أحد مصادر الاقتصاد الوطني عبر وضع خطة شاملة لتطويره، مع التركيز بشكل خاص على السياحة الموسمية، متطلعا للتعاون مع الصين التي تملك تجربة ناجحة في هذا الشأن.
وتابع أنه سيتم العمل على تعزيز الانتاج الإعلامي بين الطرفان لإبراز التجربة في كل من الكويت والصين في المجال السياحي والثقافي وتسليط الضوء على أوجه التشابه في كلا النموذجين.