في هذا الحوار مع “اليوم 24″، قررت آمنة هداية الله (اسم مستعار)، أن تبوح بتفاصيل مثيرة من حياتها، وحياة زوجها الهالك، ومعاناتها مع أطفالها لتسرد لنا حكاية تفاصيل رحلة الموت نحو “ديار داعش”.

تكشف آمنة في الحوار، أن زوجها أقنعها بمرافقته إلى أرض الجهاد، بعدما غرر به تنظيم الدولة، ولأنها ملزمة باتباعه قسرا -شرعا وواقعا-، رافقته في رحلة كلها معاناة، وقعا فيها ضحية انبهاره بخطاب التطرف كما العديد من الشباب، قبل أن يلقى حتفه في معارك “القتال والجهاد”، ولتجد نفسها وحيدة، آثرت الخروج من أراضي “داعش” بأي شكل رغم المعاناة، حتى يتسنى لها تربية أبنائها وإنقاذهم من وصم “القنابل الموقوتة” الذي يلاحقهم ويهدد سلامتهم.

تقول بأسى كبير :”لقد غرر بأزواجنا وأقنعونا بالمجيء معهم، وها نحن نعيش التشرد بالمخيمات التي لا تحتوي على أي شيء إنساني”.

في حوارها المثير، تحكي آمنة قصة مؤلمة لنساء مغربيات عالقات في مخيمات قوات سوريا الديمقراطية التي تعرف باسم “قسد” في مخيم الهول بسوريا، يواجهن معاناة شديدة، ومصيرا مجهولا يحيط بأطفالهن، حيث لا أمل لها في الحياة سوى الرجوع لبلادها، وتحقيق حلم إتمام مسار أبنائها الدراسي، الذي بدأته آمنة هداية الله مع طفليها عمر ومحمد، على الرغم من منع مليشيات “قسد” عنهم الهواتف، إلا أنها تحرص إلى جانب نساء مغربيات عالقات، على تدريس أطفالها عبر الأنترنيت، وتستخدم مناهج مغربية وتتابع الامتحانات التي يتم نشرها عبر المجموعات التعليمية.

وتحرص آمنة على دراسة أبنائها حتى يكون مستواهم أفضل، رافضة أن يتم وصف أطفالها بـ”القنابل الموقوتة” لداعش، لأن معظم أطفال المغرب العالقين بمخيم الهول، تحكي آمنة، يكافحون ليتعلموا بجد، أملا في رجوعهم إلى بلدهم، في يوم من الأيام، فهم أطفال لهم أحلام مشروعة، يريدون تحقيقها بعيدا عن التطرف والتشدد والإرهاب، وفق تعبيرها.

فيما يلي نص الحوار:

أنت من النساء المغربيات العالقات في مخيم الهول بسوريا… ماهي قصة التحاقك رفقة زوجك بتنظيم داعش وكيف تم استقطابه؟

في ظلال عيش رغد، ظهرت الحرب في سوريا، وأصبح حديثنا اليومي وهمنا وشغلنا الشاغل، هو ماذا يحدث فيها؟

صباح مساء، كان زوجي يتابع اليوتيوب وخاصة عند إعلان “الخلافة الإسلامية” بسوريا، اقتنع أنه يجب علينا الهجرة إلى سوريا…

كل يوم تصدر فيديوهات، بوجوب ضرورة التحاقنا بسوريا حتى فقد النوم ليلا وفقد شهيته أيضا…

في بداية الأمر كان الموضوع يصول ويجول في ذهنه، أنه يجب عليه الهجرة هو فحسب، سرعان ما تغيرت الفكرة، أنه من الأفضل لي أنا أيضا أن أذهب معه من خلال تواصله مع الذين سبقوه…

كيف أقنعك زوجك بمرافقته؟

أقنعني، أنه في حال إذا بقيت بالمغرب فلن أجد من يعولني أنا وأبنائي، خصوصا أهلي حالتهم المادية ضعيفة جدا، وفي الأول والأخير… يجب علي طاعته وفق العادات والتقاليد.

وفي كل يوم يتواصل فيه مع سوريا، كانوا يقنعونه بالإسراع وأن الطريق جاهز…

كيف غادرتم المغرب؟

غادرنا المغرب مباشرة إلى الوجهة الأولى تركيا، كونها على حدود سوريا، وتم استقبالنا من طرف شباب تركيين وسلمنا إلى مهربين تركيين، الذين سيقومون بتهريبنا إلى سوريا.

كل هذا كان يتم خفية عن السلطات التركية، وليس كما تدعي بعض وسائل الإعلام، أن تركيا لها يد مع التنظيم، وأكبر دليل إذا تم كشف أمرنا أو أمر أي أحد منا، يتم زجه بالسجن ومتابعته طبقا للقانون التركي.

أيضا المهرب يهربنا عن طريق أراضي خالية ونركض ثم نرجع، ونخاف من العسكر التركي… لهذا كل ما يروج أن تركيا لها يد في مساعدتنا لا أساس له من الصحة، والحقيقة أن مواطنين تركيين يساعدوننا مقابل المال فقط.

كيف عشتم داخل سوريا؟

عشنا في سوريا لمدة سنتين بين رعب وخوف ونزوحات إلى أن تم قصف زوجي بالطيران وتوفي، بعد ذلك بشهرين، خرجت من أراضي التنظيم لكن للأسف تم احتجازي في المخيم.

هل تحكي لنا المزيد عن تفاصيل الرحلة إلى ديار تنظيم الدولة؟

الوصول إلى ديار تنظيم الدولة لا يكون عن طريق السلطات التركية، بل على يد مهربين تركيين أو على يد سوريين مقيمين بتركيا بتنسيق مع تنظيم الدولة، ويتم استقبالنا في مضافة الحدود هناك، وفصلنا عن أزواجنا، بحيث توجد مضافة للرجال ومضافة للنساء.

نمكث في مضافة الحدود أياما قليلة حتى يتم نقلنا إلى مضافة مدينة الرقة، وهنا يتم أخذ الرجال إلى المعسكرات، وتبقى الزوجة في المضافة في انتظار خروج زوجها من المعسكر، وإذا كانت تعرف أحد الأصدقاء يأتي لأخذها من المضافة فتمكث معه.

كيف يتم إسناد المهمات داخل تنظيم الدولة؟

يتم فرز الزوج حسب قدراته ودراسته. فكما نعلم أن هناك عدة دواوين مختلفة ومتعددة الاختصاصات أو يذهب إلى الصحراء للقتال.

كنت ربة بيت فقط، كما كنت بالمغرب، محدودة العلاقات مع الناس، ولأنني كنت ماكثة في البيت، فمواجهتي مع الشعب بصفة عامة كانت قليلة، كانت معاناتنا أكثر من القصف والنزوحات من مكان إلى مكان.

كيف غادرت أراضي تنظيم الدولة في سوريا؟

توفي زوجي فقررت الخروج من أراضي تنظيم الدولة، لهذا لم أعش حصار الرقة ولا حصار الباغوز.

كيف هي أجواء العيش داخل مخيم الهول وكيف يتسنى لك رعاية أطفالك؟

أوضاع المخيم صعبة جدا من جميع النواحي، فكوني لدي أطفال أعاني جدا في رعايتهم، والإشراف على تربيتهم بشكل مضبوط، بسبب اختلاف الجنسيات واختلاف الأفكار.

أنا لا أريد أن يلعب أطفالي بالتراب والوحل بعد المطر، وببقايا الخيم من حديد وبقايا قماش الخيم البالية.

المنظر يوجع القلب هنا في مخيم الهول، أطفال مشردون بلا مأوى، ومع كل هذا لا أقبل أن أرى أطفالي في هذه الحالة، أحاول توفير ألعاب وإشغالهم بكرة القدم قدر المستطاع أو ذهابهم إلى ملعب “منظمة إنقاذ الطفل”.

أجد صعوبة في تعليمهم، فكما تعلمون ليس لدينا مدارس وأيضا ممنوع علينا من طرف الأكراد، أن نكون معلمات وأيضا هنا الهواتف ممنوعة، لكن برغم كل هذه الصعوبات التي نواجهها لدينا إصرار كبير على تعليم أبنائنا، أملا في رجوعنا إلى بلادنا لكي يندمجوا بكل سهولة مع تلاميذ وأطفال الشعب المغربي.

أطفالنا لديهم أحلام، وينتظرون رجوعهم للمغرب بفارغ الصبر، لكي يحققونها عند العودة.

ابني”عمر” من مواليد 2009  يدرس بجد وأنا حريصة عليه بالرغم من خوفه من أن يقتاده العساكر  إلى المركز، يحرم نفسه من اللعب مع الآخرين، ويدرس خفية بسبب دوريات العساكر.

أحيانا يدرس بعد صلاة الفجر، مباشرة وأحيانا بعد الظهر وأحيانا بعد صلاة العصر، يدرس على حسب الوضع، فهو في الحقيقة كأنه يلعب لعبة “الغميضة” مع العساكر الكردية المراقبة للمخيم.

وأخوه “محمد ” هو أيضا يدرس بجد، كثير الحديث معي ويسألني، كيف هي البيوت؟! وكيف شكل غسالة الأواني؟! وكيف يمكن أن يكون سطح البنايات؟! وكيف يمكن أن أستحم على صوت الرشاش؟! وكيف… وكيف… وكيف؟ أسئلته لي تجعل الفؤاد يبكي دما.

حين جلوسك مع “محمد” ستلاحظ اجتهاده في الدراسة وحرصه على أن يحصل دائما على المرتبة الأولى، أيضا يتحدث دائما أنه مظلوم ولا يعرف شيئا عن العالم الخارجي ودائما يفكر كيف سيكون مستقبله.

فحين نقرأ عن هذه الشخصيات من الأطفال تتغير رؤيتنا اتجاه أطفال مخيم الهول، وأن هناك العديد من الأطفال المغاربة لديهم أحلام وينتظرون الترحيل إلى وطنهم الأم.

كيف تقضين وقتك داخل مخيم الهول؟

المخيم يعني القعود وأنت محاطة بمصير مجهول!! لهذا كنت أستغل وقتي في متابعة الدراسة، كدراسة اللغة الإنجليزية واجتهادي في اللغة الفرنسية ومساعدتي أطفال المخيم في تعليمهم. أقضي معظم وقتي مع أطفالي وتعليمهم وتطوير مستواي الدراسي أيضا.

الإنترنت نعمة عظيمة لمن يعرف استغلالها لصالحه، فقديما السجين لا يستطيع المطالعة أو القراءة إلا في كتب من ورق، أما الآن نستطيع عبر كتب pdf ومشاهدة فيديوهات لأساتذة متميزين وعبر صفحات المجموعات التعليمية نطور أنفسنا نحو الأفضل.

تحدثي لنا عن الصعوبات التي تواجهكن كمغربيات عالقات داخل مخيم الهول؟

معاناتنا بالمخيم لا تعد ولا تحصى. فهناك معاناة من ناحية المعيشة والمناخ… فمثلا البرد ومياه الأمطار تدخل على الخيم فيتبلل كل ماهو موجود داخل الخيمة، نحاول قدر المستطاع الاستعداد للشتاء من تجهيز للخيم وتغطيتها لكن مع شدة العواصف، الخيم لا تتحمل وقد تتكسر ثم تقع حينها فوق رؤوسنا، تعاني الأسرة بشدة والله المستعان.

وهناك معاناة من جهة بعض المنحرفات اللواتي يقمن بإرهاب الأخوات هنا من ضرب بالمطرقات والبواري والسكاكين.

هذا أعظم خطر علينا وعلى حياة أبنائنا، فنحن هنا دائما ملتزمات بالصمت، ولا نستطيع البوح أننا نريد الرجوع إلى بلادنا. وهذا أعظم خطر نعيشه.

ماهي مطالبكم للسلطات كعالقات مغربيات في مخيم الهول؟

أتكلم باسم كل مغربية عالقة بمخيم الهول، نطالب من جميع المسؤولين، في كل من الديوان الملكي ووزارتي الخارجية والداخلية بتعجيل ترحيلنا إلى بلدنا، فأبناؤنا ضاعوا بمخيمات مليشيات “قسد” بدون سكن، وبدون مدرسة، وبدون أمن.

كل ما يعرفه طفل مخيم الهول هو أنه إذا أصبح عمرة 12 سنة، سيتم أخذه من أمه وسيتم رميه بالمركز. نؤكد طلبنا برجوعنا إلى المغرب، من كل أب أو أخ غيور على بناته وأخواته.

هل تسمح قوات “قسد” لوسائل الإعلام بزيارتكن في مخيم الهول؟

أنا كأسيرة في مخيم الهول، كلما أشاهد فديوهات الصحافيين الذين تتم الموافقة على دخولهم إلى مخيم الهول أرى هدفهم فقط ترويع العالم من نسائه وأطفاله.

يتم التقاط أي صورة من أي قسم ومن أي مخيم، سواء كان قسم العراقيين أو قسم السوريين أو قسم المهاجرات، ويتم مزج صور مخيم الروج مع مخيم الهول والكلام والعبارات غير مطابقة لِما هو معروض، والمشاهد بطبيعة الحال لن ينتبه لها أحد، لأنه لا أحد يعرف المخيمات كما نعرفها نحن ولا أقسامها، هذا من جهة أولى.

من جهة ثانية، هدف معظم الإعلاميين هو تكرار الكلمات التي حفظناها باتهام أبنائنا بالقنابل الموقوتة التي لا أصل لها في الواقع.

وهنا أتحدث عن الأطفال المغاربة تحديدا، لن ترى في أي فيديو طفلا مغربيا يتحدث عن العنف، أو امرأة مغربية تردد شعارات تدل على أنها إرهابية، بل العكس، كلما نعلم أن في المخيم صحافة نلزم خيامنا لكي لا نظهر مع نساء أو أطفال متشددات، أو إذا واجهنا الصحافة نقدم أنفسنا ونؤكد رغبتنا في رجعونا إلى بلدنا المغرب.

كيف تفسرين هذا الإصرار على وصف أطفالكن بـ”القنابل الموقوتة” لداعش؟

بالنسبة لإصرار البعض على اتهام أطفال مخيم الهول بـ”القنابل الموقوتة”، ليكن بعلم الجميع أن معظم أطفال المغرب العالقين بمخيم الهول يكافحون لأجل تعليمهم أملا لرجوعهم إلى بلدهم، ليتم إدماجهم بسهولة في المدارس مع أطفال الشعب المغربي.

وأحيطكم علما أننا هنا بالمخيم، وبالرغم من منع المليشيات عنا الهواتف، إلا أننا ندرس عبر الأنترنيت بكتب pdf، ونستخدم مناهج مغربية، ونتابع الامتحانات التي يتم نشرها عبر المجموعات التعليمية، ونحرص على دراسة أبنائنا حتى يكون مستواهم أفضل، ودائما أضرب لكم مثالا بـ”عمر” و”محمد”.

أحرص أشد الحرص بعدم اختلاطهم مع أطفال المتشددين أو الأطفال الذين لا يرغبون بالدراسة، أطفالنا لديهم أحلام بأن يصبحوا من أكبر الأطباء والمهندسين، ولديهم أيضاً تحد في حياتهم بأن يبرهنوا للعالم أنهم الأفضل والأحسن في أفكارهم ومستواياتهم.

ولديهم أيضا رغبة كبيرة بأن يثبتوا للعالم أن هدفهم هو النجاح والسعي إلى مستقبل مشرق مليئ بالأهداف البناءة.

فقولوا لي بالله عليكم؟ هل من يؤمن بهذه الأحلام وتلكم الأهداف، سيكون متطرفا وقنبلة موقوتة كما يدعون؟ لهذا أسأل الله أن ييسر عودتنا في أقرب وقت إلى بلادنا.

من خلال الحديث معكم، أريد أن يفهم العالم، خاصة المجتمع المغربي وجميع المسؤولين، أننا ننتظر الترحيل بفارغ الصبر، وأننا بريئات من أي تشدد أو تطرف.

لقد غرر بأزواجنا وأقنعونا هم بالمجيء معهم، وها نحن نعيش التشرد بالمخيمات التي لا تحتوي على أي شيء إنساني.

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: القنابل الموقوتة فی مخیم الهول تنظیم الدولة مع أطفال

إقرأ أيضاً:

عتبات الفرح للكاتبة هديل حسن: لعلها عتبات الكتابة أيضا

على باب بيت الأدب، والحياة، تطل الكاتبة من الباب والشبابيك، وهي في طريقها لاختبارات الحياة والأدب. لعلها إطلالة المبدعة قبل ترك العتبة والخروج الى الدنيا، والعودة الى اكتشاف الذات. ما بين "خيبة ولكن، و"عتبات الفرح" عام، بما يمنح لا التأويل فقط، بل استشراف ميلاد كاتبة، تصعد سلما إنسانيا وأدبيا معا، ضمن سلالم ما زلنا جميعا نصعدها، ولا نكاد ننتهي من الصعود.

ولعلنا هنا نركّز قليلا في العتبات، التي أملت الكاتبة أن تكون عتبات فرح، كأنها، ومن خلال نفس طيبة نقية، تستشرف الفرح القادم.

هديل حسن، كاتبة شابة، من الأردن، تحب الأدب، وتعيش له، وقد تجلى ذلك بشكل ظاهر في لغتها التي مالت فيها الى الوضوح والبساطة والجمال.

في الكتاب الأول، كنا إزاء نصوص أدبية، متنوعة الموضوع، ومتنوعة التكثيف، ما بين الشعر والحكمة والتأمل. تلك كانت دفقات الإبداع في كتابة العبارة فالفقرة، حيث يبدو أن الكاتبة هنا تركت نفسها للمعاني كي تأخذها نحو الشكل، أكان خاطرة كاملة، أو معنى مزيا تجريديا أو فكريا اجتماعيا أدبيا.

في النصوص بحث عن الشكل والمضمون، وبحث عن الذات، من خلال شذرات نفسأدبية، تنبئ بما تنفعل به الكاتبة، وما تحتفل به وله، وما تريد التعبير عنه وعنها.

لذلك، لربما تتشابه هديل حسن في رحلتها مع كثيرين وكثيرات، في البحث عن الشكل الفني، وفق ما يستدعيه المضمون الذي يسكنها، ولعله كما نرى مضمون إنساني لشخصيات، تنتظم فيها، أو لعلها هي الناظمة لذلك كله، بما توحي به من شعور وفكر؛ لذلك فإن البذور التي التقطناها ونحن نقرأ "خيبة ولكن"، ما لبثت أن نمت في "عتبات الفرح"، والتي تحتاج حاضنة أدبية وإنسانية لتنمو في بنائها السردي.

السرد القصصي، هو ما سيكون مفتاح الكاتبة، كذلك سيكون تجليات رؤيتها، والذي يمكن أن يتبلور في ظل امتلاك شرط الكتابة، بحيث إما أن تسلك سلوكا له علاقة بالسيرة، أو ترك مسافة والذهاب نحو السرد العادي المنفصل عن الذات ما أمكن ذلك، أو المزاوجة بينهما.

"في عتبات الفرح"، نحت الكاتبة منحى المزاوجة، حيث يبدو أن القصّ هنا، إنما هو عام وخاص، ولربما بسبب هذه المزاوجة، لم تستطع الكاتبة من القص لمدى واضح، حيث كنا نلاحظ إنها ما تبدأ القص، بدءا بالوصف المكاني ووصف الشخصيات الذي أجادته حتى تنهيه.

يجد القارئ لمجموعة الكاتبة هديل حسن "عتبات الفرح" نفسه، مشدودا لخمس منها، خمس عتبات قصصية، فيها ما يؤكد ميل الكاتبة للسرد، وأنها تؤثره عمن سواه من أشكال أدبية.

في نص "ذاكرة مهترئة: من القصص المكتملة، فيها تذكر في ظل زمنين، حيث تكبر الصغيرة، وكيف تتغير نظرة البائع تجاهها صغيرة وكبيرة. في القصة تعبير عن عمق استشعار الأنثى لمشاعر الذكور الحسية، حيث تقرأ انجذاب البائع، داخل مونولوجه، نحو الأنثى، بينما هي ظلت بشعورها الطفولي البريء.

"يد واحدة تصفق"، قصة عميقة، تربط تغيّر المشاعر مع تغير (نقص) أعضاء الإنسان الذي يشعر بالوحدة، وبزهد النساء به. وتصل الذروة النفسية الساخرة، حين يرد على النادل الذي يسأله عن طلبه، فيجيبه: "يد جديدة لهذا العبد الفقير" صفحة .70

وفي النظر تجاه أمراه جميلة، يدور في النفس سؤال: "كيف ستنتبه لي وبجانبها رجل لا عطب فيه" صفحة 71.

أما قصة "لاجئة على عتبات الحزن" فهي قصة لاجئة سورية تعمل مع كبار السن نهارا، وفي الليل نادلة لتبدد الوقت. لديها وقت لا تعرف كيف تمضيه، حيث تكون بانتظار زوجها كي يلحق بها في مكان لجوئها. تصف معاناة كبار السن، فكل وما ينتظره. أما اللحظة الفارقة والصادمة، فهي عندما تذهب لاستلام طلب أحد الزبائن، فيكون الزبون زوجها محمود.

"انتظار محبّ: قصة، تبرع فيها بوصف الجسد، وفرق العمر، من خلال الحب من خلال التواصل الاجتماعي.

ولربما كانت "صفقة عادلة"، الأكثر صادمة اجتماعيا، كونها قدمت الرجل الذي ليس فقط لا يغار على زوجته، بل يستغلها لتمرير صفقاته، في حين تكون المفارقة في أن يصبح "الرجل العاشق" مخلصها.

أما قصة "قتل متعمد" فقد امتلكت عناصر القصّ، ولكن المضمون لم يأت بجديد، لكن الكاتبة وفقت في حداثة وفاتها بسبب حادث وهي هاربة من عنف الزوج، لتتساءل عمن كان القاتل أهو الزوج أم الحبيب الذي تخلى عنها، أم المركبة التي صدمتها وهي مسرعة.

وتشكل قصة "ازمة رجولة" مضمونا اجتماعيا تقليديا، يتعلق بعدم الإنجاب كمسبب للطلاق. في النص نلاحظ وصف الجمال الأنثوي كأنه نابعا من ذكور.

زواج بالإكراه: قصة تزويج الأهل علا من خالد، ورفض ومازن بدون سبب. ليس فيها ما يضيف لهذا المضمون.

في نص كورونا، تيمة الموت، كذلك في "عناق الموت" عن الحرب على لبنان وفقدان الأحبة. وفي مضمون نص "ميلاد أسود"، نحن إزاء ميلاد الطفلة وقت ما يمكن أن نتخيله عن رحيل معاكس كأن يكون رحيل الجد، وفي الوقت نفسه، النفور من ميلاد أنثى. أما نص "عشق" فهو مجرد وصف. وفي نص "ذكورة"، تعبير عن الشهوة، ورد فعل الأنثى الحاد.

أما "سيدة النساء انت": عن موت الزوجة، وإخلاص الزوج. لا ننفي وجود هذه النماذج في الحياة، لربما كان من الممكن الاتكاء على سلوك ما يتجلى فيه الوفاء.

وفي "حب قبل أوانه": وصف المرأة لرجل يخشى الحب، فيما تكون هي قد وقعت به.

الأسلوب:

من ميزات النصوص اختيار اللغة القريبة من السرد القصصي، ما منح المجال لبناء قصص واقعية. كان نفس الكاتبة متفاوتا في القصص، فكأنها تكتب ونتشوق، لكن تتركنا نتابع مصائر الشخوص، فقد وجدنا أنفسنا بحاجة لدفق سردي أكثر من المكتوب.

إضافة الى ما ذكرناه في الحديث عن القصص، فقد استخدمت الكاتبة أكثر من أسلوب، فثمة تجريد رمزي مثلا في نص "عتبات الفرح"، الى أسلوب خطاب في "أناي"، الى ما هو واقعي كما في نص "صخب العالم"، الذي تعلق بالشعب تحت الاحتلال، إلى مزاوجة بين الواقع والرمز، كما في نص "قصة بطلتها أنا" التي تتحايل المرأة هنا على معاناة نفسية، فهي حين تتحدث عن "الانجاب المعرفي"، أي نشر كتاب جديد، فهي إنما تقربنا من هموم المرأة الفطرية في الزواج والإنجاب.

لقد تجاوزت الكاتبة نصوصها الأولى "خيبة ولكن"، ولكن لعلها تواصل الكتابة القصصية؛ فلا تطوير في عالم الكتابة الا بالكتابة جنبا الى جنب مع القراءة.

"في عتبات الفرح" ما يشير إلى عتبات الحياة، والكتابة التي تسكن الكاتبة، كأن الكاتبة الإنسانة هنا ما بين رؤية الأدب من خلال الحياة، والحياة من خلال الأدب.

جدير بالذكر بأن المجموعة صدرت عن دار فضاءات عمان-الأردن عام 2023، "ووقعت في 125 صفحة.

مقالات مشابهة

  • عتبات الفرح للكاتبة هديل حسن: لعلها عتبات الكتابة أيضا
  • نائب يدعو لعدم استقبال نازحي مخيم الهول: دواعش وإدخالهم ليس قراراً عراقياً
  • وصفه بـ قنبلة موقوتة.. برلماني يحذر: تصاعد تهريب عوائل تنظيم داعش من مخيم الهول
  • وصفه بـ قنبلة موقوتة.. برلماني يحذر: تصاعد تهريب عوائل تنظيم داعش من مخيم الهول - عاجل
  • إنقاذ سيارة عالقة في الرمال بخميس مشيط .. فيديو
  • المالية النيابية تطالب الإقليم بدفع المستحقات المالية التي بذمته والالتزام بقانون الموازنة
  • تأثير وقف المساعدات الأمريكية على تنظيم داعش ومخيم الهول في سوريا
  • سفيرة النرويج بالقاهرة: نرفض تهجير الفلسطينيين وندعم حل الدولتين
  • مسؤول سابق يدعو السوداني للتدخل وحسم ثلاث عقد عالقة في ديالى
  • أكاديمي فرنسي: الأمل أيضا قد يقتل في غزة