تحدي الكلمات النابية.. كيف نشأ؟ ولماذا يشوّه مفاهيم الصغار؟
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
من الشائع أن يشعر الآباء والأمهات بالقلق من سماع صغارهم لألفاظ خارجة في الشارع أو المدرسة أو حتى عبر التلفاز، خوفا من ترديدها بلا وعي والوقوع في معضلة تربوية يصعب تصحيحها دون مواجهة الكثير من العناد.
لكن صيحة جديدة انطلقت عبر منصة "تيك توك"، تحث الأطفال على التلفُّظ بكلمات مرفوضة وألفاظ نابية أحيانا، على أن يصورها ذووهم في السر وينشروها على الإنترنت لحصد المشاهدات والإعجابات.
التحدي الرائج الذي حمل اسم (Bad Word Challenge) أو "تحدي الكلمات النابية"، أثار موجة من التفاعل الواسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة من جهة، وانتقادات وهجوما واسعا من جهة أخرى، نتيجة مخاوف تربوية ونفسية على صحة الأطفال ومفاهيمهم.
فما قصة هذا التحدي الغريب، وما تأثيره على الصغار المشاركين فيه؟
مساحة آمنة للألفاظ السيئةفي التحدي الجديد الذي أصبح صيحة رائجة عبر "تيك توك"، اعتقد بعض الآباء أنهم وجدوا المنفذ المثالي للسماح لأطفالهم بخوض "تجربة قول الكلمات السيئة"، عبر إعطاءهم مساحة آمنة بتركهم وحدهم -وفي هذه الحالة في الحمام-، ليقولوا كل الكلمات السيئة التي يرغبون في ترديدها دون أي خوف من عقوبة محتملة.
وخلال دقائق من "المساحة الآمنة" التي تُمنح للصغار، تلتقط كاميرا مخبأة في المكان تسجيلا مصورا "لعفوية الأطفال" وهم يرددون الكلمات النابية، قبل أن يتم تداولها بسخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم "تحدي الكلمات النابية في الحمام" أو (Bad Word Bathroom Challenge).
التجربة المثيرة للجدل أثارت تفاعلا ناريا مع الكلمات التي رددها الصغار، حيث اعتبر الكثيرون الموضوع مثيرا للضحك والسخرية. لكن في المقابل، أثار التحدي رفضا واستهجانا واسعا من الخبراء والمتخصصين في الصحة النفسية والتربية، الذين أكدوا ضرورة رفض هذا السلوك رفضا قاطعا، معتبرين أنه في الواقع يشوش الأطفال ويعزز استخدامهم للكلمات السيئة.
وقد عد الخبراء من التناقض وصف التجربة على أنها "مساحة آمنة" يملكها الصغار لترديد الكلمات الممنوعة، بينما يتم تخبئة كاميرا تصور الطفل سرا، علاوة على الخطأ في وصف ترديد الكلمات البذيئة لفترة مؤقتة بـ"المساحة الآمنة".
ويرى أخصائيو الصحة النفسية وتربية الأطفال، أن التحدي الجديد له العديد من الأضرار المحتملة، بدءًا من انتهاكات الخصوصية بالتسجيل سرا للأطفال ونشر المحتوى عبر الإنترنت، وصولا إلى التأثيرات النفسية على الطفل، والتي قد تكون طويلة المدى أيضا.
وعوضا عن تجاهل السلوك السلبي ليتجاوزه الطفل، يتم شد انتباهه للموضوع أكثر، بل والضحك ومحاباة سلوكه، مما يعزز فرص استخدامهم لتلك الكلمات فيما بعد، ويسبب مشكلة أخلاقية وتشتتا في مفاهيم الصغار حول الصواب والخطأ.
يقول الدكتور طارق عمر، خبير علم النفس، ومدرب التواصل الفعال وعلاج اضطرابات النطق واللغة للأطفال، لـ "الجزيرة نت" إن التبعات النفسية لهذا التحدي على الصغار لا تُحمد عُقباها.
واعتبر المتخصص أن إتاحة الفرصة للأطفال للقيام بأي سلوك خاطئ فيه "تحرر من الآداب والقيم"، ولن يقوم بتفريغ أي طاقة لديهم أو يمنحهم سقفا من الحرية -كما يزعم بعض المروجين للتحدي-، بل من شأنه تشويش مفاهيمهم عن الصواب والخطأ.
وقال عمر إن "التحدي بهذا الشكل من شأنه أن يسهم في الاعتياد على السلوكيات المرفوضة، ولو مؤقتا، لأن التجارب مهما كان حجمها يتم تخزينها بشكل عميق في دماغ الصغار".
ومع الاعتراف أنه من الوارد جدا أن يتعرض الصغار لمثل هذه الكلمات في مختلف السياقات الاجتماعية، أكد الخبير على "أهمية وضرورة خلق مساحة للحوار بين الطفل ووالديه لحثه على فهم أن هذه الكلمات منافية للأخلاق".
ولفت عمر إلى أهمية مراعاة الالتزام الأخلاقي والديني في بيئة الطفل في المقام الأول، باعتبار أن اللغة المتبادلة في المنزل هي حجر الأساس في أخلاق الطفل، وطريقته في التعبير عن نفسه.
وفي تعليقه على تصريحات عالمة الأعصاب الأميركية، ومؤلفة كتاب "الشتائم مفيدة لك: العلم المذهل للغة السيئة"، إيما بيرني، التي قالت إن الأطفال يجب أن يتعلموا معنى وتأثير الكلمات البذيئة من والديهم وليس من أصدقائهم، واعتبرت أن التحدي يقدم حلا عمليا لذلك، قال الخبير النفسي إن "التعبير بالألفاظ البذيئة لا يُعد سلوكا سويا بشكل عام، مهما كان السياق".
واختتم حديثه بتأكيد أهمية توعية الطفل بأنه من غير المقبول التعبير عن النفس بالألفاظ والشتائم، وأن التعبير عن الغضب والغيظ والاختلاف يمكن أن يتم بالكثير من الصور الصحية الأخرى.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
بين التجنيد والاتجار.. شبكات إجرامية تستهدف أطفال صنعاء وسط تواطؤ حوثي
تواجه العاصمة صنعاء، الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي الإرهابية، موجة متزايدة من حالات اختطاف واختفاء الأطفال، ما أثار قلقاً واسعاً بين الأسر والمجتمع المدني، وفقاً لمصادر حقوقية وناشطين محليين.
وخلال الأيام القليلة الماضية، تصاعدت التحذيرات الحقوقية بعد توثيق عدة حالات اختفاء غامضة، مما أثار حالة من الهلع بين السكان، وسط تجاهل الجهات الأمنية التابعة للحوثيين لهذه الظاهرة المقلقة.
وخلال الأسبوع الماضي، تداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي بلاغات عن فقدان أكثر من سبعة أطفال في أحياء متفرقة من صنعاء.
ومن بين الحالات المثيرة للقلق، اختطاف الطفل عمرو خالد (12 عاماً)، الذي خرج من منزله مساء الأربعاء 12 فبراير الماضي في حي "حارة الثلاثين" بالقرب من جامع الكميم، ولم يُعثر عليه حتى الآن، مؤكدة عائلته أنه لم يكن يعاني من أي مشكلات صحية أو عقلية.
كما فُقد الطفل شداد علي علي شداد (10 أعوام) في سوق بني منصور بمنطقة "الحيمة الخارجية" بتاريخ 11 فبراير 2025، حيث زودت عائلته الجهات المختصة بتفاصيل دقيقة عن مظهره وملابسه، لكن دون أي استجابة أو تقدم في البحث عنه.
وفي حادثة أخرى، اختفى الطفل عبد الجبار محمد هادي (14 عاماً) يوم الخميس 2 فبراير الجاري بعد خروجه من منزله، لينضم إلى قائمة متزايدة من الأطفال المفقودين في حي نقم، حيث سُجلت خمس حالات اختطاف مشابهة خلال الفترة الأخيرة لأطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عاماً.
ومن بين أكثر الحالات انتشاراً، اختفاء الطفل مؤيد عاطف علي الأحلسي، الذي فُقد في حي نقم منذ الجمعة 24 يناير الماضي. وقد ناشدت عائلته الأهالي لمساعدتهم في العثور عليه، وسط مخاوف متزايدة من مصير مجهول يلاحقه.
اتهامات للحوثيين
يتهم ناشطون حقوقيون مليشيا الحوثي بالتقاعس المتعمد عن التحقيق في هذه الحوادث، مما يفاقم معاناة الأسر ويزيد من حالة الرعب التي تعيشها صنعاء.
ويشير مراقبون إلى احتمال ارتباط هذه الاختطافات بأهداف مزدوجة؛ فإما أن تكون جزءاً من عمليات تجنيد الأطفال القسري للزج بهم في جبهات القتال، أو لاستغلالهم في تجارة الأعضاء البشرية، أو حتى توظيفهم ضمن شبكات التسول التي تمتد إلى المملكة العربية السعودية.
وحذر أحد المراقبين من خطورة الوضع قائلاً: "تصاعد هذه الظاهرة يعكس انهياراً أمنياً كارثياً في صنعاء، حيث يُترك الأطفال فريسة سهلة لشبكات الجريمة والاستغلال دون أي تحرك جاد من الجهات الأمنية التابعة للحوثيين."
ومع استمرار هذه الحالات دون مساءلة، تزداد المخاوف من أن تتحول صنعاء إلى بؤرة لاختطاف الأطفال واستغلالهم في ظل غياب تام لآليات الحماية والمحاسبة.