جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-04@20:57:16 GMT

علم التنبؤ بالمستقبل

تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT

علم التنبؤ بالمستقبل

 

أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي **

 

 

منذ زمن الإغريق كانت الأحداث التي تقع في المستقبل تصنف الى ثلاث أصناف، صنف لابد وأن يقع مثل تتابع الليل والنهار، وصنف احتمال وقوعه مرتفع للغاية كشروق الشمس في أيام الصيف، أما الصنف الثالث فهو الصنف الذي لا يمكننا معرفته، وأغلب الأحداث هي من الصنف الثالث فلا إمكانية لمعرفة المستقبل لهذا الصنف من الأحداث.

لكن الفكرة التي غيرت مسار البشرية برمتها وأوجدت حلا للتنبؤ عن مستقبل الصنف الثالث من الأحداث، طرحت في القرن الخامس عشر، والتي يمكن أن نطرحها على شكل سؤال لتوضيحها، إذا كانت معرفة المستقبل بالنسبة للصنف الثالث من الأحداث متعذرة ولا يمكننا الكشف عنه، فهل من سبيل ووسيلة لقياس احتمالية حدوثه؟!

وقد يتساءل البعض عن سبب تأخرنا في طرح هذا السؤال كل هذه المدة، فالبشر يتخذون قراراتهم بناء على الاحتمالات، فلماذا لم نحاول أن نقيس هذه الاحتمالات بطريقة رياضية؟

قد تكون الإجابة على هذا السؤال غير جازمة، فهناك عدة احتمالات، فقد يكون السبب في تأخرنا، هو الاعتقاد  باستحالة التنبؤ بالمستقبل بصورة علمية اعتمادا على القدرات البشرية، فمثل هذه الاعتقادات تؤثر في سلوك الانسان و تعطل من تفكيره، ولهذا ظلت محاولات التنبؤ عن مستقبل الصنف الثالث من الأحداث بطرق علمية بعيدة عن التفكير البشري لفترة طويلة من الزمن، وقد يرجع السبب الى أن مسألة القياس وإدخال الحساب الكمي في مختلف مناحي الحياة كان محصورا بأمور معينة، فحتى علوم الطبيعة لم يتم ادخال القوانين الرياضية فيها الا في تلك الفترة، أو ربما يرجع السبب في ذلك، أن عددا من الفلاسفة والعلماء كان يرى أن العلم مساوق لليقين، فالعلم يكشف عن الواقع بصورة يقينية لا بصورة محتملة، ومن هنا فقد سعت البشرية الى المعرفة اليقينية، ولم تعر اهتماما كبيرا بالمعرفة المحتملة فهي لا تولد علما بل هي ظنون لا تسمن ولا تغني من جوع كما قد يراها البعض، بينما نجد أن علم الاحتمالات قائم على فكرة مفادها أن العلم القطعي أمر لا يمكن الوصول اليه في التنبؤ عن المستقبل، ولكن ذلك لا يعني أننا نجهل المستقبل تماما، فهناك منطقة وسطى بينهما، وهي المنطقة التي يغطيها علم الاحتمالات.

ربما يكون ما يدعم السبب الأخير المذكور، هو أن علم الاحتمالات لم ينشأ في أحضان الفلاسفة كما هو الحال مع أغلب العلوم، بل نشأ وتولّد عند العوام من الناس والمقامرين بصورة خاصة، فهم كانوا السبب وراء ظهوره، فلقد كان اللعب بحجر النرد ما بين القرن الخامس عشر والسابع عشر هو السبب وراء ظهور هذا العلم، إذ وجه أحد المقامرين سؤالا لجاليليو مفاده لماذا نلاحظ نحن المقامرين بأننا عندما نرمي ثلاثة أحجار نرد معًا، فإن مجموع الأرقام الناتجة مساوياً 10 يظهر أكثر من المجموع 9؟

وكان جواب جاليليو بأن المجموع 10 يمكن أن يكون نتاجا لثلاثة أحجار نرد ترمى معاً أكثر من 9، فعشرة يمكن أن تكون نتيجة (٣،٣،٤)، (٣،٤،٣) و (٤،٣،٣)، بينما 9 لا يمكن أن تكون إلا في حالة واحدة وهي (٣،٣،٣)، ولذا فإن مجموع 10 لثلاث رميات نرد تظهر أكثر من 9.

وبذل الرياضي المشهور باسكال بعد ذلك جهدا كبيرا في هذا العلم الوليد، والسؤال الذي حاول الإجابة عليه يعرف باللعبة غير المنتهية، ولتبسيط المسألة لنفرض أن زيدا وعمرو راهنا بمبلغ 100 ريال عماني لمن يفوز في تنبؤه بخمس رميات لعملة نقدية، فاختار زيد الرسم بينما اختار عمرو الكتابة، وبعد ثلاث رميات، كانت النتيجة فوز زيد برميتين مقابل رمية واحدة لعمرو، ولنفترض أن حدثا معينا حدث أدى إلى توقف اللعبة، فمن يعد الفائز، واللعبة لم تكتمل بعد؟

وسأترك للقارئ العزيز التفكير في كيفية الوصول إلى الحل باستخدام قوانين الاحتمالات.

واستمر هذا العلم الناشئ يشغل ذهن علماء الرياضيات حتى نما ونضج بشكل واسع بما يعرف اليوم بعلم الاحتمالات، الذي غير مجرى حياتنا بحق، فشركات التأمين قائمة على هذا العلم، وأسواق الأسهم والسندات تقوم عليه أيضًا، ومفهوم إدارة المخاطر في مختلف الشركات والمؤسسات قائم على هذا العلم، بل كل محاولة للتنبؤ عن المستقبل قائمة على هذا العلم.

لكن من المهم أن نلاحظ أن هذا العلم يتميز بأن قدرته على التنبؤ لا تتم لكل حدث بشكل منفرد، فهو لا يستطيع أن يتنبأ بمستقبل الحدث المفرد ولكنه يستطيع أن يتنبأ بالحدث إذا تم تكراره بشكل كبير، ويعطيك احتمالات دقيقة للنتائج المتوقعة، ولذا فلا يصح تطبيقه على الحالات المفردة.

كما إن هذا العلم كغيره من العلوم يمكن لكل انسان أن يتعلمه ويبرع فيه، فأنت لا تحتاج الى مهارات خاصة لتتعلمه، فلا حاجة للتواصل مع الجن أو العفاريت أو تعرف كيف تقرأ الفنجان أو النجوم لتتنبأ بما هو قادم.

لقد أوضح لنا علم الاحتمالات أنه لا يمكن لنا نحن البشر أن نتنبأ بالمستقبل بصورة قاطعة ويقينية، ولكن ذلك لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي، فقوانين الاحتمالات تكشف لنا عن احتمالية نتائج الحدث بصورة دقيقة بحيث تولد لنا نوعا من الاطمئنان، وهو السبيل الوحيد الذي يملكه عامة البشر للتنبؤ بالمستقبل.

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بالفيديو .. إنزال وإحراق العلم الإسرائيلي بعد رفعه في السويداء بسوريا

سرايا - تداول ناشطو التواصل الاجتماعي فيديو لإحراق أهالي السويداء جنوبي سوريا، علم إسرائيل بعد رفع مجهولين له الليلة الماضية على سارية عند مدخل المدينة على طريق دمشق.

وظهر في مقاطع فيديو قيام أحد الشبان، لم تظهر ملامحه برفع العلم الإسرائيلي فوق للنصب التذكاري وسط "دوار العنقود" في مدينة السويداء في الليل مترافقا مع الأهازيج الحماسية.

وهو ما يدل على نية القيام بهذا الأمر تحت جنح الظلام وبعيدا عن أعين السكان والمارة في المكان.

العلم الإسرائيلي بعد رفعه عند مدخل مدينة السويداء">

وفي مقطع فيديو آخر ظهرت مجموعة من الشبان أيضا وهم يقومون بحرق العلم الإسرائيلي ذاته الذي تم رفعه على السارية تزامنا مع إطلاق الرصاص.

وسمع في الفيديو شتائم على من قام برفع العلم وقال بعضهم إنهم انطلقوا إلى المكان من مدينة شبهاء التابعة لمحافظة السويداء بعد أن شاهدوا فيديو يوثق رفع العلم على صفحات إحدى مجموعات التواصل الاجتماعي.

العلم الإسرائيلي بعد رفعه عند مدخل مدينة السويداء">

وشهدت صفحات التواصل الاجتماعي ردود أفعال ساخطة بغالبيتها العظمى على هذا التصرف الذي يعتبر مسيئا لوطنية السويداء وتاريخها النضالي المجيد.





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 511  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 04-03-2025 03:22 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
ظل ببطنه 6 سنوات .. استخراج هاتف نقال من معدة مريض في مصر خفض أسعار الدواجن فأرداه قتيلاً .. مصر تبكي "شهيد الغلابة" بالتوقيت .. أطول وأقصر ساعات الصيام في رمضان "أوبر المسلح" .. تطبيق جديد يوفر حراسًا شخصيين عند الطلب في أميركا الأمن العام يوضح حول تعرض حدث لحروق وظهر في فيديو... تفاصيل صادمة ومروعة .. طفل 11 عامًا يُحرق على يد... بالتوقيت .. أطول وأقصر ساعات الصيام في رمضان "كان يشعر بالاكتئاب والحزن" .. نجل حسن... الأردن يبدأ بإخلاء الدفعة الأولى من ألفي طفل مريض... الاحتلال لا يستبعد قطع المياه والكهرباء عن قطاع غزة...خطة إعادة إعمار غزة ستنفذ على مرحلتين بتكلفة 53...إغلاق نظام الذكاء الاصطناعيّ التابع لوزارة...لازاريني: "من غير الممكن استخدام المساعدات..."خزائن حوَت 80 مليون دولار نقدًا" .....نائب ترامب: بابنا مفتوح لزيلينسكي إذا أراد السلامالصين تفرض رسوما جمركية إضافية على المنتجات الأميركيةإعمار بلا تهجير .. خطة غزة على طاولة القمة..."اليونيسف" تحذر من عواقب منع دخول... ما قصة "القفاز الأسود" في يد مورغان... إلهام شاهين تثير الجدل مجدداً .. "الصلاة ممكن... تعدى على زميلته فصفعته .. إيقاف فنان مصري شهير 4 أشهر جراحة بسيطة .. المطرب محمد حماقي يطمئن جمهوره على... شيرين عبد الوهاب تستعيد رشاقتها: “الدنيا فيها أكتر” اتحاد عمّان لكرة السلة يلتقي الرياضي اللبناني الأربعاء ميسي يقود الأرجنتين أمام أوروغواي والبرازيل برشلونة لنيمار: اجلب السياح و"سوّق" الكراسي حتى تعود أنشيلوتي يعيد فالفيردي للتدريبات قبل مواجهة أتليتيكو مدريد شباب الأردن يلتقي الأهلي في افتتاح الجولة 16 بدوري المحترفين الثلاثاء "وزارة التعليم" الأمريكية تقدم لموظفيها حافزًا بقيمة 25 ألف دولار للاستقالة مصرع 31 شخصًا في "حادث سير" في بوليفيا وجبة كشري تنهي حياة شقيقتين ما حقيقة صورة رونالدو وجورجينا على مائدة الإفطار الرمضاني؟ بعد يوم من اختطافها .. العثور على طفلة مقتولة ذبحاً مراهق ينهي حياته بسبب تحطيم والده هاتفه المحمول مصرف يودع 81 تريليون دولار في حساب عميل .. عن طريق الخطأ! برجك اليوم زلزال بقوة 5.57 يضرب منطقة في إندونيسيا مراسل تعرّض للسرقة

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • خلى بالك.. هل الكتب الخارجية جزء من المصروفات التعليمية الملزم بسداها الأب؟
  • الخليل بن أحمد الفراهيدي
  • «أقل بصة رومانسية».. هاجر أحمد تمازح زوجها دياب بصورة غاضبة في «قلبي ومفتاحه»
  • بالفيديو .. إنزال وإحراق العلم الإسرائيلي بعد رفعه في السويداء بسوريا
  • محمد الحسيني يوضح: لست رجل استخبارات ولا أتنبأ بالمستقبل..فيديو
  • سفير مصر السابق بإسرائيل: تل أبيب تسعى لإفشال المفاوضات
  • اعتقال شخص رفع العلم الصدّامي فوق منزله وسط بغداد
  • محمد بن يزيد المبرّد
  • وزير الدفاع الأمريكي يرد على هيلاري كلينتون بصورة لها مع لافروف
  • الوادي: توقيف 5 أشخاص وحجز 3450 كبسولة من المؤثرات العقلية