جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-31@09:09:49 GMT

علم التنبؤ بالمستقبل

تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT

علم التنبؤ بالمستقبل

 

أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي **

 

 

منذ زمن الإغريق كانت الأحداث التي تقع في المستقبل تصنف الى ثلاث أصناف، صنف لابد وأن يقع مثل تتابع الليل والنهار، وصنف احتمال وقوعه مرتفع للغاية كشروق الشمس في أيام الصيف، أما الصنف الثالث فهو الصنف الذي لا يمكننا معرفته، وأغلب الأحداث هي من الصنف الثالث فلا إمكانية لمعرفة المستقبل لهذا الصنف من الأحداث.

لكن الفكرة التي غيرت مسار البشرية برمتها وأوجدت حلا للتنبؤ عن مستقبل الصنف الثالث من الأحداث، طرحت في القرن الخامس عشر، والتي يمكن أن نطرحها على شكل سؤال لتوضيحها، إذا كانت معرفة المستقبل بالنسبة للصنف الثالث من الأحداث متعذرة ولا يمكننا الكشف عنه، فهل من سبيل ووسيلة لقياس احتمالية حدوثه؟!

وقد يتساءل البعض عن سبب تأخرنا في طرح هذا السؤال كل هذه المدة، فالبشر يتخذون قراراتهم بناء على الاحتمالات، فلماذا لم نحاول أن نقيس هذه الاحتمالات بطريقة رياضية؟

قد تكون الإجابة على هذا السؤال غير جازمة، فهناك عدة احتمالات، فقد يكون السبب في تأخرنا، هو الاعتقاد  باستحالة التنبؤ بالمستقبل بصورة علمية اعتمادا على القدرات البشرية، فمثل هذه الاعتقادات تؤثر في سلوك الانسان و تعطل من تفكيره، ولهذا ظلت محاولات التنبؤ عن مستقبل الصنف الثالث من الأحداث بطرق علمية بعيدة عن التفكير البشري لفترة طويلة من الزمن، وقد يرجع السبب الى أن مسألة القياس وإدخال الحساب الكمي في مختلف مناحي الحياة كان محصورا بأمور معينة، فحتى علوم الطبيعة لم يتم ادخال القوانين الرياضية فيها الا في تلك الفترة، أو ربما يرجع السبب في ذلك، أن عددا من الفلاسفة والعلماء كان يرى أن العلم مساوق لليقين، فالعلم يكشف عن الواقع بصورة يقينية لا بصورة محتملة، ومن هنا فقد سعت البشرية الى المعرفة اليقينية، ولم تعر اهتماما كبيرا بالمعرفة المحتملة فهي لا تولد علما بل هي ظنون لا تسمن ولا تغني من جوع كما قد يراها البعض، بينما نجد أن علم الاحتمالات قائم على فكرة مفادها أن العلم القطعي أمر لا يمكن الوصول اليه في التنبؤ عن المستقبل، ولكن ذلك لا يعني أننا نجهل المستقبل تماما، فهناك منطقة وسطى بينهما، وهي المنطقة التي يغطيها علم الاحتمالات.

ربما يكون ما يدعم السبب الأخير المذكور، هو أن علم الاحتمالات لم ينشأ في أحضان الفلاسفة كما هو الحال مع أغلب العلوم، بل نشأ وتولّد عند العوام من الناس والمقامرين بصورة خاصة، فهم كانوا السبب وراء ظهوره، فلقد كان اللعب بحجر النرد ما بين القرن الخامس عشر والسابع عشر هو السبب وراء ظهور هذا العلم، إذ وجه أحد المقامرين سؤالا لجاليليو مفاده لماذا نلاحظ نحن المقامرين بأننا عندما نرمي ثلاثة أحجار نرد معًا، فإن مجموع الأرقام الناتجة مساوياً 10 يظهر أكثر من المجموع 9؟

وكان جواب جاليليو بأن المجموع 10 يمكن أن يكون نتاجا لثلاثة أحجار نرد ترمى معاً أكثر من 9، فعشرة يمكن أن تكون نتيجة (٣،٣،٤)، (٣،٤،٣) و (٤،٣،٣)، بينما 9 لا يمكن أن تكون إلا في حالة واحدة وهي (٣،٣،٣)، ولذا فإن مجموع 10 لثلاث رميات نرد تظهر أكثر من 9.

وبذل الرياضي المشهور باسكال بعد ذلك جهدا كبيرا في هذا العلم الوليد، والسؤال الذي حاول الإجابة عليه يعرف باللعبة غير المنتهية، ولتبسيط المسألة لنفرض أن زيدا وعمرو راهنا بمبلغ 100 ريال عماني لمن يفوز في تنبؤه بخمس رميات لعملة نقدية، فاختار زيد الرسم بينما اختار عمرو الكتابة، وبعد ثلاث رميات، كانت النتيجة فوز زيد برميتين مقابل رمية واحدة لعمرو، ولنفترض أن حدثا معينا حدث أدى إلى توقف اللعبة، فمن يعد الفائز، واللعبة لم تكتمل بعد؟

وسأترك للقارئ العزيز التفكير في كيفية الوصول إلى الحل باستخدام قوانين الاحتمالات.

واستمر هذا العلم الناشئ يشغل ذهن علماء الرياضيات حتى نما ونضج بشكل واسع بما يعرف اليوم بعلم الاحتمالات، الذي غير مجرى حياتنا بحق، فشركات التأمين قائمة على هذا العلم، وأسواق الأسهم والسندات تقوم عليه أيضًا، ومفهوم إدارة المخاطر في مختلف الشركات والمؤسسات قائم على هذا العلم، بل كل محاولة للتنبؤ عن المستقبل قائمة على هذا العلم.

لكن من المهم أن نلاحظ أن هذا العلم يتميز بأن قدرته على التنبؤ لا تتم لكل حدث بشكل منفرد، فهو لا يستطيع أن يتنبأ بمستقبل الحدث المفرد ولكنه يستطيع أن يتنبأ بالحدث إذا تم تكراره بشكل كبير، ويعطيك احتمالات دقيقة للنتائج المتوقعة، ولذا فلا يصح تطبيقه على الحالات المفردة.

كما إن هذا العلم كغيره من العلوم يمكن لكل انسان أن يتعلمه ويبرع فيه، فأنت لا تحتاج الى مهارات خاصة لتتعلمه، فلا حاجة للتواصل مع الجن أو العفاريت أو تعرف كيف تقرأ الفنجان أو النجوم لتتنبأ بما هو قادم.

لقد أوضح لنا علم الاحتمالات أنه لا يمكن لنا نحن البشر أن نتنبأ بالمستقبل بصورة قاطعة ويقينية، ولكن ذلك لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي، فقوانين الاحتمالات تكشف لنا عن احتمالية نتائج الحدث بصورة دقيقة بحيث تولد لنا نوعا من الاطمئنان، وهو السبيل الوحيد الذي يملكه عامة البشر للتنبؤ بالمستقبل.

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مستجير العلم والأدب

أدرك أن للكلمة معانى كثيرة وهى عنوان وتعبير عن أحاسيس ومشاعر عميقة تختلج النفس البشرية وأن لهذه الكلمات هندسة وبنيان فأحس بجمال الكلمة الأنيقة وأثر ها البديع فى نفس المتلقى فكان الجمال والإبداع هدفه السامى عبر مسيرة طويلة فولد فى عام ١٩٣٤ فى عصر المنفلوطى والعقاد واحمد شوقى ومصطفى مشرفه فى عصر النهضة الأدبية والعلمية فى مصر وكان يلقب الدكتور احمد مستجير الذى اختيار شخصية الدورة ٥٦ لمعرض القاهرة للكتاب بالاديب المتنكر فى صورة عالم وذلك لاسهاماته فى كثير من المجالات العلمية والادبية والانسانية وهو خريج كلية الزراعة جامعة القاهرة فى عام ١٩٥٤ وعمل بالحكومة لمدة ٥٥ يومًا وترك عمله لتأنيب المفتش الزراعى له لإعطائه قرشين لاحد الاطفال المجتهدين فى جمع محصول القطن، وقال له انك ستفسد العمل فكتب فى مفكرته هل تستلزم الوظيفة قتل الإنسان داخلى هل يستكثرون ان يحظى الفلاح منى بابتسامة أيكرهون ان يربت انسان على كتف انسان آمن اجل ١٥ جنيها يقتلون فى الانسان من هنا ظهر مولد شخص يحمل مشاعر انسانية وقيم نبيله بدات مسيرة طويلة وعريضة للعطاء تشكل منها العالم الموسوعى الاديب الشاعر ذي الحس المرهف والقلم الانيق والاسلوب المتميز واصبح الدكتور أحمد مستجير ليس مجرد اسم يذكر فى سجل العلماء المصريين بل علامة بارزة لشخصية تركت بصمة واضحة فى عدة مجالات واثرت بشكل كبير فى فهمنا للعالم من حولنا ومن هنا آمن بدور العلم فى اسعاد الفقراء وحل مشكلاتهم فكتب صراع العلم والمجتمع وصناعة الحياة وطبيعة الحياة وهندسة الحياة ولغة الجينات والشفرة الوراثية للإنسان والجينات والشعوب واللغة والتطور الحضارى الانسانى واستخدم البيوتكنولوجيا فى اسعاد الفقراء فمن خلالها يمكن للعالم من زراعة الأنسجة ودمج الخلايا بالهندسة الوراثية وانتاج نبات مقاوم للأمراض أو مقاوم للملوحة ولما كان القمح والارز الغذاء الرئيس للفقراء فتم استنباط سلالات منها تتحمل الملوحة والجفاف وقدم إسهامات قيمة فى مجال تحسين الإنتاج الحيوانى والنباتى مماكان له أثر إيجابى على الأمن الغذائى، وكان رائدا فى مجال الهندسة الوراثية فى مصر وساهم فى تطوير العديد من التقنيات الحديثة، وكان يرى أن العلم والأدب وجهان لعملة واحدة ولهذا اكتسب قدرة فريدة فى تبسيط المفاهيم العلمية وجعلها متاحة للجميع مماساهم فى نشر المعرفة وجعل العلوم أكثر وصولا للجميع من خلال كتاباته: كاللولب المزدوج وفى بحور العلم او٢ والشفرة الوراثية للإنسان والعديد من الكتب العلمية التى حصلت على جوائز الدولة التقديرية كأحسن كتب علمية، ولقد استفادت دولة الهند من ابحاث مستجير وتم زراعة القمح من المياه المالحة وحققت الاكتفاء الذاتى بدل الاستيراد الذى كان يكلفها عملة صعبة وعدد سكانها مليار و٣٠٠ مليون نسمة وذلك بفضل استنباط سلالات من القمح تتحمل الماء المالح، وهذا من عظيم العلم النافع فمستجير يمتلك رؤية ثاقبة للمستقبل تتبنى ضرورة اللحوق بالسباق العلمى والتطور التكنولوجى لخدمة البشرية وخير دليل على ذلك خروج التطبيق الصينى للذكاء الاصطناعى منذ يومين وتسبب فى خسائر لشركات التكنولوجيا الامريكية ما يقارب ٢ تريليون دولار انخفاض فى أسهم تلك الشركات فى البورصات العالمية ومثل هذا التطبيق قد يغير مسار دول إذن لا مناص من ركوب قطار العلم والتطور التكنولوجى.. وتبقى كلمة مهمة الشكر موصول للسيد وزير الثقافة على اختيار الدكتور مستجير شخصية هذا العام فى معرض القاهرة الدولى للكتاب وإلقاء الضوء على نموذج قدوة وعالم جليل صاحب مدرسية علمية وادبية فريدة مؤثرة ترسخ لمفاهيم بناء الإنسان وفق أسس علمية واخلاقية تتبنى البعد الإنسانى.

 

 

مقالات مشابهة

  • مستجير العلم والأدب
  • استشاري تغذية يُحذر من استخدام «المايكرويف والإير فراير».. اعرف السبب
  • استشاري تغذية يكشف سبب الشعور بالجوع في الشتاء
  • أهم الأحداث منذ وقف إطلاق النار في غزة
  • أشرف بن شرقي يغادر القاهرة بصورة مفاجئة
  • الأردن الجديد … ضرورة أم خيار
  • دراسة: تفاوت تأثير المواد الغذائية المعالَجة على بكتيريا الأمعاء
  • لاعبو الهلال يودعون نيمار بصورة ..صور
  • جلالة السلطان والشيخ تميم يعقدان جلسة مباحثات رسيمة بقصر العلم
  • عوامل قادرة على التنبؤ بإصابتك بمرض السكري