د. قاسم بن محمد الصالحي

عالم رأسمالي ليبرالي صهيوني متوحش، يضع ساسته رجلا على أخرى، يحملقون بأعينهم في عتمة الإبادة الإنسانية، ناقضين لكل العهود والمواثيق التي كتبوها بأيديهم عندما أذعنت لها الشعوب المستضعفة، الدماء تسيل على الأرض تخط خطوطاً للطول وأخرى للعرض لرسم المآسي.

في الجانب الآخر من هذا العالم شعوب أذعنت لقانون المستعمر الذي سرق ثرواتها، أذعنت لقانونه الذي ننعته بالدولي، في زاوية أخرى، كانت هناك مساحة مقدسة من الأرض مبارك ما حولها، دنسها هذا المستعمر  بغدة نجسة صهيونية، ونثر أس نتانتها عليها، تقيحت هذه الغدة في بيئتها وحولها، وظلت تبحث عن بقرة حمراء لتتطهر وتبرئ قيحها، متناسية أنها نجسة منذ الأزل،  تفتت نتانتها ودحرجت فظاعتها قرفا على الأرض منذ خطيئتها الأولى عندما تنكرت لجريمتها، ففضحها الله سبحانه وتعالى بأن يذبحوا بقرة،  بقيت نتانتها على حالها في الأرض المقدسة منذ قرن ونيف في المكان الذي وضعها فيه المستعمر، وانتظر شعب فلسطين طويلاً لتطهيرها ونيل حريته المسلوبة، في هذه الأجواء الراعبة يعلو صوت هذا الكيان الخبيث الناقض للعهود والمواثيق ينادي بأعلى صوته: يا عرب، خذوا هذا الشعب وامنحوه مكاناً بينكم لينال ما كنت قد وعدتكم به، لكي أذبح بقرة حمراء أتطهر بها من فظائع ما اقترفته عليها شرط خلو أهلها منها.

بدأ ناقض العهود والمواثيق يلبس جلبابه الأسود، معلناً سيرة آبائه الأولين، لأن الميثاق الذي أخذ على أسلافهم هو ميثاق عليهم، فقد أخذ الله سبحانه وتعالى الميثاق من آبائهم، ورفع فوقهم الجبل تخويفاً لهم؛ ليؤمنوا بالتوراة عندما انكروه، ثم تفضل عليهم برحمته بأن تاب عليهم بعد أن آمنوا.

على الرغم من ذكر القرآن الكريم للأمم والشعوب البائدة، وحديثه عن الشرائع والرسالات السابقة، إلا أنه كان له تركيز أكبر، واهتمام أكبر، بأمة واحدة من الأمم، تناول تفصيل نشأتها، وتاريخ تكوينها، وبيان احوالها، وخصائص شخصيتها، ودقائق مواقفها، ودخائل نفوس أفرادها أمة اليهود، وهذا يدل فيما يدل عليه أن الصراع مع هؤلاء أزلي، كلما خمدت جذوته معهم في منطقة أو عصر من العصور، ستتجدد في مكان آخر، وفي أزمنة متلاحقة، وفي صور شتى، فلا غرابة إذًا اليوم أن ينقضوا ما كتبوه من عهود، ليحمل من عاهدهم - طبع - قراطيسه ليذيبها في كأس الحسرة، ويشرب حبر نصوصها، لأن خطأهم قادهم إلى مسار بائس مع عصبة ناقضة للعهود والمواثيق، حسبوا وعوده وعهوده سلاماً وهو سراب، منهم من تحجرت  أفئدتهم، ولم يستطع أن يجد توبة تزيل الدرن الذي أصابه منهم، لهول ما نزل به من علٍ، وهو يعيش الخوف والهلع.

هناك اليوم من يكسر حاجز صوت ناقض العهد، وهو يقول: أنا موفٍ للعهود، استمد أثره من عمقي الاجتماعي، على الأرض التي نشأت فيها، الصدق قيمة عُليا من قيمي، لا يمكن للتحول الزمني أن يجرفها، أو تتغير علي وفق المتغيرات، الصدق عندي دالا على وفائي، كم مرة عضضت أيها المحتل يدًا امتدت إليك بالسلام، وكم مرة نقضت عهودا أبرمتها، ومواثيق عقدتها، أي سلام تدعو إليه أيها العالم الرأسمالي الليبرالي الصهيوني؟!، أهو السلام الذي يهدم البيوت، ويشرد من الديار، ويحاصر الشعوب، ويعتقل الألوف، ويجعل رد الظلم من طرف إرهابا، ومن طرف آخر حقاً مشروعاً وصواباً؟!، إنكم تزنون بموازين التقلب، وبمصطلحات التلاعب، ولن يرتدع كيانكم الذي صنعتموه وتدافعون عنه إلا بالقوة.

يا أمة المليار ... ما لنا لا نتعظ بأحداث التاريخ وتقلبات الأيام؟! إني أسأل كل من مد يده للسلام مع كيان سرطاني، ويدعو له، أي سلام؟! سلام تفوق الكيان العسكري، أم سلام لا يلتزم فيه عالم قائم على رعاية السلام؟! أم سلام بمواصفات المستعمر وشروطه الخاصة؟! أو سلام الغلبة والتسلط والحصار والتهديد والإبادة الجماعية؟! إذا كان السلام الذي ينشده هذا العالم الذي يدعي التحضر، فكيف يمكن الاقتناع بجدوى مشروعاته التي كتبت على قراطيسهم، قد حصحص الحق، لا سلم ولا كلم مع اليهود الصهاينة وقد بدت عواديها، قد حصحص الحق لا قول ولا عمل ولا مواثيق صدق عند داعيها، لقد قال الله تعالى  مُجليًا حقيقة عهودهم ومواثيقهم: "الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون" (الأنفال 56)، هم قوم بُهتان وخونة، وما نبه إليه القرآن، وبتنا نراه في واقعنا اليوم، حين ينقض الكيان الصهيوني العهود والمواثيق، فريق منهم يدعو للسلام وهم كاذبون، وآخرون يجاهرون بالعداوة، والآخر يعمل سلاحه، إذا ما آمنوا تهالكوا جميعًا في الحقد والبطش والمكر، هكذا هم لن يتطهروا من خصلتهم مهما ذبحوا من بقر، وهذا ما نبه عليه القرآن الكريم، وبتنا نراه في واقعنا اليوم، فهم حين ينقضون العهود لا ينقضها جميعهم في وقت واحد، وإنما ينقضها فريق دون آخر، فإن أصابه سوء تظاهر الفريق الآخر بالمحافظة على العهد، وإن استقام لهم الأمر، تتابعوا في النقض، ومشى بعضهم وراء بعض، فها هم اليوم منهم من يدعو للسلام، وحزب آخر يجاهر بالعداوة، هذا يجلس على مائدة المفاوضات، والآخر يُعمل سلاحه، فإذا أمنوا تهالكوا جميعا في الحقد والبطش والمكر.

لن يأتِ الآمر في المعاهدات التي ينقضونها كل مرة، لأنها ليست سوى حبر على ورق، لا أثر لها في الواقع إن لم تكن مدمغة بالقوة التي ترتعد لها فرائصهم كلما فكروا في نقضها أو إبطال مفعولها، لأن السلم إن لم يكن في موطن القوة والعزة فهو تنازل لهم، وخضوع لشروطهم، فيكون استسلامًا لا سلامًا.

ومتى ما حققت الأمة شروط القوة، التي هي أساس لنيل النصر عليهم، فتح الله مغاليق الأبواب، وهيأ لها أفضل الوسائل وأكرم الأسباب، وحقق لها الوعد.. فطوبى لمن كان رائد هذه الفئة، وطوبى لمن كان قائدا فيها، وطوبى ثم طوبى لمن كان جنديا من جنودها.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الغارات الأمريكية على صنعاء: رسائل القوة والعجز في عهد ترامب

الهجوم الأمريكي يأتي في سياق التوترات السياسية والعسكرية المتزايدة في المنطقة، حيث تُتهم صنعاء بدعم القضية الفلسطينية بشكل علني وقوي، خاصة في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها قطاع غزة في ظل الحصار الإسرائيلي. ـ

الغارات الأمريكية: أهداف مدنية تحت قصف الطيران:

كانت الغارات الأمريكية الأخيرة على صنعاء عنيفة، حيث استهدفت بعض المنشآت المدنية في مناطق متفرقة من العاصمة وبعض المحافظات اليمنية.

الهجوم الأمريكي لم يستثنِ حتى الأحياء السكنية، ما أسفر عن أضرار كبيرة في المباني السكنية ومرافق البنية التحتية، إضافة إلى سقوط عدد من الضحايا بين المدنيين.

هذه الغارات تؤكد مجدداً استهداف المدنيين من قبل الطيران الأمريكي في إطار ما يُسمى "حملات الضغط العسكري" التي تهدف إلى معاقبة صنعاء على مواقفها السياسية، خاصة الدعم المستمر للشعب الفلسطيني في غزة.

رغم الأضرار المادية التي خلفتها هذه الغارات، يرى العديد من المحللين السياسيين والعسكريين أن هذه الضربات لن تؤثر على موقف صنعاء السياسي ولن تحقق أي تغيير في المعادلة العسكرية في اليمن.

بل على العكس، قد تزيد من تمسك القوات اليمنية في صنعاء بمواقفها الثابتة، خصوصاً في ما يتعلق بمساندة غزة ضد العدوان الإسرائيلي.

ـ السياسة الأمريكية في عهد ترامب: رسائل القوة والعجز:

تُظهر الغارات الأمريكية الأخيرة محاولة واضحة من الإدارة الأمريكية لإثبات قوتها وحزمها تجاه قوات صنعاء، وهو ما يعكس سياسات الرئيس دونالد ترامب، الذي كان قد تبنى نهجاً أكثر تشدداً تجاه الجهات التي يعتبرها تهديداً للمصالح الأمريكية في المنطقة.

ومع تصعيد القصف الجوي، تسعى واشنطن إلى إرسال رسالة قوية مفادها أنها لن تسمح لقوات صنعاء بمواصلة دعم غزة وتحقيق مكاسب سياسية من خلال هذه المواقف.

ومع ذلك، وبغض النظر عن الأهداف التي تسعى الولايات المتحدة لتحقيقها من خلال هذه الضربات، من المرجح أن تظل المعادلة العسكرية في اليمن على حالها.

قوات صنعاء أثبتت قدرتها على الصمود أمام الهجمات الخارجية، ولم يكن التصعيد الأمريكي في الماضي كافياً لإحداث تغيير حاسم في مجريات الحرب. وعلى الرغم من القوة الجوية الأمريكية الهائلة، تظل الأرض هي ساحة الحسم الحقيقية في الصراع اليمني، مما يجعل الضربات الجوية وحدها غير كافية لتحقيق أهداف استراتيجية واسعة.

ـ موقف صنعاء الثابت: غزة أولاً ولن يثنيها التصعيد:

في إطار الرد على الهجوم الأمريكي، أكد مجلس صنعاء السياسي أن هذه الغارات لن تؤثر على موقف صنعاء الثابت تجاه القضية الفلسطينية.

جاء في البيان الصادر عن المجلس أن الشعب اليمني سيواصل دعمه لأهل غزة، مشدداً على أن التصعيد العسكري لن يثنيهم عن الوقوف مع المحاصرين في قطاع غزة الذين يعانون من الحصار والعدوان الإسرائيلي المتواصل.

وفي هذا السياق، أشار المجلس إلى أن مثل هذه الهجمات لن تؤدي إلا إلى تعزيز موقف اليمن ورفع معنويات شعبها في دعم فلسطين.

وأكد المجلس أن الولايات المتحدة ومن ورائها إسرائيل لن تنجح في تغيير مواقف اليمن السياسية، وأن الرد على المعتدين سيكون قاسيا وبالأسلوب الذي يتناسب مع حجم التصعيد.

وأضاف أن التحديات التي تواجهها صنعاء لن تجعلها تتراجع عن موقفها في دعم الشعب الفلسطيني، مشدداً على أن اليمن سيكون جزءاً من المعركة السياسية والعسكرية إلى جانب كل من يقف ضد الظلم والاحتلال.

ـ ختاماً: عدم جدوى التصعيد العسكري الأمريكي:

رغم أن الغارات الأمريكية الأخيرة جاءت في وقت حساس وأثارت الكثير من الجدل، إلا أن تأثيرها الفعلي على مجريات الاحداث يبقى محدوداً.

فالتصعيد العسكري الأمريكي ضد صنعاء لن يغير شيئاً من المعادلة العسكرية الراهنة، بل على العكس، قد يزيد الأمور تعقيداً ويعزز من موقف القوات اليمنية في مقاومتها للاعتداءات الخارجية.

ويبدو أن صنعاء مصممة على المضي قدماً في دعم القضية الفلسطينية، ولن يثنيها التصعيد الأمريكي عن الوقوف إلى جانب غزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي.

في النهاية، ستبقى الحرب في اليمن رهناً بقوة الصمود على الأرض، وليس فقط بالقصف الجوي.

مقالات مشابهة

  • القوة الخفية وراء محاولات فرض العلمانية
  • لصوص دقلو في كرب شديد، أياً كانت جحورهم
  • صراع القوة يهدد مستقبل دولة جنوب السودان
  • التواضع والتكبر: بين قوة الصدق ووهم العظمة
  • الغارات الأمريكية على صنعاء: رسائل القوة والعجز في عهد ترامب
  • طوني فرنجية في ذكرى كمال جنبلاط: ألف تحيّة لوليد جنبلاط الذي يلعب اليوم دور صمّام الأمان
  • ما الذي تفتقده صحافتنا اليوم؟
  • فيديو. مدرب نهضة بركان : هدفنا هذا الموسم كان بلوغ عصبة أبطال أفريقيا وقد تحقق
  • البعاتي كانت عيناه تتحركان بشكل آلي (ومخيف نوعا ما)
  • رسميا: صنعاء تكشف عن الخسائر التي خلفتها الغارات الأمريكية اليوم