العملية العسكرية الإسرائيلية لتحرير محتجزين حولت رفح جحيما
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
رفح "أ.ف.ب": بعد أربعين يوما على مولده استشهد الرضيع ماجد العفيفي في العملية العسكرية الإسرائيلية لاستعادة محتجزين في مدينة رفح في جنوب قطاع غزة على ما روى خاله لوكالة فرانس برس.
يقول سائد الهمص (26 عاما) من مخيم رفح للاجئين "سمعنا القصف دون سابق إنذار".
ويضيف:"الشهيد ماجد العفيفي ولد قبل 40 يوما بالضبط واستشهد، وهو توأم، وأمه أصيبت بالكتف".
والرضيع من بين نحو 100 فلسطيني قضوا خلال الليل في عملية عسكرية إسرائيلية على ما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية.
ونفذت إسرائيل الليلة الماضية عشرات الغارات على مدينة رفح التي لجأ إليها 1.4مليون نسمة منذ اندلاع الحرب بين الدولة العبرية وحركة حماس التي دخلت شهرها الخامس.
وفي حين عم الفرح في إسرائيل بتحرير محتجزين، تحدث أهالي رفح عن ليلة مرعبة.
يقول أبو صهيب الذي كان نائما في منزل يبعد عشرات الأمتار عن الموقع الذي طاله القصف الإسرائيلي "سمعنا أصوات انفجارات مثل جهنم".
ويضيف "سمعنا صوت طائرات حربية تطلق النار وشاهدنا مروحية تهبط في المكان".
يقع المنزل الذي كان يحتجز فيه المحتجزين، في مبنى مكون من أربعة طوابق.
وأفاد شهود بأن القصف حول خمسة أبنية، بجانب المنزل إلى كومة ركام.
ويشير الشهود إلى أن المنزل خال من السكان، قام سكانه بإخلائه قبل شهرين بعدما وصلهم تحذير من الجيش بقصفه.
وأفاد صحافي في وكالة فرانس برس بأن القصف الإسرائيلي خلف خمس حفر كبيرة بعرض أمتار على الأقل وعمق خمسة أمتار.
أما أبو عبد الله القاضي فيقول "لا مجال أن أقول كيف عشنا الليلة".
ويضيف "قتلوا ابن عمي، قتلوا بالقصف ناسا كثيرين ودمروا البيوت".
ووفقا للقاضي "اقتحموا (الجنود الإسرائيليون) هذه العمارة ويبدو أنهم حرروا أسرى ثم قصفوها وقصفوا كل البيوت بجانبها".
ويقع مخيم رفح للاجئين في قلب مدينة رفح.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو تعهد مواصلة القتال في رفح وهو ما أثار قلقا دوليا بشأن 1,4 مليون فلسطيني لجأوا إلى هذه المدينة الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة.
وقال اليوم الإثنين "وحده الضغط العسكري المتواصل حتى النصر الكامل سيؤدي إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين ".
احتُجز في هجوم غير مسبوق شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر نحو 250 محتجزا واقتيدوا إلى غزة. وتقول إسرائيل إن نحو 130 لا يزالون في غزة و29 منهم على الأقلّ يُعتقد أنّهم قُتلوا.
وخوفا من هجوم بري إسرائيلي على رفح، بدأت عشرات العائلات اليوم الإثنين النزوح مع أمتعتها القليلة.
ويقول علاء محمد (42 عاما) والذي يهم بحزم أمتعته تمهيدا للنزوح من رفح نحو دير البلح وسط القطاع "كانت ليلة مرعبة".
ويضيف "ما حدث الليلة ينذر بحدوث شيء كبير في رفح، يبدو أن الجيش الإسرائيلي سيدخل رفح كما أعلنوا".
وبحسب محمد فإنه "لم ننم منذ الليل، منذ الفجر بدأنا بتوضيب أغراضنا وجمعها" بينما ذهب شقيقه وعمه لجلب وسيلة نقل.
ويشير "كثير من العائلات فكت خيامها مثلنا، أتمنى أن نجد سيارة أو شاحنة، اتصلنا بأكثر من سائق نعرفهم لكن جميعهم مشغولون".
وتعود تفاصيل العملية بحسب قوات الاحتلال الاسرائيلي ان قوات الكوماندوس الإسرائيلية استخدمت المتفجرات لاقتحام مبنى في وسط رفح كان يحتجز فيه فرناندو مارمان ولويس هار اللذان اختطفهما عناصر المقاومة الفلسطنية حماس إبان هجوم السابع من أكتوبر، حيث كانا في الطابق الثاني من المبنى.
قال الجيش إن قواته خاضت "معركة جريئة وسط تبادل كثيف لإطلاق النار" مع رجال المقاومة.
أطلق على العملية اسم "اليد الذهبية" والتي أشرف عليها قادة من الجيش والشرطة وجهاز الأمن الداخلي "شين بيت" حيث كان رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت يتابعان مجريات العملية في مقره.
و استيقظ سكان رفح على القصف العنيف وسمع مراسلو وكالة فرانس برس أصوات "عشرات الغارات" والانفجارات في عدة مواقع في المدينة.
وقال الجيش إن هذه الضربات الإسرائيلية تسمح بـ"فض الاشتباك ".
قامت قوات الكوماندوس الإسرائيلية "بإخراج لويس وفرناندو من الشقة وإجلائهما وسط إطلاق للنار ووفرت لهم قوات الجيش الحماية في منطقة رفح إلى حين وصولهما إلى منطقة آمنة" وفقا للجيش.
وأضاف الجيش أن الأطباء أجروا لهما فحوصا طبية أولية قبل نقلهما بطائرة هليكوبتر إلى مركز شيبا الطبي في رمات غان قرب تل أبيب لإجراء مزيد من الفحوص.
من جهتها، أعلنت حركة حماس أن أكثر من 50 غارة جوية إسرائيلية أسفرت عن استشهاد 52 شخصا على الأقل وإصابة العشرات.
ووفقا لشهود عيان ومصادر أمنية فلسطينية، كان واضحا استهداف ستة منازل ومسجدين.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
هكذا سيواجه محور المقاومة الاستراتيجية الإسرائيلية
د. هيثم مزاحم **
تحدثنا في المقالة السابقة عن الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه محور المقاومة بقيادة إيران، واعتقاد المسؤولين الإسرائيليين بأنهم حققوا انتصارات مهمة على المحور في غزة ولبنان وسوريا، ما يُغريهم بتوسيع عدوانهم إلى اليمن، وربما لاحقًا إلى العراق وإيران، حتى إن المجرم الصهيوني الأكبر بنيامين نتنياهو أعلن أنهم أمام شرق أوسط جديد يتربع الكيان على عرشه!
لكن الوقائع تدحض هذه المزاعم، وتؤكد صمود محور المقاومة في مُعظم الجبهات وعمله على إعادة ترميم بعض حلقاته والإعداد لمواجهات مقبلة مع الكيان الغاصب. وعلى الرغم من التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعبان الفلسطيني واللبناني منذ "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023، وتركيز العدو الإسرائيلي اعتداءاته على المدنيين في إبادة جماعية وجرائم حرب موصوفة، وتدمير المباني والمنشآت الحيوية وهدم المنازل والبنى التحتية ونسف الأحياء والبلدات والقرى وجرف الطرق، إلّا أن المقاومة لا تزال صامدة في قطاع غزة وجنوب لبنان، فيما جبهة الإسناد اليمنية تواصل دكَّ المدن الإسرائيلية ببعض صواريخها ومسيراتها.
صحيحٌ أن حصيلة الشهداء والجرحى والمفقودين مرتفعة جدًا في غزة ولبنان نتيجة الغارات الوحشية البربرية لقوات الاحتلال على مبانٍ سكنية مأهولة ومستشفيات ومدارس ومراكز إيواء للنازحين، إضافة إلى استشهاد بعض كبار قادة المقاومة في فلسطين ولبنان، في طليعتهم الشهيدان إسماعيل هنية ويحيى السنوار، والشهيدان السيدان حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، فضلًا عن ارتقاء آلاف الشهداء من المجاهدين في غزة والضفة الغربية ولبنان.
لكنَّ ذلك لا يعني هزيمة المقاومة كفكرةٍ ومشروعٍ وحقٍ قانونيٍ ودينيٍ وقوميٍ وإنسانيٍ، ولا انكسار محور المقاومة بتعدد ساحاته. نعم، وقعت أخطاء استراتيجية وتكتيكية وتعرض المحور لإخفاقات وضغوطات دولية ومحلية، دفعته إلى التراجع والانكفاء في بعض الجبهات، وقبول وقف إطلاق النار في لبنان، والتفاوض على وقف لإطلاق النار في قطاع غزة. وهي تراجعات لاستعادة الأنفاس وإعادة ترميم البنى العسكرية والتنظيمية، وحقن دماء المدنيين من تغوّل الإبادة الصهيونية المجهزة بأحدث الأسلحة الأميركية والغربية.
المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تواصل مُقارعة قوات الاحتلال والتصدِّي لعدوانها المتواصل على الأحياء والمخيمات والمدن منذ نحو 15 شهرًا مُتواصلة، وذلك رغم الصعوبات الجسيمة التي واجهتها بفعل الإبادة الجماعية للمدنيين، وتفاقم العدوان الوحشي على كل مخيمات النازحين والمنشآت كالمستشفيات والمدارس، ورغم الحصار وانقطاع خطوط الإمداد الداخلية والخارجية للسلاح والمواد الأولية لتصنيعه، فضلًا عن النقص الفادح في الماء والغذاء والدواء والوقود والكهرباء.
المقاومة الفلسطينية تشن يوميًا عمليات ضد مواقع قوات الاحتلال، وخصوصًا في مناطق التوغل في شمال قطاع غزة وجنوبه، وتنصب الكمائن لجنوده وآلياته وتتصدى لتوغلاته واجتياحاته المستمرة، في صمود أسطوري منقطع النظير، قد لا يكون له مثيل له في التاريخين القديم والحديث.
ومع تعاظم مجازر الإبادة التي ترتكبها القوات الغازية في شمالي غزة، وخاصة في مخيم جباليا وجباليا البلد، شهدت الفترة الأخيرة عمليات نوعية عديدة اتخذت أساليب جديدة، من الاقتحام المباشر واستخدام السلاح الأبيض والأحزمة الناسفة إلى العمليات الاستشهادية في الإجهاز على ضباط وأفراد جنود العدو.
وبعد مرور نحو 15 شهرًا على عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، لم يستطع بعد من تحقيق أهدافه المعلنة وأبرزها القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى، وتحرير الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة.
وإن دلّ ذلك على شيء، فهو يدل على انتصار المقاومة في فلسطين ولبنان في حرب الإرادات، فإرادة القتال والصمود لدى المقاومة على أرضها، هو أهم عوامل استمرارها برغم الحصار والضغوط والتضحيات والمؤامرات.
والمعركة التي يخوضها محور المقاومة هي معركة فاصلة ومهمة؛ إذ يُراد لهم أن يستسلموا أمام المشروع الإسرائيلي- الأمريكي، ليبدأ عهد جديد في المنطقة بزعامة الكيان الغاصب، يتوّج باتفاقات أبراهام جديدة مع دول عربية وإسلامية وتطبيع شبه شامل مع العدو الإسرائيلي.
ففي لبنان، على الرغم من قبول حزب الله باتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل لمدة شهرين، وانتهاك العدو اليومي للاتفاق، تحت أعين قوات اليونيفيل اليومية واللجنة الخماسية لمراقبة تنفيذ الاتفاق، إلّا أن الحزب لا يزال يتمتع بجهوزية عالية، لجهة العديد والعتاد والصواريخ والمسيّرات. وقد صمد مقاتلو الحزب 65 يومًا في مواجهة الغزو البري الإسرائيلي ومنعوا قوات العدو من التقدم أكثر من كيلومترات محدودة في بلدات وقرى الحافة الأمامية المحاذية لفلسطين المحتلة. والآن تستغل إسرائيل وقف إطلاق النار وانسحاب مقاتلي حزب الله من منطقة جنوب نهر الليطاني وفقًا للقرار الدولي 1701، وتقوم باحتلال بعض البلدات والقرى وتتوغل في البعض الآخر وتقوم بهدم ونسف منازل وغارات على مواقع أخرى بزعم وجود منصات صواريخ وأسلحة للمقاومة فيها.
لكن حزب الله، الذي يعمل على ترميم بنيته التنظيمية والعسكرية، يصبر على هذه الانتهاكات والاستفزازات الصهيونية، تاركًا الأمر للدولة اللبنانية ولجنة مراقبة وقف إطلاق النار، كي تعالج هذه الخروقات، وحتى لا يُعطي ذريعة لإسرائيل كي تستأنف عدوانها على لبنان.
وعلى الرغم من المزاعم الإسرائيلية بأنها قضت على 80 في المئة من قدرات حزب الله وصواريخه، إلّا أن الاستخبارات الأمريكية تُقدِّر أن الحزب لا يزال يحتفظ بـ50 في المئة من قوته السابقة. بينما تنفي مصادر حزب الله هذه التقديرات وتؤكد على احتفاظها بمعظم قوتها وخاصة البشرية منها، برغم سقوط بين 1200 و1500 شهيد للمقاومة منذ فتح الحزب جبهة إسناد غزة في الثامن أكتوبر 2023.
وإذ تراهن إسرائيل على التحوُّل الاستراتيجي في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وخروج قوات حزب الله وإيران من سوريا، وإغلاق طريق إمداد الحزب من إيران عبر العراق فسوريا إلى لبنان، فإن المقاومة في غزة كانت محاصرة لعقدين وتمكنت من تهريب السلاح وتصنيعه في القطاع، بينما يتمتع حزب الله بحرية حركة أكبر في لبنان، ولديه مخزون كبير من الأسلحة.
أما الواقع الاستراتيجي الجديد المتمثل في خروج سوريا من محور المقاومة كطريق إمداد وظهير للمقاومة في لبنان، فسيكون حزب الله ومحور المقاومة قادريْن على احتواء هذا التحوُّل، والإعداد للمستقبل باستراتيجية مقاومة جديدة. فعندما اجتاحت إسرائيل لبنان عام 1982 ووصلت إلى العاصمة بيروت والبقاع الغربي والشمال، على بعد عشرات الكيلومترات من العاصمة دمشق، والذي أعقبه خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وانسحاب الجيش السوري إلى البقاع والشمال، وقيام نظام موالٍ لأمريكا وإسرائيل في لبنان، ظنَّ البعض أننا دخلنا في العصر الإسرائيلي. وما هي إلّا أيام حتى بدأت عمليات المقاومة اللبنانية في بيروت والجنوب، فاضطرت قوات الاحتلال إلى الانسحاب من بيروت بعد أسابيع ومن معظم لبنان بعد أقل من 3 سنوات، لتُكرِّس احتلالها للشريط الحدودي المحتل الذي أطلقت عليه تسمية "الحزام الأمني". واستمرت عمليات المقاومة الإسلامية وتطورت قدراتها وأساليبها إلى أن اضطر العدو الصهيوني إلى الانسحاب الأحادي من جميع الأراضي اللبنانية باستثناء مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، من دون أية شروط أو توقيع معاهدات أو اتفاقات سلام، وذلك في 24 مايو 2000.
وإذ نعود بالذاكرة إلى تلك المرحلة؛ حيث كانت المقاومة تتألف من مئات المقاومين فقط وأسلحتها عبارة عن رشاشات كلاشينكوف وقاذفات "آر بي جي"، والعبوات الناسفة والألغام الأرضية، لنؤكد أن عديد المقاومين وعتادهم وبيئتهم الحاضنة حاليًا قد تضاعفت آلاف المرات عن فترة الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين.
لا خوف على المقاومة المسلّحة بالعقيدة الدينية والواجب الوطني، ودعم معظم الشعب اللبناني، فهي التي أرعبت الكيان خلال عقدين، وهزمت قواته في عام 2006، وألحقت الخسائر الكبيرة فيها خلال العام 2024. لكن لا بُد من إجراء مراجعة شفّافة لبعض الإخفاقات والخروقات التي عانى منها حزب الله ومحور المقاومة ومعالجتها، ووضع استراتيجية دفاعية مع الحكومة والجيش اللبنانيين، لتحرير ما تبقى من الأراضي المحتلة وحماية لبنان من أي عدوان صهيوني مُقبِل.
** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية- لبنان