الثورة الإيرانية التي اندلعت ضد الشاه في أيلول/ سبتمبر 1979 وبخلفيتها الإسلامية كان لها أثرها العميق في الشارع التونسي، وخاصة في الخطاب السياسي لدى النخب الحزبية ولدى طلبة الجامعة وخاصة لدى الإسلاميين.

الثورة الإيرانية لم تكن ثورة عادية، فلا هي على المنوال الفرنسي ولا هي على المنوال الروسي أو الصيني، ولا على منوال ثورات بعض زعماء العسكر العرب كثورة القذافي أو ثورة عبد الناصر، بل كانت ثورة شعبية لا مثيل لهدير جماهيرها في الشوارع وفوق السطوح؛ يتحدون السافاك وقوات الجيش بصدور عارية وبدون عنف أو تخريب.

كانت الأحداث متسارعة وفي اتجاه أمامي كما لو أنها قدر الله، وكان زعيم الثورة الإمام الخميني من منفاه في باريس يوجه الشارع عبر تسجيلات صوتية تجد استجابة فورية في الشارع.

كانت الشعارات المستعملة في خطاب الثورة جديدة ومغرية، وسرعان ما تسربت إلى خطاب الطلبة الإسلاميين خاصة من مثل "المستضعفون" و"الاستكبار"، مما جعل خطابهم ذا مضامين اجتماعية وثورية تفوقوا به على اليساريين الذين ظلوا سنوات يحتكرون الدفاع عن العمال والفقراء ويتكلمون في الثورة ويتهمون الإسلاميين بالرجعية والظلامية ومهادنة النظام،كانت الشعارات المستعملة في خطاب الثورة جديدة ومغرية، وسرعان ما تسربت إلى خطاب الطلبة الإسلاميين خاصة من مثل "المستضعفون" و"الاستكبار"، مما جعل خطابهم ذا مضامين اجتماعية وثورية تفوقوا به على اليساريين الذين ظلوا سنوات يحتكرون الدفاع عن العمال والفقراء ويتكلمون في الثورة ويتهمون الإسلاميين بالرجعية والظلامية ومهادنة النظام خاصة بعد أحداث "الخميس الأسود" 26 كانون الثاني/ يناير 1978، حين اندلعت مواجهات بين السلطة والاتحاد العام التونسي للشغل ولم يكن للجماعة الإسلامية موقف واضح من المعركة لا في بعدها الاجتماعي ولا في بعدها السياسي.

كانت السفارة الإيرانية يومها مفتوحة للشباب الطلابي ولغيرهم، يزورونها بكل حرية ويحصلون منها على مجلة الشهيد وجريدة كيهان العربي ومؤلفات للعديد من المفكرين الإيرانيين وأبرزهم علي شريعتي ومرتضى مطهري والهادي مدرسي، وكان الانفتاح على كتّاب شيعة من العراق وخاصة محمد باقر الصدر في كتابيه "فلسفتنا" و"اقتصادنا".

الثورة الإيرانية شحنت الحركة الإسلامية يومها بروحية ثورية وبمنهج كفاحي وبمضمون اجتماعي وبأفق إنساني كوني، فكانت احتفالات طلبة الاتجاه الإسلامي معبّأة بالشعارات الثورية والرسوم الكاريكاتورية والأغاني والأشعار الساخرة من الظلم والاستبداد والمنتصرة للحرية وللشعوب وللعدالة وللفقراء.

لقد استطاعت حركة الاتجاه الإسلامي وفي ظرف سنتين تقريبا أن تتحول إلى قوة تنظيمية ذات مضمون ثقافي فكري فني، وذات نزوع ثوري كفاحي أحرجت اليسار وأشعرته بالضعف والعجز كما أحرجت النظام السياسي وربما أيضا أحرجت أصدقاء النظام فأوعزوا إليه بتقليم أظافرها.

تأثير الثورة الإيرانية في الحركة الإسلامية التونسية كان على مستوى الأفكار والشعارات والروحية الثورية، وظل التمايز "المذهبي" على حاله، لم يحصل فيه تداخل أو اختراق. فتونس دولة مسلمة سنية مالكية لها معالمها الدينية التاريخية كجامع الزيتونة وجامع القيروان، ولها علماؤها وشيوخها الذين رسموا ملامحها المعتدلة الوسطية.

تأثير الثورة الإيرانية في الحركة الإسلامية التونسية كان على مستوى الأفكار والشعارات والروحية الثورية، وظل التمايز "المذهبي" على حاله، لم يحصل فيه تداخل أو اختراق. فتونس دولة مسلمة سنية مالكية
أبرز تهمة كان يروجها الإعلام ضد إسلاميي تونس قبل وأثناء محاكماتهم هي كونهم "خمينيين"، خاصة وقد كان موقفهم من الحرب العراقية الإيرانية منتصرا لإيران باعتبارها إسلامية وثورية وضد الاستكبار العالمي ومع المستضعفين.

الأستاذ راشد الغنوشي، زعيم الاتجاه الإسلامي، كان قد كتب مقالا في مجلة "المعرفة" التابعة للحركة بعنوان "الرسول ينتخب إيران للقيادة"، واستشهد بحديث فيه تفسير لآية كريمة تبشر باستبدال العرب بالإيرانيين الذين سينصرون الله والمستضعفين، لا يخافون لومة لائم، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين. وفي عدد آخر من ذات المجلة اقترح الغنوشي على السعودية تسليم جائزة الملك فيصل للخميني، قائلا: "وأسرة المعرفة لا ترى أكفأ وأحق بالجائزة الأولى لخدمة من الإمام آية الله الخميني".

تلك الكتابات كانت كافية لتلخيص موقف الحركة الإسلامية من الثورة الإيرانية، كما كانت كافية لإثبات "التهمة" عليها بكونها موالية لجهة أجنبية فكانت التهمة المختصرة في محاكمات 1981 هي "الخمينية".

كانت تلك النتيجة الثانية للثورة الإيرانية في الداخل التونسي وتحديدا في مسار الحركة الإسلامية، تلك المحاكمة هي التي ستطرح أسئلة حول التمايز بين "الإسلام الإيراني" و"الإسلام التونسي" أو بين "الثورية الإيرانية" و"الإصلاحية التونسية".

ربما شعرت قيادة الحركة الإسلامية بأن "الثورية الإيرانية" بدأت "تخترق" نسيج الحركة بما هي رؤية في السياسة والفكر والدين. ظهور "خط الإمام" في الجامعة التونسية لم يكن مطمئنا لقيادة الحركة الإسلامية، فبدأ ينشأ خطاب يحاول رسم "خطوط التمايز" بين المسار الإيراني والمسار التونسي، وقد قال الغنوشي مرة في إحدى محاضراته: "نعم نحن ندعم الثورة الإيرانية، ولكن أهل مكة أدرى بشعابها".

شعرت قيادة الحركة الإسلامية بأن "الثورية الإيرانية" بدأت "تخترق" نسيج الحركة بما هي رؤية في السياسة والفكر والدين. ظهور "خط الإمام" في الجامعة التونسية لم يكن مطمئنا لقيادة الحركة الإسلامية، فبدأ ينشأ خطاب يحاول رسم "خطوط التمايز" بين المسار الإيراني والمسار التونسي
فهل كان قد حصل تسرب إيراني في الحالة التونسية؟ ما طبيعة ذاك التسرب؟ هل هو تسرب فكري ثوري أم تسرب مذهبي طائفي؟

تعرض الإسلاميون التونسيون في ظرف عقد واحد إلى ثلاث محاكمات: محاكمة 1981 بتهمة الخمينية، ومحاكمتا 1987 و1992 بتهمة محاولة قلب النظام.. محاكمات ثلاث أضعفت الحركة وجعلتها تنكفئ على نفسها وتغيب عن الساحة تنظيما وفكرة ونشاطا.

نظام بن علي الذي استفاد من غياب أكبر منافس له أصبح يمارس سياساته بأريحية في الداخل وفي الخارج، كان يبحث عن توسيع علاقاته لتحقيق مشروعية، خاصة أمام موجات الانتقاد الحقوقية بسبب ملف الإسلاميين سجنا وتعذيبا وتشريدا، فأقام علاقة مع الإيرانيين وسمح بتبادل زيارات التعارف بين وفود من تونس لإيران ووفود من إيران لتونس، كما أسهم كرسي بن علي لحوار الحضارات في فتح خط تواصل مع علماء ومفكرين إيرانيين زاروا تونس وشاركوا في تأثيث ندوات فكرية وحوارية.

twitter.com/bahriarfaoui1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الثورة الإيرانية التونسي إيران تونس النهضة الثورة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الثورة الإیرانیة الحرکة الإسلامیة

إقرأ أيضاً:

صوّر مواقع عسكرية..طهران تكشف روايتها لانتحار سويسري في سجونها

أكد متحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية، اليوم الأربعاء، أن سويسرياً أعلنت طهران انتحاره عند احتجازه في سجن إيراني بعد القبض عليه للاشتباه في تجسسه، التقط صوراً لمواقع عسكرية.

وجاء ذلك رداً على طلب سويسرا معلومات مفصلة عن أسباب اعتقال الرجل،64 عاماً، الذي سافر إلى إيران للسياحة، والتحقيق الكامل في ملابسات وفاته في وقت سابق من هذا الشهر.

#مناهضون⁩ | عاجل |◄ انتحار معتقل سويسري في سجون #إيران

للاشتراك في قناة الحركة على تطبيق (تيليغرام): ⁦ https://t.co/opNMgI0iq9⁩

لزيارة موقع الحركة: ⁦ https://t.co/7Tmk6YCHiS⁩#حركة_رواد_النهضة_لتحرير_الأحواز⁩ pic.twitter.com/pEt3ZQC7F9

— حركة رواد النهضة لتحرير الأحواز (@monahdhon) January 21, 2025

وقال المتحدث باسم السلطة القضائية أصغر جهانكير، إن السويسري"دخل البلاد من دوغارون،المتاخمة لأفغانستان، في أكتوبر سائحاً في سيارة مزودة بمعدات فنية مختلفة مخصصة لأغراض مختلفة".

وأضاف أن المعتقل شنق نفسه بقطعة قماش، بعد أن أطفأ النور في زنزانته وجعل نفسه بعيداً عن مجال رؤية الكاميرات الأمنية.

وقال جهانكير: "بعد مروره عبر عدة محافظات دخل محافظة سمنان واعتُقل خلال وجوده في منطقة محظورة عسكرياً.. واعتُقل بتهمتي التقاط صور للمنطقة العسكرية، والتعاون مع دول معادية".

واعتقل الحرس الثوري الإيراني في السنوات القليلة الماضية عشرات من مزدوجي الجنسية، والأجانب معظمهم بتهم التجسس والأمن.

مقالات مشابهة

  • مُنظّر الثورة الإيرانية يحذر من اهتزاز أسس الحكم
  • 10 رسائل مهمة لفاروق الباز عن سد النهضة وشرق العوينات ومحور التعمير
  • سامسونج جالاكسي A05s .. هاتف اقتصادي بمواصفات قوية وتجربة استخدام متوازنة
  • مدرب فاركو: ركلة جزاء الأهلي اذا كانت لنا لم تكن لتحتسب
  • غزة وسد النهضة.. سياسيون مصريون يحددون ملفات التعاون بين ترامب والسيسي
  • نشطاء يطالبون بإطلاق سراح الحقوقية التونسية سهام بن سدرين
  • دور العمال في النهضة التنموية بمؤسسة الفراعنة بقرية النسيج بالكوثر
  • صوّر مواقع عسكرية..طهران تكشف روايتها لانتحار سويسري في سجونها
  • النهضة يواجه النصر.. والرستاق الجريح يبحث عن بوصلة الانتصار أمام صحار
  • «موسم العرمة» .. طبيعة ساحرة وتجربة استثنائية