نابلس- لم تُسقِط إسرائيل يوما من أجندتها إجراءاتها لعسكرة الضفة الغربية، ومرة بعد أخرى تزيد قبضتها الحديدية على مدن الضفة وقراها، سواء في الظروف الصعبة أو في حالة الاستقرار حتى أصبح الفلسطينيون يعيشون داخل أقفاص، ولم يعد أحد يأمن إذا ما خرج من منزله أن يعود إليه.

ومع بدء العدوان على غزة رسّخ الاحتلال إغلاقا مشددا فرضه على نابلس (أكبر مدينة في شمال الضفة الغربية)، وذلك من خلال عشرات الحواجز والمستوطنات الإسرائيلية التي تعكس تطبيق مخطط إسرائيل بحصار الضفة وتحويلها إلى "كنتونات ومعازل" تكدر عيش الفلسطينيين وتشردهم وتهود أرضهم على يد مستوطنين متنفذين ومتسيدين يمارسون أبشع الجرائم.

بالمقابل، وأمام بطش الاحتلال وعنجهيته ترسخت حالة المقاومة بكل أشكالها -ولا سيما المسلحة- وتصدت لمشروع الاحتلال الذي يهدف إلى إضعاف السلطة وإفشالها، وفق ما يقول القائم بأعمال محافظة نابلس غسان دغلس الذي أكد في حوار مع الجزيرة نت أن "هدف الحصار الإسرائيلي سياسي وليس أمنيا، لأن من يقاوم لا يمر عبر حواجز الاحتلال".

وفي ما يلي نص الحوار:

جنود الاحتلال الإسرائيلي ينتشرون قرب حاجز دير شرف غرب نابلس (الجزيرة) مع اكتمال محاصرة نابلس من جهاتها الأربع بحواجز الاحتلال العسكرية ومستوطناته هل تحولت مخططات الاحتلال بتحويل الضفة لكنتونات ومعازل إلى أمر واقع؟

نابلس محاصرة بالحواجز قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعام ونصف، ولكن الحصار زاد أكثر بعد الحرب، فهناك إغلاق لحواجز بشكل كامل وقطع لأوصال المناطق كحال حاجز حواره المغلق قبل الحرب بـ10 أيام، بالإضافة إلى إغلاق مداخل مدن وقرى بين نابلس ورام الله جنوبا، وطولكرم غربا، وجنين شمالا، وقرى نابلس شرقا عبر حاجز بيت فوريك الذي يحاصر ويعزل حوالي 26 ألف مواطن.

ما تفرضه إسرائيل حصار سياسي قبل أن يكون أمنيا، لأن من يفكر في أي عمل أمني (مقاوم) لا يمر عبر حاجز عسكري إسرائيلي، كما يريد الاحتلال قتل الحالة الاقتصادية التي تمثل نابلس عصبها بالضفة الغربية، فهو يشل حركة عشرات آلاف الطلاب في أهم مؤسساتها، وهما جامعتا النجاح والقدس المفتوحة.

هم يريدون عزل نابلس عن بقية المدن عبر 10 حواجز ثابتة وأخرى متحركة تلف المدينة وقراها ونقاط وأبراج عسكرية فوق جبالها، فضلا عن الإغلاقات الأخرى عبر الحواجز الترابية والحجرية داخل القرية الواحدة، وبذلك شل لشمال الضفة ووسطها، وهذا عقاب جماعي من أجل رضا المستوطنين، لأن قادة الإرهاب يسكنون في مستوطنات جاثمة على أراضي نابلس، وهذا أمر خطير.

فعندما تشل الحالة الاقتصادية بعدم الدخول والخروج لأكبر تجمع سكاني في شمال الضفة فإن هذا الأمر له بُعده بالنسبة لإسرائيل، فهي تفرض سياسة الأمر الواقع وتحول الضفة إلى كنتونات بفصل المدن والقرى بعشرات الحواجز العسكرية والمستوطنات، مما يتسبب في شلل كامل.

مستوطنون برفقة جيش الاحتلال يمنعون شق طريق لقرية مادما جنوب نابلس (الجزيرة) تشهد نابلس كغيرها من مدن الضفة الغربية تصاعدا في وتيرة الاستيطان واعتداءات المستوطنين، فكيف يواجه الفلسطيني ذلك؟

تلف نابلس 14 مستوطنة من كل الجهات و52 بؤرة استيطانية لا تقل خطرا وسوءا، وهذه المستوطنات يقطنها 29 ألف مستوطن، والأخطر أن فيها قيادات عصاباتهم المتطرفة، فمجموعات "تدفيع الثمن" تقطن في مستوطنة "يتسهار" جنوب المدينة، وقيادة "شباب التلال" تسكن في مستوطنة "ييش كودش".

وبفعل قيادات الإرهاب الاستيطاني زاد حجم اعتداءات المستوطنين 208% عما هو قبل الحرب، وحوالي 60% من موسم الزيتون القريب من المستوطنات لم يصله المواطنون ولم يستطيعوا الدخول إلى أراضيهم، وهذا يحدث لأول مرة.

حياة الفلسطيني أصبحت مسألة حياة أو موت في ظل استهداف المستوطنين للمواطنين الآمنين في بيوتهم، مما يتطلب الدفاع عن النفس، خاصة أن جيش الاحتلال يدعم هؤلاء المستوطنين بقوة، بل إن المستوطنين أنفسهم أصبحوا يملكون زمام الأمور، وهم من يعطون الأوامر العسكرية وينفذونها أيضا، ورأينا ذلك في إغلاقهم حاجز حواره جنوب نابلس وإقامتهم حواجز عسكرية بين القرى، وتبجحوا باحتجاز الناس وسرقة أموالهم والاعتداء عليهم، فضلا عن تحريضهم على الفلسطينيين وقتلهم.

وقد فعَّلنا كجهات رسمية وشعبية أكثر من مرة لجان الحراسة والحماية الشعبية وخلايا الأزمات، ولكن أحيانا يتم استهداف المواطن داخل منزله وبعد منتصف الليل، فهنا عليه أن يدافع عن نفسه ويحمي بيته.

يقتحم الاحتلال مدن وقرى الضفة -ومنها نابلس- في كل حين، ويستهدف مناطق "أ" الخاضعة للسلطة الفلسطينية، فما الذي يريده بالضبط؟

يقتحم الاحتلال مناطق "أ" ومراكز المدن عبر عشرات الآليات العسكرية، ويعتقل أسرى ويحولهم إلى الاعتقال الإداري أو يفرج عنهم بعد أيام، ومن الواضح أن الاحتلال يتعمد إضعاف السلطة الفلسطينية بشكل مهين أكثر وأكثر، فأحيانا يقتحم مراكز المدن نهارا أثناء دوام رجال الأمن الفلسطينيين لزعزعة الحالة الأمنية والاستقرار وزرع الفوضى والفساد والفتن، في تجاهل لأي سلطة على الأرض.

وعي وثقافة المواطن هما فقط من يكسران هذه الحالة، هناك برنامج احتلالي واضح للقضاء على أي حالة وطنية، يريدون لحالة الفوضى أن تعم بهذا البلد، لكن المواطن الفلسطيني في النهاية لن يستسلم ولن يفقد الوسيلة أو يعدمها، وكما يقال "إذا جعت آكل لحم مغتصبي" هذا من ناحية اقتصادية، ومثله بموضوع المهانة، فالكثير من الشباب فضلوا الاستشهاد على الاعتقال، وسط تعرية الأسرى وإجبارهم على تقبيل العلم الإسرائيلي.

وهي رسالة بأن الضغط سيولد الانفجار، فهذا شعب يريد الحرية، وقد جرب النكبة والنكسة وعاش التشرد، ولن يكرره وسينزرع في أرضه وبلده.

ومهما راهن الاحتلال وأدواته فإنه لم يستطع إضعاف السلطة، ولا يزال الشعب يلجأ إليها، فالاحتلال أراد الفوضى ولكنها لم تحدث لأن الأمن موجود، والمطلوب من السلطة أن تحافظ على المشروع الوطني وأمن شعبها، وأن تدفع بكل المحافل السياسية لتجريم الاحتلال.

الاحتلال اغتال عشرات المقاومين في نابلس خلال الأشهر الأخيرة (الجزيرة) رفض المواطن الفلسطيني العسكرة الإسرائيلية وأوجد حالة مقاومة نادرة سرعان ما انتشرت، فهل استطاع الاحتلال كسرها؟

المقاومة مد وجزر، وفي الفترة الأخيرة كانت كل الأضواء مسلطة على غزة وعلى الإبادة والمجازر فيها، لكن رغم ذلك كانت هناك مقاومة في الضفة، وهذا يظهر في أي اقتحام لأي مدينة وقرية، فأحيانا يقتحم جيش الاحتلال قرية بكتيبة كاملة، لكنه يواجه مقاومة تؤكد أن الشعب الفلسطيني لم ولن يكسر، لأن الأطفال كما الكبار يعلمون أن الاحتلال يريد إخراجنا من أرضنا، مما يجعل مقاومته شرعية ووطنيته مستمرة.

فعندما نشاهد أطفالا يُقتلون ويُجوعون فإن الاحتلال يفرض علينا المقاومة بكل أشكالها، صحيح أن المواطن الفلسطيني يبحث عن حالة مقاومة شعبية لكن الاحتلال أحيانا يجرنا إلى مربعات لا نريدها، وعندما فشلت الأنظمة والسياسات الدولية في إجبار إسرائيل على الرضوخ لمطالب الشعب الفلسطيني فإن ذلك يحبطه، والاحتلال هو المسؤول عن هذه الحالة، إضافة إلى العالم الصامت الذي لا يجبر الاحتلال على الرضوخ لقرارات الشرعية الدولية.

الحرب كما السلم بحاجة لقرار جماعي، وكذلك المقاومة، فالفردية في المقاومة تضعفنا أكثر، ونتائجها تكون للفصيل أو للمجموعة نفسها، ولكن إذا كان هناك قرار وإجماع والتفاف حول المقاومة فهو أكثر أهمية، والكل يتحمل ثمن هذا القرار بالربح أو الخسارة، ولذا فإن المقاومة اليوم بالضفة أقرب إلى العمل الفردي.

فعالية مقاومة شعبية لإزالة حاجز دير شرف غرب نابلس قمعها الاحتلال بالرصاص (الجزيرة) في الأشهر الماضية -خاصة بعد الحرب على غزة- لم نعد نرى مقاومة شعبية، فهل كان للقمع العسكري الذي مارسه جنود الاحتلال سبب في ذلك؟

المقاومة الشعبية لا يمكن أن تتوقف، لكن عندما تكون كل الأضواء مسلطة على جهة معينة كما يحصل بغزة، وعندما تكون هناك أوامر لجيش الاحتلال الإسرائيلي بالقتل مستغلا حالة الحرب، وعندما يتم تسليم المستوطنين 34 ألف قطعة سلاح دفعة واحدة وأمام الكاميرات، وعندما يتفاخرون بالإبادة والقتل، وعندما يذهبون لاعتقال مواطن فيطلقون الرصاص على أمه وأبيه، وعندما يتم الاغتيال بناء على الاسم كما جرى مع الشهيد منتصر سيف بقرية برقة شمال نابلس فإن علينا الحفاظ على أبناء شعبنا.

بالنسبة لنا المقاومة موجودة، ولكن إعلان فعالياتها يكون بالتكتيك ولصالح الشعب، فنحن لا نريد قتله، وهذا ليس جبنا ولا خوفا، وإنما لكل زمان دولة ورجال، فالاحتلال يستهدف بنيرانه حتى مركبات الإسعاف.

تغير موقف الناس بعد أول 5 أيام من الحرب على غزة بشكل واضح، وأدركوا أنها حرب على الشعب الفلسطيني والوجود الفلسطيني كله، بدءا من حالة الردع إلى حرب الإبادة إلى التفكير بقضية التهجير والقدس، وازدادت أطماع إسرائيل أكثر، لذا فإن وقفها يحتاج للوحدة الميدانية على الأرض.

لقد تجاوزنا كل إجراءات الاحتلال، وشيدنا بعض المباني التي هدمها، وآوينا أصحابها حتى انتهينا من الترميم، وفي كثير من المناطق لم نترك الفلسطيني وحده يقاتل، والشواهد على الأرض، وحالة السلم الأهلي يشار إليها بالبنان، ويكفي أن نقول إننا عقدنا 89 صك صلح بين المواطنين خلال 5 أشهر، هناك تكاتف بين المواطنين ووحدة حال رهيبة جدا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الضفة الغربیة على غزة

إقرأ أيضاً:

ملامح المرحلة الجديدة من الصراع بعد الطوفان

لا تختلف الحرب الأخيرة على غزة عن سابقاتها من حيث المدة الزمنية والخسائر البشرية والمادية المباشرة وحسب، ولكن كذلك من حيث نتائجها الكلية ودلالاتها العميقة وتداعياتها طويلة الأمد، والتي تضع المنطقة برمتها أمام مرحلة مختلفة تمامًا، ولا سيما فيما يتعلق بالصراع مع الاحتلال.

النتائج

تشير التقارير الأولية لخسارة الاحتلال لأكثر من 900 من ضباطه وجنوده خلال الحرب، إضافة لمئات ممن يصنفهم كمدنيين، وهو الرقم الأعلى منذ حرب 1973، فضلًا عن تضرر الاقتصاد بشكل عميق استدعى عدة حزم من المساعدات المالية الكبيرة والمباشرة من الولايات المتحدة الأميركية، إضافة لموجة الهجرة العكسية وفقدان الشعور بالأمان والذي يشمل الكثيرين في "إسرائيل". وعلى وجه التحديد مستوطنو غلاف غزة والشمال.

في المقابل، تشير التقديرات إلى أن عدد الشهداء في قطاع غزة تجاوز 60 ألف شهيد، زهاء 60% منهم من النساء والأطفال، وأنه ما زال ما يقرب من 11 ألف شهيد تحت الأنقاض حتى اللحظة.

وأما على صعيد البنيان، فيمكن القول إن الاحتلال دمر البنية التحتية لأكثر من نصف قطاع غزة، وفي مقدمة ذلك المؤسسات الحكومية والقطاع الصحي، فضلًا عن تدمير غالبية المنازل كليًا أو جزئيًا.

فيما يتعلق بالمقاومة، فقد نعت حماس بعد وقف إطلاق النار عددًا كبيرًا من قياداتها السياسية، على رأسهم رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، ونائبه صالح العاروري، والرئيس اللاحق (رئيسها في غزة سابقًا) يحيى السنوار، ومعظم أعضاء مكتبها السياسي في غزة، إضافة لعدد من قياداتها في الضفة والخارج، فضلًا عن قيادات الفصائل الفلسطينية الأخرى.

إعلان

وفي الشق العسكري، فقد نعى الناطق باسم كتائب القسام "أبو عبيدة" قائد هيئة أركانها محمد الضيف، ونائبه مروان عيسى، وقادة ثلاثة من الألوية، وعددًا من قادة الأركان، إضافة لتقديرات بارتقاء عدد كبير من القيادات الوسيطة ومئات/ آلاف المقاتلين في القسام وباقي فصائل المقاومة.

تحديات جسام

رغم خسائر غزة وتضحياتها، أوقف الاحتلال عدوانه دون تحقيق أهدافه العريضة المعلنة مثل القضاء على المقاومة، ومنع المخاطر التي تتسبب بها، واستعادة أسراه بالقوة، فضلًا عن النتائج الإستراتيجية بعيدة المدى للحرب، والمتعلقة بالردع والحسم والقدرات والتلاحم الداخلي وصورة "إسرائيل" أمام العالم، وتفوقها في المنطقة، وغير ذلك مما فصّلت فيه في المقال السابق.

ومع وضع كل ذلك في الحسبان، وخروج المقاومة الفلسطينية من الحرب قائمة على قدميها وقوية ومتماسكة ومسيطرة، وثبات الناس على أرضهم وإفشال مخططات التهجير رغم ما تعجز اللغة عن وصفه من تضحياتهم، إلا أن هناك تحديات ضخمة تنتظر غزة والمقاومة والقضية الفلسطينية عمومًا في المرحلة القادمة.

في مقدمة هذه التحديات إمكانية عودة الاحتلال للعدوان بعد إتمام صفقات تبادل الأسرى، بعد المرحلة الأولى أو بعدها جميعًا، وهو ما تواترت حوله تصريحات "إسرائيلية" وأخرى منسوبة للرئيس الأميركي الجديد، وهنا تبرز أهمية رسائل القوة والندية التي ترسلها المقاومة دون مبالغة.

أما على الصعيد العملي، فعلى رأس التحديات عمليات الإغاثة وإعادة الإعمار، وعلاج الجرحى والمصابين والمرضى ودعم الناس، وغيرها من الملفات الملحّة في الجانب الإنساني، والتي بات مؤكدًا أن "إسرائيل" تسعى لإبطائها وتحجيمها؛ سعيًا لاستدامة المعاناة كأداة ضغط سياسية على المجتمع الغزّي ومقاومته، في المرحلة الحالية، وعلى المدى البعيد.

وهو تحدٍّ كبير وخطير لا تكفي معه قدرات الفلسطينيين الذاتية، بل ينبغي أن تنضم لهم أيدي العالمين العربي والإسلامي عمليًا وسريعًا، فضلًا عن الضغط المطلوب على الاحتلال للإيفاء بالتزاماته.

إعلان

وهناك مشروع تهجير أهل غزة للخارج، كليًا أو جزئيًا، والذي أفشله الغزّيون ومقاومتهم أكثر من مرة خلال الحرب، وتحديدًا صمودهم في شمال غزة المحاصر، ثم مشاهد العودة للبيوت المدمرة فيها.

بيد أن المشروع لم ينتهِ بالكامل ولا تخلى عنه الاحتلال بشكل نهائي، حيث يتردد ما يعضد ذلك على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يشير إلى ضرورة استضافة عدد من الدول في مقدمتها مصر والأردن سكان غزة. وغني عن الذكر أن إعاقة عمليات الإغاثة والدعم والإعمار جزء أساسي من محاولة جعل القطاع منطقة غير صالحة للحياة كأحد روافع مشروع التهجير.

سياسيًا، لم تنتهِ بعد مشاريع الاحتلال المدعومة غربيًا بخصوص اليوم التالي لغزة، أو غير ذلك، ولكن مشروع تطبيع علاقات "إسرائيل" بالمحيط العربي والإقليمي تحديدًا يحتاج اهتمامًا خاصًا. فقد جمدت عملية "طوفان الأقصى" مسار التطبيع مرحليًا، لكن الإدارة الأميركية تسعى لتفعيله كجزء من صفقة متكاملة.

وفي القلب من أهداف كل ما سبق وغيره، استمرار مساعي تجريف المقاومة وتجريمها وتحجيمها والقضاء على جدواها ودعمها بين الناس، ومحاولة ترسيخ سردية تجعلها هي – لا الاحتلال – المسؤولة عن خسائر غزة وتضحياتها ومعاناة أهلها.

ولا شك أنه رغم المكاسب الكبيرة للقضية الفلسطينية على المدى البعيد، فإن الاستمرار بالمقاومة بأشكال وأساليب مختلفة ومتنوعة وجديدة وصدى ذلك لدى الشارع الغزي تحديدًا سيكون تحديًا كبيرًا جدًا.

مرحلة جديدة

في مقدمة الدلالات العميقة لعملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وما تلاها، ثم وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، أن "إسرائيل" فقدت كل أركان إستراتيجيتها الأمنية من ردع وإنذار مبكر ودفاع وحسم وغير ذلك، وبالتالي تهاوت الأساطير التي كانت تروّج أن أحدًا لن يفكر في مهاجمتها، فضلًا عن هزيمتها.

في المقابل، فإن المقاومة – وحاضنتها وشعبها – قادرة على ترميم خسائرها والتعويض والبناء لاحقًا. ومع ذلك، فإنه مما لا يُختلف عليه أن غزة بحاجة لراحة طويلة الأمد تضمد فيها جراحها، وتتجاوز أزماتها وتبني نفسها، خصوصًا أن أي مواجهة قادمة قد تبدأ مباشرة مما انتهت إليه الحالية، على ما عوّدنا الاحتلال وشجعه على ذلك الدعم الغربي والصمت العربي والإقليمي.

إعلان

لكن ذلك لا يعني نهاية المواجهة ولا انتهاء القضية ولا الاكتفاء من غاية المقاومة، بمعناها الأعم والأوسع دلاليًا وجغرافيًا وإستراتيجيًا.

لقد أظهرت الحرب الوجه القبيح الحقيقي للاحتلال وما يخفيه للمنطقة ككل وليس فقط غزة، وفي مقدمة ذلك الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وهو ما يُفترض أن يكفي لتُراجعَ مختلف الأنظمة في المنطقة موقفها منه ومن العلاقات معه الآن ومستقبلًا.

إن "إسرائيل" اليوم ورغم إخفاقها العسكري والأمني والسياسي في غزة، تسعى مرة أخرى لمشروع "إسرائيل الكبرى" وربما ما هو أبعد منه، من خلال مشاريع احتلال واستيطان في الضفة وجنوب لبنان وسوريا، ومهاجمة إيران واليمن والعراق، وكذلك مشروع تهجير الفلسطينيين نحو مصر والأردن، والتي تبدو مدعومة من ترامب.

في المقابل، وإن لم تستشعر الأنظمة بعدُ كامل ما أفرزه الطوفان من متغيرات، إلا أن تأثيراته على النخب والشعوب لا يمكن الاستهانة بها. لقد كان صمود غزة في عدوان 2008 وبسالة مقاومتها مع الموقف الرسمي العربي منه ضمن دوافع الثورات في 2010 – 2011، وهذه الحرب لا تقارن به لا من حيث بشاعة العدوان ولا صمود المقاومة ولا الخذلان الرسمي.

من أهم تبعات الطوفان مسألة الوعي؛ وعي الجميع بحقيقة "إسرائيل" وما تخبئه للمنطقة جميعها وليس فقط للفلسطينيين متى ما استطاعت، وهي الآن وتحديدًا مع ترامب تظن أنها تستطيع القيام بتغييرات جذرية.

وفي المحصلة وعلى المديين المتوسط والبعيد، سيشتبك الجميع مع الاحتلال، مختارًا أو مضطرًا، بتوقيته الخاص أو بتوقيت الاحتلال. إن الحقائق والوقائع والثغرات التي تكشفت مع الحرب تساهم في بناء وعي جديد في مجمل المنطقة وعلى جميع المستويات، كما أن الخطط التي أخرجت من الدرج "الإسرائيلي" تنبئ بتغييرات جذرية للمنطقة بأسرها، ما يستدعي من الجميع الوقوف أمام مسؤولياته.

إعلان

لقد نفذ الاحتلال جريمة إبادة بالمعنى الكامل لغزة، بشرًا وحجرًا وشجرًا وعلى جميع المستويات، لكنه لم يستطع كسر الإرادة الفلسطينية، فانتصرت المقاومة وترسخت فكرتها وثبت نموذجها، وهذا رآه وفهمه الفلسطينيون كما "الإسرائيليون" ومعهم الجميع في المنطقة والعالم.

وقد زخرت هذه الحرب بدروس كثيرة وعميقة، تكشف بعضها وسيتكشف مع الوقت بعضها الآخر، بما يساهم في التفاعل مع معطيات وحقائق أخرى لترسيخ تداعيات الطوفان طويلة الأمد على دولة الاحتلال والقضية الفلسطينية والمنطقة سواءً بسواء.

في الخلاصة، لم تستطع "إسرائيل" تهجيرَ الشعب ولا القضاء على المقاومة، وبالتالي فشلت في تصفية القضية، فأدخلتها وأدخلت المنطقة جميعها في مرحلة جديدة ومختلفة من الصراع معها، وهو ما ستتضح معالمه ومحاوره وديناميته أكثر فأكثر مع مرور الوقت وتكشّف الحقائق.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • مباحثات مع الجمعية الطبية السورية الأمريكية حول سبل النهوض بالقطاع ‏الصحي ‏
  • الجبهة الشعبية: عملية تياسير البطولية تكشف هشاشة المنظومة الأمنية للعدو
  • الجبهة الشعبية تشيد بعملية تياسير البطولية وتؤكد أنها كشفت هشاشة المنظومة الأمنية للعدو
  • عشرات المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حماية شرطة الاحتلال
  • ملامح المرحلة الجديدة من الصراع بعد الطوفان
  • ترامب يعين روبيو في منصب القائم بأعمال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية
  • وزير الخارجية يلتقي القائم بأعمال الممثل المقيم لمنظمة الصحة العالمية باليمن
  • مكتبة الإسكندرية تهدي سفير ماليزيا نسخة من كتاب «متحف الآثار»
  • عاجل | مصادر للجزيرة: مصابون برصاص الاحتلال الإسرائيلي خلال مواجهات في مخيم العروب شمال الخليل
  • بحماية قوات الاحتلال.. عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى