ما العمل مع إخوة هجروا ومن لمّ الشمل ضجروا؟
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
والدتي المرحومة كانت حبل الوصال بيني وبينهم.
ما العمل مع إخوة هجروا ومن لمّ الشمل ضجروا؟
سيدتي بعد التحية والسلام، أقف وقفة إجلال وعرفان أمام هذا الركن الجميل الذي أعتبره بارقة أمل في نفس كل حائر. كيف لا وأنا متتبعة لهذا المنبر منذ عقد من الزمن أيام كانت النسخة الورقية ليومية النهار. وها أنا ذا أجدد عهدي بالوفاء للموقع الذي منحني اليوم هذا الفضاء حتى أبث بما يكسر فؤادي ويقلب حياتي رأسا على عقب.
مشكلتي سيدتي ذات أبعاد عائلية، كيف لا وقد عرف الشتات طريقه إلى بيتنا الكبير بعد وفاة والدتي المسكينة. التي كان أسمى ما تتمناه وترجوه من الدنيا أن نبقى متحدين مجتمعين تحت سقف واحد بعد وفاتها. إلا أن هذا أبدا لم يكن لا لشيء إلا لغطرسة إخوتي وتعنتهم.
أخبرك بأنني إمرأة مكسورة القلب والخاطر، كيف لا وقد أدار إخوتي ظهرهم لي مباشرة بعد وفاة أمي علما أنني الفتاة الوحيدة بينهم. ولك أن تتخيلي بيتنا العائلي الذي كان يضمنا وكنا نستأنس بالإجتماع فيه والذي باتت أبوابه موصدة. أي نعم أنا إنسانة متزوجة ولي من الأولاد والمسؤوليات الزوجية الكثير. إلا أنني أحنّ إلى إخوتي الذين لا يسألون عني والذين يرفضون زياراتي لهم أنا وأسرتي الصغيرة لأسباب أراها غير مقبولة.
أتحسّر سيدتي وأنا أتذكر جيدا ملامح أمي وهي تحتضر وهي توصيني أن أبرّ إخوتي حيث أنني أخر العنقود. كما أنني لن أنسى اليوم الذي وددت فيه إحياء الذكرى السنوية لوفاتها في بيتنا العائلي أنا وإخوتي. اليوم الذي وجدت فيه رفضا قاطعا ممن هم من لحمي ودمي في الترحم على من وهبتنا الحياة. ليس بيني وبين إخوتي مشكل مادي متعلق بالميراث أو المال، فالكل والحمد لله ميسور ويحيا في بحبوحة. فما السبيل سيدتي للخروج من مثل هذه محنة، فالحزن يقتلني ويزيد من إحساسي بمرارة اليتم والحرمان. أختكم س.مريم من منطقة القبائل.
الــــرد:
هوّني عليك أختاه وكفكفي دموعك، أعي أن ما تمرين به صعب وليس بالهين لكن بعض المواقف. والأزمات تتطلب منا التروي وتحكيم العقل.
أشرت من خلال مكالمتك أن إخوتك متزوجون ولديهم مثلك من المسؤوليات الكثير. وأشرت أيضا أن الأمور تغيرت بعد وفاة الوالدة التي أثر عليك غيابها في حياتك، ولعلّ ما زاد من شجنك. أنها أوصتك بإخوتك وبرهم، وكأني بها كانت تدرك حجم ما ستكابدينه من هم وغلب بعد رحيلها.
حاولت بدل المرة ألف مرة أن تشدي حبال الوصال مع إخوتك الذين وللأسف إنصرفوا كل يعتني بأموره وحياته. وقد كان حريا بك أختاه أن توكلي مهمة رأب صدع لم يكن سوى من إخوتك. الذين مارسوا عليك الصد والهجران لأحد كبار العائلة الذي كان بوسعه أن يجمعهم ويعرف سبب الهوة. التي باتت بينكم. كذلك، ومن باب النصيحة أختاه، تقفين موقف المتجهمة من مشكل لا ناقة لك فيه ولا جمل. ولعل المسؤول الوحيد أمام الله عزّ وجلّ هم إخوتك الذين وعوض أن يولوك الإهتمام والدلال عمدوا إلى التقتير في حقك. خاصة وأنك ذكرت أن الحالة المادية التي يتمتع بها إخوتك لا تجعلهم يتوجسون طمعك فيهم من الناحية المادية.
تعلّمي أن لا تجعلي من هذا المشكل هما يقضي على كل جميل في حياتك، حيث أنّك مسؤولة عن أسرة وأبناء. يستمدون قوتهم وطاقتهم منك ، فلا تخسري كل جميل في حياتك، وثقي بالله وأدعي لإخوتك بالهداية والثباث.
ردت: “ب.س”
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور
المصدر: النهار أونلاين
إقرأ أيضاً:
سعد الدين حسن .. الكاتب الذي حادثه الوزير على تليفون المقهى
داخل قرية لا يتأتى اسمها على مسمع الكثير من أبناء الوطن ، كان يسكن كاتبنا رحمه الله ، منزلا صغيرا تخيره بعيدا عن العمار متوسطا جسرا يمر على شريط القطار وارضا زراعية على يساره ،مع اختين لم يتزوجا وكأنهما صاحبوا جميعا الوحدة والعزلة ،وكنت أنا الشاهد على هذا اللقاء الذي مر عليه عقدان ونصف من الزمن ، إذ ذهبت قاصدا تلك القرية "شبشير الحصة " محاولا البحث عنه بسبب تغيبه عن حضور جلسات نادي الأدب بقصر ثقافة طنطا .وقد سولت لي نفسي أني بمجرد السؤال عن اسم كاتبنا سيدلني أول شخص ألتقيه،لكن الواقع كان مناقضا لما ظننت وتوهمت ،فلم يكن أحدا من أهل القرية يعرفه أو يسمع عنه ،دلني بعض الأهالي على شخص يعمل في صحيفة ورقية تهتم بحوادث المحافظة ،قالوا أن هذا هو الكاتب الأشهر في بلدتنا ...ولم نسمع عن كاتب اسمه سعد الدين حسن .
كانت نهاية التسعينيات ومطلع الألفية هي الرواج الفعلي للثقافة داخل الأقاليم التي تبعد عن العاصمة ،فكانت نوادي الأدب هي المقصد الأهم لكل من يبحث عن ري لموهبة الكتابة الإبداعية بمختلف مجالاتها ،شعرية أو نثرية ،حيث كانت هذه الفترة هي الأكثر خصوبة للقصة القصيرة وكتابات أجيال جديدة تعبر عن هموم قضايا لم يكن يحملها كتاب الستينيات أو السبعينيات أو الثمانيينيات ،لم تكن أجهزة الجوال قد ظهرت بعد ولم يكن هناك ثمة عوالم افتراضية لنشر الإبداع الشبابي ،فكانت نوافذ الإبداع التي تفتح لمن هم في مثل حالتي هي نوادي الأدب بقصور الثقافة داخل المحافظات في ربوع الوطن .وحيث كان مقعده مبتعدا أيضا عن الجموع التي تستقبل المنصة والصدارة وجالسا في ركن يجاوره شاب قد أتى لأول مرة ،كان يجلس كاتبنا راهب القصة المصرية القصيرة سعد الدين حسن ،متواضع في جلسته ،مقل في حديثه ،يتدافع الجميع للإدلاء بأرائهم بينما هو يظل صامتا لأن تنتهي الندوة ثم يرحل منصرفا في صمت ،وعقب الندوة تجد الجالسين على المنصة يتدافعون لمصافحته فكانت هذه هي النبضة الأولى بداخلي للتساؤل عن هذا الرجل ،من هذا الرجل .....؟ فكان الجواب من الشاعر طارق بركة :"ده الأستاذ الكبير سعد الدين حسن ،وكان صديق نجيب محفوظ ،وتربطه صلة كبيرة بالوزير فاروق حسني " ..وربما لأمر بساطة مظهر الكاتب ظننت أن الشاعر طارق بركة بالغ في الأمر ونسيت أن بعض الظن إثم .
ودفعني تواضع الرجل للتقرب منه لمحاولة فهمه وايجاد اسباب ترفعه وابتعاده عن الوسط ،مقلا لا زال في حديثه يأتي اسبوع ثم يتغيب عدة أشهر ،لأواصل البحث عنه لعلي أرضى شغف فضولي واكتشافه ،ثم كان اللقاء فطلب مني ان نلتقي صبيحة اليوم الثاني بمقهى بسيط في شارع البورصة بمدينة طنطا ..
مقهى بسيط ، يتعاملون مع الكاتب كونه شخصا وافدا من عالم آخر ، اقتربت من منضدته وكانت الساعة لم تقر بالعاشرة بعد من صباح هذا اليوم ،كان بيده كتاب الفتوحات المكية وقد تلصصت على الكتاب من عنوانه الذي كان باديا جليا . سحبت مقعدا وفي يدي عملي الأدبي الذي سيعرض على الكاتب ، وإذ بصاحب المقهي يأتي مسرعا لكاتبنا ويتحدث بلهجة متعثرة :"يا أستاذ تلفون لسعادتك بيوقولوا مكتب وزير الثقافة ..." قام كاتبنا في فتور ، متوجها لموضع الهاتف ليرد ، وإذ بصاحب المقهي يسألني هو مين الأستاذ :"فأجابته انه كاتب كبير زي يوسف ادريس ونجيب محفوظ لكنه متواضع بزيادة "..عاد كاتبنا ،فسألته ،هل الأمور خير :فأجاب مافيش كان فيه ميعاد بس اعتذرت عنه ..فسألته ميعاد مهم ؟...قالي وزير الثقافة فاروق حسني ..فكانت اجابته كفيلة بصمتي .
بضعة أشهر مرت على رحيل الكاتب سعد الدين حسن رحمه الله ،الكاتب الذي دون الوزير فاروق حسني في خانة المهنة لديه "كاتب قصة قصيرة " وكان يعتز ويخلص لهذا الفن الأدبي لم يحد عنه ولم يتخطاه أو يتعداه لكتابة الرواية إلا محاولة واحدة من اصدارات اتحاد الكتاب بل كانت كتابته أشبه بقصاصات متوسطة الحجم تحمل لغة شاعرية ،الامر الذي دفع الأستاذ الدكتور أسامة البحيري رئيس قسم اللغة العربية بآداب طنطا لأن يبادر ويشجع باحثا لعمل أطروحة للماجستير تتولى وتكشف عن ابداع سعد الدين حسن .
الندوة التي أقامها فرع اتحاد الكتاب بالغربية لتأبين سعد الدين حسن ،جمعت رفاقه الذين كانوا بصحبته ،الكاتب محمد حمزة العزوني ،الذي تحدث عن كاتبنا الراحل موضحا أنه كان مكتفيا بوظيفة كاتب القصة القصيرة ، ورغم محاولات الوزير فاروق حسني في توظيفه بأكثر من إصدار ينتمي لوزارة الثقافة ليكفل قوت يومه ، كان سعد رحمه الله يتحجج ولا يستمر إلا شهرين ثم يعتذر ، عائدا إلى بيته غير مخالط لأحد ولا يتحدث مع أحد .
بينما أوضح الشاعر طارق بركة أن سعدا كان مقربا له متداخلا معه في مشكلاته الروحية والحياتية ،فهو الدرويش سعد الدين حسن وهو الزاهد سعد الدين حسن الذي كانت كرامته وكبريائه فوق رأسه ، لدرجة أنه طلب من الشاعر أن يشيع إشاعة أن سعد الدين حسن قد ورث إرثا ماليا كبيرا حتى لا يعرض أحد مساعدة مادية عليه تخدش من كرامته أو تنال من اعتزازه بنفسه ، فلم يكن سعد يتاجر بصدافته لوزير الثقافة السابق بل كان يتأخر عن المنصة ويقدم غيره ، كان متيما بكتابات كبار المتصوفة وربما كان واحدا منهم دون أن نعلم .
وهو بتعبير الناقد صبري قنديل حالة الكاتب الذي يمسك بعين القاريء لا يتركها حتى ينتهي مما يكتب سعد الدين حسن ، فعلي الرغم من صداقته وعلاقته الطيبة بالكاتب الراحل يحيي الطاهر عبد الله إلا أن سعد الدين حسن كان ينتمي لمدرسة القصة التلغرافية وموسيقى الفظ التي تظن لوهلة أنك امام قصيدة نثر لا قصة قصيرة من عذوبة ما يكتب سعد الدين حسن .