هل تُعلّق مصر العمل باتفاقية كامب ديفيد؟!
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
قبل أن يكمل مبارك ولايته الأولى، قال الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل: "لا أعرف من الذي يحكم مصر الآن"!
وعندما يتابع المرء المشهد المصري الآن، فيما يتعلق بالحرب على الحدود المصرية، فإنه يصاب بالارتباك، فيعيد طرح نفس السؤال!
فعندما يستوجب ظهور رأس السلطة، فإن المتحدث باسم مصر هو رئيس هيئة الاستعلامات، فلا تعرف إن كان، وقد تجاوز اختصاصه الوظيفي، يعبر عن القرار السياسي، أم أنه وجد فراغا أغراه بالتمدد فيه، فيختلط علينا الأمر، فلا نعرف ما إذا كان هو الموقف، أم التحليل باعتباره "ابن الكار"؛ وتقريبا لا يزال يقدم برنامجا على إحدى القنوات التلفزيونية.
وعندما يكون من اللازم أن نعرف الرأي المصري الرسمي، يُمنح الدور للجان الإلكترونية وللأبواق الإعلامية، وتنشر وسائل الإعلام الخارجية موقفا مصريا فتظن أنه نقلا عن مصدر مسؤول، فلا يمكنك الإمساك بأصل الكلام مع رواجه، مع أنه استقر في الوجدان أنه الموقف المعبر عن السلطة!
عندما يكون من اللازم أن نعرف الرأي المصري الرسمي، يُمنح الدور للجان الإلكترونية وللأبواق الإعلامية، وتنشر وسائل الإعلام الخارجية موقفا مصريا فتظن أنه نقلا عن مصدر مسؤول، فلا يمكنك الإمساك بأصل الكلام مع رواجه
عندما قال الدفاع الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، إن مصر هي من تحاصر غزة وهي التي تغلق معبر رفح، كان الأمر يلزمه ردا من السلطة العليا للبلاد، لكن اختفى الجميع في ظروف غامضة، وظهر رئيس هيئة الاستعلامات، معلنا أن مصر سترسل خطابا للمحكمة ترد فيه على هذه المزاعم، ولولا أنني رأيته يسحب كلامه بشكل غير واضح في حديث تلفزيوني، لكان من اللازم أن نسأل الآن: لماذا تراجعت مصر عن إرسال هذا الخطاب؟ هل تلقت تهديدا، أم أدبرت بعد أن أقدمت لأسباب أخرى؟ وهل كان المعلن اجتهادا خاصا ممن ملأ الفراغ؟ وفي أي دولة في العالم يتصرف رئيس هيئة حكومية (تتبع رئاسة الجمهورية) من تلقاء نفسه، ويحمل نظامه السياسي مثل هذه العبء، فيتصرف على أنه في حكم الموظف الفعلي، رئيسا للجمهورية، أو وزيرا للخارجية؟! ليكون الأكثر إثارة هو أن ما قام به رئيس الهيئة هو دور متفق عليه، فيصرح ثم يلحس تصريحه، من أجل قطع الطريق على من أمسكوا بتصريحات الدفاع الإسرائيلي بأيديهم وأسنانهم!
اختبار المصداقية:
وفي تطور لاحق، دعا رئيس الهيئة الصحفيين الأجانب الراغبين في اختبار مصداقية الموقف المصري، إلى إبلاغ أسماءهم له، على أن يحيلها للجانب الإسرائيلي للحصول على موافقة بدخولهم عبر معبر رفح، وهو تصرف أضحك الثكالى، لأن الأصل ألا يطلب موافقة غير مختص، وإسرائيل ليست صاحبة اختصاص قانونا في من يدخل عبر المعبر، أو من لا يدخل، وإذا توفرت الإرادة لفتَح المعبر في ذات اللحظة التي قال فيها الجانب الإسرائيلي ذلك أمام محكمة العدل الدولية، لإدخال الشاحنات المرابطة على أبوابه، فإن وصلت إلى أهل غزة فبها ونعمت، وإن قصفتها إسرائيل فقد مثّل قصفها ردا على هذا الادعاء، ليس في تبرئة الساحة المصرية من الاتهام بتجويع أهل غزة، ولكن في إثبات اتهام جنوب أفريقيا للكيان!
بيد أن مثل هذا الكلام الذي قاله رئيس الهيئة أدى دوره في اليوم الأول، كتعبير عن الموقف الرسمي، وعندما يتهافت على هذا النحو، يكون الرد إنه "محلل سياسي" يقول آراء ليس شرطا أن تعبر عن الموقف الرسمي.. فأين الموقف الرسمي؟!
الحديث في البراح:
لقد تم الترويج على نطاق واسع لتهديد مصر بتعليق اتفاقية كامب ديفيد، إذا أقدم الجانب الإسرائيلي على العدوان على رفح، لأنه إن فعل يكون قد أخلّ بهذه الاتفاقية على نحو يمثل تطورا غير مسبوق في الموقف المصري الرسمي. وقد أخذتُ على جميع المرشحين الرئاسيين بعد الثورة، أنهم أعلنوا احترامهم للاتفاقيات الدولية المبرمة في العهود السابقة، ونحن نعلم وهم يعلمون أن المقصود بذلك هي اتفاقية كامب ديفيد، حتى حمدين صباحي الذي بنى سمعته السياسية على رفض كامب ديفيد، وحتى الذين كانوا سقوطهم مضمونا، كرروا هذه الأسطوانة المشروخة، وقد ساءني ألا يوجد هناك من يتمرد على هذا الاجماع!
القوم في القاهرة احتفوا بالتهديد كما لو كان صدر منهم فعلا، ولأن المياه تكذّب الغطاس، وقد قصفت إسرائيل رفح، فتسأل عن تعليق كامب ديفيد، فحينئذ سيقولون: لم يصدر عنا تهديد كهذا، ليكون السؤال: ولماذا الصمت على خبر صدوره؟ ولماذا استغلاله كما لو كان صدر فعلا؟ ولماذا لم يصدر مع هذا الخرق لبنود اتفاقية السلام؟
ولئن يأتي نظام بعد ذلك فيلوّح بتعليق اتفاقية كامب ديفيد، ولأني أعرف حدود جهد هذا النظام، فقد اعتقدت أنه حصل على ضمانات إسرائيلية بعدم استهداف رفح، فتحدث في البراح، بحثا عن شرعية، لكن استيقظت من نومي اليوم على خبر هذا الاستهداف، فاستقر في وجداني أن الجانب الإسرائيلي ليس مشغولا بأن يؤسس لشرعيته ولو بموقف تمثيلي عنيف، فكان العدوان، لكن حدث ما لم أتوقعه!
لقد بحثت عن أصل التهديد بتعليق كامب ديفيد فوجدتها منشورات منسوبة للإعلام الإسرائيلي، ونسب إليه في نفس اللحظة أن السلطة المصرية لم تمانع في محادثات سرية مع الإسرائيليين في قصف رفح مع عدم استهداف المدنيين، فماذا في رفح غير المدنيين؟ هل توجد بها قواعد عسكرية للمقاومة؟
بيد أن القوم في القاهرة احتفوا بالتهديد كما لو كان صدر منهم فعلا، ولأن المياه تكذّب الغطاس، وقد قصفت إسرائيل رفح، فتسأل عن تعليق كامب ديفيد، فحينئذ سيقولون: لم يصدر عنا تهديد كهذا، ليكون السؤال: ولماذا الصمت على خبر صدوره؟ ولماذا استغلاله كما لو كان صدر فعلا؟ ولماذا لم يصدر مع هذا الخرق لبنود اتفاقية السلام؟ ولماذا عدم الرد الرسمي على ما أذيع إسرائيليا من عدم ممانعة على القصف مع الابتعاد عن المدنيين؟
لا يجوز في دولة بعراقة الدولة المصرية، تأسست قبل أن يعرف العالم معنى الدولة، أن يُترك فراغ يتمدد فيه رئيس الهيئة، والأبواق الإعلامية، والذباب الإلكتروني، وإعلان مواقف صدرت من غير ذي صفة ولم تصدر رسميا، مع الخذلان والتعلل بأن إسرائيل قصفت معبر رفح أربع مرات، وأن المعبر مفتوح من ناحية مصر، هل مطلوب منا أن نصدق هذا الكلام؟!
لا يجوز في دولة بعراقة الدولة المصرية، تأسست قبل أن يعرف العالم معنى الدولة، أن يُترك فراغ يتمدد فيه رئيس الهيئة، والأبواق الإعلامية، والذباب الإلكتروني، وإعلان مواقف صدرت من غير ذي صفة ولم تصدر رسميا، مع الخذلان والتعلل بأن إسرائيل قصفت معبر رفح أربع مرات، وأن المعبر مفتوح من ناحية مصر
في كانون الثاني/ يناير 2009، كنت ضمن وفد من نقابة الصحفيين المصريين ذهب إلى المعبر، وقد سبقتنا إلى هناك شاحنات من النقابة بمساعدات غذائية، وهناك وجدنا شاحنات بعدد نجوم السماء مرابطة من جمعيات وهيئات وفاعلي خير، ورفضت السلطات المصرية دخولها إلى غزة، ومع وجود وعود بالسماح لوفد الصحفيين ومساعدات النقابة بالدخول، لكن لم يحدث وقالوا بدخولها في الغد، فقط علينا أن نغادر، ولم تدخل إلى الآن!
لكننا عاصرنا رئيسا لمصر يفتح المعبر، ويسافر رئيس حكومته إلى غزة، فهل كان الرئيس محمد مرسي يتطاول بذلك على الاتفاقيات الدولية، وعلى العنفوان الإسرائيلي؟ أم أن القانون كان في صالحه، كما هو في صالح مبارك والسيسي، لكن في حالته توافرت الإرادة السياسية فمارست مصر مسؤوليتها القانونية على المعبر في أيامه، ولم تتوافر الإرادة فكان هذا الموقف المهين في أيام مبارك والسيسي؟!
إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة كانت تستدعي بيانا رسميا يوميا من رأس السلطة في مصر، فلم يقل له أحد حارب، أو قم بإعلان الحرب، لكن على الأقل لا يجوز ترك فراغ يتمدد فيه كل عابر سبيل، فلا نعرف مع هذا الغياب من الذي يحكم مصر الآن!
أعلم أن هناك رأيا في داخل الحكم يرى ضرورة أن تدخل مصر حرب (أي حرب) باعتبار هذا هو المخرج الوحيد للقفز على الأزمة الاقتصادية، لكن من مكاني هذا أقول إنه لن يقدم على هذه الخطوة أبدا، ومع هذا فإن البديل ليس الغياب، ولكن بموقف يومي، ولو لمجرد إثبات الحضور، فلا يقدر على القدرة إلا القادر، علم الله أن فيهم ضعفا.
الغياب ليس هو الحل!
twitter.com/selimazouz1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر الإسرائيلي غزة اتفاقية كامب ديفيد مصر السيسي إسرائيل غزة اتفاقية كامب ديفيد مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة اتفاقیة کامب دیفید رئیس الهیئة معبر رفح لم یصدر مع هذا
إقرأ أيضاً:
السياني يعلن استئناف العمل بمطار صنعاء بتسيير أول رحلة مدنية بعد استهدافه من قبل العدوان الإسرائيلي
الثورة نت |
أعلن نائب وزير النقل والأشغال رئيس هيئة الطيران المدني والأرصاد يحيى السياني، استئناف العمل في مطار صنعاء الدولي وتسيير الرحلات الجوية المدنية إلى الأردن، والرحلات الأممية والخاصة بالمنظمات الإنسانية العاملة في اليمن بعد استهدافه بشكل مباشر من قبل العدوان الإسرائيلي.
وأوضح السياني في مؤتمر صحفي عقد اليوم بمطار صنعاء بحضور وكيل هيئة الطيران المدني والأرصاد عارف الأشرم، ووكيل قطاع المطارات بالهيئة يحيى الكحلاني أنه تم صباح اليوم تسير رحلة جوية مدنية للخطوط الجوية اليمنية في موعدها المحدد حسب جدولتها متجهة إلى مطار الملكة علياء الأردني وفقاً للاشتراطات والمتطلبات المعمول بها في المطارات الدولية.
وأفاد بأن طيران العدوان الإسرائيلي استهدف مطار صنعاء الدولي يوم أمس أثناء هبوط طائرة الخطوط الجوية اليمنية القادمة من الأردن وبالتزامن مع تجهيز إقلاع رحلة لطائرة أممية من مطار صنعاء كانت تقل مدير عام منظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس غيبريسوس.
وأكد نائب وزير النقل والأشغال أن الاستهداف الإسرائيلي الغاشم على مطار صنعاء كان بشكل مباشر ومتعدد لإثارة حالة الهلع لدى المواطنين عامة والمتواجدين في المطار والواصلين إليه بشكل خاص.. مشيرا إلى أن العدوان الإسرائيلي استهدف برج المراقبة وصالة المغادرة بشكل مباشر بالإضافة الى التجهيزات الملاحية في المطار.
وبين أنه تم التعامل مع الحدث وفق خطة طوارئ تم إعدادها مسبقاً حيث تم إخلاء المواطنين والركاب وترتيب أمتعة المسافرين الواصلين وكذا أمتعة مسافري الأمم المتحدة وذلك خلال اثنتي عشرة ساعة بما في ذلك تجهيز المطار فنيا ومهنيا.
وذكر السياني أن العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي أسفر عن استشهاد أربعة مواطنين إلى حد الآن وإصابة أكثر من 20 من العاملين في المطار والمواطنين والمسافرين.
واعتبر العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء انتهاكا للاتفاقيات والمواثيق الدولية وفي مقدمتها مواثيق المنظمة الدولية للطيران المدني “الإيكاو” التي تجرم استهداف الأعيان المدنية والإنسانية التي تقدم خدمات إنسانية للناس.
وقال “إن قصف العدوان الإسرائيلي لمطار صنعاء هدفه تعطيل حركة الملاحة الجوية بالمطار الذي يقدم خدماته لأكثر من 70 بالمائة من الشعب اليمني”.
وجدد نائب وزير النقل والأشغال التأكيد على جهوزية مطار صنعاء الدولي فنيا لتسيير الرحلات المدنية بكل سلاسة ومهنية عالية.
بدوره أشار مدير مطار صنعاء الدولي خالد الشايف إلى أنه تم تنفيذ خطة طوارئ وإجلاء للركاب في وقت قياسي والذي ساهم في الحد من عدد الضحايا مقارنة بحجم الاستهداف المباشر للمطار في وقت كانت الصالات تكتظ بالمسافرين.
ولفت إلى أنه وتنفيذا لتوجيهات رئيس هيئة الطيران المدني تم إعادة الجاهزية الفنية للمطار لاستقبال الرحلات المدنية.
وذكر أن الاستهداف المباشر للمطار أدى إلى خسائر مادية جراء قصف برج المراقبة وصالات المطار وبعض الأجهزة الملاحية، إلى جانب خسائر في الأرواح غالبيتهم من المسافرين والمودعين.
وأشار مدير مطار صنعاء إلى أن تسيير الرحلات المدنية في موعدها المحدد واستئناف العمل بالمطار صباح اليوم يأتي تنفيذا لتوجيهات القيادة الثورية والسياسية.. مؤكدا استمرار العمل على تسيير الرحلات المدنية إلى الأردن والرحلات الأممية وفقا لجدول الرحلات اليومي.