هل تُعلّق مصر العمل باتفاقية كامب ديفيد؟!
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
قبل أن يكمل مبارك ولايته الأولى، قال الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل: "لا أعرف من الذي يحكم مصر الآن"!
وعندما يتابع المرء المشهد المصري الآن، فيما يتعلق بالحرب على الحدود المصرية، فإنه يصاب بالارتباك، فيعيد طرح نفس السؤال!
فعندما يستوجب ظهور رأس السلطة، فإن المتحدث باسم مصر هو رئيس هيئة الاستعلامات، فلا تعرف إن كان، وقد تجاوز اختصاصه الوظيفي، يعبر عن القرار السياسي، أم أنه وجد فراغا أغراه بالتمدد فيه، فيختلط علينا الأمر، فلا نعرف ما إذا كان هو الموقف، أم التحليل باعتباره "ابن الكار"؛ وتقريبا لا يزال يقدم برنامجا على إحدى القنوات التلفزيونية.
وعندما يكون من اللازم أن نعرف الرأي المصري الرسمي، يُمنح الدور للجان الإلكترونية وللأبواق الإعلامية، وتنشر وسائل الإعلام الخارجية موقفا مصريا فتظن أنه نقلا عن مصدر مسؤول، فلا يمكنك الإمساك بأصل الكلام مع رواجه، مع أنه استقر في الوجدان أنه الموقف المعبر عن السلطة!
عندما يكون من اللازم أن نعرف الرأي المصري الرسمي، يُمنح الدور للجان الإلكترونية وللأبواق الإعلامية، وتنشر وسائل الإعلام الخارجية موقفا مصريا فتظن أنه نقلا عن مصدر مسؤول، فلا يمكنك الإمساك بأصل الكلام مع رواجه
عندما قال الدفاع الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، إن مصر هي من تحاصر غزة وهي التي تغلق معبر رفح، كان الأمر يلزمه ردا من السلطة العليا للبلاد، لكن اختفى الجميع في ظروف غامضة، وظهر رئيس هيئة الاستعلامات، معلنا أن مصر سترسل خطابا للمحكمة ترد فيه على هذه المزاعم، ولولا أنني رأيته يسحب كلامه بشكل غير واضح في حديث تلفزيوني، لكان من اللازم أن نسأل الآن: لماذا تراجعت مصر عن إرسال هذا الخطاب؟ هل تلقت تهديدا، أم أدبرت بعد أن أقدمت لأسباب أخرى؟ وهل كان المعلن اجتهادا خاصا ممن ملأ الفراغ؟ وفي أي دولة في العالم يتصرف رئيس هيئة حكومية (تتبع رئاسة الجمهورية) من تلقاء نفسه، ويحمل نظامه السياسي مثل هذه العبء، فيتصرف على أنه في حكم الموظف الفعلي، رئيسا للجمهورية، أو وزيرا للخارجية؟! ليكون الأكثر إثارة هو أن ما قام به رئيس الهيئة هو دور متفق عليه، فيصرح ثم يلحس تصريحه، من أجل قطع الطريق على من أمسكوا بتصريحات الدفاع الإسرائيلي بأيديهم وأسنانهم!
اختبار المصداقية:
وفي تطور لاحق، دعا رئيس الهيئة الصحفيين الأجانب الراغبين في اختبار مصداقية الموقف المصري، إلى إبلاغ أسماءهم له، على أن يحيلها للجانب الإسرائيلي للحصول على موافقة بدخولهم عبر معبر رفح، وهو تصرف أضحك الثكالى، لأن الأصل ألا يطلب موافقة غير مختص، وإسرائيل ليست صاحبة اختصاص قانونا في من يدخل عبر المعبر، أو من لا يدخل، وإذا توفرت الإرادة لفتَح المعبر في ذات اللحظة التي قال فيها الجانب الإسرائيلي ذلك أمام محكمة العدل الدولية، لإدخال الشاحنات المرابطة على أبوابه، فإن وصلت إلى أهل غزة فبها ونعمت، وإن قصفتها إسرائيل فقد مثّل قصفها ردا على هذا الادعاء، ليس في تبرئة الساحة المصرية من الاتهام بتجويع أهل غزة، ولكن في إثبات اتهام جنوب أفريقيا للكيان!
بيد أن مثل هذا الكلام الذي قاله رئيس الهيئة أدى دوره في اليوم الأول، كتعبير عن الموقف الرسمي، وعندما يتهافت على هذا النحو، يكون الرد إنه "محلل سياسي" يقول آراء ليس شرطا أن تعبر عن الموقف الرسمي.. فأين الموقف الرسمي؟!
الحديث في البراح:
لقد تم الترويج على نطاق واسع لتهديد مصر بتعليق اتفاقية كامب ديفيد، إذا أقدم الجانب الإسرائيلي على العدوان على رفح، لأنه إن فعل يكون قد أخلّ بهذه الاتفاقية على نحو يمثل تطورا غير مسبوق في الموقف المصري الرسمي. وقد أخذتُ على جميع المرشحين الرئاسيين بعد الثورة، أنهم أعلنوا احترامهم للاتفاقيات الدولية المبرمة في العهود السابقة، ونحن نعلم وهم يعلمون أن المقصود بذلك هي اتفاقية كامب ديفيد، حتى حمدين صباحي الذي بنى سمعته السياسية على رفض كامب ديفيد، وحتى الذين كانوا سقوطهم مضمونا، كرروا هذه الأسطوانة المشروخة، وقد ساءني ألا يوجد هناك من يتمرد على هذا الاجماع!
القوم في القاهرة احتفوا بالتهديد كما لو كان صدر منهم فعلا، ولأن المياه تكذّب الغطاس، وقد قصفت إسرائيل رفح، فتسأل عن تعليق كامب ديفيد، فحينئذ سيقولون: لم يصدر عنا تهديد كهذا، ليكون السؤال: ولماذا الصمت على خبر صدوره؟ ولماذا استغلاله كما لو كان صدر فعلا؟ ولماذا لم يصدر مع هذا الخرق لبنود اتفاقية السلام؟
ولئن يأتي نظام بعد ذلك فيلوّح بتعليق اتفاقية كامب ديفيد، ولأني أعرف حدود جهد هذا النظام، فقد اعتقدت أنه حصل على ضمانات إسرائيلية بعدم استهداف رفح، فتحدث في البراح، بحثا عن شرعية، لكن استيقظت من نومي اليوم على خبر هذا الاستهداف، فاستقر في وجداني أن الجانب الإسرائيلي ليس مشغولا بأن يؤسس لشرعيته ولو بموقف تمثيلي عنيف، فكان العدوان، لكن حدث ما لم أتوقعه!
لقد بحثت عن أصل التهديد بتعليق كامب ديفيد فوجدتها منشورات منسوبة للإعلام الإسرائيلي، ونسب إليه في نفس اللحظة أن السلطة المصرية لم تمانع في محادثات سرية مع الإسرائيليين في قصف رفح مع عدم استهداف المدنيين، فماذا في رفح غير المدنيين؟ هل توجد بها قواعد عسكرية للمقاومة؟
بيد أن القوم في القاهرة احتفوا بالتهديد كما لو كان صدر منهم فعلا، ولأن المياه تكذّب الغطاس، وقد قصفت إسرائيل رفح، فتسأل عن تعليق كامب ديفيد، فحينئذ سيقولون: لم يصدر عنا تهديد كهذا، ليكون السؤال: ولماذا الصمت على خبر صدوره؟ ولماذا استغلاله كما لو كان صدر فعلا؟ ولماذا لم يصدر مع هذا الخرق لبنود اتفاقية السلام؟ ولماذا عدم الرد الرسمي على ما أذيع إسرائيليا من عدم ممانعة على القصف مع الابتعاد عن المدنيين؟
لا يجوز في دولة بعراقة الدولة المصرية، تأسست قبل أن يعرف العالم معنى الدولة، أن يُترك فراغ يتمدد فيه رئيس الهيئة، والأبواق الإعلامية، والذباب الإلكتروني، وإعلان مواقف صدرت من غير ذي صفة ولم تصدر رسميا، مع الخذلان والتعلل بأن إسرائيل قصفت معبر رفح أربع مرات، وأن المعبر مفتوح من ناحية مصر، هل مطلوب منا أن نصدق هذا الكلام؟!
لا يجوز في دولة بعراقة الدولة المصرية، تأسست قبل أن يعرف العالم معنى الدولة، أن يُترك فراغ يتمدد فيه رئيس الهيئة، والأبواق الإعلامية، والذباب الإلكتروني، وإعلان مواقف صدرت من غير ذي صفة ولم تصدر رسميا، مع الخذلان والتعلل بأن إسرائيل قصفت معبر رفح أربع مرات، وأن المعبر مفتوح من ناحية مصر
في كانون الثاني/ يناير 2009، كنت ضمن وفد من نقابة الصحفيين المصريين ذهب إلى المعبر، وقد سبقتنا إلى هناك شاحنات من النقابة بمساعدات غذائية، وهناك وجدنا شاحنات بعدد نجوم السماء مرابطة من جمعيات وهيئات وفاعلي خير، ورفضت السلطات المصرية دخولها إلى غزة، ومع وجود وعود بالسماح لوفد الصحفيين ومساعدات النقابة بالدخول، لكن لم يحدث وقالوا بدخولها في الغد، فقط علينا أن نغادر، ولم تدخل إلى الآن!
لكننا عاصرنا رئيسا لمصر يفتح المعبر، ويسافر رئيس حكومته إلى غزة، فهل كان الرئيس محمد مرسي يتطاول بذلك على الاتفاقيات الدولية، وعلى العنفوان الإسرائيلي؟ أم أن القانون كان في صالحه، كما هو في صالح مبارك والسيسي، لكن في حالته توافرت الإرادة السياسية فمارست مصر مسؤوليتها القانونية على المعبر في أيامه، ولم تتوافر الإرادة فكان هذا الموقف المهين في أيام مبارك والسيسي؟!
إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة كانت تستدعي بيانا رسميا يوميا من رأس السلطة في مصر، فلم يقل له أحد حارب، أو قم بإعلان الحرب، لكن على الأقل لا يجوز ترك فراغ يتمدد فيه كل عابر سبيل، فلا نعرف مع هذا الغياب من الذي يحكم مصر الآن!
أعلم أن هناك رأيا في داخل الحكم يرى ضرورة أن تدخل مصر حرب (أي حرب) باعتبار هذا هو المخرج الوحيد للقفز على الأزمة الاقتصادية، لكن من مكاني هذا أقول إنه لن يقدم على هذه الخطوة أبدا، ومع هذا فإن البديل ليس الغياب، ولكن بموقف يومي، ولو لمجرد إثبات الحضور، فلا يقدر على القدرة إلا القادر، علم الله أن فيهم ضعفا.
الغياب ليس هو الحل!
twitter.com/selimazouz1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر الإسرائيلي غزة اتفاقية كامب ديفيد مصر السيسي إسرائيل غزة اتفاقية كامب ديفيد مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة اتفاقیة کامب دیفید رئیس الهیئة معبر رفح لم یصدر مع هذا
إقرأ أيضاً:
سابا الجنجويدية؟ … نموذج لفهم الموقف المهزوز لسودانيي المهجر من الحرب
محمود المعتصم - مدونة ظَلام
قائمة الروابط في اسفل المقال. أو لقراءة المقال على المدونة الرجاء الضغط على الرابط
https://www.zalam-blog.com/p/8f1
مقدمة قانونية:
أكتب هذا المقال في جو مشحون بالتهديد القانوني من قبل سابا (تجمع الأطباء السودانيين في الولايات المتحدة)، حيث تم ذكر هذا التهديد في إطار ما يمكن وصفه ب"صراع" المكتب التنفيذي الحالي مع الرئيس السابق دكتور محمد نقد والمفصل في المقال (١).
ثم يتوقع بشدة أن يتم التقاضي بحق عضو أخر في سابا، حسب بيان المكتب التنفيذي الحالي الذي نشر للعضوية، بدعوى أن العضو قد أشان سمعة المنظمة في حوار له على منصة كلب هاوس. ونأتي بتفاصيل هذه الحادثة المؤسفة في وقتها إن دعت الضرورة.
لذلك ربما تكون في خلفية كتابة هذا المقال مخاوف مشروعة، اتعامل معها ككاتب أو صحفي، عبر الوضوح في العبارة والدقة في السرد. مما قد يطيل المقال او يلغي بعضا من الجمالية الأدبية. لكننا بأي حال من الأحوال لن نسمح بأن يتم أستعمال التهديد بالقانون لتكميم افواهنا عن الحديث في شأن عام يهمنا كسودانيين وخاصة كسودانيين نريد لمجتمعنا المدني أن يزدهر بمنظمات قوية. وبالتالي فالنقد والنقاش العام بحق (سابا) هو حق أصيل في التعبير لن نساوم عليه.
وفي هذا السياق فإن التساؤل المجازي (سابا جنجويدية؟) هو ضرورة. لأنه هنالك محاولة لارهاب الناس بالقانون من التفوه بهذا التساؤل. بينما تشير كل الوقائع لأن أتباع (سابا) لفكرة (الحرب بين جنرالين) المروج لها عبر قحت/تقدم، هو مما ينفع الجنجويد ويقلل الضغط الانساني عليهم. و قحت/تقدم في تعبير لرئيسنا السابق، تتبعهم (سابا) "حذو الحافر بالحافر"، هم حلفاء للدعم السريع بينهم مواثيق موقعة أي بلا مواربة. إن التساؤل المجازي هنا هو كلمة حق يجب على عضوية (سابا) سماعها ونتمنى أن يغيروا النهج ويقفوا ضد أنتهاكات الدعم السريع (عبر المناصرة Advocacy) بصورة صارمة كما كانوا يقفون ضد انتهاكات عمر البشير بصرامة في وقت قريب.
لماذا من المهم لنا كسودانيين مناقشة (سابا) كنموذج؟
يحق السؤال وبلادنا الأم السودان تمر بأزمة وجودية، محفوفة بآلام الابادة والتطهير العرقي الذي يمارسه الدعم السريع، يحق السؤال عن جدوى مناقشة منظمة أطباء مهجر مثل (سابا). وللأجابة على هذا السؤال نقول الآتي:
١. يتشكل المجتمع المدني عموما من تشكيلات مبنية على وحدات تنظيمية صغيرة. مثل (سابا). وتعمل هذه التشكيلات على عكس مدى جودة أو سوء العقل ذي السيادة الرمزية على هذا المجتمع. فعلى سبيل المثال أبان إنطلاق ثورة ديسمبر في ٢٠١٨، حين كانت العقيدة أو العقل صاحب السيادة على أذهان رواد العمل العام هو التحول الديمقراطي وانهاء نظام الحزب الواحد في السودان. فإن تشكيلات المجتمع المدني في شكل النقابات والمنظمات المهنية والمناطقية داخل وخارج السودان كانت قد انتظمت ونسقت وتأثرت ببعضها وراكمت خبرة جعلتها من الفعالية بمكان في منح السودانيين بالمحصلة صوتا جماعيا. وبالتالي فإن الأحسان في فهم تجارب المنظمات كل على حدة. مثل تحليلنا هذا ل (سابا) يمثل عنصرا مهما في فهم طبيعة الوضع العام. فالإجابة على سؤال تحول (سابا) من منظمة ذات ريادة في حشد طاقات السودانيين في أمريكا لمناصرة التحول الديمقراطي السوداني، إلى منظمة يشوبها فتور وحالة شلل امام تحدي أخر هو الجينوسايد الجنجويدي، هو تحول لا يخص (سابا) فقط، كما هو واضح. ويمكن عبر ملاحظة هذه المسألة البدء في فهم وتفكيك الوسائل المباشرة، والاهم (غير المباشرة) التي تمكن بها العقل النخبوي للمؤسسة السياسية السودانية (نعني قحت/تقدم) التي تمكن بها هذا العقل من فرض حالة شلل على المجتمع المدني السوداني في الخارج فيما يخص الجينوسايد الجنجويدي.
٢. في عصر العولمة الحالي، فإن تشكيل الرأي العام العالمي يعد أحد أهم عوامل حل الازمات. ويمكن في هذا الاطار الاستدلال بعدد غير يسير من الأمثلة إلا أن مشروع القرار البريطاني (مع دولة سيراليون) بحق السودان والذي تم رفضه روسيا مؤخرا في مجلس الامن يمثل نموذجا جيدا للمسألة. أقرأ هنا (٢). فستجد أن بريطانيا في طرحها للمسألة على مجلس الامن ملتزمة بفرضية "الحرب بين جنرالين". وهي فرضية تسعى لطرح الأزمة السودانية كأزمة بين قوتين متكافئتين من حيث الشرعية والممارسة يطحن بينهما الشعب المغلوب على امره. وفي هذا السياق فإن تحركات بعض اللاعبين البارزين في المجتمع الدولي مثل بريطانيا ستعتمد نهجا ليس فيه انتهاك لمباديء السيادة الوطنية السودانية فحسب، بل وكذلك فيه تراخي وتجاهل لحقائق الجينوسايد الجنجويدي.
هذه الفرضية لا تمت للواقع بصلة. فستجد أن السودانيين الذين يعيشون في مناطق سيطرة الجيش ينعمون بحياة أقرب للطبيعية وبدون حالات شاذة في القمع والابادة. بينما تشير دلائل لا حصر لها على أن أي منطقة يدخلها الدعم السريع يتم فيها نزوح واسع، وقتل على الهوية، وحرق قرى (أقرأ هنا (٣)، و هنا (٤) من تقارير الاقمار الصناعية عبر جامعة ييل الامريكية ومركزها لحقوق الانسان)، وممارسة منهجية للعنف الجنسي وغيرها من تكتيكات الابادة الجماعية. مثل هذا الفيديو يوضح التهجير الجماعي لسكان أحدى قرى الجزيرة (السريحة):
كيف إذن تم تغبيش الرؤية بهذا الشكل الفظيع في إطار الرأي العام العالمي؟ الإجابة هي عبر أنتشار فكرة روجت لها المؤسسة السياسية النخبوية السودانية (قحت/تقدم) منذ أول لحظات الحرب. المؤسسة التي باتت لها علاقات غير خفية بلاعبين اقليمين مثل الامارات. وبالتالي بالدعم السريع (بات من المعروف دوليا ومحليا أن الامارات هي الداعم العسكري الرئيسي للدعم السريع). هذه الفرضية التي روجت لها تقدم/قحت. لم يتم الترويج لها سياسيا وإعلاميا فقط. بل عبر التأثير المباشر (عبر الكادر المنتمي لأحزاب قحت) وغير المباشر عبر التأثير على النخب السودانية القائمة على مؤسسات المجتمع المدني. ومثل هذا النوع من تحريك الفاعل السياسي بصورة مباشرة أحيانا، وغير مباشرة أحيانا أخرى، للمجتمع المدني هو ليس بجديد. ويحدث في بصورة دائمة يومية في الولايات المتحدة. فستجد أن الحزب الديمقراطي يعمل أصلا عبر وجوده كقائد فكري/أيديولوجي، لمجموعات عمل مدنية حقوقية، صحية، بيئية، مناطقية، ثقافية ألخ مختلفة يؤثر عليها ويخلق عبرها تحالفه في الحكومة او المعارضة. وطالما لم تكن التبعية الثقافية مما يمنعه القانون الامريكي فلا غضاضة في ذلك. كما هو واضح.
في هذا السياق فإن تحليل حالة (سابا) يكون شديد الاهمية لفهم الأنتصارات التي بدأت المؤسسة السياسية السودانية (قحت/تقدم) في تحقيقها دوليا. مثل تأثيرهم الواضح على فكرة مشروع القرار البريطاني الذي جاء تحديدا بعد زيارة لعبدالله حمدوك للملكة المتحدة. فبدون تحييد المجتمع المدني السوداني فيما يخص مسألة الجينوسايد الجنجويدي، مثل ما حدث ل(سابا)، عبر فرض فكرة أن أي وقوف واضح ومنهجي ضد الجنجويد هو دعم للكيزان (نظام الحركة الاسلامية البائد)، بدون هذا التحييد كان سيكون موقف قحت/تقدم محاصرا ومعزولا في المهاجر عبر مجهودات المجتمع المدني المنظم. بالتالي فإن ما حدث في (سابا) و بنفس القدر في الأغلبية الساحقة لمنظمات المجتمع المدني في الخارج، هو عنصر اساسي في فهم تاريخ هذه الحرب في مستوى ردة فعل المهاجرين السودانيين عليها ومدى تأثيرهم على الرأي العام العالمي السياسة الخارجة لدول المهجر.
تخيل مثلا لو وقفت المجتمعات النايجيرية في المهاجر على الحياد اثناء حرب الدولة النايجيرية ضد بوكو حرام؟ هذا بالضبط ما حدث عندنا.
٢. كنت قد أقترحت، في نقاش داخلي، على عضوية (سابا) ومكتبها التنفيذي عقد استفتاء لتحديد أي وجهة على المنظمة أن تأخذ. وبصورة طفولية تم رفض الفكرة لمجرد أنها جاءت من الطرف الخصم. وأقول طفولية لأن نفس الجهات التي رفضت الفكرة بصورة متطرفة بغير تفكير، سعت بعدها باسابيع فقط لطرح ورقة داعمة لتوجه سابا الحالي للتوقيع العام. والذي هو استفتاء بشكل من الاشكال (يجب دائما تذكر أن خريج مؤسسات التعليم العالي السودانية هو شخص غبي هيكليا).
على العموم. جاء التوقيع كما توقعت (وذكرت توقعي ذلك اكثر من مرة في النقاش الداخلي في محاولة لتهدئة مخاوف المجموعة الأخرى): من أصل حوالي ٢٤٤ عضو مسجل للتصويت في انتخابات المنظمة (حسب أخر تقرير انتخابات يمكنني الاطلاع عليه في ٢٠٢٢)، وصل عدد التوقيعات المؤيدة لخط المنظمة الحالي (حتى الان ونحن فقط داخل ٤٨ ساعة ربما منذ طرحه للتوقيع) أكثر من١٤٠ توقيعا. أي حوالي ٦٠٪ من عضوية المنظمة. (العدد مرشح للزيادة بصورة كبيرة، وجب التنبيه).
سأتوقف هنا للقول بأنه بالنسبة لديمقراطي جذري مثلي (راجع المقال الذي أدبج به هذه المدونة منذ فترة) فإنه لا يمكنني إلا القبول ب، والاعجاب ب، هذه الكثافة الديمقراطية المصطفة خلف قيادة المنظمة الحالية. ويحسم مثل هذا التصويت عندي النقاش الداخلي، إلى حين على الأقل. لكن ذلك لا يعني، مثل فهم ساذج تفاجأت أنه رائج بين عضوية (سابا)، أن القبول بالديمقراطية يعني بالضرورة استمرارية المرأ في العضوية لجماعة أو مؤسسة ما، أو أن مسعاه (الدعوة للوقوف بصورة صارمة في الدعوة ضد الجينوسايد الجنجويدي) كان خطأ. فالديمقراطية آلية لتحديد نظام الادارة، وليس لتحديد الصواب والخطأ. ولا تلغي الديمقراطية "حرية التنظيم" التي تشمل حرية انشاء تنظيمات أخرى، أو الانشقاق ألخ. أو حرية الحديث خارج المنظمة ومحاكمتها أمام الرأي العام كما أفعل هنا.
على العموم فإن سببي الثالث لهذه المناقشة العامة هو هذه الكثافة الديمقراطية لموقف "الحرب بين جنرالين" بين النخب السودانية المتعلمة في المهاجر. فالحالة التي قد يظن البعض أنها شاذة (موقف الحياد أمام حالات ابادة جماعية منهجية) تحول بسبب فعالية الكادر ال قحت/تقدمي، وفعالية ميكانيزمات الضغط والسيطرة لهذه المجموعة المتمرسة في سياسة المهاجر، تحول الموقف الشاذ ألى موقف أغلبية ساحقة بين أطباء بدؤوا كناشطين في حقوق الانسان. وذلك يستدعي وقفة للتفكير لفهم هذه النخب أولا، ثم للتفكير في أستراتيجية عامة لسودانيي المهاجر الراغبين في مجتمع مدني أكثر صحية وقدرة على تحقيق مصالح وطننا المختلفة فعلا.
(نموذج أخر لتحويل أمر شاذ لواقع هو منع النخب السودانية في الخارج لقيام مؤتمر أكاديمي للطيب صالح في بداية الالفية، بحجة أنه كوز. لهذه النخب أولا قدرة عجيبة على أخذ المواقف الخاطئة ثم قدرة على تحقيق تصوراتها على الارض).
(سابا) والحرب: التحول الغريب من العمل القاعدي الرائد للعمل الانساني المتواري:
من المهم لفهم مسألة (سابا) العودة للأمر في بدايته. وأعني في بدايات العام ٢٠١٩ أي بعد أشهر قليلة من أنطلاق ثورة ديسمبر ٢٠١٨. أقرأ مثلا هذا البوست على صفحة سابا في الفيسبوك في فبراير ٢٠١٩ (٥). فتجد سابا تدعوا إلى عمل "أني/حازم" ضد النظام السوداني وقتها. في حالة من المناصرة الواضحة ضد نظام قمعي كان يقتل الشعب السوداني بصورة وحشية (وإن كانت لا تقارن بأعمال الابادة التي يقوم بها الدعم السريع حاليا).
ثم تجد كذلك في الاعلان للاجتماع التأسيسي الاول في اغسطس ٢٠١٩ (٦) العبارة التالية:
"حضوركم يعني مشاركتكم في وضع اللبنات الأساسية لهذا الصرح الذي ولد عملاقاً وإستطاع بفضلكم في فترة وجيزة أن يترك البصمة الواضحة والأثر الملموس في نضال أمتنا المجيدة."
هذه الروح "نضال أمتنا المجيدة" هي الروح التأسيسية في (سابا). فهي جاءت كردة فعل ل"تقاعس" منظمة أطباء خيرية أخرى هي (ساما) عن التعبير عن "نضال أمتنا المجيدة" حسب الأعضاء المؤسسين ل(سابا). أنعكست هذه الروح على دستور المنظمة من ثم. فتجد في دستور المنظمة (٧) في فقرة الاهداف الهدف رقم ٦ هو العمل على الدعوة ل ومناصرة مسائل حقوق الانسان والديمقراطية والمساواة وغيرها من شروط تحقيق أهداف "نضال امتنا المجيدة".
وإذا عدت مثلا للفترة بين يونيو - يوليو ٢٠١٩، وهي فترة أزمة أجتماعية، سياسية، أنسانية ضاربة وقتها. ستجد أن كل النشاط الاعلامي للمؤسسة كان منصبا بصورة شبه حصرية لمناصرة قضية الديمقراطية في السودان. بالتأكيد كانت للمنظمة نشاطات أخرى (من بينها العمل على اكمال تأسيسها تنظيميا هي نفسها) إلا أنك ستلاحظ أن عملية التأسيس (طرح المنظمة لنفسها أمام العضوية المستقبلية) نفسه كان يتم عبر اعلام يركز على الهم العام السوداني ويخاطبه بلا مواربة. لنبدأ بالعد في فترة الشهر فقط:
أقرا هنا (٨): بوست عن حوار راديو مع قائد نقابي هو محمد ناجي الاصم.
أقرأ هنا (٩): بوست عن محمد حمدان دقلو وعلاقته الشائكة بالنظام القديم
أقرأ هنا (١٠): تقرير عن قوات الدعم السريع.
أقرأ هنا (١١): تقرير عن الديمقراطية في السودان من راديو NPR
أقرأ هنا (١٢): تقرير عن بعثة اليومانيد.
وهكذا بلا توقف بصورة شبه يومية. ففكرة أن (سابا) هي منظمة للأطباء تسعى للعب دور فعال في المجتمع المدني السوداني كانت فكرة مجمع عليها. مما جعل التعليق على، ومحاولة التأثير في، الرأي العام، فيما يخص الأحداث المتعلقة بالديمقراطية (كهدف يجب السعي له)، وحقوق الانسان (كأمر وجب حمايته)، كان مسلمة من مسلمات قيام (سابا).
ومع تطور المنظمة واشتداد عودها بدأت تأخذ أدوارا أخرى منها الإنساني الصحي (أنشاء مستشفيات، توفير اوكسجين ألخ) ومنها التعليمي والتوعوي مثل حملة التوعية ضد الكوفيد وغيرها. ومنها المتعلق بمصالح الأطباء السودانيين في أمريكا. وستجد كل ذلك منعكسا على نشاط صفحة الفيسبوك في العام ٢٠٢٠ وبعدها. إلا أن ما لم يتوقف أطلاقا هو نشاط (سابا) في الفضاء العام كمنظمة تقدم أدوار مناصرة دائمة وقوية لكل القضايا الاساسية. فتجد سابا تقيم حملة أعلامية للتوعية بأهمية قيام نقابة الأطباء والتذكير بنضالات الاطباء السودانيين تاريخيا. وتجد سابا تقيم حواريات أجتماعية وثقافية مع مفكرين وسياسيين سودانيين بارزين كبكري الجاك وعبد الله النعيم.
وتجد صفحة المؤسسة تدين مثلا محاولة انقلابية فاشلة (١٣). وبيان أخر رفقة مؤسسات أطباء أخرى يدين قمع المتظاهرين (١٤). وبيان حول مظاهرات ٢٥ أكتوبر (١٥). وهذه البيانات هي مما لا يمكن حصره. كنت قد ساهمت شخصيا في كتابة العشرات منها في فترة وجودي كمسؤول اعلامي بالمنظمة.
و لم تكن البيانات نوعا من التنفيس عبر الكتابة في حالة (سابا). بل كانت جزءا من نظام عمل عام مبني أولا على الاعلام بالبيانات وتحديد المواقف والمناصرة عبر الاعلام. ثم عقد التحالفات مع المنظمات الأخرى (شاركت سابا في عدد كبير من التحالفات المناصرة للديمقراطية، مع الأطباء وبين الجاليات وبين منظمات الاطباء الاخرى)، وأحيانا حتى عبر المشاركة في والدعوة الى التظاهرات أقرأ هنا (١٦). أو شاهد هذا الفيديو (١٧). ما أود قوله هو أن المنظمة بين الاعوام ٢٠١٩ إلى ٢٠٢٢ أو بدايات ٢٠٢٣ كانت ذات توجه في العمل العام مرتبط بصورة حميمة بمسألة مناصرة الديمقراطية وحقوق الانسان مثلما دعى دستورها.
ما الذي حدث؟
منذ اللحظة الأولى لانطلاق الحرب حدث بصورة مباشرة نقاش محتدم داخل مجموعة (سابا) على الواتساب. وأعتقد كمراقب أن سبب حصول النقاش مباشرة منذ اللحظة الاولى للحرب كان تقديم قحت في ذلك الوقت لاشارات لبداية ميلها نحو الدعم السريع مثل تصريحات شهيرة لياسر عرمان سبقت حرب ابريل بفترة (١٨). فبغير مثل هذا التجهيز النفسي للمتعاطفين أو المتأثرين بقحت، ما كان من المنطقي ان يشتعل النقاش مباشرة بين تيار داع للحياد وتيار داع للوقوف ضد الدعم السريع. فكراهية الدعم السريع كقوة ارهابية خلقها النظام السابق ومارست بحق السودانيين أنواعا من القتل والترهيب هو مما لم يكن يختلف عليه اثنان.
على العموم منذ اللحظة الاولى ظهرت أصوات داخل تجمع الأطباء تدعوا للحياد. بمعنى ابعاد (سابا) عن المسألة برمتها. وبالتركيز على العمل الخيري الإنساني. ومما عقد المسألة كان أن النقابة التمهيدية للأطباء في السودان وقتها (جسم حديث التكوين وجد نفسه بعد تكوينه بفترة قصيرة من وسط أزمة طاحنة، ففقد البوصلة في رأيي وذلك مفهوم)، كانت قد بدأت في أصدار بيانات أدانة بلغة الحياد مثل هذا البيان (١٩).
أنقسمت عضوية سابا، الفاعلة في النقاش، لقسمين. الأول يدعوا للوقوف في الحياد تحت شعار لا للحرب. الذي كانت قد أطلقته قحت وقتها وروجت له. والأخر يقول بأن هذه ليست مجرد حرب بل هي حرب بين الدولة السودانية ممثلة في جيشها، بغض النظر عن الرأي فيه (لعضوية سابا بكليتها موقف ثابت في الدعوة ضد حكم الجيش كما ذكرت في الاعلى)، وبين قوات أرهابية جهوية تسعى لتدمير الامن الوطني وتهدد الناس بارتكاب جرائم واسعة بحقهم. لكن مثلما أصرت قحت وتقدم لاحقا على موقفها (لا للحرب، حرب عبثية، حرب بين جنرالين) أصرت المجموعة داخل سابا على نفس الموقف.
ولم يغير من موقفها انتشار أخبار ممارسات الدعم السريع في مناطق سيطرتهم. مثل الأغتصاب واحتلال المنازل وغيرها. وشكلت هذه المجموعة كتلة ضغط صلبة على المكتب التنفيذي وستجد ذلك أنعكس مباشرة على طريقة (سابا) في الحديث عن الحرب. فما كان في الامس القريب لغة واضحة في أدانة الجرائم تحول للغة محايدة تحاول التركيز على الوضح الانساني كأنه وضع حدث نتيجة كارثة طبيعية. كما في هذا البوست بعد أيام من قيام الحرب (٢٠).
وإذا بحثت في صفحة (سابا) في الفيسبوك ستجد أن أولى بيانات الأدانة للدعم السريع بصورة واضحة قد جاءت بعد حوالي شهر من بداية الحرب (٢١). وبلغة المراقب للصراع، مثل منظمات حقوق الانسان الدولية التي ليس لها كثير خبرة أو معرفة بتاريخ البلد ولا تنتمي وجدانيا أليه. وكأنما "الدعم السريع" هو مؤسسة جديدة علينا أن ننتظر ونرى ما تنوي القيام به في بلدنا. وتجد البيان التالي قد جاء بعدها بشهور في نوفمبر ٢٠٢٣ (٢٢).
وجب التذكير كذلك بأنه في لحظة قيام الحرب، كان ل (سابا) حضور محدود نسبيا في السودان من ناحية العمل الأنساني. في شكل مشاريع متفرقة وكان مكتب سابا في السودان حديث الانشاء. ومن وقتها. ومع حدوث تغير كبير في نمط عمل (سابا)، بدأت (سابا) في التركيز على الجزء الانساني وتوسع نشاطها في السودان بصورة غير مسبوقة. وكبر حجمها ألى أن أصبحت أحدى أكبر منظمات العمل الانساني في السوداني أن لم تكن الاكبر. (وذلك أمر تجدر الاشادة به). وجب التذكير بهذه التفصيلة لأنه عندما كانت العضوية المطالبة بالوقوف ضد انتهاكات الجنجويد ترفع صوتها في البداية كان التعذر يأتي بخطورة ذلك على الكادر الصحي في وسط مناطق الحرب. ثم تدريجيا تحول العذر إلى خطورة ذلك على كوادر (سابا) على الأرض. و بعدها بمرور الوقت أصبح موقف الوقوف على الحياد، باشتداد الترابط بين قحت والمجموعات المتأثرة بها، نتيجة لاشداد الازمة، والاستقطاب، أصبح موقف الحياد مما لا يحتاج لتبرير.
على العموم. إذا رجعت لصفحة سابا في هذا الشهر والشهر السابق له. نوفمبر - أكتوبر ٢٠٢٤. ستجدها تعبر عن منظمة خيرية انسانية لها مشاريع متعددة. وبين الفينة والأخرى هنالك بيان أدانة. وأصبحت (سابا) بمرور الوقت تراقب الانتهاكات وتدينها بكثافة أقل بكثير من منظمات وصحف أجنبية ليس لها علاقة بالسودان. فتتخير (سابا) في أداناتها الشديد القوي من الابادة مثل أحداث الجنينة، وأحداث الجزيرة. وهي أحداث هجر فيها أقوام سودانيون بالكلية من أرضهم بعد قتلهم وأغتصابهم وتعذيب ابناءهم وحرق قراهم. تجمل كل ذلك (سابا) في بيانين، أقرأ هنا (٢٣)، وهنا (٢٤). ثم ولقلة المحتوى المتعلق تقوم سابا باعادة نشر مقابلة لرئيسها في ٤ سبمتبر ٢٠٢٣ مع احدى القنوات الامريكية (٢٥). بينما تم التخلي (وبصورة غير تدريجية) عن كل أدوات (سابا) الأخرى في المناصرة عبر التحالفات القاعدية و العمل بين الجاليات و الاعلام المستمر المنسق في شكل حملات وغيرها.
وفي اجتماعات داخلية، حاول المكتب التنفيذي تبرير التقاعس العلني في العمل ضد الجينوسايد الجندويدي، بفكرة أنهم يقومون بفعل بعض من أهداف المناصرة ضد افعال الجنجويد لكن ليس في العلن. وتم ذكر أمثلة لتلك المنجزات غير المعلنة (لا أذكر تحديدا ما تم ذكره في الحقيقة ولا يهمني، فنحن لسنا اعضاء في جمعية سرية). وذلك بالطبع عذر أقبح من الذنب. وإنتشر في سياق دفاعهم عن التقاعس القول بأن "البيانات حيلة العاجز". وإذا تركنا السطحية الواضحة في مثل هذا التصور (أغلب العمل العام هو عبر الاعلام، لا يحتاج المرء لشرح هذه النقطة)، فيصح التساؤل عن سر الكفر المفاجيء بالبيانات في منظمة كانت تبني استراتجيتها الاعلامية عليها.
مع كل ذلك كما ذكرت في الاعلى. فأكثر من ٦٠٪ من عضوية المنظمة (على أقل تقدير)، تؤيد، ويمكنني القول من نقاشات مع هؤلاء طويلة، تؤيد بصورة محمومة (ومسعورة أحيانا) التوجه الحالي للمنظمة.
بل وتسعى هذه المنظمة وبأغلبية عضويتها إلى نشر ثقافة التقاضي القانوني مع المخالفين (ينتشر بين هذه العضوية سذاجة أحيانا تجعلها تتكلم وكأنها أمتلكت ناصية القانون الامريكي فبات أداه في يدها لاخافة الاخرين، وهم بذلك جهلاء بتاريخ هذا البلد الذي يضع الحق في كتابة مثل هذا المقال في ناصية دستوره كحجر زاوية رئيسي. لأن (سابا) كما يظهر من هذا التحليل الطويل ليست شخصية خاصة نعتدي عليها برأينا، بل منظمة عامة تهم الرأي العام السوداني، والأمريكي فيما يخص مسألة الجينوسايد الجنجويدي، والحديث فيها هو تعبير بالتعريف عن رأي يراه الواحد منا صحيحا في ظرف صعب تمر به بلادنا الام).
أين نذهب من هنا؟
لقد وضح، عبر مشروع القرار البريطاني في مجلس الامن (الذي هو حصيلة نشاط دبلوماسي لتقدم بقيادة حمدوك)، بصورة لا تدع مجالا للشك، أن حربا أخرى، على مستوى المجتمع المدني، أنتهت بأنتصار معسكر الجنجويد. وتمت هذه المعركة، كما هو واضح أعلاه، داخل اروقة مؤسسات مدنية مثل (سابا).
أنتصار معسكر (الحرب بين جنرالين) الذي يصب مباشرة في مصلحة الدعم السريع وحليفته الامارات. فرض على مستوى المجتمع الدولي تصورا يلغي حقيقة أن الحرب تدور بين طرف مؤسسي على علاته، وطرف أرهابي يعتمد في حربه على تكتيكات جينوسايدية. وبالتالي فإن الوضع الدولي قد بات مهيئا لتحويل السودان لحالة من العنف اللانهائي تشبه حالات أخرى أخطأ فيها المجتمع الدولي التقدير مثل الصومال وهاييتي (بسبب فعل شعوبها أيضا).
يجب في النهاية استيعاب هذه الهزيمة. وملاحظة تفاصيلها. ثم البدء من البداية.
وتلك دورة في الممارسة لابد من تعلمها. فثنائية قصر النظر ثم اليأس أقعدت بطاقاتنا كثيرا. أرى في هذا المقال مقدمة جيدة لسلسلة مقالاتي على هذه المدونة التي سأسعى لاكمالها قريبا.
إذا نهضنا كسودانيين في المهاجر من هذه الهزيمة وأحسنا ترتيب الصفوف سيكون من الممكن عكس المسألة بصورة جذرية. فعلى طرفنا يقف الحق، والحقيقة.
لقراءة سلسلة المقالات: رسالة إلى السودانيين في أمريكا: في التنظيم والأهداف والتأثير إضغط على اللنك:
-https://www.zalam-blog.com/p/d55
الروابط:
١.https://www.zalam-blog.com/p/d6c?utm_source=substack&utm_campaign=post_embed&utm_medium=web
٢. https://www.securitycouncilreport.org/whatsinblue/2024/11/103323.php
٣.https://ysph.yale.edu/news-article/yale-researchers-confirm-nine-arson-attacks-west-of-el-fasher-sudan/
٤.https://files-profile.medicine.yale.edu/documents/0d895704-fd30-4064-8d22-715d89451b0d
٥.https://www.facebook.com/SAPAinUS/posts/pfbid02p7TrHqK963eTvEpHmx5L9D2JSyZQmuarXfDV4EsnXffNYG7vVePMLU8Gn83ouEFxl
٦. https://fb.watch/w0820EdnXm/
٧.https://sender18.zohoinsights.com/ck1/2d6f.327230a/c2919de0-d643-11ee-8d15-525400fa05f6/00b57c015a4dabda4f82069014e619005eb914b3/2?e=XLROTa1eTGA%2FR1EjKs%2FxqzF2vFq3thEDANZDdhs2RFhYiUg82F8qUvkoOpYlQAzhGm1hHeY1C6QnWhswBl1J7D8zIgjylwFDp00xIKqFefEtJJTgXNAR0oIp2Vz4JRYMgEdLzsjXopjRfWNm2U93AA%3D%3D
٨.https://www.facebook.com/SAPAinUS/posts/pfbid09Uuk985465ypqEh57TAMF1GqEBH4CCuAgep37UUi6YvXKuU8UAoAcxdEaPp1UCK4l
٩.https://www.facebook.com/SAPAinUS/posts/pfbid02fx3BGWBESndNuhe4zNcSb7nKq5Rd4bAvuRxUKdrHd8Wcbcr7zGe6nDCd2WSoqG4El
١٠. https://fb.watch/w08Fna-lSq/
١١.https://www.facebook.com/SAPAinUS/posts/pfbid02CDovenJySAXXtiTY4U7xkjHVsxZQshyuT72YQo9Kbh8xeqVnue2ory7fZ3bHSAGFl
١٢.https://www.facebook.com/SAPAinUS/posts/pfbid0zEUALPuvWEiVvmog7Nzi4FKZCLqzqzJXATVk1cWEWv431w7FWXLyYGHKGDgwQyDel
١٣.https://www.facebook.com/SAPAinUS/posts/pfbid02sFdGotDDc8AhXpQPVqCcRxR1DpmhxfpMSb2Yndfpobz2ohamsJAntjBtSku9kUUFl
١٤.https://www.facebook.com/SAPAinUS/posts/pfbid02EKgsrxbTVZXreX77vKEkcuoRgshrqqrJM2VWJr8FtiE8Qygt92a3QiiH55msEpKAl
١٥.https://www.facebook.com/SAPAinUS/posts/pfbid0viuEnd622HSuCeWFknSJMPKSroJ24aH5v9QJgM9k9Hs2MN9AujyfxM2empHYjonjl
١٦.https://www.facebook.com/SAPAinUS/posts/pfbid02qmtwJnk8qWeAXoRg44nypY14TyRb6MVNVULjRYyJ7kccuP5ramACrDDLaMDbttMAl
١٧. https://fb.watch/w09SB-lV6a/
١٨. https://www.facebook.com/watch/?v=1168462607065742
١٩.https://www.facebook.com/SudanDoctorsTrandeUnion/posts/pfbid02sRtgnwA2siS3B3wTpDLrjP4XpXSGn982S4W1RJrKh9bL8E48xS9yGkPdV8jXBLLZl
٢٠.https://www.facebook.com/SAPAinUS/posts/pfbid02fbqL1mupreVCFSBJbbnL7WZ7q9HKtZAHD7iubP66oy4BwYALRHzBWw2gPiKGN2vwl
٢١.https://www.facebook.com/SAPAinUS/posts/pfbid0Bw6rYzjcptoXBR3gPa17dveeWNfunHrZoS7vtY1WxDNUzCBxjodhc1R7aZeboo6Rl
٢٢.https://www.facebook.com/SAPAinUS/posts/pfbid0osVACMFFXXw2uxudnR9UMmqP9JQgRUhAWXptXBNLtgAVHUbQCxXxQusEBSitcJ8cl
٢٣.https://www.facebook.com/SAPAinUS/posts/pfbid0xHDcNEFdnQHft8r6y14wXUY9h7ySNiw2Cqom7SLM7JceM9D6AuHxW7v2dew9w1uSl
٢٤.https://www.facebook.com/SAPAinUS/posts/pfbid0dhkZ3wgGLBdWDxRX6GiJN3nhcZ8ZjTLxCb4JuaK44JSe43oddbvWa6JUWPEdvueRl
٢٥. https://fb.watch/w0cl1hQYn6/
محمود المعتصم
mahmoud.elmutasim@gmail.com