بالتوازي مع كل الازمات السياسية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان، وفي ظل المعارك العسكرية التي تؤثر على جزء كبير من جغرافيا هذا البلد والتي يمكن ان تتوسع بشكل مفاجئ وتدخل كامل لبنان في حرب مدمرة، يبدو ان بعض الاطراف الداخليين العاطلين عن العمل السياسي في هذه اللحظة الحساسة يرغبون بالقيام بخطوات توصل البلد الى ما يشبه الفوضى السياسية ويزيد من حدة الانهيار العام الذي يصيب كل مرافق الدولة.
يشعر "التيار الوطني الحر" بالكثير من الفراغ السياسي في ظل تركيز المبادرات الخارجية والوساطات على التواصل مع طرفين، الاول هو "حزب الله" المعني الاول بالتسوية الداخلية والمعارك الحدودية والطرف الثاني هم قوى المعارضة، وعليه فإن "التيار" تحديدا يجد نفسه على هامش الحياة العامة وهذا ما لم يعتد عليه رئيس جبران باسيل الذي يرغب بأن يكون الحدث حتى ولو من الناحية السلبية.
استعاد "التيار" خطاب السنة الماضية المرتبط بحكومة تصريف الاعمال وصلاحياتها وكيفية عملها، وقد حوّل" التيار" حملته الى عنوان اساسي يهدد واقع لبنان المؤسساتي، علما ان هذا الموقف السياسي من الحكومة، وان كان يصلح في الايام والاشهر الاولى لانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون،فقد بات اليوم لزوم ما لا يلزم، لا بل معاكسا تماما للمصلحة الوطنية العامة التي يدعي "التيار" انه يدافع عنها ويسعى الى تحقيقها.
فالحكومة التي وجدت نفسها تدير بلداً منهاراً في لحظة اندلاع شبه حرب اقليمية وفي ظل وجود 100 الف مهجر من الجنوب، كان عليها الاختيار، بين مراعاة "الهرمونات" السياسية العونية وبين العمل وفق ما تقتضيه الظروف الطارئة، وهذا ما حصل، اذ يقوم مجلس الوزراء الذي يشارك فيه وزراء مسيحيون بواجباته من اجل تسيير شؤون لبنان بعد اكثر من سنة من الفراغ الرئاسي الذي لا يمكن بالاصل اعتباره امرا روتينيا.
لكن من جهة اخرى هناك نظرية سياسية تتحدث عن ان "التيار"يرغب بأن يذهب لبنان نحو شكل جديد من الفوضى والانهيار لانه يحقق من ذلك امرين، الاول اظهار ان سبب المشكلة لم يكن الرئيس ميشال عون وعهده والسياسات العونية خلاله، والثاني هو المساهمة في تفتيت المؤسسات والذهاب الى مؤتمر تأسيسي او نظام سياسي جديد لطالم حلم به عون ومن بعده باسيل، وقد تكون الطريقة المثالية للوصول الى هذا الهدف هي تعطيل الحكومة في هذا الظرف الحساس..
عمليا لا تخرج مشاغبات "التيار" من اطار تضييع الوقت لانه لا يملك الادوات السياسية والحكومية او النيابية لاحداث تأثير فعلي في الاحداث ولا يمكنه تعطيل الحكومة، لكنه قد يتمكن من الاستمرار بشد العصب العوني ومنع النزف الشعبي الذي كان يتعرض له في السنوات الماضية .
وعليه قد تستمر الضجة الاعلامية التي يقوم بها التيار، وستشمل امورا وقضايا اخرى مختلفة عن الحكومة وعملها.. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
التيار العالق في المنطقة الرمادية.. هل يحسم خياراته؟
في المشهد السياسي اللبناني المُتشابك، يبرز "تيار"واحد، يواجه تحدياتٍ وجوديةً بعد انهيار تحالفاته السابقة وعجزه عن نسج تحالفات جديدة مع قوى المعارضة. "التيار الوطني الحر"، الذي كان يُعتبر لسنواتٍ جزءاً من شبكة تحالفاتٍ واسعة، يجد نفسه اليوم في عزلةٍ سياسيةٍ مُقلقة، خصوصاً بعد انفصاله عن "حزب الله"، ما يطرح تساؤلاتٍ حول مستقبله وقدرته على الحفاظ على تأثيره في ظلّ نظامٍ طائفيٍ يعتمد على التوازنات الهشة.
بدايةً، كان تحالف "التيار" مع "حزب الله" يعكس محاولةً لتعزيز القوة التفاوضية لكلا الطرفين في مواجهة كتلٍ سياسيةٍ أكبر. لكن الخلافات الداخلية، التي تفاقمت بسبب اختلاف الرؤى حول قضايا حساسة مثل الموقف من الملف الاقتصادي والإصلاحات المطلوبة، أو التعامل مع الصراعات الإقليمية، أدت إلى انهيار هذا التحالف. لم يقتصر الأمر على خلافاتٍ تكتيكية، بل تحوّل إلى صراعٍ حول الهوية السياسية للتيار نفسه، حيث اتُهم بتبنّي سياساتٍ انتهازيةٍ تُقدّم المصالح الضيقة على المبادئ المُعلنة وهذا ما عرضه لموجة هجمات اعلامية من كل الاطراف.
بعد هذا الانفصال، حاول "التيار الوطني الحر" تعويض خسارته بالتقارب مع قوى معارضةٍ أخرى، لكنّ تلك المحاولات باءت بالفشل. تعود أسباب هذا الفشل إلى عوامل متعددة، أولها انعدام الثقة بين التيار وخصومه السابقين، خاصةً بعد تورطه في تحالفاتٍ مع أطرافٍ اعتبرها المعارضون جزءاً من النظام القائم. كما أن خطاب التيار، الذي يجمع بين شعبوية طائفية ومواقف غامضة من قضايا الإصلاح، جعله عاجزاً عن تقديم نفسه كبديلٍ مقنعٍ للقوى التقليدية. في الوقت ذاته، تنظر إليه قوى التغيير بشكٍّ كبيرٍ بسبب تاريخه السياسي المرتبط بتحالفاتٍ مع احزاب السلطة، ما يجعله في عين هذه الاطراف امتداداً للواقع الذي تُحاربه.
من ناحيةٍ أخرى، يعاني "التيار" من أزمةٍ داخليةٍ تُعمّق عزلته. فغياب رؤيةٍ واضحةٍ للتغيير، واعتماده على زعيم فردي يفتقر إلى الحاضنة الحزبية الواسعة، قلّص قدرته على جذب شرائح جديدة أو استقطاب أحزابٍ صغيرةٍ قد تُشكّل حلفاءً محتملين. كما أن التحديات الاقتصادية الخانقة في لبنان، والتي حوّلت الأولويات الشعبية نحو قضايا المعيشة اليومية، جعلت الخطاب السياسي التقليدي الذي يعتمده التيار أقلَّ جاذبيةً بالنسبة للناخبين الذين يطالبون بحلولٍ عمليةٍ عوضاً عن الشعارات.
في الخلفية، تُفاقم العزلةُ السياسيةُ للتيار مخاطرَ تهميشه في المعادلات المستقبلية. ففي نظامٍ يعتمد على المحاصصة، يُهدّد انخفاضُ قدرة التيار على تشكيل تحالفاتٍ بفقدانه حصته في المؤسسات، بل ربما اندماجه في كتلٍ أكبر للحفاظ على وجودٍ رمزي. لكن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو تحوُّله إلى تيارٍ هامشيٍ يعتمد على الخطاب الطائفي في معاقله التقليدية، من دون أن يكون لاعباً رئيسياً في صناعة القرار.
بالتالي، فإن عجز التيار الوطني الحر عن تكوين تحالفاتٍ جديدةٍ ليس مجرد تحدٍّ تكتيكي، بل هو تعبيرٌ عن أزمةٍ بنيويةٍ في خطابه وسياساته. ففي مشهدٍ سياسيٍ يتّجه نحو الاستقطاب الحاد بين مختلف الاطراف، يبدو التيار عالقاً في منطقةٍ رماديةٍ لا هو بالمتمسك بالقديم ولا هو بالمنخرط في الجديد، مما يجعله ضحيةً لتحوّلاتٍ تاريخيةٍ قد تُعيد رسم خارطة القوى من دونه.
المصدر: خاص "لبنان 24"