التصوف والخضوع للطائفية بين المثقفين السودانيين
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
زهير عثمان جمد
التصوف هو مذهب ديني وفكري يركز على العِلاقة الروحية بين الإنسان والله، ويسعى إلى تحقيق الوحدة والمعرفة والحب والسلام. الطائفية هي موقف أو سلوك يعتمد على الانتماء إلى طائفة أو جماعة معينة، ويتسم بالتعصب والتمييز والتفرقة. هذان المفهومان يبدوان متناقضين في الظاهر، فكيف يمكن أن يجتمعا في واقع المثقفين السودانيين؟
هذا البحث يهدف إلى استكشاف هذه الظاهرة من منظور تاريخي واجتماعي وثقافي، وتحليل أسبابها وتأثيراتها على المجتمع السوداني.
مفهوم المثقف والمثقف السوداني
قبل الدخول في موضوع البحث، لابد من تحديد مفهوم المثقف والمثقف السوداني. المثقف هو الشخص الذي يمتلك معرفة وثقافة وفكراً متقدماً، ويستطيع أن ينتقد ويحلل ويبدع ويؤثر في الواقع الذي يعيش فيه. المثقف السوداني هو المثقف الذي ينتمي إلى السودان أو يعيش فيه أو يهتم به، ويمتلك معرفة وثقافة وفكراً متعلقة بالسودان وتاريخه وحضارته ومشاكله وقضاياه.
المثقفون السودانيون هم جزء لا يتجزأ من المجتمع السوداني، ولهم دور هام في تشكيل الوعي والرأي العام، وفي المشاركة في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية. المثقفون السودانيون هم أيضاً متنوعون ومتعددون في انتماءاتهم واتجاهاتهم ومواقفهم، وهذا ينعكس على طريقة تعاملهم مع القضايا المختلفة، بما في ذلك قضية التصوف والخضوع للطائفية.
تاريخ التصوف والطرق الصوفية في السودان
يعود دخول التصوف إلى السودان إلى منتصف القرن السادس عشر الميلادي، عندما بدأت الطرق الصوفية في الانتشار في البلاد، خاصة بعد قيام دولة سنار الإسلامية (1504-1821م)، التي شجعت توافد العلماء والدعاة والصوفية إلى السودان. منذ ذلك الوقت، ظل التصوف والصوفية على ارتباط بالمتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية في الحقب التاريخية المختلفة للسودان ودول الجوار.
الحركة الصوفية في السودان مرت خلال مراحل مختلفة، يُعتقد أنها مرت بثلاث مراحل البداية , المرحلة الأولى: لا تتوفر معلومات عنها بسبب انقطاع الأخبار. في هذه الفترة، كان السودانيون يعتنقون الإسلام السُني الذي دخل مع بواكير دخول الإسلام للسودان على يد الصحابي الجليل عبد الله بن أبي السرح رضي الله عنه، وهجرات القبائل العربية بعد ذلك.
المرحلة الثانية: شهدت ظهور الطرق الصوفية مثل الشاذلية والقادرية والتيجانية والبرهانية والسمانية والختمية والمهدية. هذه الطرق انتشرت في كل أرجاء السودان، وهي ممتدة إلى دول الجوار في نيجيريا وتشاد ومصر وغيرها. وتتنافس هذه الطرق فيما بينها على الشارع السوداني، وتقوم بتقديم خدمات مفيدة للناس مثل إنشاء المدارس والمستشفيات والمعاهد الدينية والجامعات والخلاوي لحفظ القرآن.
المرحلة الثالثة: ظهرت نتيجة لمؤثرات الحجاز القوية التي بدأت في أواخر القرن السابع عشر الميلادي. وشهدت هذه المرحلة ظهور طرق جديدة مثل الإسماعيلية والسبعينية والأنصارية والمريدية والطيبية. وقد اهتمت هذه الطرق بنشر تعاليمها ومبادئها وأورادها الخاصة، وبالتأثير في العامة وطريقة العبادة مع اضفاء مقام كبير لشيخ الطريقة
بعض المثقفون السودانيون يرون أن التصوف هو النسق الأنسب لتدين السودانيين، وأنه يمثل الإسلام الوسطي والمعتدل والمنفتح والمرحب بالتنوع والاختلاف. ويرون أن الطرق الصوفية تقدم رؤية شاملة ومتكاملة للحياة، وتحقق التوازن بين الجسد والروح، وتعزز القيم الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية. ويرون أن الشيوخ الصوفية هم أولياء الله وأحبابه، وأنهم يملكون معجزات وخوارق تثبت صدقهم وقربهم من الله. ويرون أن الانتماء إلى طريقة صوفية معينة هو مسألة خاصة وشخصية، ولا يعني التنازل عن الهوية الوطنية أو الإسلامية.
بعض المثقفون السودانيون الآخرون يرون أن التصوف هو انحراف عن الإسلام الصحيح، وأنه يمثل الإسلام الظاهري والشعائري والمغلق والمنغلق على الذات والمنبوذ من العالم. ويرون أن الطرق الصوفية تقدم رؤية ضيقة ومشوهة للحياة، وتخلق التفرقة والتشتت بين المسلمين، وتضعف العقل والإرادة والمبادرة. ويرون أن الشيوخ الصوفية هم دجالون ومخادعون، وأنهم يستغلون الناس ويضلونهم بادعائهم المعجزات والخوارق التي لا أساس لها من الصحة. ويرون أن الانتماء إلى طريقة صوفية معينة هو مسألة عامة وسياسية، ويعني التخلي عن الهوية الوطنية أو الإسلامية.
هناك أيضاً مثقفون سودانيون يحاولون الوسطية والموازنة بين هذين الموقفين، ويرون أن التصوف والطرق الصوفية لها جوانب إيجابية وسلبية، ويجب التمييز بينها والاستفادة من الجيد والتخلص من السيء. ويرون أن الشيوخ الصوفية هم بشر مثلنا، ويجب تقييمهم بما يقولون ويفعلون، وليس بما ينسب إليهم من معجزات وخوارق. ويرون أن الانتماء إلى طريقة صوفية معينة هو مسألة حرية واختيار، ولا يجب أن يؤثر على الانتماء الوطني أو الإسلامي.
يُعدّ التصوف ظاهرة تاريخية واجتماعية وثقافية معقدة في السودان، حيث يرتبط بمتغيرات مختلفة على مرّ العصور. ونجد بين المثقفين السودانيين آراءً متباينة حول التصوف والطرق الصوفية، تتراوح بين التأييد المطلق والرفض التام، مع وجود تيار وسطي يحاول التوازن بين هذين الاتجاهين.
التصوف بين الإيجابية والسلبية , يُقرّ الجميع بأنّ للتصوف جوانب إيجابية وسلبية، حيث يُعزّز القيم الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية، ويُقدّم رؤية شاملة للحياة، ويُحقّق التوازن بين الجسد والروح. بينما يُنتقد التصوف أحياناً لِما يُعزّز من الطائفية والانغلاق على الذات، ويُضعف العقل والإرادة والمبادرة.
التصوف والهوية , يُثير الانتماء إلى طريقة صوفية معينة نقاشاً حول الهُوِيَّة، حيث يرى البعض أنّه يُمثّل تنازلاً عن الهُوِيَّة الوطنية أو الإسلامية، بينما يرى آخرون أنّه مسألة حرية واختيار لا تُؤثّر على الانتماء الوطني أو الإسلامي.
التصوف والوسطية أنها من اهم القضايا ,يُمثّل الوسطية والتوازن بين إيجابيات وسلبيات التصوف نهجًا سليمًا لفهم هذه الظاهرة المعقدة. ويُمكن الاستفادة من الجوانب الإيجابية للتصوف مثل تعزيز القيم الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية، بينما يجب التخلص من الجوانب السلبية مثل الطائفية والانغلاق على الذات.
التصوف والتحليل الدقيق لنبدأ بنظرة علمية للتصوف , يُمكن تحليل ظاهرة التصوف والطائفية بين المثقفين السودانيين بواسطة دراسات أكاديمية و اجتماعية تُسلّط الضوء على مختلف جوانبها، وتُساعد على فهمها بشكل أفضل.
التصوف والوحدة الوطنية , يُعدّ التصوف ظاهرة تاريخية واجتماعية وثقافية راسخة في السودان، ويجب التعامل معه بِحكمةٍ ووعيٍ لِما له من تأثير على الوحدة الوطنية.
التصوف والتنوع , يُمكن للتصوف أن يُمثّل جسراً للتواصل بين مختلف الثقافات والأديان في السودان، وتعزيز التسامح والاحترام المتبادل.
التصوف والمستقبل ÷نالك الكثير من الشباب ينقاش الامر بجدية ولكن لاأحد يشاركهم الاهتمام يُمكن للتصوف أن يؤدّي دورًا إيجابيًا في بناء مستقبل السودان، من خلال تعزيز القيم الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية، ونشر ثقافة التسامح والاحترام المتبادل.
أحيرا أقول أنه يُعدّ التصوف ظاهرة معقدة تتطلب تحليلاً دقيقاً وفَهْماً شاملاً من قبل المثقفين والمجتمع السوداني ككل. ويبقى السعي نحو الوسطية والتوازن بين إيجابيات وسلبيات التصوف هو النهج السليم لِما له من تأثير على الوحدة الوطنية والتنوع الثقافي في السودان.
zuhair.osman@aol.com
///////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الطرق الصوفیة فی السودان
إقرأ أيضاً:
بالصور.. نائب محافظ الأقصر يؤكد أهمية العمل التطوعي لتعزيز روح الانتماء للوطن
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكد الدكتور هشام أبوزيد، نائب محافظ الأقصر، أهمية العمل التطوعي الذي يعزز روح العطاء والانتماء للوطن وتزكية الجوانب الإنسانية والدينية وتوجيه طاقة الشباب في الخير والمشاركة المجتمعية، مشيرا إلى أهمية مبادرات المجتمع المدني إلى جانب الدور الحكومي في التخفيف على الأسر البسيطة ورفع المعاناة عن كاهلهم وتحقيق حياة كريمة لهم.
جاء ذلك خلال حضور نائب محافظ الأقصر، الاحتفالية التي نظمتها إحدى المؤسسات التنموية بمناسبة اليوم العالمي للتطوع والإحتفال بمرور عام على إفتتاح مشروع الصدقة الجارية "الحضانة حياة" للأطفال حديثي الولادة والمبتسرين المجاني، والتي أقيمت بقاعة المؤتمرات الدولية بالأقصر.
تكريم عدد من القيادات المؤثرة في العمل التطوعي بالأقصروتضمنت فعاليات الاحتفالية مجموعة من الفقرات الفنية، وتكريم عدد من القيادات المؤثرة في العمل التطوعي، وعدد من المتطوعين المتميزين، وتكريم فريق مشروع الصدقة الجارية "الحضانة حياة"، كما تضمنت الاحتفالية عقد لقاء حواري مفتوح مع نائب محافظ الأقصر الدكتور هشام أبوزيد، بحضور الدكتور أحمد محي عميد كلية الفنون الجميلة بالأقصر، والدكتور مصطفي حرزالله.
IMG-20241224-WA0002 IMG-20241224-WA0003 IMG-20241224-WA0004 IMG-20241224-WA0005 IMG-20241224-WA0006 IMG-20241224-WA0007 IMG-20241224-WA0008 IMG-20241224-WA0009 IMG-20241224-WA0010 IMG-20241224-WA0011 IMG-20241224-WA0012 IMG-20241224-WA0013 IMG-20241224-WA0014 IMG-20241224-WA0015 IMG-20241224-WA0016 IMG-20241224-WA0017 IMG-20241224-WA0018