أخبارنا المغربية ـ الرباط
احتشد عشرات آلاف المغاربة بمدينة الرباط، صباح الأحد، في مسيرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني، دعت إليها "مجموعة العمل الوطني من أجل فلسطين".
وحمل المشاركون في المسيرة صورا للمسجد الأقصى والعلمين المغربي والفلسطيني، مطالبين بوقف فوري لحرب إسرائيل على غزة وإنهاء التطبيع.
ورفع المحتجون شعارات تندد بالصمت الدولي، تجاه الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، والتي خلَّفت لحدود الساعة 28 ألفا و64 شهيدا و67 ألفا و611 مصابا، معظمهم أطفال ونساء، بالإضافة إلى آلاف المفقودين تحت الأنقاض، وفقا للسلطات الفلسطينية.

وعرفت المسيرة التي انطلقت أمام "باب الحد"، صوب مقر مجلس النواب، (عرفت) مشاركة حقوقيين وسياسيين وأكاديميين، بالإضافة إلى مختلف الفئات العمرية والمهنية.






المصدر: أخبارنا

إقرأ أيضاً:

بين تكالب الأعداء وسُبل المواجهة القرآنية.. مميزات المسيرة الجهادية

يمانيون/ تقارير

تواجه الأمة العربية والإسلامية حرباً عدوانية مستمرة متعددة الجبهات، حيث تتعدد أوجه الهجمات وتتقاطع لتسعى إلى فرض واقع جديد في المنطقة يعزز الهيمنة الغربية ليس على الجغرافيا والثورات بل السيطرة على العقول وتجريف الهوية العربية والإسلامية وتهويد المنطقة بأسرها.. العدوان الصهيوني المتواصل على غزة ليس مجرد محاولة لتدمير المقاومة الفلسطينية التي تمثل المترس المتقدم للدفاع عن الأمة فحسب، بل هو جزء من مخطط أوسع يهدف إلى تغيير معالم المنطقة العربية وإعادة رسم خارطتها السياسية والجغرافية. إذ إن قادة العدو الإسرائيلي لا يخفون أهدافهم، فهم يعلنون بشكل صريح عن طموحاتهم في إقامة ما يسمى “إسرائيل الكبرى”، التي تمتد من فلسطين إلى لبنان وسوريا والعراق، وتشمل مصر وأجزاء من السودان، وصولاً إلى السعودية والكويت، مع أهداف معلنة لاحتلال مكة المكرمة والمدينة المنورة.

إنها حلقة في سلسلة طويلة من المؤامرات على الأمة بأسرها، ولم يعد حلم العدو الصهيوني متوقف على إقامة كيان صهيوني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بل بات سقف العدو مرتفعا يهدف إلى إزالة أي مقاومة قد تحول دون تنفيذ مخططاته التوسعية. بدءا من المقاومة الفلسطينية واللبنانية ثم بقية أحرار الأمة فمن يرفض الخضوع ليس أمامه سوى الحرب والإبادة..

الغرب كله اليوم يتكتل خلف الولايات المتحدة الأمريكية في عدوانها المتواصل على منطقتنا، وفي هذا السياق لا يُعد العدوان الأمريكي على اليمن بجديد، بل هو امتداد لسلسلة من الحروب المدمرة التي بدأتها أمريكا بتدمير أفغانستان ثم العراق، مرورًا بتدمير ليبيا، وصولًا إلى العدوان على اليمن، الذي استمر لثماني سنوات بقيادة المملكة العربية السعودية، ولكن بتخطيط وتنفيذ أمريكي مباشر. ولا يتوقف الأمر هنا؛ فقد تبع ذلك العدوان على سوريا واحتلال منابع النفط وصولا لتغيير النظام هناك. ومؤخرًا، تم تكرار العدوان على اليمن مرة أخرى وبدون أقنعة هذه المرة، وهو ما يظهر بوضوح في تكامل الأدوار بين القوى الغربية في استهدافها لأمتنا قديما وحديثا..

 

ما هو الحل؟

إن من يحكم أمريكا ويوجهها هم الصهاينة، الذين يستفيدون من هذه الحروب والمآسي التي تتجرعها أمتنا، وتستمر في دفع ثمنها يومًا بعد يوم. في هذا الظرف الصعب، الذي يحاول فيه أعداؤنا تغيير معالم المنطقة وفرض هيمنتهم عليها، يصبح السؤال محوريًا: ما هو الحل؟.

الحل يكمن في العودة إلى الله أولًا، والرجوع إلى كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، لكي نفهم طبيعة هذا الصراع الذي نعيشه اليوم، وكيفية التحرك لمواجهة أعدائنا التاريخيين الذين لا يزالون يتربصون بنا من كل جانب. علينا أن نعود إلى الفهم الصحيح لما أمرنا به الله سبحانه وتعالى في قرآننا الكريم، وكيفية تطبيق تعاليمه في مواجهة كل تلك التحديات. كما تحرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه في مواجهة أعداء الأمة، فعلينا أن نستلهم عزيمتهم ونقف صفًا واحدًا في مواجهة المخططات التي تهدف إلى زعزعة أمننا واستقرارنا وهذا ما سنحاول تناوله في هذا التقرير:

 

الصراع بين الحق والباطل: جذور قرآنية وبُعد تاريخي

الصراع بين الحق والباطل ليس ظاهرة مستجدة في حياة البشرية، بل هو حقيقة أزلية بدأت مع أول لحظة للاستخلاف الإنساني، كما يشير القرآن الكريم في قوله تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: 16]. فإبليس، عدو الإنسان الأول، أقسم أن يجعل حياة الإنسان ميدانًا للفتنة والانحراف، وجعل من معركة الإغواء والانحراف والتضليل معركته الدائمة.

ومنذ ذلك الحين، وُجِدت في كل مرحلة من مراحل التاريخ الإنساني جبهتان متقابلتان: جبهة تحمل لواء الحق، وترنو إلى طاعة الله، وبناء الحياة وفق منهجه، وأخرى تمثل الباطل، وتسعى إلى الهيمنة والفساد، والصد عن سبيل الله.

وقد أكدت النصوص القرآنية أن هذا الصراع قائم لا محالة، بل هو من سنن الله، لا يمكن للأمة الإسلامية أن تتجاهله أو تتجاوزه، لأن الباطل لا يتوقف عن الكيد، ولا يهدأ له بال ما دامت هناك أمة تقول “ربنا الله”، وتعمل لدينه، وتقف في وجه الطغيان. يقول الله سبحانه: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]، وهذه آية واضحة في الكشف عن طبيعة العدو، وعدائه العقائدي العميق.

ولذلك، فإن من يظن أن الصراع مع العدو الصهيوني أو الأمريكي أو غيرهما هو صراع مصالح فقط، أو تنافس على النفوذ، يغفل عن البعد العقدي والعقائدي العميق. إنه صراع وجودي يستهدف ديننا، وعقيدتنا، وكرامتنا، وهويتنا، ومقدساتنا، وثرواتنا، وكل أسباب قوتنا ونهضتنا. وقد بيّن الله ذلك حين قال: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ} [الحج: 55].

وما العدوان المستمر على غزة، والحرب التي تُشن على اليمن، والمؤامرات التي تنهش جسد سوريا، إلا تجليات حديثة لذلك الصراع التاريخي. فالأعداء لم يتحركوا بدافع الخوف من خطر عسكري آني، بل تحركوا لأن هناك وعيًا مقاومًا، ونهجًا تحرريًا، وإرادة شعبية تريد التخلص من التبعية والاستعمار. وهذا ما يكرهه المستكبرون.

 

لا حلول سلمية مع الأعداء

ولأن هذا الصراع ليس بجديد على أمتنا فقد سعت بكل الوسائل بما فيها المعاهدات والتنازلات الكثيرة التي قدمتها طمعا في الاستقرار والسلام، إلا أن العدو كان يرفض وينكث والتعامل معه بأسلوب الاسترضاء، والتنازلات، لم يعد يجد بل أصبح الجهاد والمواجهة، والاستعداد بكل ما نستطيع من أدوات القوة والإيمان، هو الحل وهو الذي أمرنا الله به كما في قوله: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]. كما يمثل الرسول صلوات الله عليه وعلى آله بالنسبة لنا الأسوة والقدوة وفي مسيرته الدروس والعبر التي تكفينا وزيادة لمواجهة أعدائنا.

إن سيرة نبينا وقائدنا وقدوتنا الجهادية التي أسسها (صلوات الله عليه وعلى آله)، كانت امتدادًا طبيعيًا لهذا الصراع الأزلي، وجزءًا من سنة إلهية في التدافع بين قوى الخير والشر، وهذا ما يجعل الجهاد ليس طارئًا على مسار الدين، بل ركنًا أصيلًا من أركان المواجهة بين الحق والباطل، وعلى الأمة أن تكون فيه من جند الله، لا أن توالي اليهود الذين يسومونها سوء العذاب وأن تتجند تحت الراية الأمريكية.

 

معيار الإيمان والاستجابة للجهاد في القرآن

لقد بيّن القرآن الكريم بشكل لا لبس فيه أن الاستجابة لأمر الجهاد ليست مجرد مظهر من مظاهر الالتزام، بل هي معيار جوهري لمصداقية الإيمان، وميزان يُفرّق بين المؤمنين الصادقين، وبين من ادّعى الإيمان دون ترجمة عملية لمقتضياته. فالجهاد ليس شعارًا، بل موقفٌ وسلوك، وتضحية بالمال والنفس في سبيل الله، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15].

هذه الآية الكريمة تؤكد أن الجهاد يُعبّر عن الإيمان الراسخ، والإخلاص الصادق، واليقين الثابت. فالمؤمنين الذين لم يرتابوا، ولم يتأثروا بالحملات الدعائية، هم الذين لبّوا النداء الإلهي، وتحركوا بوعي ويقين، لا باندفاع أعمى. وبالمقابل، فإن من تخلف عن الجهاد، أو تعامل معه كعبء، أو خاف من تبعاته، يكون قد وقع في أحد مظاهر الريبة أو ضعف الإيمان.

وقد ميّز القرآن بوضوح بين الصف المؤمن المجاهد، والصف المنافق المثبط. فقال الله تعالى:

{لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التوبة: 88].

وفي المقابل قال في المنافقين:

{رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 87].

وهذه الآيات توضح أن المعيار الحقيقي للإيمان لا يكمن في مجرد القول، أو في الصلاة والصيام فحسب، بل في الاستعداد للتضحية، وفي حمل راية الجهاد والذود عن الدين والأمة. فالجهاد هو امتحان الإخلاص، وميزان الولاء، وبه يُعرف الثابت من المتلون، والمخلص من المدّعي.

وليس أدلّ على ذلك من موقف النبي صلى الله عليه وآله من الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، فقد تميز حينها المخلصون من المتخاذلين، وفضح الله في كتابه كل من حاول التبرير أو التهوين من شأن التخلف، فقال:

{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ۖ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ ۖ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ۖ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} [التوبة: 95].

إذًا، فالقرآن يجعل من الجهاد ركنًا في العقيدة، لا مجرد خيار، ومن التحرك في سبيل الله مسؤولية مشتركة، لا مهمة نخبوية. ولهذا فإن تخلف بعض أفراد الأمة عن هذا الفرض، يُعتبر خللًا في الإيمان، وتفريطًا في الأمانة، وتضحية بالكرامة.

وفي ظل ما تتعرض له الأمة اليوم من عدوان واستباحة، فإن معيار الإيمان الحقيقي يتجلى فيمن يتقدمون الصفوف، ويدفعون ضريبة الانتماء لهذا الدين، كما فعل المجاهدون في غزة واليمن ولبنان. فهؤلاء هم أهل الإيمان الحق الذي صدّقوه بالجهاد، والذين وعدهم الله بقوله:

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].

 

خطر النظرة السلبية للجهاد

من أكبر المصائب الفكرية والعقدية التي ابتُليت بها أمتنا المعاصرة، هي تلك النظرة السلبية إلى فريضة الجهاد، إذ بات كثير من الناس – حتى من المتدينين – ينظرون إلى الجهاد باعتباره عبئًا ثقيلًا، ومصدرًا للاضطراب والدمار، لا كونه فريضة إلهية عظيمة تُبنى بها الأمم وتُحمى بها الكرامة وتصان بها الأرض والعقيدة. هذه النظرة الخاطئة لم تأت من فراغ، بل كانت نتيجة حرب ناعمة طويلة المدى، استهدفت المفاهيم، وشوّهت المصطلحات، وسعت لفصل الأمة عن أعظم عوامل قوتها.

لقد قدّم القرآن الكريم تشخيصًا دقيقًا لهذه الإشكالية، حين قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

فالقتال – بحسب المزاج البشري – مكروه، لأنه يرتبط بالخطر والتضحية والدماء، لكن الله، العليم الحكيم، يوجهنا إلى أن ما نكرهه قد يكون هو عين الخير، وأن ما نحبه من استسلام وراحة قد يكون سببًا للهلاك والضعف والذل.

إن التنصل من فريضة الجهاد لا يؤدي فقط إلى ضياع الأرض والسيادة، بل يُنتج أمة مهزوزة، خاوية من الداخل، فاقدة لهويتها، خانعة أمام أعدائها. وهذا ما عبّر عنه الرسول صلى الله عليه وآله في الحديث الشريف حين قال: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». قالوا: أمن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يُنزع الوهن من قلوب أعدائكم، ويُزرع الوهن في قلوبكم». قالوا: وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت».

هذا الحديث العميق يُظهر أن مشكلة الأمة ليست في قلة العدد أو ضعف الإمكانات، بل في ضعف الإرادة، وفي الانفصال عن ثقافة الجهاد والتضحية. فعندما يسري في الأمة حب الدنيا وكراهية الموت، تصبح لقمة سائغة لأعدائها، ويُسلب منها عنصر الردع والمناعة. وعندما تُطفأ شعلة الجهاد في النفوس، تُفتح أبواب الهزائم والانكسارات.

وقد رأينا آثار هذه الثقافة السلبية في بعض الشعوب، حيث أصبحت تخشى كلمة «المقاومة» وتُحجم عن مجرد المقاطعة الاقتصادية، بل وتتقبل الاحتلال والتطبيع، وتُبرّر للعدو جرائمه، خشية من التضحيات.

إن الخطر الحقيقي لا يكمن في أعدائنا بقدر ما يكمن في تخلينا عن أدوات المواجهة التي منحنا الله إياها. والجهاد في سبيل الله هو أولى هذه الأدوات، بل هو الأساس الذي تُبنى عليه كل سُبل الدفاع والكرامة.

وعليه، فإن أول خطوة نحو النهوض من الواقع المهين، هي تصحيح المفهوم عن الجهاد، وغرس قناعات راسخة بأن الجهاد فريضة إلهية، ومنهج حياة، وليس حربًا عبثية. فبغير الجهاد، تبقى الأمة بلا منعة، وبلا هوية، وبلا مستقبل.

 

التحرك الجهادي في مواجهة مشاريع الأعداء المعاصرة

إن القراءة الدقيقة للواقع المعاصر تُظهر بما لا يدع مجالًا للشك أن الأمة الإسلامية تُستهدف استهدافًا شاملاً ومنهجيًا في كل مجالاتها: في دينها، وثقافتها، واقتصادها، وأمنها، ووحدتها. وهذا الاستهداف ليس من باب الصدفة أو التفاعل العابر، بل هو مشروع منظَّم تقوده قوى الاستكبار العالمي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، بالتعاون مع أدوات إقليمية ومحلية، تسعى إلى تفكيك الأمة من الداخل، والسيطرة عليها من الخارج.

لقد بلغ عداء الأعداء للإسلام حدًّا علنيًّا، يظهر في إحراق المصاحف، والإساءة إلى النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، وتشويه الدين الحنيف في الإعلام والمناهج، وترويج ثقافات بديلة هدفها إفراغ الهوية الإسلامية من محتواها العقدي والقيمي. وقد أشار الله إلى هذه الحالة في قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89]،

وقوله: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].

ولم يقف عداؤهم عند حدود الفكر، بل امتد إلى الاقتصاد والهيمنة العسكرية والسياسية، فتم احتلال البلدان، ونهب الثروات، وبناء القواعد العسكرية، وفرض أنظمة عميلة تخدم مصالحهم وتضرب تطلعات شعوبها. لقد رأينا كيف تمزقت العراق، وسوريا، وليبيا، ويتم محاصرة اليمن وتجويع شعبه والعدوان عليه لأنه فقط قام بإسناد أبناء غزة الذين يتعرضون لأبشع أنواع الإبادة والإجرام أمام صمت دولي وتواطؤ عربي.

في مواجهة هذا المشروع الاستعماري، لا يمكن أن نقابل التهديد بالصمت، ولا الهيمنة بالاستكانة، وإنما بما أمر الله به: التحرك الجهادي الشامل، في كل الميادين. وهذا لا يعني فقط حمل السلاح، بل يعني استنهاض كل الوسائل المشروعة في مجابهة المشروع المعادي:

الجهاد العسكري لمواجهة العدوان والاحتلال. الجهاد الإعلامي لفضح المؤامرات وكشف الزيف. الجهاد الاقتصادي من خلال المقاطعة وصناعة البدائل. الجهاد الثقافي عبر التربية الواعية وبناء الإنسان المقاوم.

وقد أمرنا الله بالإعداد الشامل فقال: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]،

وهذا يشمل كل عناصر القوة: المعنوية والمادية، الفكرية والتنظيمية، النفسية والعملية.

ولعل من أبرز مظاهر هذا التحرك في واقعنا اليوم، تلك النماذج التي رفضت الاستسلام وتحركت رغم الحصار والمآسي، فغزة تحوّلت إلى رمز للتحدي، واليمن أثبت صلابته، والمقاومة اللبنانية فرضت معادلة ردع، والجمهورية الإسلامية الإيرانية صارت قلعة صلبة في وجه الهيمنة الغربية.

إذاً، المطلوب ليس فقط الإيمان بعدالة القضية، بل التحرك المسؤول والممنهج، القائم على وعي قرآني، وإرادة مقاومة، وثقة بوعد الله. وهذا هو معنى الجهاد الحقيقي، الذي لا يتوقف عند البندقية، بل يتعداها إلى كل ساحة فيها مواجهة بين الحق والباطل، بين التحرر والعبودية، بين الإيمان والاستكبار.

 

نماذج معاصرة لثمرة الجهاد: اليمن، فلسطين، الحشد الشعبي، حزب الله، إيران

حين نتحدث عن الجهاد في سبيل الله كمشروع تحرري نهضوي، لا نطرحه من باب التنظير أو الحنين إلى الماضي فحسب، بل من باب الواقع المعاش والشواهد الحيّة التي أثبتت بالتجربة أن الأمة إذا تحركت بروح الجهاد، ووعي القضية، وثقة بوعد الله، فإنها قادرة على صناعة الانتصار وكسر هيمنة الطغاة، مهما كانت أدوات العدو وإمكاناته.

وأول هذه النماذج هو اليمن. هذا البلد المحاصر والمستهدف بحرب عالمية منذ سنوات، والذي اجتمع عليه تحالف من أغنى الدول وأكثرها تسليحًا، أرادوا تركيعه وتجويعه وكسر إرادة شعبه. لكن اليمن، بقيادته المؤمنة، وشعبه الصامد، تحوّل إلى نموذج فريد في الصمود والتصنيع الحربي والتماسك الداخلي. وها هي القوات اليمنية اليوم تُحدث المعادلات في البحر الأحمر والمياه الإقليمية، وفي عمق الكيان الصهيوني وتربك حسابات القوى الكبرى، في مشهد ما كان ليتحقق لولا الروح الجهادية الصادقة التي بُني عليها المشروع القرآني الجهادي.

النموذج الثاني هو فلسطين، وتحديدًا غزة. تلك البقعة الصغيرة التي حاصرها العدو من البر والبحر والجو، وجعل منها سجنًا كبيرًا، لكنها فجّرت في وجهه مفاجآت استراتيجية، بدءًا من صواريخ المقاومة، وصولًا إلى معركة “سيف القدس”، ومعركة طوفان الأقصى، التي وحّدت الأمة وكسرت هيبة “الجيش الذي لا يُقهر”. غزة لم تنتصر بجيش نظامي، بل بوعي الجهاد، والتوكل على الله، واحتضان الشعب للمقاومة.

وفي العراق برز الحشد الشعبي الذي يضم فصائل المقاومة العراقية وكان لها الدور البارز في طرد الاحتلال الأمريكي والقضاء على الجماعات التكفيرية ومساندة أبناء غزة، أما لبنان، فكان له النموذج الأكثر إبهارًا في مسيرة حزب الله، الذي انطلق من واقع الاحتلال ، ليصبح رقمًا صعبًا في معادلات الردع الإقليمي، ويُرعب الكيان الصهيوني بمعادلات دقيقة في الزمان والمكان. وقد اعترف العدو أن “ما بعد 2006 ليس كما قبله”. هذا الإنجاز لم يكن ليُكتب لولا القيادة المؤمنة، والثقافة الجهادية، وارتباط المشروع بالمبادئ القرآنية، وشعار “هيهات منا الذلة”.

وأما الجمهورية الإسلامية في إيران، فقد تركت بصماتها في دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية منذ أكثر من 40 عاما غير آبهة بالعقوبات الاقتصادية والمؤامرات الصهيوأمريكية المتواصلة..

هذه النماذج لم تكن لتصمد، أو تحقق أي إنجاز، لو أنها راهنت على الأمم المتحدة، أو على طاولات التفاوض، أو تحركت بذهنية التسويات. وإنما صنعت تاريخها بدماء الشهداء، وعرق المجاهدين، وتضحيات شعبها. وقد وعد الله بذلك حين قال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]،وقوله: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].

إن هذه النماذج ليست فقط مصدر إلهام، بل حُجّة على الأمة كلها، بأن النصر ليس حلمًا، بل ثمرة حتمية للتحرك الجهادي الواعي، حين يرتكز على الإيمان والعمل، ويواجه الباطل بلا مواربة.

 

الرؤية الجهادية مقابل الانحرافات التكفيرية

من أخطر ما واجهته فريضة الجهاد في العصر الحديث هو تشويه المفهوم الأصيل للجهاد، عبر جماعات منحرفة كجماعات التكفير والتفجير، التي خرجت عن منهج القرآن وسنة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، واتخذت من الجهاد مطية لأهداف سياسية أو طائفية، ألبسوها لباس الدين، لكنها في الحقيقة خنجرٌ في ظهر الأمة، لا في صدر أعدائها.

لقد أخرجت هذه الجماعات – وعلى رأسها ما يسمى بتنظيم “داعش” وأشباهه – الجهاد عن مساره الرباني، وحوّلته إلى أداة لإثارة الفتن الداخلية، وتكفير المسلمين، واستباحة دمائهم، وتدمير بلدانهم، تنفيذاً لأجندات استعمارية خبيثة. وقد استغل الأعداء هذه الجماعات في تمرير مخططاتهم، فصاروا يشوّهون الإسلام باسم “جهاد المتطرفين”، ويضربون الأمة بأدوات من داخلها، دون أن يتكلفوا هم عناء المواجهة المباشرة.

بينما الجهاد الذي جاء به القرآن الكريم هو مشروع حياة، لا مشروع موت، مشروع بناء لا مشروع هدم، وقد قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} [البقرة: 190]. وهذا يعني أن الجهاد الحقيقي يهدف لرد العدوان والدفاع عن الأمة، وليس لإثارة الحروب العبثية ضد المسلمين.

وقد كان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله أوضح الناس فهمًا للجهاد، وأحكمهم قيادةً له، فلم يُشرّع سفك الدماء بلا حق، ولا فرض القتال إلا لرفع الظلم وإزالة الطغيان. وكان جهاده منضبطًا بالوحي، متوازنًا بين السيف والحكمة، بين الشجاعة والرحمة، بعيدًا كل البعد عن التكفير والترويع والتفجير. وهذا ما يجب أن يُحتذى، لا ما روّجته الجماعات التكفيرية من فكر دموي وتفسيرات منحرفة.

إن خطورة هذه الجماعات لا تقف عند حدود الأذى الجسدي، بل تمتد إلى تشويه فريضة الجهاد في أذهان الأمة، حتى صار كثير من الناس يخلط بين الجهاد النبوي والجهاد التكفيري، ويهرب من المصطلح بدل أن يعتز به، ويُربّي عليه أبناءه. وهذه خسارة فادحة.

ومن هنا، تبرز الحاجة الماسة إلى إعادة تأصيل مفهوم الجهاد وفق الرؤية القرآنية والسيرة المحمدية، وفضح الانحرافات التي ألصقها به أعداء الأمة وأدواتهم. فكما أن هناك تضييعًا للجهاد من جهة التقاعس، هناك أيضًا تشويها له من جهة التطرف والانحراف، وكلاهما يُفقد الأمة أعظم أدوات عزتها وبقائها.

فالجهاد الصحيح هو أن نتحرك في سبيل الله، ونتصدى للمعتدين، ونبني أمتنا، نعتصم بحبل الله، وننصر المستضعفين، ونُعد العدة كما أمرنا الله، لا أن نكون أمة مبعثرة متنافرة ساحة للفوضى أو مطايا لأعداء الإسلام.

وقد آن الأوان أن تستعيد الأمة ثقتها بنبيها وكتابها وأن تلتف حول نفسها وأن تدرك أن من قال الله عنهم أعداء لا يودون لنا أي خير لن ينفعوها بل لن يترددوا في عمل كل ما يستطيعون لإنهائها كما يفعلون في غزة وربما أكثر من ذلك فالحل هو أن نستجيب لله بوعي وإرادة وعزيمة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.. وهو سبحانه وتعالى قد وعد بالنصر والتأييد لمن يتحركون ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ وعد قطعي بالنصر والثبات لمن ينصرون دين الله، أي يتحركون لنصرة الحق والدفاع عنه عملياً. ويقول جل شأنه: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾..

نقلا عن موقع أنصار الله

مقالات مشابهة

  • ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تطالب إسرائيل بـ «إنهاء» الحظر على غزة
  • بين تكالب الأعداء وسُبل المواجهة القرآنية.. مميزات المسيرة الجهادية
  • ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تطالب إسرائيل بإنهاء حظر دخول المساعدات إلى غزة
  • الحوثيون يطلقون صاروخا على شمال إسرائيل لأول مرة ويسقطون مسيرة أميركية
  • الحوثيون يطلقون صاروخا على إسرائيل ويسقطون مسيرة أميركية
  • شاهد / سر تسمية الطائرة المسيرة يافا؟ ولماذا غضب نتنياهو؟
  • تفاصيل مخيفة في واقعة خطف موظف ابن زوجته العرفية وإنهاء حياته بالسلام
  • مسيرة حاشدة في هامبورغ الألمانية تضامنا مع غزة وتنديدًا بالعدوان الأمريكي على اليمن
  • ارتفاع أعداد الإسرائيليين الموقّعين على عرائض تطالب بوقف حرب غزة
  • المغرب.. تظاهرة حاشدة أمام ميناء طنجة رفضاً لرسو سفينة تنقل أسلحة لـ”إسرائيل”