السودان: بابنوسة مدينة أشباح جراء المعارك العسكرية
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
لفت التقرير إلى أن نسبة الفئة العمرية للرجال (18–40) سنة لا تزيد عن (15%) من جملة النازحين وحذر من أن أكثر الفئات المتضررة هم النساء الحوامل والأطفال وذوي الأمراض المزمنة الذين فقدوا الدواء
التغيير: بابنوسة
قال (المركز السوداني للإعلام الديمقراطي) بولاية غرب كردفان إن مدينة بابنوسة تحولت إلى عمليات عسكرية بإمتياز منذ اليوم الأول لاندلاع القتال وخرج المواطنون هربا من القتال العنيف بين الجيش والدعم السريع.
واطلعت “التغيير” على تقرير أصدره المركز السوداني للإعلام الديمقراطي أجرى مسحا ميدانيا في 13 قرية وحيا تقع حول مدينة بابنوسة مركز القتال بين الجيش والدعم السريع.
هروب ونزوح
وذكر التقرير أن المواطنين غادروا بابنوسة تحت وابل النيران وقذائف المدفعية الثقيلة والقصف المكثف للطيران الحربي، تاركين منازلهم وما حوت من أثاث وأمتعة ومؤن غذائية دون أن يتمكن معظمهم من حمل شيء منها، بما في ذلك الملابس الشخصية والأغطية.
وأجرى التقرير مقابلات مع النازحين/ت وقالت حواء الحريكة المعلمة في مرحلة الأساس بمدارس الخدمات: “خرجنا بأنفسنا دون أن نتمكن من حمل أبسط الأشياء، وها نحن الآن سالمين بعد فقداننا للمأوى وكل ممتلكاتنا، في ظل حياة شظفٍ لم نعتادها يوماً من الأيام، ونحن نتمنى أن تقف هذه الحرب اليوم قبل غداً لأنها أذاقتنا مآسي لا يمكن وصفها بكلمات”.
بينما قال مدير ومالك مستوصف القميرة الطبي في بابنوسة عبدالرحمن سليمان إن مدينة بابنوسة هي المدينة الوحيدة بين المدن التي دارت فيها الحرب التي شردت مواطنيها بأكملهم وبنسبة 100%.
وروى سليمان أن المدنيين بعضهم نزح سيرا على الأقدام وبعضهم على متن عربات (الكارو) والدراجات النارية (التوكتوك) إلى القرى والمدن المحيطة بالمدينة وإلى الفيافي ، في رحلاتٍ وعرة ويائسة بحثاً عن مأوى وهيهات أن يجدوا مأوى.
وأضاف سليمان: “خرجت من تحت أنقاض بيتي بحي التربية منذ اليوم الرابع لاندلاع المواجهات في المدينة بعد أن سقطت قذيفة ودمرت المنزل… لقد نجوتُ بأعجوبة”.
تقص الغذاء والدواء
وواجه المدنيون الفارون من بابنوسة برودة الطقس والعطش في آنٍ واحد ونقص الغذاء الحاد (الجوع) والإنعدام الكامل للتداوي والدواء وفقا للتقرير الصادر من المركز السوداني للإعلام الديمقراطي.
وقال سليمان: “أغلقت المستوصف نهائياً بعد نزوح كامل للكادر الطبي وعلى رأسهم الأطباء والاختصاصيين”. بينما قال الشيخ محمد أحمد النور شيخ قرية فرع الهبيل إن الفارين تعرضوا إلى اعتداءات سافرة وقابلوا عسف العصابات والمجموعات المسلحة، ولا زالوا يتعرضون للضرب ونهب التلفونات والمقتنيات وما وُجد بحوزتهم من مبالغٍ نقدية ومصادرة أدوات تخزين المياه والطعام مما أدى لموت بعض الأطفال.
فيما قال عضو لجنة استقبال وإيواء النازحين بمدينة القنطور جاد الله عيسى إن ثلاثة أطفال على الأقل قد لقو مصرعهم بسبب العطش في الطريق بين بابنوسة والقنطور البالغة طولها حوالي (35) كيلو مترا شمال غرب بابنوسة.
سرادق العزاء
في ذات السياق ذكر الشرتاي حمد منصور شرتاي منطقة “القنطور” و”الخويرات” أن هناك خسائر في الأرواح في أوساط المدنيين غير محصورة بعضها بالرصاص الطائش وبعضها بشظايا قصف الطيران وغيرها من أسباب الموت في ظل هكذا حرب .
وأضاف الشرتاي منصور: “مجتمع القنطور أقام سرادق للعزاء للضحايا الذين وصل ذووهم إلى القنطور لإتاحة الفرصة لهم لتقبل العزاء في مفقوديهم”.
وحسب الشرتاي لعب شح الإمكانيات دورا كبيرا في عدم رصد الأحداث والوقائع بدقة وتوثيق للخسائر التي وقعت في الأرواح وحجم وكثافة الانتهاكات المتعددة.
انفلات أمني
ونقل التقرير عن الحاجة غالية أحمد بقادي التي نزحت من حي البوستة في بابنوسة أن المنطقة برمتها تعيش تحت وطأة إنفلات أمني كامل وإنتشار قُطَّاع الطرق، وكثيراً ما تقود تحوطات قوات الدعم السريع وتخوفاتها من التجسس إلى التشتباه في المدنيين الأبرياء ومن ثم ضربهم إذلالهم.
فيما يقول المهندس في قطاع النفط علي حماد الحريكة وهو من نازحي الخرطوم الى بابنوسة ثم منها الى منطقة خمسين شمال المدينة التابعة إلى محلية “الأضية” إن ما تعرضوا له لا يمكن سرده … لقد فقدت جميع ممتلكاتي بما في ذلك سيارتي.
واضاف الحريكة: “حالنا في ذلك حال كل نازحي بابنوسة ولم نجد مساعدة من أي جهة أو منظمة لذلك فإن الاوضاع تنذر بكارثة إذا لم نجد عوناً”.
من جهته قال فضل النبي فضل الله الذي نزح من حي المقارين في بابنوسة إن هناك أضرار كبيرة وقعت عليهم من الطرفين المتصارعين من خلال فقدان الماشية و”نعيش معاناة كبيرة بسبب الارتفاع الحاد في أسعار الحبوب خصوصا الدخن حيث ارتفع سعر الملوة من ثلاثة إلى خمسة آلاف جنيه وكذلك جميع أنواع الغلال”.
حالات اغتصاب
وعكس التقرير معلومات عن وقائع حالات اغتصاب مؤكدة ، الأولى شملت خمس لاجئات جنوبيات في حِلَّة الدينكا بمدينة التبون بتاريخ الخميس 18 كانون الأول/يناير 2024 وتحدثت سيدتان من جنوب السودان مع التفضيل بعدم ذكر الاسم واظهرن شعورا بعدم تذكر واقعة الاغتصاب حسب ما نقل التقرير.
وقالت إحداهن طبقا للتقرير إن أربع مركبات عسكرية مطلية بالطين على متنها أكثر من عشرين جنديا يتبعون للدعم السريع تناوبوا على اغتصابهن جميعا وهن خمس سيدات تحت تهديد سلاح الكلاشينكوف.
وسرد التقرير الواقعة الثانية لثلاث فتيات شقيقات في منطقة الخويرات التي تبعد حوالي 40 كيلو مترا شمال غرب بابنوسة وتبلغ إحداهن وهي الكبرى 20 عاماً والثانية 16 عاما بينما تبلغ الثالثة 14 عاماً تناوب عليهن 15 فردا أثناء ممارستهن لعملهن المعتاد في الزراعة.
وحسب التقرير تم إنقاذ الضحية الأخيرة داخل منزلها بعد أن اقتلعت السلاح من الجندي الذي يتبع للدعم السريع في حي تبون وعندما وصل زوجها قام بتسليم الجندي إلى قائد القوة العسكرية التابعة للدعم السريع.
وطبقا للتقرير اعترف الجاني بالتبعية لقوات الدعم السريع ووافق قائد القوة بشرط المجني عليه “زوج الضحية” بسحب القوة من الحي.
وقال التقرير إن عدد النازحين من بابنوسة وقراها يشكلون حوالي (17) ألف عائلة ويصل عددهم إلى (100) ألف شخص 70% منهم من الأطفال والنساء وكبار السن.
داية الحبل
ولفت التقرير إلى أن نسبة الفئة العمرية للرجال (18–40) سنة لا تزيد عن (15%) من جملة النازحين. وحذر التقرير من أن أكثر الفئات المتضررة هم الحوامل والأطفال وذوي الأمراض المزمنة الذين فقدوا الدواء .
ونقلت إحدى النساء الحوامل مع الاشتراط بعدم الإفصاح عن اسمها أنها قطعت مسافات طويلة مشياً على الأقدام وقالت أنها خائفة جداً من الولادة لأن القرية لا توجد بها قابلة. وقالت السيدة إن النساء هنا يضطررن للولادة عبر الطرق التقليدية “داية الحبل” الأمر الذي لا تستطيع تصوره .
وشكت غالبية النساء الحوامل وفقا للتقرير من غياب القابلات خصوصاً وأن بعضهن يلدن بالعملية القيصرية ولا يوجد مشفى لإجرائها قيد العمل في كامل المنطقة.
الوسوماغتصاب النساء الجيش السوداني الحرب الدعم السريع بابنوسة
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: اغتصاب النساء الجيش السوداني الحرب الدعم السريع بابنوسة
إقرأ أيضاً:
إيكونوميست: هذه تداعيات تبدل أحوال الدعم السريع في السودان
قالت مجلة إيكونوميست إن قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش النظامي في السودان، كانت قبل عام تبدو في حالة جيدة بعد أن استولت على جزء كبير من العاصمة الخرطوم، وبسطت سيطرتها على كل دارفور تقريبا، واستعد زعيمها محمد حمدان دقلو (حميدتي) للقيام بجولة في العواصم الأفريقية يستقبل خلالها باعتباره الرئيس المنتظر للسودان.
وأوضحت الصحيفة أن الحديث عن نصر عسكري واضح لقوات الدعم السريع في هذه الأيام لم يعد قويا كما في البداية، بل إنها في وضع حرج لأنها شهدت انتكاسات في أماكن عديدة بعد أن توغل الجيش في أجزاء من الخرطوم كانت تسيطر عليها، مع أنها قريبة من الاستيلاء على الفاشر عاصمة إقليم دارفور.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صحيفتان بريطانيتان: قرار الجنائية الدولية زلزال هز العالمlist 2 of 2التايمز: هل أدرك ترامب أخيرا محدودية شعاره "الخوف هو المفتاح"؟end of listوقد أدت تلك الأحداث مع انشقاق أحد كبار قادة قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة إلى موجة من الهجمات الانتقامية ضد المدنيين، كانت وحشية للغاية لدرجة أن المراقبين شبهوها بالتطهير العرقي في الأجزاء التي احتلتها قوات الدعم السريع في غرب دارفور العام الماضي.
لا مفاوضاتوذكرت المجلة بأن التفاوض في سويسرا على إنهاء الحرب التي تسببت في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، فشل لأن القوات المسلحة السودانية رفضت الحضور، مشيرة إلى أن قوات الدعم السريع "تعتقد أنه لا يوجد مخرج من هذه الحرب من خلال النصر الكامل لجانب واحد"، ولكن المحللين يشككون في كون طلب المجموعة للمفاوضات حقيقيا.
ورأت الإيكونوميست أن ادعاء قوات الدعم السريع أنها تشن حربا من أجل الديمقراطية غير مقنع، لأنها نشأت من الجنجويد، وهي مليشيات سيئة السمعة، اتهمت باغتصاب المدنيين وذبحهم في دارفور في العقد الأول من القرن الـ21، ولا يوجد ما يشير إلى أنها تغيرت بشكل أساسي.
وهناك أسباب -كما تقول الصحيفة- تدعو إلى أخذ التزام قوات الدعم السريع بوحدة السودان على محمل الجد، لأن دارفور، المنطقة غير الساحلية التي تعاني من ندرة المياه لا تستطيع إقامة دولة مستقلة.
تصور الدعم السريعونقلت المجلة عن القيادي بالدعم السريع عز الدين الصافي قوله إن فكرة قوات الدعم السريع للتوصل إلى تسوية تفاوضية، تبدأ بوقف الأعمال العدائية وتجميد خطوط القتال الحالية، مع انسحاب الجانبين من "المنشآت المدنية".
وذلك إلى جانب احتمال فرض منطقة عازلة منزوعة السلاح من قبل قوات حفظ السلام الأفريقية، ليبدأ "حوار وطني" يضم جميع القوى السياسية في البلاد باستثناء الإسلاميين والحزب الحاكم السابق.
وأكدت المجلة أن معظم القوى الخارجية بما فيها الأمم المتحدة، تعتقد أن القوات المسلحة السودانية تتمتع بشرعية أكبر في نظر معظم السودانيين، مع أن رفض الجيش العنيد الانخراط بجدية في المفاوضات أضعف مكانته الدولية، وخاصة بين الدبلوماسيين الغربيين، ولذلك تحاول قوات الدعم السريع أن تضع نفسها في موقف الشريك الأكثر موثوقية من أجل السلام.