البودكاست العربي: من الثرثرة الفارغة إلى مفترق طرق السابع من أكتوبر
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
منذ أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وتبعاتها، انتشرت العديد من حلقات "البودكاست" التي تناقش جوانب مختلفة لا تنتهي، تتناول صفحةٍ ما من تاريخ القضية الفلسطينية الواسع.
أثر ذلك كثيرًا في إعادة تشكيل الوعيّ لدى شريحة مستمعي البودكاست والذين هم عددٌ ضخم يتزايد مؤخرًا، كما أن الحديث عن القضية الفلسطينية في البودكاست، أثرى محتوى "البودكاست" العربي الذي كان يواجه فقرًا في المحتوى السياسي ورواجه كفئة مستخدمة للاستماع في البودكاست.
جيل الأيبود
يعود تاريخ أول "بودكاست" إلى عام 2004 في الغرب، حين خرجت تلك الظاهرة كامتداد لاختراع الآيبود، وبسبب عدم تطور منصات العرض للمحتوى المرئي بعد، آنذاك، كان سهلًا استخدام المعدات الأساسية من تقنيات بسيطة تتعلق بالتسجيل وميكروفون فقط لصناعة محتوى، وهو ما يتوفر لأي شخص ذو ثقافة بسيطة في الكمبيوتر حينها، دون أي تعقيد يوازي تعقيد عملية المونتاج والتصوير والإخراج وخلافه في المحتوى المرئي، بالإضافة إلى سهولة رفع الملف الصوتي الذي لم يكن كبير الحجم حتى في أفضل الجَوْدات.
ستكون تلك الأسباب فيما بعد سببًا لرواج الـ "بودكاست Podcast" في الوطن العربي، حيث يطمح الكثيرين لصناعة المحتوى الذي يتيح لهم فرصة التعبير عن أفكارهم ووجهة نظرهم، بالإضافة إلى أن البودكاست قد يستدر ربحًا ماديًا في بعض الأحيان على صاحبه، كما أن المُستهلك العربي العادي لا يملك بالكاد الأموال التي يستطيع من خلالها تجهيز ستوديو لتسجيل محتوى مرئي، وبذلك يصبح البودكاست عامل أسهل لتقديم المحتوى المطلوب.
كانت فترة وباء كورونا والحجر المنزلي هي فترة منعشة لصناعة البودكاست بالنسبة للمحتوى العربي الذي شهد إرتفاعًا في معدلات صناعة البودكاست حيث أصبح التقاء الأشخاص وتسامرهم عن بُعد هو حل آخر لتجنب اللقاء الحي في الواقع، كما أن البودكاست تميز بسهولة الاستخدام حيث يتيح للمستمع أن يختار الموضوع الذي يريد أن يستمع له بالإضافة إلى عدم اشتراط الاتصال بالإنترنت من خلال التحميل المُسبق، لذلك انتشر البودكاست بكثرة كوسيلة للاستماع أثناء قيادة السيارات أو التمشية.
بإمكاننا نستدل على طفرة فترة الكورونا من خلال موقع "البودكاست العربي"، وهو موقع إحصائي شبه رسمي للبودكاست العربي. يعد العام 2007 انطلاقة للبودكاست العربي وفقًا للموقع، حين خرجت 3 برامج فقط، وحتى العام 2016 لم يصل العدد سوى إلى 36 برنامج.
لم تعرف صناعة البودكاست العربي صعودًا مُلفت للأنظار إلى عام 2018 الذي كان بداية لصعود السهم الذي سيصل ذروته منفجرًا في عام كورونا 2020. في هذا العام، سجلت منصة "أنغامي" زيادة في عدد البودكاست بنسبة 25%. حينها تم تسجيل 515 بودكاست جديد بالموقع، ومن وقتها يتنامى البودكاست العربي حيث ينشط 458 بودكاست بينما توقف 1072 بودكاست ويسجل الموقع ما يقارب 70 ألف حلقة بودكاست.
إن كان لتلك الأرقام أن تُعبر عن شيء، فهي بالطبع خير معبر صعود ثقافة البودكاست في الوطن العربي مؤخرًا، والذي تُعد فيه نوعية "الاجتماعي والحواري" هي النوعية الأكثر إثارة للاهتمام وفقًا لموقع البودكاست العربي، وبسبب سيادة تلك النوعية، كان هناك لومًا يُوجه دومًا للبودكاست العربي، بأنه فرصة ممتازة لثرثرة غير مفيدة بقيّم ومحددات الإعلام الرسمي. ويشيع "البودكاست" وفقًا لإحصاء موقع "البودكاست العربي" بالأخص في جيل "الأيبود" والـ "سبوتيفايّ"، أي جيل الشباب، حيث يُعد أكثر مستمعي البودكاست من فئة الشباب بين عاميّ 18-34 عامًا وهم يشكلون 82% من نسبة المستمعين. وتشيع أيضًا تلك الثقافة بين حاملي المؤهلات العليا فـ 80% من المستمعين هم من حملة البكالوريوس.
تشكل ثقافة "البودكاست" في منطقة الخليج العربي، أحد مظاهر مستجدات المشهد الإعلامي في الخليج. في الإمارات، هناك مليون شخصًا يستمعون للبودكاست أي 10% من جموع السكان، وفي السعودية يستمع 5 مليون شخص بشكل منتظم، كما أن دول الخليج تكثر فيه المبادرات الفردية التي تقوم على منصات إنتاجية للبودكاست مثل تجربة "ثمانية" الشهيرة، وبودكاست "فنجان" الخاص بها والذي ظهرت إلى جانبه العديد من البرامج الأخرى تتبع لنفس المنصة.
يهتم صناع البودكاست في الخليج بمأسسة تلك الصناعة أيضًا، فبشكل دوري، تُعقد المؤتمرات التي تهتم بتطوير تلك الصناعة ونشرها خارج نطاق الخليج وتوجيهها باللغة الإنكليزية. كمؤتمر "Dubai PodFest" الذي عُقد عام 2021 ولازال يُعقد بشكل سنوي من بعدها.
تتوفر في دول الخليج البنى التحتية الجيدة الخاصة بالإنترنت، والخاصة بتسهيل شراء معدات الإنتاج لو أراد الفرد أن ينتج بذاته لذاته، كما أن حال السكان ميسورة إلى حد كبير مما يجعل من البودكاست سلعة تُباع كمنصات المشاهدة مثل نتفليكس وهولو وأمازون، لذلك تُعد تلك الصناعة في الخليج مُدرة للربح من خلال الاشتراك وليس الإعلان وعدد المشاهدات فقط في القنوات المجانية على يوتيوب كحال باقي الدول العربية. مما شجع اتجاه الاستثمار في قطاع البودكاست المتنامي هناك من شركات أجنبية ومحلية ضمنت الربح في هذا المجال، الذي لا يُنبئ بأن نجاحه مجرد فقاعة وستنفثأ، بل شيء ربما يستمر.
القمع والمساحات الآمنة
تقوم فكرة الكثير من برامج البودكاست على مذيع يستضيف شخص للحديث عن مجال عمله واهتمامه ونجاحه فيه، وفي الواقع يساعد هذا النوع من محتوى "الحكيّ لأجل الحكيّ" صاحب البودكاست حيث أنه يحرره من مهام الإعداد التحريرية للحلقة والمؤثرات الكبيرة. سر الخلطة أن الحلقة تعتمد على قدرة الضيف على سرقة اهتمام المستمع بالحديث عن تجربته في الحياة إن كان من المشاهير أو المختلفين في أحد المجالات، حتى لو كان ما يفعله غير هام وغير مؤثر على الإطلاق.
لذلك يسود ذلك النمط على حساب أنماط تعليمية وتثقيفية، وندرة للانواع السياسية، ولا شك أن ذلك نتاجًا طبيعيًا في المجتمع العربي الذي يُنتج فيه القمع بوارًا، ونزوع الشباب إلى اللعب في المساحات الآمنة، سواء في الدول البوليسية ذات القمع المترسخ مثل مصر، أو في الدول الريعية التي تقدم مجتمع رفاه مقابل احتكار الفعل السياسي وحرمان الجماهير منه في الخليج العربي.
بينما كان هدف البودكاست خلق إعلام بديل وتعدديه في الآراء والأصوات، لازالت السياسة تشكل "بعبعًا" لمقدمي البودكاست، وفي الخليج مثلًا، يتم استخدام البودكاست للتساوق مع سياسة الدولة واتجاهها ففي حالة السعودية مثلًا نجد إن بودكاست "ثمانية" ينصب على مجاراة التحديث ومواضيعه التي يطرحها من وجهة نظر الأمير محمد بن سلمان.
يشتهر في السعودية والوطن العربي بودكاست "فنجان" آنف الذكر، والذي يحقق أعلى نسبة للاستماع على الإطلاق في كافة المنصات سواء بمحتواه المرئي أو المسموع، حيث تحقق حلقاته باستمرار أرقامًا غير معقولة بالنسبة للصناعة الناشئة، فأكبر حلقاته على الإطلاق لياسر الحزيمي عن العلاقات العاطفية قد حققت 82 مليون مشاهدة على موقع يوتيوب فقط. ورغم تلك الشهرة المُدوية للبودكاست، تتمثل فيه آفة البودكاست العربي في الخليج في السياسة التي تم احتكارها من قبل الأنظمة، فقد مرت مائة يوم على الحرب على غزة، ورغم انشغال البودكاست بمواضيع فلسفية وتاريخية، إلا أنه لم يقدم حلقة واحدة عن فلسطين! وإذاعة "ثمانية" بصفة عامة لم تقدم سوى حلقة واحدة باهتة عن القضية الفلسطينية تحت عنوان "لماذا فشلنا في حل القضية الفلسطينية؟".
ولا تحتاج حالة البودكاست في الإمارات بالطبع إلى توضيح في هذا الشأن، فكما هو متوقع، لن تنطلق مناصرة فلسطين من قبل عاصمة التطبيع الدبلوماسي والثقافي. وتنصب مواضيع "البودكاست" داخل الإمارات على "البيزنس" والـ "جيندر" وبودكاست " KERNING CULTURES كيرنينج كلتشرز" الذي تهتم مقدمته المصرية الأمريكية المقيمة في الإمارات "هبة فيشر" بمناقشة قضايا الهويات والتابوهات الجنسية والمُحرم في الثقافة العربية السائدة المحافظة، وتلك مساحات آمنة يمكن الاشتباك معها بدلًا عن المواضيع الجادة التي يعاني منها ملايين من مواطني الدول العربية.
وإن كان ذلك الحال في مناقشة قضية عروبية عامة تتشاطرها الجماهير العربية جميعها، فما حال مواضيع الشأن السياسي الداخلي؟ بالطبع تكاد تنعدم في دول مثل دول الخليج العربي، وفي مصر، تضييق الخناق والترهيب المستمر يُفقر المشهد الإعلامي والثقافي على حد سواء، في الراديو والتلفاز والبحث العلمي والكتب. وينحصر "البودكاست" المُقدم من الداخل في مصر في استضافة شخصيات عامة مشهورة، اشتهرت عن طريق الـ "تيك توك" الكثير منهم تافه وغير ذا قيمة، بالإضافة إلى نجوم كرة القدم الهامشيين أو المنسيين والذين يسعون إلى العودة لأن يكونوا ترندًا من خلال الحديث عن فضائح لاعبون آخرون والتلفظ بألفاظ نابية حتى أصبحت بعض برامج "البودكاست" في مصر أشبه بـ "غُرزة" حشيش! .
ما بعد السابع من أكتوبر؟
رغم ذلك، لا يُعد الحديث عن فلسطين محظورًا في بعض الدول مثل مصر، وإن كان له خطوطه الحمراء، ومنذ أن اندلع العدوان على غزة، ظهرت العديد من برامج "البودكاست" التي تهتم بمناقشة الوضع في فلسطين، كحال بودكاست "ألف باب" لمقدمه "عبده فايد" والذي قدم العديد من الحلقات عن الشأن الفلسطيني وعن تاريخ الإبادات العنصرية الأوروبية والإمبريالية في سياق نفاق المجتمع الغربي فيما يتعلق بمعاداة السامية، وقد حققت حلقات البودكاست زخمًا كبيرًا ومشاهدات تزيد وتتنامى حلقة بعد أخرى حتى وصلت أحد حلقاته إلى مائة ألف مشاهدة.
ومن موقعها في تركيا وشراكتها مع العديد من المنصات الأخرى أبرزها "الجزيرة"، تُقدم منصة "الشرق" العديد من الحلقات في برنامجها "بودكاست الشرق" تهتم بمناقشة الوضع في فلسطين تجاوزت احدها مليون مشاهدة، بل وتطورت إلى مناقشة الوضع السياسي في مصر والبحر الأحمر وليبيا واليمن بشكل عام بعد أن جذبت الانتباه من خلال قضية فلسطين، وتحققها حلقات العديد من المشاهدات الكثيرة أيضًا. كذلك حققت حلقة "حسام زملط" في بودكاست "أثير" عن القضية الفلسطينية أكثر من مليون مشاهدة.
ويقوم "فيصل عبد الرحمن العقل" في بودكاست "بدون ورق" بدورًا هامًا في مناقشة العديد من الجوانب الهامة في القضية الفلسطينية من خلال موقعه في الكويت، وقد استضاف العديد من الشخصية الهامة من أمثال "سلمان أبو ستة" و"مصطفى البرغوثي" واللذان تجاوزت مجموعة مشاهدات حلقاتهما المليون ونصف المليون وتلك أرقام أيضًا غير مسبوقة في مشاهدات هذا البودكاست على اليوتيوب.
وتلك الأمثلة هي غيض من فيض من حلقات البودكاست العربي بعد الحرب في فلسطين، والتي تُقدم جُهدًا محمودًا في تشكيل الوعيّ للشباب وجعلهم على مستوى مواكبة الحدث، وربما تُعد واحدة من الأثار الجانبية الإيجابية للحرب المأساوية، هي أنها تُعيد تقديم موضوعًا هامًا وجادًا تحتاجه بالفعل تلك الصناعة الآخذة في التصاعد، والتي كادت أن تغرق في التفاهة والمحتوى المُدجن، فهل تكون تلك إنطلاقة أخرى للبودكاست العربي؟
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير القضية الفلسطينية البودكاست العربي القمع القضية الفلسطينية القمع الثرثرة البودكاست العربي سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة البودکاست العربی بالإضافة إلى تلک الصناعة فی الخلیج العدید من العربی ا من خلال فی مصر الذی ی کما أن
إقرأ أيضاً:
مجلس الوزراء.. مناقشة وإقرار العديد من القضايا المتعلقة بالشقين الاقتصادي والخدمي والتعليمي
دمشق-سانا
تركزت جلسة مجلس الوزراء على مناقشة وعرض وإقرار العديد من القضايا المتعلقة بالشقين الاقتصادي والخدمي والواقع التعليمي والصحي.
وشملت قرارات المجلس خلال جلسته اليوم برئاسة الدكتور محمد غازي الجلالي رئيس المجلس، إقرار التعليمات التنفيذية للمرسوم التشريعي رقم 19 لعام 2024 الخاص بحماية الأشخاص ذوي الإعاقة والتي حددت التزامات الجهات العامة تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة في مجالات الصحة وإعادة التأهيل والتربية والتعليم العالي والحماية الاجتماعية والرعاية والتأهيل المهني والعمل والبيئة المؤهلة والإعلام والتوعية والاتصال والوصول إلى المعلومات والحياة الثقافية والرياضة والمشاركة في الحياة السياسية والعامة، إضافة إلى الإعفاءات ودور المجلس الوطني لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
كما وافق المجلس على مشروع الصك التشريعي الخاص بتسوية أوضاع الموفدين /معيدين- بعثات علمية/ وذلك حرصاً على عودة أكبر عدد من الموفدين والاستفادة من خبراتهم في ظل حاجة الجامعات والجهات العامة لخدماتهم وخبراتهم ولتسوية أوضاع هذه الحالات لمن حصل على المؤهل العلمي المطلوب بعد تاريخ 15-3-2011.
واستعراض المجلس مذكرة الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء حول واقع العقارات المستأجرة من قبل الجهات العامة، حيث بينت المذكرة أنه تمت معالجة 1175 عقاراً.
وأكد المجلس ضرورة تقديم مقاربات عملية لواقع قطاعي الصحة والتعليم العالي بهدف تحسين واقع الخدمات في القطاع الصحي ورفع نوعية التعليم العالي من ناحية الجودة والاعتمادية والخريجين والاعتراف بالشهادة.
مشيرا إلى ضرورة اتخاذ إجراءات للحد من نزيف الكوادر الجامعية من خلال تحسين أوضاعهم.
وقرر المجلس العدول عن قرار مجلس الوزراء رقم 37 لعام 2019 وتعديلاته الناظم لحالات التعاقد بالتراضي والعودة إلى الأصل العام المقرر في نظام العقود المنصوص عليه في القانون رقم 51 لعام 2004 وتوجيه الجهات العامة بالتشدد في اتباع أسلوب التعاقد بالتراضي.
من جهته أكد الدكتور الجلالي أهمية أن يستند العمل الحكومي إلى منهجية عمل واضحة وفاعلة تتضمن تحليل الواقع ووضع الرؤى والأهداف والتدخلات المناسبة لضمان حسن التنفيذ والتقييم.
وأشار الجلالي إلى أنه في “بعض الحالات كانت الحكومة تضع العربة قبل الحصان”، إذ تم على سبيل المثال وضع التعليمات التنفيذية لبرنامج الإصلاح الإداري قبل أن تقوم الحكومة بتحليل وقراءة دور الدولة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي خلال المرحلة المقبلة، بحيث يتم توفيق برامج الإصلاح الإداري وتطوير الهياكل التنظيمية والإدارية للحكومة مع متطلبات دور الدولة المأمول.
وفي هذا السياق، ضرب الجلالي مثالاً يتعلق باستبعاد مركز عمل معاون الوزير للشؤون القانونية والإدارية لدى الوزارات، معتبراً أن “مثل هذا التوجه يجب أن يكون مسبوقاً بتحليل يتناول ما تريده الحكومة من مركز عمل معاون الوزير، فهل يمكن اعتبار معاون الوزير مديراً من درجة ممتازة بمزايا إضافية ويمكن الاستغناء عنه، أم يجب اعتبار معاون الوزير ذاكرة وظيفية وفنية للوزارة يجب الحفاظ عليها، وعلى وجه الخصوص في البعدين الإداري والقانوني”.
واستحضر الدكتور الجلالي حقيقة أنه “لا يمكن أكل الكعكة والاحتفاظ بها في آن معاً”، وهذا ما يعني فعلياً ضرورة تحديد الخيارات وما يرافقها من سلبيات وإيجابيات بكل جرأة وشفافية، إذ لا يمكن على سبيل المثال تقديم الخدمات العامة مجاناً وإلى الأبد، مع ضمان توفر الموارد المالية اللا محدودة لتمويل هذه الخدمات، موضحاً أن استمرار تقديم الخدمات يستوجب أن تقترن بأسعار وعوائد مدروسة تضمن التوازن بين تقديم الخدمة والقدرة على تمويلها.
ولفت رئيس مجلس الوزراء إلى أن تراجع الجهات العامة وتأخرها في المبادرة إلى تنظيم وإدارة بعض المرافق والخدمات سيترك المجال للسوق والقطاع الخاص للقيام بهذا الدور وربما بشكل غير مضبوط، فعلى سبيل المثال ساهم تراخي وتكاسل وزارة الكهرباء في إدارة ملف توزيع الكهرباء بشكل واقعي وفاعل في بروز ظاهرة الأمبيرات، وكان من الأجدى بالوزارة أن تبادر إلى طرح حلول إبداعية من قبيل تحديد منطقة جغرافية معينة ثم تقوم بتعهيد توزيع الكهرباء فيها إلى القطاع الخاص-وفق ما تنص عليه التشريعات الناظمة لعملها- ليتولى عملية التوزيع بما يضمن تجاوز الحكومة مشكلة التعدي على الشبكة واستجرار الكهرباء بطريقة غير مشروعة، مع توزيع الطاقات المتوفرة بأسعار مناسبة.
من جهتها، أبدت وزيرة التنمية الإدارية الدكتورة سلام سفاف وجهة نظر مغايرة لما طرحه رئيس مجلس الوزراء، معتبرة أن البرامج التنفيذية لمشروع الإصلاح الإداري كانت تهدف إلى ترشيق الهيكلية الإدارية للحكومة وزيادة كفاءتها، ولم يتم التطرق وقتها إلى علاقة ذلك مع دور الدولة الذي يجب أن يكون له برنامج عمل حكومي آخر يحظى بما يستحقه من وقت واهتمام.
بينما أيّد وزير الصناعة الدكتور محمد سامر الخليل رؤية رئيس مجلس الوزراء حول ضرورة الانطلاق من تحديد دور الدولة في القطاع العام والسعي لاحقاً لوضع برامج تطوير هذا القطاع، ورأى أن هناك خسارة كبيرة جداً في وزارة الصناعة، وهناك أيضاً معادلة صعبة وخطيرة تتمثل بحقيقة خسارة عدد كبير من الشركات والمؤسسات والمعامل التابعة لوزارة الصناعة، وبالتالي خسارة الوزارة وخسارة الخزينة العامة للدولة، مقابل وجود عدد محدود من الرابحين الانتهازيين والفاسدين.
وأكد وزير الصناعة أن الوزارة “ستقوم بتغيير هذه المعادلة بشكل عاجل غير آجل، وبكل هدوء وأناة ووفق دراسات جدوى اقتصادية لا تستبعد أي خيار كان، فالانسحاب من بعض القطاعات الصناعية قد يكون خطوة إيجابية ومربحة بالنسبة للقطاع العام، ولن تتردد الوزارة بالمبادرة لاعتمادها في سياق التحول من دور التشغيل إلى دور التنظيم المدروس والمخطط”.
إلى ذلك استعرض المجلس رؤية وزارة التربية ومقترحاتها لتنفيذ مضمون الكلمة التوجيهية للسيد رئيس الجمهورية أثناء ترؤسه اجتماع وزارة المرسوم 232 لعام 2024
حيث أوضح وزير التربية الدكتور محمد عامر المارديني أن الوزارة تقوم بوضع خطة عملها في ضوء الإمكانات المتاحة، وتبني عليها أساسيات العمل في تطوير العملية التربوية والتعليمية القابلة للتنفيذ والمتابعة والتقييم، من خلال دراسة الواقع وما هو مطلوب لتحسينه وتطويره في ضوء مراعاة الظروف والإمكانات المتاحة، كما أنها تقوم بإعادة توزيع مواردها البشرية وفق ما يتطلبه العمل التربوي والتعليمي ما بين الريف والمدينة.