الجبهة الداخلية بإسرائيل.. من صواريخ صدام إلى طوفان الأقصى
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
مع مرور أكثر من 125 يوما على بدء الحرب في غزة، تتصاعد الانتقادات داخل إسرائيل من طرف المستوطنين النازحين تجاه أداء أجهزة الحكومة، وفي مقدمتها ما يعرف بقيادة الجبهة الداخلية.
وانتقد بعض كبار القادة العسكريين "إخلاء بلدات حدودية جراء الحرب"، مما حدا برئيس أركان الجيش السابق أفيف كوخافي إلى القول إن "إسرائيل تتقلص"، وهو انتقاد صريح للفاعلية التي ظهرت بها "قيادة الجبهة الداخلية"، ويدل على إخفاقها في تنفيذ خطط الطوارئ خلال الحرب.
خلفيات التأسيس
تعود جذور "قيادة الجبهة الداخلية" إلى "الدفاع المدني" الذي تأسس عقب تعرض تل أبيب لقصف من الطيران المصري أثناء حرب فلسطين عام 1948 ردا على المجازر الإسرائيلية، ثم أصدر الكنيست في عام 1951 قانونا يحدد مهام الدفاع المدني.
وطوال 4 عقود لم تواجه إسرائيل تهديدات جوهرية من خارجها تجاه الداخل، ولم يُختبر الدفاع المدني بشكل حقيقي.
حدثت المفاجأة في حرب الخليج الثانية، ففي الليلة التالية لبدء هجوم قوات التحالف في يناير/كانون الثاني 1991 على القوات العراقية في الكويت، حين بدأت صواريخ سكود المنطلقة من غرب العراق تتساقط على تل أبيب وحيفا بمجموع 39 صاروخا أثناء فترة الحرب.
لجأت إسرائيل للاحتماء ببطاريات باتريوت الأميركية، وتبين أن الدفاع المدني يعمل بمنهجية تعود لحقبة الحرب العالمية الثانية حيث يعتمد على أنظمة بدائية للإنذار المبكر، ولذا غادر العديد من سكان تل أبيب منازلهم.
على إثر ذلك، ثار جدل واسع حول الإخلاء الجماعي للسكان أثناء الحرب في ظل رفض الجيش لمفهوم الدفاع في العمق، وتبنيه لعقيدة هجومية تقوم على نقل المعارك لأراضي الخصم.
عقيد الدفاع المدنيبناء على دروس الحرب، تأسست "قيادة الجبهة الداخلية" كقيادة عسكرية تابعة للجيش الإسرائيلي في الثاني من فبراير/شباط 1992، أي بعد مرور عام تقريبا على انتهاء حرب الخليج الثانية، لتتولى المسؤولية المدنية أثناء الحرب، في حين تتفرغ بقية أفرع الجيش للجانب العسكري.
وخُصص لها مقر قيادة رئيسي في مدينة الرملة فضلا عن 6 مقار فرعية، وكلية عسكرية للتدريب، ونحو 65 ألف جندي أغلبهم من قوات الاحتياط.
وأوكلت لهذه القوات عدة مهام في مقدمتها صياغة وتنفيذ عقيدة للدفاع المدني، وتدريب السكان بالتعاون مع المؤسسات المدنية على التعامل في أوقات الطوارئ، وتنسيق أنشطة الوزارات والسلطات المحلية والقطاع الخاص في مجال الدفاع المدني.
ودشنت قيادة الجبهة الداخلية أبرز أعمالها بتجهيز كافة المساكن الجديدة المبنية منذ عام 1994 بغرف محصنة للحماية من الأسلحة التقليدية والكيميائية.
الانكشاف بحرب لبنانجاءت حرب لبنان في عام 2006 لتكشف ثغرات جوهرية في القدرات التشغيلية للجبهة الداخلية، حيث سقط ما متوسطه 120 صاروخا يوميا طوال مدة الحرب التي جاوزت الشهر، مما أدى إلى مقتل 39 إسرائيليا من غير العسكريين وإصابة ألفين آخرين.
وبادر آلاف السكان للنزوح بشكل طوعي من المستوطنات الحدودية دون صدور قرار حكومي بذلك، وأقام العديد منهم في خيام مؤقتة.
وأثناء الحرب تركز عمل "الجبهة الداخلية" على عمليات البحث والإنقاذ، في حين عجزت عن توفير الحماية للسكان أو تزويدهم بالاحتياجات المعيشية أو تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم، كما ظهر ضعف التنسيق بينها وبين بقية المؤسسات المدنية.
وخلص تقرير "مراقب الدولة" إلى وجود غموض وارتباك فيما يتعلق بإعداد الجبهة المدنية لحالات الطوارئ، كما برز تداخل الجبهتين العسكرية والمدنية، حيث شكلت التهديدات التي تعرض لها المستوطنون ضغطا على صناع القرار، في حين أثرت التطورات العسكرية على معنويات السكان وقدرتهم على الصمود.
وبناء على الدروس المستفادة من حرب 2006 شرعت "الجبهة الداخلية" في توفير أنظمة إنذار مبكر متطورة، فقُسمت إسرائيل إلى 25 منطقة للإنذار بدلا من 6 مناطق فقط في عام 1990، بهدف تمكين السكان من مواصلة روتين حياتهم اليومي في المناطق غير المعرضة للاستهداف، ثم زيدت لاحقا إلى أكثر من 250 منطقة مع تطور منظومات الدفاع الصاروخي وربط كل صاروخ بالمنطقة المحتمل سقوطه فيها.
ولحل مشكلة التدخل بين المؤسسات والوزارات المعنية بالجبهة المدنية، تأسست الوكالة الوطنية لإدارة الطوارئ في عام 2007، ووُضعت تحت إشراف وزارة الدفاع، لكنها انخرطت في صراع مع "الجبهة الداخلية" بخصوص المسؤوليات وتحديد الأولويات وإعداد الميزانية المطلوبة من كل وزارة.
بعد ذلك، تأسست للمرة الأولى في عام 2011 "وزارة الدفاع الداخلي" بهدف توجيه وتنسيق مهام مختلف المؤسسات الحكومية والجهات غير الحكومية في أوقات الطوارئ، لكن سرعان ما ألغيت الوزارة المذكورة في عام 2014 لاعتبارات سياسية تتعلق بتحفظ الجيش على دورها.
ورفض موشيه يعالون وزير الدفاع آنذاك نقل بعض صلاحياته لوزير الدفاع الوطني فيما يخص الدفاع المدني.
حرب 2014أقرت الحكومة الإسرائيلية في عام 2012 خطة لإجلاء السكان من المناطق القريبة من القتال، واعتمدت خطة "الفندق المضيف" التي يُطلب بموجبها من كل مجلس محلي بناء قدرة تستوعب عددا من النازحين بما يصل إلى 4% من سكان كل بلدية.
وعلى وقع حرب 2014 التي استغرقت 55 يوما، وتخللها إطلاق صواريخ من غزة طوال مدة الحرب، ومقتل أحد سكان كيبوتس "ناحال عوز" بقذيفة هاون، نوقشت مسألة إخلاء التجمعات السكانية الإسرائيلية في المواجهات المستقبلية، وبدأ التشكيك في السردية التي تعتبر أن إجلاء المستوطنين تحت النار يمثل استسلاما لضغوط المقاومة الفلسطينية.
أدرك جيش الاحتلال وجود فوائد عملياتية في إخلاء المستوطنات الحدودية حال تعرضها لتهديدات جسيمة، ولذا بدأ في إعداد خطط إجلاء وقت الطوارئ بالتنسيق مع قيادة الجبهة الداخلية.
أعدت خطة طوارئ تُسمى "المسافة الآمنة" لإجلاء 70% من نحو 54 ألف شخص يقيمون في 64 تجمعا سكانيا ومستوطنة على الحدود مع لبنان، و29 تجمعا في غلاف غزة، على بعد 4 كيلومترات من الحدود.
وتقضي الخطة بأن يُنقل النازحون خلال فترة لا تتجاوز 120 ساعة كحد أقصى من صدور قرار الإخلاء إلى مدارس وفنادق محددة مسبقا لاستيعابهم مؤقتا مع مراعاة تكوينهم المجتمعي، على أن يبقى عدد من السكان في مناطق الإجلاء للحفاظ على الحد الأدنى من إدامة النشاط الاقتصادي بها.
واللافت أن الجيش والجبهة الداخلية استبعدا احتمالات إجلاء التجمعات السكانية الأكثر كثافة القريبة من الحدود مثل كريات شمونة قرب لبنان، وسديروت قرب غزة، والبالغ عدد سكانهما 38 ألف شخص، وذلك لوجود مظلة حماية صاروخية لهما بواسطة القبة الحديدية.
كما خلصا إلى أن أي معركة موسعة مع حزب الله ستستهدف الصواريخ خلالها كافة أنحاء إسرائيل، مما يجعل من الصعب تنفيذ عمليات إجلاء واسعة لعدم وجود مناطق آمنة آنذاك، وبالتالي سيكون الخيار آنذاك هو تشجيع السكان على البقاء في منازلهم.
المفاجأة الأخيرةوفي صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 اجتاز مقاتلو كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة حماس- الجدار العازل في عملية طوفان الأقصى، وسيطروا على مقر فرقة غزة بجيش الاحتلال فضلا عن 22 مستوطنة بعمق تجاوز 30 كيلومترا من قطاع غزة، كما بدأ حزب الله في اليوم التالي شن هجمات على المواقع العسكرية الحدودية مع لبنان.
لجأ الجيش الإسرائيلي إلى إجلاء نحو 100 ألف شخص من المناطق المجاورة لغزة بما فيها مدينة سديروت، كما أجلى 60 ألفا آخرين من المناطق الحدودية الشمالية، منها كريات شمونة، ضمن إجراء استثنائي تجاوز الخطة المعدة سلفا.
أدى العدد الكبير من النازحين إلى فرض تكلفة اقتصادية باهظة على حكومة نتنياهو سواء من جهة انقطاعهم عن العمل أو لتلقيهم مساعدات حكومية حيث يُدفع لكل نازح لم تقدم له الحكومة غرفة فندقية 50 دولارا يوميا، وظهرت حوادث اغتصاب وسرقات، في حين يشتكي الأهالي من عقبات في تعليم أطفالهم.
مع طول أمد الحرب أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في يناير/كانون الثاني 2024 السماح بعودة السكان الذين يسكنون على بعد 4 إلى 7 كيلومترات من الحدود مع غزة، مع منح كل شخص بالغ يعود لبيته 200 شيكل يوميا، فيما سيحصل القاصر على 100 شيكل، على أن يظل العرض الحكومي ساري المفعول حتى نهاية فبراير/شباط 2024، مع قابليته للتمديد.
كذلك أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في الثامن من يناير/كانون الثاني الماضي السماح بعودة سكان سديروت إلى منازلهم بحلول الرابع من فبراير/شباط الجاري، وردا على ذلك قصفت كتائب القسام في اليوم نفسه سديروت بعدد 14 صاروخا.
تلك الأوضاع دفعت عددا من النازحين للاحتجاج أمام مكتب نتنياهو، والنوم أمام مكتبه، رفضا للعودة قبل شعورهم بتوفير الأمن لهم، كما تصاعدت شكاواهم من صعوبات في الحصول على الاحتياجات الحياتية، مما انعكس على تراجع الروح المعنوية، وهو ما يمثل عبئا على حكومة نتنياهو، ويضيف إخفاقا جديدا لقيادة الجبهة الداخلية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: قیادة الجبهة الداخلیة الدفاع المدنی فی حین فی عام
إقرأ أيضاً:
خبراء إيرانيون يقيّمون طوفان الأقصى بعد اتفاق غزة
طهران – مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة حيز التنفيذ، يرى سياسيون في إيران أن معركة طوفان الأقصى بشكل عام وصمود المقاومة الفلسطينية في القطاع على وجه الخصوص؛ جنبا الشرق الأوسط تطورات إقليمية خطيرة كان الاحتلال الإسرائيلي قد خطط لها.
وبالعودة إلى التطورات التي سبقت "طوفان الأقصى"، نرى أنه بعد احتواء إيران احتجاجات مهسا أميني الشابة الكردية التي توفيت عام 2022 إثر إصابتها بإغماء جراء اعتقالها من قبل "شرطة الإرشاد" بسبب ارتدائها "ملابس غير مناسبة"، انهالت العقوبات الأميركية والأوروبية على طهران بزعم "استخدامها العنف المكثف ضد المتظاهرين السلميين".
وقالت السلطات الإيرانية حينها إن لديها معلومات استخبارية تشير إلى وقوف جهات خارجية وراء الأحداث التي شهدتها البلاد.
في السياق، اتهم المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، الولايات المتحدة وإسرائيل ومن وصفهم بـ"عملاء واشنطن" وبعض "الخونة" من الإيرانيين المقيمين في الخارج "بالتخطيط لزعزعة الأمن والاستقرار وإثارة الشغب في البلاد"، وفق تعبيره.
اتفاقيات أبراهام
وتزامنت تلك الأحداث بتكثيف واشنطن نشاطها الدبلوماسي لدفع بعض الدول العربية للتوقيع على اتفاق سلام مع كيان الاحتلال الإسرائيلي في إطار اتفاقيات أبراهام، حتى أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأسبوع الماضي، في كلمة أمام المجلس الأطلسي بأن هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 "أثرت على مسارات التطبيع".
إعلانوعلى وقع التقديرات الأمنية لدى محور المقاومة -كما ورد على لسان قادته- واستشرافه مخططًا إسرائيليا للانقضاض على فصائله الواحدة تلو الأخرى، قررت حركة حماس مباغته فجر يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فخلطت أوراق إسرائيل وبرهنت على هشاشة منظومتها الأمنية.
ويعتبر الباحث الإيراني المختص في النزاعات الإقليمية مصطفي نجفي، أن اتفاقيات التطبيع والمخطط "الصهيوأميركي" لتصفية القضية الفلسطينية، محركًا أساسيا لعملية طوفان الأقصى التي استبقت الإعلان الأميركي عن تطبيع دولة عربية وازنة مع الكيان الإسرائيلي بـ3 أيام فقط.
طوفان الأقصى
وفي حديث مع الجزيرة نت يرى الباحث الإيراني، أن تفجيرات أجهزة التنبيه (البيجر) والاتصالات اللاسلكية في لبنان وكذلك ما كشفته المخابرات الإيرانية من عملية تخريب واسعة كانت تستهدف صناعاتها الصاروخية وبرنامج الفضاء، وكذلك اجتياح كيان الاحتلال مؤخرا للأراضي السورية وتدميره تسليحاتها الإستراتيجية؛ يدل على صوابية تقديرات محور المقاومة بشأن ما كانت تدبره إسرائيل طوال السنوات الماضية للمنطقة بأسرها.
وتابع نجفي أن محور المقاومة قد دشن "إستراتيجية وحدة الساحات" إثر عملية طوفان الأقصى، وفرض موازنة جديدة للقوة بالمنطقة بانتقاله من موقع الدفاع إلى الهجوم في رسالة للجهات المعنية على الصعيدين الإقليمي والدولي حول عدم السماح باستفراد الأعداء بحلقات محور المقاومة بعد السابع من أكتوبر.
وخلص الباحث المختص في النزاعات الإقليمية إلى أن عملية طوفان الأقصى أربكت مخططات الاحتلال الإسرائيلي، وجنبت المنطقة تطورات أمنية خطيرة لم يكن تفويتها بالحسبان سوى بتجرع مرارة تداعياتها التي استمرت نحو 15 شهرا، على حد تعبيره.
صمود غزة
من جهته، يضيف مدير معهد العلاقات الدولية مجيد زواري، أن صمود المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وإسناد فصائل المقاومة في لبنان واليمن والعراق لأهالي غزة قد جنّب المنطقة حربا واسعة بين طهران وتل أبيب لاسيما بعد أن حظيت الأخيرة بشتى أنواع الدعم التسليحي والمالي والسياسي من قبل حلفائها الغربيين.
إعلانوفي حديث للجزيرة نت، يشير زواري إلى فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها بالقضاء على المقاومة بالقطاع، والسيطرة الكلية الآمنة على غزة بشكل كامل، واستعادة الأسرى لدى المقاومة، مضيفا أن عجز حكومة الاحتلال عن مواجهة فصيل مقاوم على رقعة جغرافية لا تتجاوز مساحتها 360 كيلومترا يطرح تساؤلات جدية عن مدى جاهزيتها لمواجهة محور المقاومة بكامل طاقاته وأوراق قوته.
وبرأي المتحدث نفسه فإنه ما كان لصواريخ ومسيرات فصائل المقاومة أن تدك عمق كيان الاحتلال بشكل يومي خلال أكثر من عام لولا صمود جبهتي غزة وجنوب لبنان اللتين استنزفتا قدرات العدو الإسرائيلي الذي كان يمنّي نفسه بالإجهاز على ما يسميه "رأس الأفعى" بالمنطقة.
واستدرك زواري أن المواجهة الصاروخية المباشرة بين طهران وتل أبيب وكذلك الرسائل التي أرسلتها طهران بشكل صريح عن تصورها لليوم التالي لأي هجوم قد يستهدف أراضيها قد أقنعت الدول الإقليمية بضرورة الضغط على الولايات المتحدة لكبح جماح إسرائيل واحتواء التوتر بالمنطقة.
وختم بالقول إنه بعدما أفشلت عملية طوفان الأقصى مخططات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتصدير أزماته الداخلية إلى الخارج هروبا من المحاكمة، فإن المجازر التي ارتكبها في غزة قد فضحته في الأوساط الدولية وجعلته ملاحقا بعد صدور مذكرة المحكمة الجنائية الدولية ضده، مما يجعل حلفاءه الغربيين يفكرون جيدا قبل إعطائهم الضوء الأخضر لإقدامه على أية مغامرة جديدة في الشرق الأوسط.