إبادة من نوع جديد .. الاحتلال يستهدف كراسي المعوقين في غزة
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
سرايا - يعاني الأشخاص ذوو الإعاقة في قطاع غزة أكثر من غيرهم، خصوصاً خلال رحلات النزوح المتكررة، واستشهد العديد منهم خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل، كذلك حُرموا مراجعة أطبائهم، وتلقّي العلاج بسبب نقصه أو انعدامه، إلى جانب حرمانهم أساسيات الحياة، كالغذاء والماء، لكن يظل أحد الأمور الأصعب بالنسبة إليهم، فقدان كراسيهم المتحركة، التي كانت الوسيلة الأساسية للتنقل.
كان علي طه (46 سنة) يتنقل عبر كرسيّه المتحرك الذي حصل عليه قبل عامين من إحدى الجمعيات الخيرية التي تقدم الدعم لذوي الإعاقة في مدينة غزة، كبديل لكرسيّه المتحرك القديم الأقل جودة، والذي أصبح يستخدمه بصفة احتياطية في حال تعرُّض الكرسيّ الجديد لأية مشكلة فنية، لكنه ترك الكرسيّ الجديد تحت أنقاض منزل عائلته الذي قُصف في حيّ تل الهوا بمدينة غزة، في بداية نوفمبر/تشرين الثاني، واضطر إلى النزوح برفقة الأسرة.
قضى طه يومين مع عائلته بالقرب من مستشفى القدس التابع للهلال الأحمر الفلسطيني، وحين عاد أشقاؤه إلى المنزل بعد توقف القصف، وجدوا الكرسيّ الجديد محطَّماً، فأحضروا له الكرسيّ القديم، وبعد خروج المستشفى عن الخدمة بالكامل في منتصف الشهر ذاته، نزحت العائلة عدة مرات إلى عدة مناطق، ما عطّل الكرسيّ القديم، الذي اهترأت عجلاته بسبب سوء حالة الشوارع المدمرة، وتكرار التنقلات من الشمال، وصولاً إلى خيمة في مدينة رفح جنوبيّ القطاع.
يقول طه: "أشعر بعجز كبير في الوقت الحالي. أصبت في ساقيّ خلال العدوان الصهيوني الثاني في عام 2014، ما نتج شلل في الساقين، وبتر للقدم اليسرى، وأعيش في ظروف اقتصادية صعبة، وتعتمد عائلتي على المساعدات الإنسانية من الجمعيات الخيرية، واليوم أعيش مع عائلة شقيقي كنازحين".
خسر نحو 80 في المائة من ذوي الإعاقة في غزة كراسيّهم المتحركة
يضيف: "ذوو الإعاقة في غزة هم الفئة الأكثر تضرراً، وكأشخاص لا نستطيع التحرك، فلا يمكننا الهرب من القصف، وكثيرون استُشهدوا بسبب عدم قدرتهم على الحركة، وأعرف ثلاثة أشخاص استُشهدوا تحت الأنقاض، وأنا حالياً من دون كرسيّ متحرك، والكرسيّ ثمنه غالٍ، وأغلب ذوي الإعاقة في غزة يحصلون على الكراسي عبر المساعدات، لأننا من الفقراء".
يحتاج طه حالياً للمساعدة للذهاب إلى الحمام، أو لمغادرة الخيمة لتعريض جسده لأشعة الشمس صباحاً، وفي الكثير من المرات يساعده شقيقه وأبناء شقيقه، لكن في بعض المرات لا يكون في الخيمة أحد، فينادي أحد المارة لمساعدته.
وقبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في أنحاء فلسطين يبلغ نحو 115 ألف فرد، بنسبة 2.1 في المائة من إجمالي المقيمين داخل الأراضي الفلسطينية، وبواقع 59 ألف فرد في الضفة الغربية، يشكلون 1.8 في المائة من إجمالي السكان، ونحو 58 ألف فرد في قطاع غزة، يشكلون 2.6 في المائة من إجمالي السكان.
خرج أسامة المغربي (39 سنة) من منزله بأعجوبة في أثناء قصف الاحتلال للمربع السكني الذي تقيم فيه عائلته داخل مخيم جباليا في شمال قطاع غزة، وكان يتنقل في أثناء رحلة النزوح من عربة إلى أخرى، أو محمولاً على أيدي أشقائه وأبناء عمومته وعدد من الجيران، إذ يعاني من إعاقة حركية منذ طفولته بسبب سقوطه من أعلى أحد المباني.
يقول المغربي: "أخرج أشقائي الكرسيّ المتحرك من تحت الأنقاض، ولم يكن متضرراً، لكنه خرب على الطريق في أثناء النزوح من شمال القطاع، وحاول شقيقي ربط قاعدة العجلة بسلك معدني، لكن ذلك لم يفلح. اضطررت إلى السير بالكرسي المتحرك، لكن القصف كان قد أضعف هيكله المعدني، والشوارع المدمرة زادت عطبه، حتى أصبح لا يتحمل وزني الثقيل.
يضيف: "فقد كثيرون الكراسي المتحركة تحت الركام، وما نجا منها تحطّم بسبب حالة الشوارع التي ساروا فيها في أثناء الإخلاء والنزوح. التدمير الإسرائيلي الكبير للشوارع الرئيسية التي تصل بين محافظات قطاع غزة الخمس، وكذلك غياب وسائل النقل، أجبرا الآلاف على المشي للوصول إلى وسط القطاع، ثم إلى الجنوب. وأعاني من آلام شديدة بسبب رحلة النزوح الشاقة، فضلاً عن نقص الأدوية والرعاية الطبية، وأعيش كابوساً حقيقياً، ولا تغيب عن ذهني تفاصيل رحلة النزوح، وحالياً أعاني من أجل الذهاب إلى الحمام، حتى أصبحت أكرر قضاء حاجتي في زجاجة صغيرة".
نحو 90 في المائة من ذوي الإعاقة في غزة ينتمون إلى أُسر فقيرة
كان الفلسطيني محمد مطر معلماً، ولاعب كرة قدم، وأصبح من ذوي الإعاقة الحركية في العدوان الصهيوني الأول، إذ تعرّض لإصابة بالغة يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 2008، وبقي شهراً كاملاً في المستشفى، وخرج بشلل نصفي، وقد قرر أن ينشط في مشاريع دعم ومساندة الأشخاص ذوي الإعاقة قبل أكثر من 10 سنوات.
خسر مطر كرسيّه المتحرك الإلكتروني الذي كان يعمل على بطاريات الشحن خلال النزوح من شرق مدينة غزة إلى وسط المدينة، حين تعرّض المنزل الذي نزحت إليه عائلته في مخيم النصيرات لقصف إسرائيلي، وبعدها نزح مجدداً إلى وسط القطاع، ثم إلى مدينة خانيونس، ووصل أخيراً إلى إحدى مدارس مدينة رفح في جنوب القطاع.
يقول: "كان الكرسي المتحرك في صالون المنزل الذي نزحت إليه العائلة، والذي دمره القصف الصهيوني في 15 ديسمبر الماضي، وتعرضت خلال القصف لإصابة متوسطة، بينما تعرضت والدتي المسنة لإصابات خطيرة، ونجا 10 من أفراد أسرتي بأعجوبة، وأتذكر أنني في أثناء القصف خرجت من المنزل زاحفاً لأنه لم يكن أمامي سوى هذا الخيار. نحو 80 في المائة من الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة خسروا كراسيهم المتحركة خلال العدوان الحالي، سواء الكراسي المتحركة الإلكترونية، أو تلك العادية التي تعتمد على الجهد اليدوي، وأطلق الكثير منهم مناشدات لتوفير كراسيّ متحركة بديلة، لكن للأسف لا توجد أي استجابة نظراً لأولوية خدمات الإيواء وتوفير الغذاء والدواء".
ويؤكد مطر أن نحو 90 في المائة من ذوي الإعاقة في غزة ينتمون إلى أسر فقيرة، أو إلى الأسر الأشد فقراً، وفقاً لدراسات أعدّها اتحاد المعوَّقين الفلسطينيين، وهي منظمة شعبية تمثل الأشخاص المعوَّقين وتدافع عن حقوقهم، مشيراً إلى أن "الكراسي المتحركة مفقودة في الوقت الحالي في قطاع غزة، والكثير منها تحطّم خلال العدوان، أو ظلّ تحت ركام المنازل، وهناك عدد قليل منها مستخدم في المستشفيات لمساعدة الحالات الطارئة، أو في العمليات الجراحية، وبعد انقضاء العدوان سيكون الوضع كارثياً على جميع الغزيين، وعلى ذوي الإعاقة على وجه الخصوص".
وتشكل نسب الإعاقة بين البالغين نحو 3 في المائة في أنحاء فلسطين، بواقع 2.6 في المائة في الضفة الغربية، و3.9 في المائة في قطاع غزة، في حين تتباين نسبة زيادة الأعداد. وفي السنوات الأخيرة تزايدت الأرقام بشكل ملحوظ في قطاع غزة. ففي الفترة من عام 2007 إلى عام 2017، تضاعف عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع، متأثراً بالحصار المتواصل والعدوان الإسرائيلي المتكرر، ووصلت أعداد ذوي الإعاقة إلى 48,140 فرداً في عام 2017، مقارنة بـ 24,608 في عام 2007، حسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي).
وحسب التقرير الصحي السنوي في قطاع غزة لعام 2022، بلغ عدد الأفراد ذوي الإعاقة المسجلين 55,538 فرداً، وتشكل الإعاقة الحركية 47 في المائة من الإجمالي. ووفقاً للتقارير الصادرة عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" عقب العدوان الإسرائيلي على القطاع في عام 2014، فإن حوالى ثلث أعداد الإصابات المسجلة خلّف إعاقات دائمة للمصابين.
وتقدِّر مصادر طبية وتقارير وكالة "أونروا" عدد الأفراد ذوي الإعاقة الذين قد يخلّفهم العدوان الصهيوني الحالي بما يقارب 12 ألف فرد حتى نهاية ديسمبر الماضي، وأن تزيد الأرقام بنهاية العدوان بسبب تزايد أعداد المصابين، وانخفاض قدرات الرعاية الصحية، وإغلاق المعابر، ومنع المواد الطبية الأساسية من الوصول إلى القطاع، والاستهداف المباشر للمستشفيات ومراكز الرعاية، والطواقم الطبية."
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: الأشخاص ذوی الإعاقة ذوی الإعاقة فی غزة من ذوی الإعاقة خلال العدوان فی المائة من فی قطاع غزة فی أثناء ألف فرد فی عام
إقرأ أيضاً:
اليونيسيف: وفيات الأطفال بغزة بسبب انخفاض الحرارة تكشف ظروف القطاع اليائسة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال المدير الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة (اليونيسيف) في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إدوارد بيجبيدر الجمعة، إن وفيات الأطفال في قطاع غزة بسبب انخفاض حرارة الجسم؛ تكشف الظروف اليائسة والمتدهورة التي تعيش فيها الأسر والأطفال في جميع أنحاء القطاع.
ولفت بيجبيدر في بيان له، إلى وفاة أربعة أطفال حديثي الولادة ورضع خلال الأيام الأخيرة في قطاع غزة بسبب انخفاض حرارة الجسم، مشيرا إلى أن انخفاض درجات الحرارة بشكل أكبر خلال الأيام المقبلة، فمن المتوقع بشكل مأساوي أن يفقد المزيد من الأطفال حياتهم بسبب الظروف اللا إنسانية التي يواجهونها.
وأضاف: إن أسباب الوفاة هذه التي يمكن الوقاية منها تكشف عن الظروف اليائسة والمتدهورة التي تواجه الأسر والأطفال في جميع أنحاء غزة، وذلك في ظل استمرار القصف الإسرائيلي مع انخفاض متوقع في درجات الحرارة.
وأكد أن العديد من سكان غزة يعيشون إلى جانب التهديد المستمر بالهجمات - بدون تغذية أو رعاية صحية، كما أن ملاجئهم المؤقتة لا توفر أي حماية من الطقس البارد، وفي الوقت نفسه تستمر الأعمال العدائية الإسرائيلية في حصد أرواح الفلسطينيين في جميع أنحاء قطاع غزة، بما في ذلك بالقرب من المرافق الصحية.
وأشار بيجبيدر إلى أن 65 شاحنة محملة بالمساعدات دخلت يوميا - خلال شهر نوفمبر الماضي - إلى القطاع؛ وهو ما يقل كثيرا عن تلبية الاحتياجات العاجلة للمدنيين ومنهم الأطفال والنساء.
وقد أعرب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عن قلقه إزاء مثل هذه الهجمات، التي أسفرت أيضا عن وفيات للعاملين في مجال الصحة والمساعدات.
وقال المكتب في بيان "إن غارة جوية بالقرب من مستشفى كمال عدوان في محافظة شمال غزة الليلة الماضية؛ أسفرت عن مقتل العشرات من الأشخاص منهم العاملين في مجال الصحة، وفي مستشفى كمال عدوان اليوم أُجبر الموظفون والمرضى ومرافقوهم على مغادرة المستشفى".
وأضاف البيان "نحن منزعجون من الهجمات المستمرة في جميع أنحاء القطاع، كما قد تم الإبلاغ عن اعتقالات وأضرار كبيرة في المستشفى".
وقد أفادت اليونيسف وغيرها من وكالات الأمم المتحدة بشكل متكرر بأنه في كثير من الأحيان لا يتم منح قوافل المساعدات الإذن بالدخول إلى قطاع غزة وتسليم الإمدادات إلى المحتاجين.
كما أعلن برنامج الغذاء العالمي أنه لم يتمكن إلا من جلب نحو ثلث الغذاء اللازم لدعم سكان غزة، وأن "الجوع في كل مكان".