فيديوهات جنود الاحتلال: نزوع إبادة غرائزي؟
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
فيديوهات جنود الاحتلال: نزوع إبادة غرائزي؟
فقرات التقرير تشير لأشرطة تُظهر جنود الاحتلال وهم يعيثون تخريباً في متاجر محلية وغرف مدرسية، مع تعليقات تحقيرية بحقّ الفلسطينيين.
فيديوهات الجنود ليست وحدها الدليل على اتساع ظواهر العنف إذْ سبق لوزير الدفاع الإسرائيلي أن أطلق صفة «الحيوانات البشرية» على سكان القطاع.
تحقيق نيويورك تايمز يبدأ باقتباس عبارة: «توقفتُ عن إحصاء عدد المساكن التي محوتُها عن وجه الأرض»، التي تركها أحد أولئك الجنود وشاهدها مئات الآلاف.
تظهر الفيديوهات انخراط بلدوزارات الاحتلال في تدمير منشآت مدنية؛ وهتافات تدعو لإعادة استيطان قطاع غزّة، وتستعيد خطاب ساسة اليمين الإسرائيلي المتطرف.
صرح رئيس إسرائيل: «أمّة غزة مسؤولة بأكملها»، وطالب وزير التراث باستخدام السلاح النووي لمحو غزة؛ وهرع نتنياهو للتوراة ليربط الإبادة بالعماليق والفلسطينيين.
أحفاد الفاشيين الصهاينة، كالجندي الذي ملّ من إحصاء الخرائب، سئموا كبح الغرائز الجامحة فأطلقوا عنانها: ضدّ مدرسة أو مكتبة أو مستشفى؛ ما دامت الأنفاق تستعصي عليهم.
* * *
خمسة من صحافيي «نيويورك تايمز» الأمريكية عكفوا على دراسة مئات من أشرطة الفيديو التي سجّلها جنود الاحتلال الإسرائيلي، بأنفسهم ولأنفسهم أو لأصدقائهم وأقربائهم (الأطفال خصيصاً) ونسائهم (زوجات أو حبيبات)، وذلك منذ بدء حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة.
ثمّ عمد كثيرون منهم إلى تحميل تلك المشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وخاصة TikTok وتحقيق الصحيفة يبتدأ من اقتباس هذه العبارة: «توقفتُ عن إحصاء عدد المساكن التي محوتُها عن وجه الأرض»، التي تركها أحد أولئك الجنود، وشوهدت من مئات الآلاف.
ليست نيويورك تايمز مناوئة لدولة الاحتلال، والعكس التامّ هو الصحيح بالطبع، وهذا اعتبار أوّل قد يصحّ الانطلاق منه لتلمّس أسباب الصحيفة وراء نشر مادّة بغيضة منفّرة، تبلغ بعض فقراتها مستوى من التفضيح يداني تجسيد همجية عنفية حشوية، غريزية أحياناً وحيوانية في أمثلة أخرى ودموية غالباً. صحيح أنّ هذه التوصيفات لا تُستخدم من الصحافيين الخمسة، ولكن عدم اللجوء إليها حرفياً لا يطمس في شيء ما يحتشد بين سطورها من دلالات صريحة لا ريب في استقراء معانيها.
صحيح أنّ الفقرة الثانية في التحقيق تسارع إلى الإيضاح بأنّ بعض هذه اللقطات «تخرق تعليمات قوات الدفاع الإسرائيلية»، غير أنّ الفقرات التالية لا تعفّ عن الإشارة إلى أشرطة تُظهر جنود الاحتلال وهم يعيثون تخريباً في متاجر محلية وغرف مدرسية، مع تعليقات تحقيرية بحقّ الفلسطينيين، ومشاهد انخراط بلدوزارات الاحتلال في تدمير منشآت مدنية؛ مترافقة مع هتافات تدعو إلى إعادة الاستيطان في قطاع غزّة، وتستعيد خطاب ساسة اليمين الإسرائيلي المتطرف.
كذلك لا يغفل التحقيق الإشارةَ إلى أنّ واحداً من هذه الفيديوهات عُرض خلال مداولات قضية جنوب أفريقيا ضدّ دولة الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية، كما اقتُبست خمسة أشرطة أخرى، في سياق البرهنة على نزوعات الإبادة.
كما يشدد على عنصرَيْن ضمن مسعى الموضوعية المهنية (والحرص على ردّ اعتبار دولة الاحتلال أيضاً، غنيّ عن القول): أنّ الصحافيين تحققوا، جيداً، من صحة مواقع تصوير الأشرطة وأنها تقع بالفعل في مناطق القطاع المختلفة؛ وأنّ أياً من الجنود الإسرائيليين، أصحاب الأشرطة، لم يقبل التعليق على شريطه عند التواصل معه.
ورغم أنّ هذه السطور لا تعتمد التعميم الإطلاقي، حول تأصّل نزوعات الإبادة على نحو غريزي وحشوي لدى كلّ وأيّ جندي إسرائيلي؛ إلا أنّ مئات الفيديوهات التي توثّق أعمال الاحتلال الهمجية، وأكثر من 27 ألف شهيد حتى الساعة في صفوف الفلسطينيين المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزّة، تبيح مقداراً غير ضئيل من حقوق توسيع ظواهر التوحش العسكري الإسرائيلي خارج النطاقات الفردية، نحو ما يمكن اعتباره سلوكاً جَمْعياً مَرَضياً، لا تغيب عنه الهستيريا.
ما يعفّ عنه صحافيو «نيويورك تايمز» هو التذكير بأنّ فيديوهات الجنود ليست وحدها الدليل على اتساع الظواهر العنفية هذه، إذْ سبق لوزير الدفاع الإسرائيلي أن أطلق صفة «الحيوانات البشرية» على سكان القطاع، ولم يتردد رئيس دولة الاحتلال في التصريح بأنّ «أمّة غزة مسؤولة بأكملها»، وطالب وزير التراث باستخدام السلاح النووي ضدّ القطاع؛ وأمّا بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال، فقد هرع إلى التوراة ليقيم الصلة الإبادية بين العماليق والفلسطينيين.
وفي عشرينيات القرن العشرين كان أبا أخيمئير، أحد مؤسسي الحزب «التنقيحي» الفاشي صحبة زئيف جابوتنسكي، يستهوي تشبيه الأخير بأمثال موسوليني، ويطلق عليه لقب «دوتشي يهودا والسامرة»؛ أمّا في عشرينيات القرن الحالي فلعلّ أحفاد هؤلاء، أمثال الجندي الإسرائيلي الذي ملّ من إحصاء الخرائب، سئموا أيضاً كبح الغرائز الجامحة فأطلقوا لها العنان: ضدّ مدرسة أو مكتبة أو مستشفى؛ ما دامت الأنفاق لا تستعصي عليهم في قليل، بل في كثير معقد مديد.
*صبحي حديدي كاتب سوري مقيم بباريس
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: غزة فيديوهات إسرائيل التوراة الأنفاق الحيوانات البشرية جنود الاحتلال نيويورك تايمز جنود الاحتلال نیویورک تایمز قطاع غز ة
إقرأ أيضاً:
“يديعوت أحرونوت” تكشف: أزمة غير مسبوقة في الجيش الإسرائيلي بسبب “الأمر 77”.. معنويات الجنود بالحضيض
إسرائيل – كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن تصاعد أزمة داخل الجيش الإسرائيلي على خلفية تطبيق “الأمر 77″، الذي يقضي بتمديد خدمة الجنود النظاميين لمدة 4 أشهر إضافية بعد انتهاء فترة تجنيدهم.
ووصفت الصحيفة أزمة الأمر “77” بأنها “قنبلة موقوتة”، في ظل استمرار الحرب في غزة والتوترات مع لبنان.
ووفقا للتقرير، تسبب القرار في موجة من الاستياء الشديد في صفوف الجنود الذين يخوضون معارك منذ أكثر من عام ونصف، وسط شعور بالإنهاك والاستغلال وفقدان الثقة بقيادة الدولة والجيش. ونقلت الصحيفة عن ضابط بارز قوله: “المعنويات في الحضيض.. المقاتلون يسعون للهرب من المواقع القتالية إلى وظائف أخرى”.
وأفاد الجنود بأنهم فوجئوا بإبلاغهم بتمديد خدمتهم دون سابق إنذار. الرقيب أول “ريشون أ.”، من لواء ناحال، الذي كان يفترض أن يسرح الأسبوع الماضي، قال إنه تم إخطاره عشية تسريحه بتمديد خدمته أربعة أشهر إضافية. وأضاف: “الدولة تستغلنا بلا رحمة.. أشعر أن حياتي الشخصية لا تعني لهم شيئًا”.
وأشار “ريشون” إلى أن الراتب الجديد الذي يبلغ 8 آلاف شيكل لا يعوض عن الإحباط: “بإمكاني كسب هذا المبلغ كنادل، لكنني كنت أفضّل أن أستيقظ كل صباح حرا، لا مجندا بالقوة”.
تحدث جنود آخرون عن النقص الحاد في القوات المقاتلة داخل الجيش، مما دفعهم إلى أداء مهام غير قتالية مثل العمل في المطابخ، وهو ما اعتبروه دليلا على “عجز الجيش عن أداء مهامه الأساسية”.
وأعرب الرقيب “س.”، مقاتل مدرعات خدم لمدة 14 شهرا، عن شعوره بالخذلان قائلا: “إذا غادرت، من سيملأ مكاني؟ لا أحد. نحن عالقون”.
كما أبدى الجنود استياءهم من استمرار الإعفاء الكامل للحريديم (اليهود المتشددين دينياً) من الخدمة العسكرية، معتبرين أن ذلك “يمثل ظلما فادحا”، ما زاد من شعورهم بالتمييز وفقدان الثقة بالدولة.
ضباط كبار أكدوا أن قرار تمديد الخدمة ألحق أضرارا بالغة بروح الجيش القتالية وبالرغبة في مواصلة الخدمة، خصوصًا في الوحدات القتالية. وأوضح أحد الضباط أن التوجيه نفذ بشكل غير عادل بين الوحدات، مما تسبب في إحباط عميق بين الجنود.
وقال الضابط: “المقاتلون يدركون أن العبء لا يوزع بالتساوي.. يشعرون أن المجتمع يتركهم وحدهم في الميدان”، محذرا من أن استمرار الوضع بدون حل سياسي لقضية تجنيد الحريديم قد يؤدي إلى “انهيار المعنويات بالكامل”.
بالتوازي، أعلنت حركة “الأم المستيقظة”، التي تضم أمهات الجنود، عن بدء إجراءات قانونية ضد تمديد الخدمة “بطريقة التفافية على القانون”، تمهيدا لتقديم التماس عاجل إلى المحكمة العليا.
وأكدت الحركة أن قرار تمديد الخدمة يمثل “انتهاكًا فاضحًا للحقوق القانونية للجنود”، خاصة مع غياب تشريع رسمي من الكنيست.
يأتي ذلك وسط فشل الكنيست حتى الآن في تمرير قوانين لحل الأزمة، حيث توقفت مناقشات مشاريع القوانين المتعلقة بتمديد الخدمة ورفع سن الإعفاء، بسبب الخلافات حول تجنيد الحريديم.
وأكد رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، يولي إدلشتاين، أن لا تقدم يُذكر في هذا الملف، محذرًا من أن الجيش يعاني نقصًا خطيرًا في القوى البشرية.
وأشارت مصادر عسكرية إلى أن الأزمة تتفاقم مع تراجع الشعور بالإجماع الوطني تجاه العمليات العسكرية، ما يزيد من مشاعر الإحباط واليأس بين الجنود.
وأوضحت “يديعوت أحرونوت” أن الجيش الإسرائيلي يواجه تحديا داخليا خطيرا قد يؤثر على قدراته العملياتية مستقبلا، إذا لم يتم اتخاذ إجراءات سريعة وشاملة لمعالجة مشكلة تمديد الخدمة وعدم المساواة في تحمل أعباء الدفاع عن الدولة.
المصدر: يديعوت أحرنوت