الخليج الجديد:
2025-04-27@05:11:50 GMT

عن الأصولية الغربية والأصولية في الإسلام

تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT

عن الأصولية الغربية والأصولية في الإسلام

عن الأصولية الغربية والأصولية في الإسلام

أصوليتنا رحبة لا بد من تمييزها عن أصوليات الغرب وتياراتها السياسية العنصرية، الإقصائية.

مفهوم الأصولية في الإسلام يكتسب طبيعته وفلسفته الخاصة ولا يمكن أن يمثل نسخة مطابقة للأصولية الغربية.

الإسلام يرفض الإكراه في الدين بل يدعو لعقائده الخالصة الشاملة بالحكمة والموعظة الحسنة، فلا إكراه في الدين.

مفهوم الأصولية في الإسلام يستند إلى أصول نقية ومتماسكة تحقّق مقاصد الشرع ومنافع العباد ولا تحتكم لأهواء البشر.

من الظلم إقحام مصطلح الأصولية في خطاب العالم الإسلامي بالطريقة التي يتداولها الفكر الغربي، فما بينهما كما ما بين السماء والأرض من حيث المضمون.

الأصوليين في الغرب أهل الجمود والتقليد الذين يخاصمون العقل والتأويل والقياس، بينما الأصوليون في الحضارة الإسلامية هم علماء أصول الفقه والاجتهاد والتجديد.

* * *

رغم من شيوع استخدام مفهوم الأصولية في كافة المجالات السياسية والفكرية والإعلامية، إلا أنّه يظل مفهوماً إشكالياً من حيث الفهم والتطبيق، فهذا المفهوم بما يحمله من دلالات مختلفة لا يعبّر تعبيراً دقيقاً توحي به لفظة الأصولية الرائجة حالياً، وخصوصا لجهة ما يتضمّنه هذا المصطلح من معاني الرجعية المعادية لكل تقدّم، ومحاولة العديد من الدراسات حصر الأصولية في الإسلام واعتبارها صفة جوهرية له، والقول إنّ الإسلام بطبيعته أصولي، الأمر الذي أنتج صراعاً كبيراً بين الأطراف التي توظفه في أحكامها الفكرية أو مواقفها السياسية أو دعاياتها الإعلامية، لدرجة أصبح معه النعت بالأصولية بمثابة شتيمة سياسية.

مشكلتنا كمسلمين مع الأصولية، كما يقول فهمي هويدي: "أنّ هذا التعبير أساساً لا أصل له في اللغة العربية، ولا أصل له في الخطاب الإسلامي"، فالأصولية قديمة قدم المسيحية ذاتها، وتعود جذورها إلى عهد الخلافات المعروفة بـ"الخريستولوجية"، المرتبطة بالفكر اللاهوتي المسيحي والمتعلقة بدراسة طبيعة السيد المسيح، وتمتد قروناً طويلة في سياق الصراع الكنسي الغربي. إذ مارست هذه الأصولية أدوارها السياسية عبر تاريخها الطويل، وأنتجت حروباً وتصفيات مذهبية خارج وداخل المجتمع المسيحي نفسه.

فمن الحروب الصليبية "حروب الفرنجة" إلى محاكم التفتيش الرهيبة التي أنشئت بقرار من البابا عام 1233م، والتي لم تكن إلا ثمرة لتحالف مدمّر بين الأصولية الدينية والأصولية السياسية التي أسست لحروب دينية بروتستانتية كاثوليكية استمرت مئتي عام تقريباً، وصولاً إلى الأصولية الغربية بمفهومها الاصطلاحي الحديث، والتي نشأت في الولايات المتحدة كحركة إنجيلية مناوئة لتيار الحداثة الذي بدأ بغزو الكنيسة ابتداءً من نهاية القرن الثامن عشر.

فالأصولية كلمة يرتبط معناها الأساسي بالصراع الكنسي في الغرب حفاظاً على الأصول التي عبثت بها الأيدي عبر المجامع وفقا للأغراض السياسية والمصالح البابوية، أي أن فكرة الأصولية - السابقة في ظهورها وانتشارها على ظهور الإسلام- هي فكرة غربية انطلقت من ضرورة التمسك بما يعتقد أنّه مطلقات لا يقبل النقاش ولا المساومة.

وكانت مشكلة هذا الفهم هي الجمود المطلق حول ما تعتقد أنه يقين وأنه لب الأصول المسيحية، على الرغم من كل التحولات والتناقضات التي مرّت بها منذ العهد الرسولي وما تلاه من مجامع كنسية كثيرة غيّرت في أصول المعتقدات المسيحية.

أما الأصولية في الثقافة الإسلامية، وكمفهوم سائد متداول في وعينا العام وفي الخطاب العربي المعاصر، فترتبط بمفردات اشتق بعضها من فعل أصل وأصالة فهو أصيل، وتأصّل بمعنى صار ذا أصل، لتعبر بذلك عن حركة عقائدية، طريقها تأصيل التعاليم واستنباط الأحكام الموافقة للشريعة والحلول الكفيلة بمعالجة معضلات الإنسان والمجتمع والدولة.

غير أنّها في الفكر الغربي تُربط بالحركة الأصولية الغربية المتعصّبة مع كل سلبياتها التي رسبتها في الضمير الغربي المسيحي بصورة عامة، والضمير الأميركي بصورة خاصة. ومما يلفت النظر في هذا المجال، تركيز الخطاب الاتهامي الغربي على الأصولية في الإسلام دون غيرها من الأصوليات المعاصرة، كالأصولية المسيحية والأصولية الصهيونية المسيحية والأصولية الهندوسية.

لذلك، سرعان من ألبس مفهوم الأصولية في الإسلام مسمّيات سلبية، وأصبح من الشائع التوظيف الانتهازي لهذا المفهوم في مجال الصراع بين الغرب والإسلام، والتركيز على نقد البعد السياسي لهذه الأصولية من خلال إطلاق مفاهيم كالإسلاموية والتطرّف والتشدد والإرهاب والتعصب، وكذلك تصوير الإسلام على أساس أنه ديانة أيديولوجية أصولية تخفي في مكنونها مشروعاً أيديولوجياً عقائدياً معادياً للمشروع الغربي.

وبالتالي، فإن معنى الأصولية في الثقافة العربية الإسلامية يختلف عنه في البيئة الغربية، والسبب في ذلك يرجع لاختلاف ظروف كل منهما من حيث النشأة، والفكر، والعقيدة، فالأصولية في البيئة الإسلامية رمز لأهل الاجتهاد والاستنباط، ويُطلق على عِلمين هامين هما علم أصول الدين وعلم أصول الفقه، بينما في البيئة الغربية، عنوان على أهل الجمود والتطرّف والتدمير.

بل إنّ هذا المصطلح غريب عن البيئة الإسلامية، ومقحم عليها بقوة الإعلام الغربي، فالغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، تحاول أن تلصق بالحركة الإسلامية وصف الحركة الأصولية بمدلولها الغربي، الذي هو على النقيض تماماً من دلالات هذا المصطلح في الفكر الإسلامي.

ختاماً، ينبغي التأكيد أن الأصوليين في الغرب هم أهل الجمود والتقليد الذين يخاصمون العقل والمجاز والتأويل والقياس، بينما علماء الأصول في الحضارة الإسلامية هم علماء أصول الفقه وأهل الاستنباط والاستدلال والاجتهاد والتجديد.

ووفقاً لهذا الفهم، يكتسب مفهوم الأصول في الإسلام طبيعته وفلسفته الخاصة ولا يمكن أن يمثل نسخة مطابقة للأصولية الغربية، بل يستند إلى أصول نقية ومتماسكة تحقّق مقاصد الشرع ومنافع العباد ولا تحتكم لأهواء البشر. فالإسلام يرفض الإكراه في الدين، بل يدعو إلى عقائده الخالصة، ودعوته الشاملة بالحكمة والموعظة الحسنة، فلا إكراه في الدين.

هذه أصوليتنا الرحبة، والتي لا بد من تمييزها عن أصولياتهم المتنوعة، وتياراتها السياسية العنصرية، الإقصائية، لذلك من الظلم إقحام هذا المصطلح في الخطاب العام للعالم الإسلامي بالطريقة التي يتداولها الفكر الغربي، فما بينهما كما ما بين السماء والأرض من حيث المضمون.

*د. بشار نرش كاتب وباحث سوري في العلاقات الدولية.

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الغرب العنصرية المسيحية الأصولية الإسلام الحضارة الإسلامية الحروب الصليبية محاكم التفتيش هذا المصطلح فی الدین ما بین من حیث

إقرأ أيضاً:

لماذا الإسلام في علو وانتشار والمسلمون في دنو وانكسار؟

في هذا المقال الحصري لـ"عربي21"، يتناول الدكتور أحمد بن نعمان، الباحث في شؤون الفكر العربي والإسلامي، واحدة من أكثر المفارقات إيلامًا وإثارة للتأمل: لماذا يواصل الإسلام صعوده وانتشاره عالميًا، في حين يرزح المسلمون تحت أعباء الانكسار والضعف والانقسام؟ سؤال محوري يفتح بابًا عريضًا للتفكر في فجوة الواقع بين قوة الرسالة وضَعف حَمَلتها، بين نور العقيدة وظلام الممارسة، بين ما يُتلى في المصاحف وما يُرتكب في الميادين.

ويعالج الكاتب هذا الإشكال بتشخيص دقيق ومؤلم لحال الأمة، متتبعًا أسباب التراجع الذاتي للمسلمين على مختلف الأصعدة، مقابل صعود لافت للإسلام في قلوب وعقول الشعوب الأخرى، حتى داخل "معاقل الخصوم". ومن خلال تحليل معمّق ومواقف واقعية، يكشف الدكتور نعمان كيف يتحقق وعد الله بإتمام نوره رغم كيد الأعداء وتقصير الأبناء، مشيرًا إلى دور النخبة المهاجرة، والدعاة الصادقين، والمهتدين الجدد، في إحياء الإسلام عالميًا في وقت تخلى فيه كثير من المسلمين عن حمله محليًا.

انتشار سريع للإسلام

لا ينكر عاقل من أبناء الأمة ومن الأعداء على حد سواء، أن المسلمين في الوقت الحاضر متفرقون في المذاهب، ومختلفون في المشارب، ومتناقضون في المواقف، ومتباينون في السياسات والانتماءات إلى تكتلات جهوية ودولية متصارعة على المصالح المتعارضة مع قيم الأمة الإسلامية وقواعد دينها التي تقضي بتطابق أقوال المسلم مع أفعاله والتي جعلتها على عرش أطول وأرقى الحضارات البشرية لقرابة قشرة قرون.

وفي الوقت ذاته لا يجادل عاقل أو ينازع إلا جاهل حاقد أو مكابر معاند بأن الإسلام في انتشار سريع في معظم بلاد العالم ورقعته في اتساع ظاهر لكل ناظر نتيجة عوامل وأحداث كثيرة وقعت في العقود الأخيرة من حروب وانتكاسات وخيانات ومؤامرات وانقلابات (بيضاء وحمراء وسوداء) في قلب البلاد الإسلامية وخاصة العربية منها التي انجر عنها تشتت خيرة أبنائها كالعملة الجيدة المتمثلة هنا في النخبة أو الصفوة الممثلة للإسلام في دولها ذات الأنظمة الاستبدادية الطاردة لها من مواطنها الأصلية مشرقًا ومغربًا كالعملة الرديئة التي تطرد العملة الجيدة من السوق، مما أجبرها على الهجرة في أرض الله الواسعة، نافذة بجلدها، ساعية لرزقها، محافظة على دينها، باحثة عن الأمن والاستقرار ولو في بلاد الكفار، الذين ثبت أنهم أفضل من بعض الأشقاء الظلمة المستبدين بالصالحين المصلحين من أهل الديار.

وهو ما يثبت مصداقية كلام الله في محكم تنزيله وإنفاذ أمره في إتمام نوره ولو كره الكافرون، وهي من الآيات المبهرة لهذا الدين الذي ينتشر ويقوى في العالم رغم وضع المسلمين الضعيف والمقلوب رأسًا على عقب في جميع المجالات، ورغم نعمة الله على المسلمين بكل الإمكانات المادية والبشرية في أهم ومعظم قارات الكرة الأرضية!

من تلك المفارقات العجيبة والغريبة الصارخة (بين حقيقة الإسلام في القرآن وواقع المسلمين في الميدان) أنه على الرغم من كل هذه العوامل المتكاملة لتشويه صورة الإسلام لدى المسلمين أنفسهم وبأفعال بعضهم فضلًا عن أعدائهم، نلاحظ أن الإسلام ينتشر وينتصر في اكتساب عقول وقلوب الملايين، في بلاد الخصوم (الحضاريين والدينيين) أنفسهم، الذين أتى منهم كل البلاء الذي يعم بلاد المسلمين في معظم أنحاء العالم..ومع ذلك، فترتيب معظم تلك الدول يأتي في آخر وأدنى الأرقام القياسية في التقدم والتنمية، بعد أن كانت قبل بضعة قرون في مقدمة الدول التي تفرض نفسها بالحق على أعدائها أيام حكم أمثال "المعتصم بالله"، الذي أصبح نظيره اليوم في الأمة ذاتها يستحق اسم (الخائن لدين الله، الخادم لأعدائه، والظالم لعباده في دنياه)!! وهو ما أحدث في عصرنا هذه الظاهرة غير العادية في الفصل الصارخ بين الإسلام في الأذهان وواقع المسلمين في الميدان، نتيجة فساد معظم أولئك الحكام في تلك الدول المنضوية اسميًا تحت عنوان الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وهي تتعاون فعليًا مع أعداء شعوبها ضد مصالح أوطانها. مما جعلها من ناحية القيمة الفعلية بين الأمم عبارة عن أصفار على اليسار!

ورغم أن أسباب تلك الأوضاع المؤسفة غالبًا ما تخرج عن إرادة الشعوب المغلوبة على أمرها، إلا أنها مع ذلك لا تدور إلا بهم وعلى حسابهم وبأيدي بعضهم، (قاتلين ومقتولين) وكل واحد منهم يعتقد  أنه  من   الفرقة  الناجية.. وهو ما ينم عن وجود خلل في الفهم وخطأ في الاجتهاد أو خدعة وتضليلا من أولئك  الحكام الفاسدين والمفسدين.

وإن واقع المسلمين في أرض الإسراء والمعراج وأولى القبلتين ليغني عن أي بيان أو برهان لكل ذي عقل وبصر وإحساس كإنسان محسوب على خير أمة أخرجت للناس.. ومن تلك المفارقات العجيبة والغريبة الصارخة (بين حقيقة الإسلام في القرآن وواقع المسلمين في الميدان) أنه على الرغم من كل هذه العوامل المتكاملة لتشويه صورة الإسلام لدى المسلمين أنفسهم وبأفعال بعضهم فضلًا عن أعدائهم، نلاحظ أن الإسلام ينتشر وينتصر في اكتساب عقول وقلوب الملايين، في بلاد الخصوم (الحضاريين والدينيين) أنفسهم، الذين أتى منهم كل البلاء الذي يعم بلاد المسلمين في معظم أنحاء العالم..

والدليل على هذا الانتصار للإسلام رغم حالة المسلمين، هو دق ناقوس الخطر من بابا الفاتيكان ودوله في بلاد الشمال ضد "محور الشر" أو بلاد الهلال كما تسمى في إعلام وحيد القرن، المتجبر والمتكبر على ما سواه من الأمم المستضعفة وفي مقدمتها أمة الإسلام المليارية عددياً والصفرية عملياً كما هو حاصل في الواقع.. ومع ذلك، نلاحظ تخوفهم الشديد وتحذيرهم من الإسلام الذي يدعون بأنه سيكتسح كل أوروبا خلال هذا القرن مما دفع إحدى أكبر هذه الدول (ولأول مرة في تاريخها) إلى إنشاء وزارة خاصة بالهوية للدفاع عن هويتها الوطنية مخافة تذويبها في هوية الدين الغالب على أهلها كما يتوقعون ويبررون تحريضهم الشديد عليه وعلى اتباعه عندها على أرضها وخارها عندنا وعند غيرها..

وقد أكد هذا التخوف لديهم خروج الملايين من المسلمين في أهم عواصمهم لصلاة العيد الصغير هذا العام بطريقة غير مسبوقة من حيث العدد والتنظيم والانضباط. ومن وسائل الوقاية للمحافظة على تلك الهوية في نظر حكام هذا البلد الصليبي ورهطه في الاتحاد الأوروبي هو صد هذا الخطر المحدق بهم في أوطانهم، ولذلك يخططون لضربه من الداخل ببعض الدعاة والأئمة "الضرار" المدسوسين في صفوف المسلمين لتزوير حقائق الإسلام وتشويه صورته في الأذهان، بكل الوسائل المرصودة لهم بسخاء من مؤتمر (كولورادو) وغيره كما هو معلوم.  

ومع ذلك فإن مخططاتهم لم تستطع تغيير قلوب المهتدين إلى الحق في مجتمعات حرة متطورة  فقدت ثقتها في الكنيسة وسلوك الرهبان، وأخذت تولي وجهها شطر الإيمان والاطمئنان، هروبًا من جحيم المادة والآلة إلى واحة الراحة النفسية في حضرة التوحيد بعيدًا عن خرافة التثليث الكنيسة في الدول الغربية. وهو ما أفزع تلك الدول ودفعها إلى التصريحات المذكورة واتخاذ التدابير وإصدار القرارات المنشورة وغير المنشورة. وإن وضع أحد وزراء الدفاع في أقوى تلك الدول علامة الصليب على جبينه منذ أيام ووشم كلمة "كافر" (باللغة العربية) على ذراعه مما يدل في رأينا كما في معتقدهم بالتأكيد على أن هناك علاقة عضوية في الأمة المحمدية بين الإسلام كدين واللغة العربية كحضارة، مثلما نلاحظ  أيضًا في كتابة كلمة "حلال" للمسلمين (العرب وغير العرب) في كل العواصم الغربية مما يوحي اليهم بإمكان انبعاث الحضارة الذهبية للمة المحمدية من جديد!؟!

وأمام إفلاس الخطاب الديني الكنسي والعلماني في الغرب الصليبي، وعدم قدرة الباطل على محاجّة الحق بالعلم والمنطق السليم، عمد الخصوم إلى طريقة الهجوم الدفاعي باللجوء إلى التضليل والكذب السافر والعنف الخفي والظاهر، والكيد الماكر لدعوة الحق، والدعاة الناجحين، والبحث في مخابرهم ودوائر مؤسساتهم العاملة (تحت عدة عناوين إنسانية واجتماعية وسياسية واقتصادية) على بعض الدعاة والأئمة "الضرار" المصطنعين على أعينهم في مخابرهم ومخابراتهم، لتلميع صورهم في أبواق إعلامهم وتقديمهم كدعاة للإسلام المستنير والتقدمي  (حسب ادعائهم) لصد خطر الإسلام الظلامي والقدري أو الحجري كما يصفون ظلما وبهتانا..

وبما أنه لا يمكنهم أن يمرروا ذلك الادعاء مباشرة عن طريق الفاتيكان أو الدول الصليبية الغريمة في القارة الجديدة والقديمة فإنهم يوكلون أمر التبليغ والتنفيذ إلى أولئك الخبراء العاملين في حقل الدعوة "الضرار" هاته من أبناء جلدتنا والمتحدثين بلغتنا في كل مكان من بلاد المسلمين، ولا داعي لذكر أسماء تلك الهيئات في الدول والإمارات وأولئك "الدعاة" الموظفين (والمكلفين بمهمة) كموجهين و"مفكرين إسلاميين" في بلادنا، لا فساد عقول أبنائنا بما يقدمونه لهم (من مادة قاتلة للروح قبل الجسد) في تلك المحطات الإعلامية الممنهجة والمروجة بالملايير لتضليل الملايين من أبناء المسلمين!

ومع ذلك لم ينجحوا، والدليل على فشلهم هو فزعهم من الأرقام المتزايدة لعدد المعتنقين الجدد المهتدين إلى الإسلام من أبنائهم في بلداننا وبلدانهم، بسبب الخطاب الإسلامي الحكيم والناجح الذي أدى إلى إفشال كيدهم بواسطة بعض الدعاة من أبنائهم بلسانهم ومنطقهم، وسلاحهم القانوني الذي ينص على حرية التعبير والاعتقاد والفصل بين السياسة والدين. وأمام هذه الحقيقة التي عجزوا عن مجابهتها،  فلجأوا إلى محاربتها بالتعتيم والتشويش على الدعاة المؤثرين واتهامهم بالإرهاب والتحريض على الكراهية، مما أدى إلى تشويه سمعتهم وإغلاق أجهزة الإعلام في وجوههم وتهديد الأجانب منهم بسحب الإقامة وتسفيرهم إلى بلدانهم الأصلية لينالوا جزاءهم في مصالح الأجهزة "الأمنية" التي فروا منها بحثًا عن الأمن والأمان والعدل والحرية في تلك البلاد الغربية!

وإن ظاهرة إقبال الناس على الإسلام من كل الأجناس والأقوام بعد التعرف على حقيقته من خلال سلوك وصدق دعوة بعض الدعاة المخلصين الموهوبين من أبنائنا وأبناء الغرب ذاته المؤثرين في واقعه، لدليل قاطع على جوهر الإسلام وقيمته في ذاته كما عبر عنه الكثير ممن اعتنقه بعد فهمه الصحيح، ومنهم ذلك الزعيم الأمريكي الأسود (مالكوم إكس) المهتدي إلى دين الحق الذي صرح بعد عودته من تأدية فريضة الحج سنة 1964 أنه ولأول مرة في حياته يشعر أنه إنسان كامل الحقوق والواجبات، ولا فرق بينه وبين أي إنسان ذي سحنة مغايرة لسحنته إلا في درجة الإيمان بربه في قلبه والصدق والتقوى والإحسان في عمله، ولقد لمس في الواقع قول الله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وهي التقوى التي قربت ووحدت قلوب كل من بلال الحبشي (الإفريقي) وصهيب الرومي (الإغريقي) وسلمان الفارسي (الآسيوي) ومالكم اكس  (الأمريكي) وجعلتهم كلهم من المقربين المؤمنين الصالحين وأبعدت أبا لهب في الغابرين، دون أن يشفع له جاه عشيرته أو قرابته الدموية من ابن أخيه محمد (ص) نبي الإسلام محرر الإنسان من عبادة الأصنام والأوثان!؟! هذا الإسلام المجسد في سلوك المسلمين (في المحتوى الإنساني والمستوى الرباني) الذي لخصه مهتد آخر إلى الإسلام من الفرنسيين المسيحيين أنفسهم أيام احتلال دولته للجزائر في الثلاثينيات من القرن الماضي وهو الفنان والمفكر (نصر الدين ديني) الذي لخص موضوعنا كله بقوله الحكيم الذي بقي مثلاً سائراً بين كافة المسلمين وسيبقى كذلك إلى يوم الدين  حيث قال: "الحمد لله الذي عرفني بالإسلام قبل أن أعرف المسلمين".

إن ظاهرة إقبال الناس على الإسلام من كل الأجناس والأقوام بعد التعرف على حقيقته من خلال سلوك وصدق دعوة بعض الدعاة المخلصين الموهوبين من أبنائنا وأبناء الغرب ذاته المؤثرين في واقعه، لدليل قاطع على جوهر الإسلام وقيمته في ذاته كما عبر عنه الكثير ممن اعتنقه بعد فهمه الصحيحأي قبل أن يعرف سلوك المسلمين (الإسميّين أو الشكليّين والصوريّين) وذلك إقرارًا منه بأنه لو سبق أن عرف السلوك المشين لبعض المسلمين بعد أن احتكّ بهم وتعامل معهم مثلما هو واقع الحال وسبب كتابة هذا المقال... لنفر حتمًا من هذا الدين الذي شوّهه بعض أهله بسلوكهم المشين في كل مصر وحين ولحاربه  مثل دولته (الرسمية والاسمية) الحاقدة على الإسلام وأهله في الماضي والحاضر فضلًا عن أن يعتنقه رغماً عنها وعن كل أهله في موطنه الأصلي (فرنسا) ومهجره الطوعي (الجزائر) ويبقى داعيًا لدين الحق بصدق وإخلاص حتى وفاته ليدفن مسلمًا بين أهل ملته الجديدة في وحدة القبلة والعقيدة..

فهذه المفارقة في الخطاب الإسلامي بين ما في الأذهان وما في الأعيان، وبين نص القرآن وما يجسده بعض المسلمين (الجغرافيين) في الميدان من تقصير وإجحاف وغلو وانحراف، واختلال صارخ في الميزان بين ما في القرآن وما في الأعيان من سلوك الإنسان فكانت الهداية للمستنيرين الذين يفرّقون بين الإسلام وسلوك المسلمين وكانت الضلالة لغير المتبصّرين الذين يحكمون على الإسلام من خلال واقع المسلمين المنحرفين!؟! فكان الفتح المبين لعقول وقلوب بعض أبناء الأعداء والغرماء أنفسهم بدعايتهم أحيانًا في أجهزة إعلامنا وعلامهم مجانًا!! على أن هذا المكسب الطيب الذي حققه الخطاب الإسلامي في الغرب بمعدنه الصافي وبمجهود بعض أبنائه الأصلاء على قلتهم، يقتضي من المعنيين بالأمر المزيد من توضيح الصورة في هذا المجال الحيوي الخاص، حسب ما رصدناه بالمعايشة في الميدان لعدد من السنين التي لا حظنا فيها أن الإسلام والخطاب الإسلامي يعيش بين نقيضين، وأسلوبين مختلفين وعدوين متحالفين، أحدهما من خارج الأمة، والآخر من داخلها، ومن بعض أهلها مع الأسف الشديد..

ولكن "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون"، وهذا وعد  الله الذي يبدأ ويعيد وينصر دينه الحق رغم كل اعدائه وهو المتحكم في ملكه المطلق بالتأكيد كما يشاء ويريد.

مقالات مشابهة

  • ابن كيران: القضايا التي دافع عنها "البيجيدي" تظهر حاجة البلاد إلى حزب وطني مستقل معتز بمرجعيته الإسلامية
  • 1.2 مليار ريال حجم محفظة أصول "تطوير" بـ"الاقتصادية الخاصة بالدقم".. وتنفيذ 46 مشروعًا في 5 سنوات
  • الشؤون الإسلامية تشارك في معرض تونس الدولي للكتاب الـ39
  • غدًا.. انطلاق المؤتمر الدولي بكلية أصول الدين بالمنصورة بعنوان “جهود الأزهر الشريف في النهضة العلمية الحديثة”
  • الأرصاد: طقس غير مستقر وأمطار رعدية على مناطق من الشمال الغربي
  • أصول الدين بالمنصورة تناقش جهود الأزهر في مؤتمرها الدولي الأحد
  • أصول الدين بالمنصورة تناقش جهود الأزهر في مؤتمرها الدولي.. الأحد
  • البحباح: تيتيه أدارت ظهرها  للأطراف السياسية بالمنطقة الغربية وتستمع فقط لحكومة الدبيبة
  • علماء: الغالبية العظمى من سكان قرطاجة لم يكونوا من أصول فينيقية
  • لماذا الإسلام في علو وانتشار والمسلمون في دنو وانكسار؟