الخليج الجديد:
2024-07-05@23:43:16 GMT

عن الأصولية الغربية والأصولية في الإسلام

تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT

عن الأصولية الغربية والأصولية في الإسلام

عن الأصولية الغربية والأصولية في الإسلام

أصوليتنا رحبة لا بد من تمييزها عن أصوليات الغرب وتياراتها السياسية العنصرية، الإقصائية.

مفهوم الأصولية في الإسلام يكتسب طبيعته وفلسفته الخاصة ولا يمكن أن يمثل نسخة مطابقة للأصولية الغربية.

الإسلام يرفض الإكراه في الدين بل يدعو لعقائده الخالصة الشاملة بالحكمة والموعظة الحسنة، فلا إكراه في الدين.

مفهوم الأصولية في الإسلام يستند إلى أصول نقية ومتماسكة تحقّق مقاصد الشرع ومنافع العباد ولا تحتكم لأهواء البشر.

من الظلم إقحام مصطلح الأصولية في خطاب العالم الإسلامي بالطريقة التي يتداولها الفكر الغربي، فما بينهما كما ما بين السماء والأرض من حيث المضمون.

الأصوليين في الغرب أهل الجمود والتقليد الذين يخاصمون العقل والتأويل والقياس، بينما الأصوليون في الحضارة الإسلامية هم علماء أصول الفقه والاجتهاد والتجديد.

* * *

رغم من شيوع استخدام مفهوم الأصولية في كافة المجالات السياسية والفكرية والإعلامية، إلا أنّه يظل مفهوماً إشكالياً من حيث الفهم والتطبيق، فهذا المفهوم بما يحمله من دلالات مختلفة لا يعبّر تعبيراً دقيقاً توحي به لفظة الأصولية الرائجة حالياً، وخصوصا لجهة ما يتضمّنه هذا المصطلح من معاني الرجعية المعادية لكل تقدّم، ومحاولة العديد من الدراسات حصر الأصولية في الإسلام واعتبارها صفة جوهرية له، والقول إنّ الإسلام بطبيعته أصولي، الأمر الذي أنتج صراعاً كبيراً بين الأطراف التي توظفه في أحكامها الفكرية أو مواقفها السياسية أو دعاياتها الإعلامية، لدرجة أصبح معه النعت بالأصولية بمثابة شتيمة سياسية.

مشكلتنا كمسلمين مع الأصولية، كما يقول فهمي هويدي: "أنّ هذا التعبير أساساً لا أصل له في اللغة العربية، ولا أصل له في الخطاب الإسلامي"، فالأصولية قديمة قدم المسيحية ذاتها، وتعود جذورها إلى عهد الخلافات المعروفة بـ"الخريستولوجية"، المرتبطة بالفكر اللاهوتي المسيحي والمتعلقة بدراسة طبيعة السيد المسيح، وتمتد قروناً طويلة في سياق الصراع الكنسي الغربي. إذ مارست هذه الأصولية أدوارها السياسية عبر تاريخها الطويل، وأنتجت حروباً وتصفيات مذهبية خارج وداخل المجتمع المسيحي نفسه.

فمن الحروب الصليبية "حروب الفرنجة" إلى محاكم التفتيش الرهيبة التي أنشئت بقرار من البابا عام 1233م، والتي لم تكن إلا ثمرة لتحالف مدمّر بين الأصولية الدينية والأصولية السياسية التي أسست لحروب دينية بروتستانتية كاثوليكية استمرت مئتي عام تقريباً، وصولاً إلى الأصولية الغربية بمفهومها الاصطلاحي الحديث، والتي نشأت في الولايات المتحدة كحركة إنجيلية مناوئة لتيار الحداثة الذي بدأ بغزو الكنيسة ابتداءً من نهاية القرن الثامن عشر.

فالأصولية كلمة يرتبط معناها الأساسي بالصراع الكنسي في الغرب حفاظاً على الأصول التي عبثت بها الأيدي عبر المجامع وفقا للأغراض السياسية والمصالح البابوية، أي أن فكرة الأصولية - السابقة في ظهورها وانتشارها على ظهور الإسلام- هي فكرة غربية انطلقت من ضرورة التمسك بما يعتقد أنّه مطلقات لا يقبل النقاش ولا المساومة.

وكانت مشكلة هذا الفهم هي الجمود المطلق حول ما تعتقد أنه يقين وأنه لب الأصول المسيحية، على الرغم من كل التحولات والتناقضات التي مرّت بها منذ العهد الرسولي وما تلاه من مجامع كنسية كثيرة غيّرت في أصول المعتقدات المسيحية.

أما الأصولية في الثقافة الإسلامية، وكمفهوم سائد متداول في وعينا العام وفي الخطاب العربي المعاصر، فترتبط بمفردات اشتق بعضها من فعل أصل وأصالة فهو أصيل، وتأصّل بمعنى صار ذا أصل، لتعبر بذلك عن حركة عقائدية، طريقها تأصيل التعاليم واستنباط الأحكام الموافقة للشريعة والحلول الكفيلة بمعالجة معضلات الإنسان والمجتمع والدولة.

غير أنّها في الفكر الغربي تُربط بالحركة الأصولية الغربية المتعصّبة مع كل سلبياتها التي رسبتها في الضمير الغربي المسيحي بصورة عامة، والضمير الأميركي بصورة خاصة. ومما يلفت النظر في هذا المجال، تركيز الخطاب الاتهامي الغربي على الأصولية في الإسلام دون غيرها من الأصوليات المعاصرة، كالأصولية المسيحية والأصولية الصهيونية المسيحية والأصولية الهندوسية.

لذلك، سرعان من ألبس مفهوم الأصولية في الإسلام مسمّيات سلبية، وأصبح من الشائع التوظيف الانتهازي لهذا المفهوم في مجال الصراع بين الغرب والإسلام، والتركيز على نقد البعد السياسي لهذه الأصولية من خلال إطلاق مفاهيم كالإسلاموية والتطرّف والتشدد والإرهاب والتعصب، وكذلك تصوير الإسلام على أساس أنه ديانة أيديولوجية أصولية تخفي في مكنونها مشروعاً أيديولوجياً عقائدياً معادياً للمشروع الغربي.

وبالتالي، فإن معنى الأصولية في الثقافة العربية الإسلامية يختلف عنه في البيئة الغربية، والسبب في ذلك يرجع لاختلاف ظروف كل منهما من حيث النشأة، والفكر، والعقيدة، فالأصولية في البيئة الإسلامية رمز لأهل الاجتهاد والاستنباط، ويُطلق على عِلمين هامين هما علم أصول الدين وعلم أصول الفقه، بينما في البيئة الغربية، عنوان على أهل الجمود والتطرّف والتدمير.

بل إنّ هذا المصطلح غريب عن البيئة الإسلامية، ومقحم عليها بقوة الإعلام الغربي، فالغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، تحاول أن تلصق بالحركة الإسلامية وصف الحركة الأصولية بمدلولها الغربي، الذي هو على النقيض تماماً من دلالات هذا المصطلح في الفكر الإسلامي.

ختاماً، ينبغي التأكيد أن الأصوليين في الغرب هم أهل الجمود والتقليد الذين يخاصمون العقل والمجاز والتأويل والقياس، بينما علماء الأصول في الحضارة الإسلامية هم علماء أصول الفقه وأهل الاستنباط والاستدلال والاجتهاد والتجديد.

ووفقاً لهذا الفهم، يكتسب مفهوم الأصول في الإسلام طبيعته وفلسفته الخاصة ولا يمكن أن يمثل نسخة مطابقة للأصولية الغربية، بل يستند إلى أصول نقية ومتماسكة تحقّق مقاصد الشرع ومنافع العباد ولا تحتكم لأهواء البشر. فالإسلام يرفض الإكراه في الدين، بل يدعو إلى عقائده الخالصة، ودعوته الشاملة بالحكمة والموعظة الحسنة، فلا إكراه في الدين.

هذه أصوليتنا الرحبة، والتي لا بد من تمييزها عن أصولياتهم المتنوعة، وتياراتها السياسية العنصرية، الإقصائية، لذلك من الظلم إقحام هذا المصطلح في الخطاب العام للعالم الإسلامي بالطريقة التي يتداولها الفكر الغربي، فما بينهما كما ما بين السماء والأرض من حيث المضمون.

*د. بشار نرش كاتب وباحث سوري في العلاقات الدولية.

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الغرب العنصرية المسيحية الأصولية الإسلام الحضارة الإسلامية الحروب الصليبية محاكم التفتيش هذا المصطلح فی الدین ما بین من حیث

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تصادق على مصادرة 12,7 كيلومتراً مربعاً في الضفة الغربيّة المحتلّة

سرايا - صادقت إسرائيل على مصادرة 12,7 كيلومترا مربعا من أراضي #الضفة الغربية المحتلة، وقالت منظمة غير حكومية الأربعاء إنها المصادرة الأكبر منذ ثلاثة عقود واصفة إياها بأنها ضربة جديدة للسلام بين الجانبين.

وأورد بيان لمنظمة السلام الآن حصلت عليه وكالة فرانس برس أن الأراضي التي حولتها إسرائيل في حزيران المنصرم إلى "أراضي دولة" تقع في منطقة غور الأردن.

وقالت المنظمة إن "مساحة المنطقة التي يشملها الإعلان هي الأكبر منذ اتفاقيات أوسلو 1993، ويعتبر العام 2024 عام الذروة بالنسبة لإعلان مصادرة مساحات بعينها كأراضي دولة".

وبهذه المصادرة، ترتفع مساحة الأراضي التي أعلنتها إسرائيل "أراضي دولة" منذ بداية العام إلى 23,7 كيلومترا مربعا.

تحتل إسرائيل الضفة الغربية منذ عام 1967 وأقامت مستوطنات تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي.

يعيش في الضفة الغربية بدون القدس الشرقية أكثر من 490 ألف إسرائيلي في مستوطنات تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي، بالإضافة إلى ثلاثة ملايين فلسطيني.

وشهد التوسع الاستيطاني تسارعا في ظل الحكومات المتعاقبة منذ احتلال الضفة الغربية لكن سرعة التوسع ازدادت حدة في ظل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وكان وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش أعلن في آذار مصادرة مساحات من الأراضي في الضفة الغربية.

ولم يعلق المسؤولون علنا على عملية المصادرة الأخيرة التي تتزامن مع الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الاول.

وبحسب المنظمة غير الحكومية، فإن رئيس الوزراء نتنياهو وسموتريتش "مصممان على مواجهة العالم أجمع والعمل ضد مصالح شعب إسرائيل لصالح حفنة من المستوطنين" الذي يحصلون على الأرض "كما لو أن لا وجود لنزاع سياسي يجب حله أو إنهاء حرب".

وأضافت "اليوم، من الواضح للجميع أن هذا النزاع لا يمكن حله بدون تسوية سياسية تقيم دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل".

وتقع المساحات الأخيرة المصادرة بالقرب من مستوطنة يافيت في غور الأردن وتعتبر محمية طبيعية أو أرضا عسكرية.

وشهدت ثمانينات القرن الماضي إعلان إسرائيل مئات آلاف الدونمات "أراضي دولة"، لكن مع مجيء حكومة رئيس الوزراء إسحق رابين في العام 1992 أعلن وقف مصادرة الأراضي في الضفة الغربية.

وتم استئناف هذا الإجراء في حكومة نتنياهو في العام 1998 لتتوالى إعلانات المصادرة.

وقالت الامم المتحدة إن تسريع إسرائيل بناء المستوطنات غير القانونية منذ بدء الحرب في قطاع غزة يهدد بالقضاء على أي احتمال لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.

واعتبر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن التوسع الاستيطاني "يؤدي إلى نتائج عكسية للتوصل إلى سلام دائم" مع الفلسطينيين.


مقالات مشابهة

  • شيخ الأزهر: وسطية الإسلام هي الحل لمكافحة ظاهرة الجرأة على التكفير
  • شيخ الأزهر: النهج الوسطي الذي لا يعرف الإقصاءأو شيطنة تلقتها جماهير الأمة بالقبول
  • شيخ الأزهر يعرب عن أمله في شباب الجامعات الأوروبيَّة والأمريكيَّة لنصرة غزَّة
  • شيخ الأزهر: الإسلام له تجارِبُ تاريخيَّةٌ معلومة في تجاورِ الحضارات وتعدُّد الأديان
  • شيخ الأزهر من ماليزيا: وسطية الإسلام هي الحل لمكافحة ظاهرة الجرأة على التكفير والتفسيق والتبديع
  • لغز ظهور الجماعة!
  • إسرائيل تصادق على مصادرة 12,7 كيلومتراً مربعاً في الضفة الغربيّة المحتلّة
  • لماذا نتقبل حداثة الغرب ونرفض التجديد في ثقافتنا؟
  • بعد آدائه اليمين.. من هو الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف الجديد
  • وزير الأوقاف في الحكومة الجديدة.. من هو الدكتور أسامة الأزهري؟