عن الأصولية الغربية والأصولية في الإسلام
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
عن الأصولية الغربية والأصولية في الإسلام
أصوليتنا رحبة لا بد من تمييزها عن أصوليات الغرب وتياراتها السياسية العنصرية، الإقصائية.
مفهوم الأصولية في الإسلام يكتسب طبيعته وفلسفته الخاصة ولا يمكن أن يمثل نسخة مطابقة للأصولية الغربية.
الإسلام يرفض الإكراه في الدين بل يدعو لعقائده الخالصة الشاملة بالحكمة والموعظة الحسنة، فلا إكراه في الدين.
مفهوم الأصولية في الإسلام يستند إلى أصول نقية ومتماسكة تحقّق مقاصد الشرع ومنافع العباد ولا تحتكم لأهواء البشر.
من الظلم إقحام مصطلح الأصولية في خطاب العالم الإسلامي بالطريقة التي يتداولها الفكر الغربي، فما بينهما كما ما بين السماء والأرض من حيث المضمون.
الأصوليين في الغرب أهل الجمود والتقليد الذين يخاصمون العقل والتأويل والقياس، بينما الأصوليون في الحضارة الإسلامية هم علماء أصول الفقه والاجتهاد والتجديد.
* * *
رغم من شيوع استخدام مفهوم الأصولية في كافة المجالات السياسية والفكرية والإعلامية، إلا أنّه يظل مفهوماً إشكالياً من حيث الفهم والتطبيق، فهذا المفهوم بما يحمله من دلالات مختلفة لا يعبّر تعبيراً دقيقاً توحي به لفظة الأصولية الرائجة حالياً، وخصوصا لجهة ما يتضمّنه هذا المصطلح من معاني الرجعية المعادية لكل تقدّم، ومحاولة العديد من الدراسات حصر الأصولية في الإسلام واعتبارها صفة جوهرية له، والقول إنّ الإسلام بطبيعته أصولي، الأمر الذي أنتج صراعاً كبيراً بين الأطراف التي توظفه في أحكامها الفكرية أو مواقفها السياسية أو دعاياتها الإعلامية، لدرجة أصبح معه النعت بالأصولية بمثابة شتيمة سياسية.
مشكلتنا كمسلمين مع الأصولية، كما يقول فهمي هويدي: "أنّ هذا التعبير أساساً لا أصل له في اللغة العربية، ولا أصل له في الخطاب الإسلامي"، فالأصولية قديمة قدم المسيحية ذاتها، وتعود جذورها إلى عهد الخلافات المعروفة بـ"الخريستولوجية"، المرتبطة بالفكر اللاهوتي المسيحي والمتعلقة بدراسة طبيعة السيد المسيح، وتمتد قروناً طويلة في سياق الصراع الكنسي الغربي. إذ مارست هذه الأصولية أدوارها السياسية عبر تاريخها الطويل، وأنتجت حروباً وتصفيات مذهبية خارج وداخل المجتمع المسيحي نفسه.
فمن الحروب الصليبية "حروب الفرنجة" إلى محاكم التفتيش الرهيبة التي أنشئت بقرار من البابا عام 1233م، والتي لم تكن إلا ثمرة لتحالف مدمّر بين الأصولية الدينية والأصولية السياسية التي أسست لحروب دينية بروتستانتية كاثوليكية استمرت مئتي عام تقريباً، وصولاً إلى الأصولية الغربية بمفهومها الاصطلاحي الحديث، والتي نشأت في الولايات المتحدة كحركة إنجيلية مناوئة لتيار الحداثة الذي بدأ بغزو الكنيسة ابتداءً من نهاية القرن الثامن عشر.
فالأصولية كلمة يرتبط معناها الأساسي بالصراع الكنسي في الغرب حفاظاً على الأصول التي عبثت بها الأيدي عبر المجامع وفقا للأغراض السياسية والمصالح البابوية، أي أن فكرة الأصولية - السابقة في ظهورها وانتشارها على ظهور الإسلام- هي فكرة غربية انطلقت من ضرورة التمسك بما يعتقد أنّه مطلقات لا يقبل النقاش ولا المساومة.
وكانت مشكلة هذا الفهم هي الجمود المطلق حول ما تعتقد أنه يقين وأنه لب الأصول المسيحية، على الرغم من كل التحولات والتناقضات التي مرّت بها منذ العهد الرسولي وما تلاه من مجامع كنسية كثيرة غيّرت في أصول المعتقدات المسيحية.
أما الأصولية في الثقافة الإسلامية، وكمفهوم سائد متداول في وعينا العام وفي الخطاب العربي المعاصر، فترتبط بمفردات اشتق بعضها من فعل أصل وأصالة فهو أصيل، وتأصّل بمعنى صار ذا أصل، لتعبر بذلك عن حركة عقائدية، طريقها تأصيل التعاليم واستنباط الأحكام الموافقة للشريعة والحلول الكفيلة بمعالجة معضلات الإنسان والمجتمع والدولة.
غير أنّها في الفكر الغربي تُربط بالحركة الأصولية الغربية المتعصّبة مع كل سلبياتها التي رسبتها في الضمير الغربي المسيحي بصورة عامة، والضمير الأميركي بصورة خاصة. ومما يلفت النظر في هذا المجال، تركيز الخطاب الاتهامي الغربي على الأصولية في الإسلام دون غيرها من الأصوليات المعاصرة، كالأصولية المسيحية والأصولية الصهيونية المسيحية والأصولية الهندوسية.
لذلك، سرعان من ألبس مفهوم الأصولية في الإسلام مسمّيات سلبية، وأصبح من الشائع التوظيف الانتهازي لهذا المفهوم في مجال الصراع بين الغرب والإسلام، والتركيز على نقد البعد السياسي لهذه الأصولية من خلال إطلاق مفاهيم كالإسلاموية والتطرّف والتشدد والإرهاب والتعصب، وكذلك تصوير الإسلام على أساس أنه ديانة أيديولوجية أصولية تخفي في مكنونها مشروعاً أيديولوجياً عقائدياً معادياً للمشروع الغربي.
وبالتالي، فإن معنى الأصولية في الثقافة العربية الإسلامية يختلف عنه في البيئة الغربية، والسبب في ذلك يرجع لاختلاف ظروف كل منهما من حيث النشأة، والفكر، والعقيدة، فالأصولية في البيئة الإسلامية رمز لأهل الاجتهاد والاستنباط، ويُطلق على عِلمين هامين هما علم أصول الدين وعلم أصول الفقه، بينما في البيئة الغربية، عنوان على أهل الجمود والتطرّف والتدمير.
بل إنّ هذا المصطلح غريب عن البيئة الإسلامية، ومقحم عليها بقوة الإعلام الغربي، فالغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، تحاول أن تلصق بالحركة الإسلامية وصف الحركة الأصولية بمدلولها الغربي، الذي هو على النقيض تماماً من دلالات هذا المصطلح في الفكر الإسلامي.
ختاماً، ينبغي التأكيد أن الأصوليين في الغرب هم أهل الجمود والتقليد الذين يخاصمون العقل والمجاز والتأويل والقياس، بينما علماء الأصول في الحضارة الإسلامية هم علماء أصول الفقه وأهل الاستنباط والاستدلال والاجتهاد والتجديد.
ووفقاً لهذا الفهم، يكتسب مفهوم الأصول في الإسلام طبيعته وفلسفته الخاصة ولا يمكن أن يمثل نسخة مطابقة للأصولية الغربية، بل يستند إلى أصول نقية ومتماسكة تحقّق مقاصد الشرع ومنافع العباد ولا تحتكم لأهواء البشر. فالإسلام يرفض الإكراه في الدين، بل يدعو إلى عقائده الخالصة، ودعوته الشاملة بالحكمة والموعظة الحسنة، فلا إكراه في الدين.
هذه أصوليتنا الرحبة، والتي لا بد من تمييزها عن أصولياتهم المتنوعة، وتياراتها السياسية العنصرية، الإقصائية، لذلك من الظلم إقحام هذا المصطلح في الخطاب العام للعالم الإسلامي بالطريقة التي يتداولها الفكر الغربي، فما بينهما كما ما بين السماء والأرض من حيث المضمون.
*د. بشار نرش كاتب وباحث سوري في العلاقات الدولية.
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الغرب العنصرية المسيحية الأصولية الإسلام الحضارة الإسلامية الحروب الصليبية محاكم التفتيش هذا المصطلح فی الدین ما بین من حیث
إقرأ أيضاً:
4 نواب من أصول عربية يحتفظون بمقاعدهم في الكونغرس الأميركي
سرايا - نجح 4 نواب من أصول عربية بالاحتفاظ بمقاعدهم في مجلس النواب الأميركي الجديد، والذي يشكل مع مجلس الشيوخ ما يٌسمى بالكونغرس.
وفاز بالانتخابات التي جرت يوم أمس كل من: ألحان عٌمر (ديموقراطية) عن الدائرة الخامسة بولاية مينوسوتا وحصلت على 75 بالمئة من الأصوات، ورشيدة طليب (ديموقراطية) عن الدائرة الـ 12 بولاية ميتشغان التي فازت بـ 70 بالمئة من الأصوات.
كما فاز دارن لحود (جمهوري) عن الدائرة الـ 16 بولاية الينيوز دون منافسة، ودارل عيسى (جمهوري) عن الدائرة الـ 48 بولاية كاليفورنيا، بنسبة 60 بالمئة من الأصوات.
ويمثل العرب في الكونغرس في الوقت الحاضر 6 نواب، وهم بالإضافة إلى الأربعة الذين تمت إعادة انتخابهم هناك آنا جورج عشو (ديمقراطية) عن الدائرة 16 بولاية كاليفورنيا والتي أعلنت مؤخرا عن تقاعدها بعد 3 عقود من الخدمة العامة، وكذلك النائب الحالي غارت نيل غريفس (جمهوري) عن الدائرة السادسة بولاية لويزيانا الذي رفض الترشح مجددا بعد إعادة رسم دائرته الانتخابية.
ويبلغ عدد أعضاء مجلس النواب 435 عضوا، تم اختيار عددهم نسبة إلى عدد سكان كل ولاية من الولايات الخمسين، بالإضافة إلى مدينة واشنطن (العاصمة) التي ليس لها نواب ولها 3 أصوات إنتخابية فقط.
وتجري الانتخابات لمجلس النواب مرة كل سنتين على عكس مجلس الشيوخ، حيث ولاية كل عضو 6 سنوات لكن تجري الانتخابات على ثلث الأعضاء مرة كل سنتين، ويبلغ عدد الأعضاء فيه 100 سناتور، بواقع 2 لكل ولاية ورئيسه هو نائب الرئيس الأميركي، حسب القانون.
ولم يخض الحاكم الحالي لولاية نيو هامبشير، اللبناني الأصل، كريس سعنونو (جمهوري) الانتخابات مرة أخرى، وهو من عائلة سياسية فهو شقيق السناتور السابق جون سعنونو حيث حكم والده، جون سعنونو (الاب) الولاية ذاتها قبل أن يتسلم منصب كبير موظفي البيت الأبيض.
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع صفحتنا على تيك توك
وسوم: #ترامب#لبنان#مدينة#مجلس#النواب#الكونغرس#بايدن#الرئيس
طباعة المشاهدات: 438
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 07-11-2024 08:37 AM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...