عن العنصرية والشيخ الغزالي ومايلز كوبلاند
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
رعى الله أيام الصبا حيث إقرار المفاهيم في النفوس وتثبيتها فلكأنما يصعب خلاصٌ منها بعدها، ولكأنما يصغي العالم لما نقر في وجداننا ويعترف بكامل تصوراتنا ويقرها فلا يتزحزح عنها.. تستعيد الروح هذه الأماني والأحلام كلما رأت شبابا غضا متفتحا على الحياة يسعى بدأب وشعور بأنه يملك هذا العالم ويستطيع تغييره..
تتذكر النفس بعض هذه المعاني وهي تلمس "العنصرية" تتقافز -للأسف الشديد- في العالم ضد مدينة صابرة محتسبة كغزة، أو حتى في بلد مسلم اضطرت الملابسات السياسية مئات الآلاف للركون إليه، حتى أن الأصدقاء المقربين اضطر للدخول لمستشفى حكومي ذات صباح قريب بعدما شعر بآلام في القلب منعته من النوم على جانبيه في الليل لأيام، حجز موعدا وذهب ماشيا لثلث الساعة فتعرق وتعذر التنفس عليه، خافت الطبيبة واستدعت رئيسها، دخل للعناية المركزة وهو يخاف احتمالات العنصرية، جاءه طبيب من أصول عربية فأسرّ له بمعلومة خفية عن علاجه يصعب الوصول إليها، وأخبره الطبيب بأنه سيخضع لمنظار بالقلب بعد ساعات وقد يتطلب الأمر دعامة، خاف من إجراءات طبية ضرورية لما تذكر كيف يعاني مثله من المواقف الخاصة بالاستبداد في بلده من "عنصرية"؛ لا يدري سببا لها ولا يعرف كيف يعرفها.
ذهب لغرفة العمليات فوجد الممرضة المختصة به في العناية هناك تخبر الطبيبة بأنه عربي مجنس لا يعرف اللغة الخاصة بالبلد جيدا، كان قد ترك أمر اسمه الجديد لنجله الذي اختار لقبا للعائلة مشترطا عدم البعد عن اسمه الأساسي، فوجئ في داخل غرفة العمليات بطوفان من الضحك على شخصه الغريب واسمه الأقرب للأقدمين من أهل البلاد. لم يكن الأمر يحتاج تفسيرا بعيدا، فإنما الصديق بالأساس ينتمي لمهاجرين نزحوا من هذا البلد منذ نحو 300 عام لمصر، فسّر فما استمعوا له، فلما فاض به خاصة مع الترقب والألم قال لهم بحسرة ملتقطا كلمة "غريب" التي يتندرون بها:
- إنما نحن مسلمون هنا والغريب هو البريطاني أو الأمريكي!
زاد ضحكهم فالتفت لأكثرهن ضجيجا قائلا:
- اسمك وأسماؤكم جميعا عربية فكيف تزعمون أن العرب غرباء بينكم؟!
أكبر كلماتِه الطبيبُ المشرف على الجراحة، رآه يدقق في كل تفصيلة، مرت به ليلة قاسية، دققوا في طلب تحليل معين لبيان مدى تخلص الجسد من مادة تم حقنه بها خلال الجراحة، عاد للمستشفى القريب من بيته بعد خطاب موجه من طبيبة الأسرة تعتذر لأن التحاليل ليست متوفرة لديها.
جاءه مترجم عربي فسأل في أدق التفاصيل وأخبره أن يترك "العاجل" ليصعد لطبيب في قسم التحاليل "وهو ونصيبه"، طلب منه تحويلا فقال له إنه ليس مهتما بالترجمة له، وتركه لشد وجذب مع طبيبة الطوارئ.
يسأل المرء نفسه آناء الليل والنهار من أين تأتي العنصرية لشعوب تداخلت و"أقامت" لدى بعدها عشرات السنوات، صارت العادات والتقاليد الخاصة بأغلب مظاهر الحياة لديها واحدة اللهم إلا اللغة التي لها قصة خاصة؟ وما تلك العنصرية التي تجعل المسلم يتعالى على مسلم مثله وأحيانا يحاول التملص من مساعدته، والأصل أن الإنسان من حيث إدراكه لنفسه وموقعه من الحياة لا يتعالى على بشر مثله لضر أصاب وطنه، سواء أسبق لنفس الضر أن أصاب البلد الذي يقيم فيه الإنسان غير المضار أو أنجاه الله؟ وهل تقاس بلايا الحياة بمعيار أو يتفاضل البشر بالنجاة منها؟ فكم من صحيح البدن والروح أصابه إعصار ذهب ببعض ما يملك أو بعضه! سلم الله الجميع.
وإن جاز -افتراضا أو اضطرارا- لأصحاب بلد أن يشعروا بشيء من "الفضل" على وافدين عليهم ونالوا جنسيتهم، فما بالنا بوافد آخر ابن لبلد عربي يفعل مثلهم، وبمجال خطير مثل الصحة؟
كنتُ وما أزال أحلم بوطن عربي واحد، أعتز لمن يصحح لمثقف قال تعبير "العالم العربي" فيرجوه أن يقولها "الوطن العربي" فنحن لدينا: الدين، واللغة، والعادات التقاليد، والماضي والحاضر، والمستقبل الكفيل لأن نكون معا دائما، كنتُ وما زلتُ أتمنى أن تكون القاهرة أختا حقيقية لصنعاء والرياض ودمشق وبغداد والدار البيضاء والبحرين وعمان والخرطوم، يسير السائر بلا خوف على نفسه وأهله من طرابلس الغرب والشرق حتى سوهاج والمدينة المنورة وطبرية والقدس؛ بعد أن تتحرر كل العواصم العربية المحتلة والواقعة تحت الظلم، ولكن الواقع بعيد وشحيح للأسف المرير، تعاني من أجله أجيال وأخشى أن المستقر بالأذهان لدى شعوبنا مخالف لتلك الحقائق التي صارت أحلاما.
فاجأني الأمريكي "مايلز كوبلاند" في كتابه "لعبة الأمم" لما تحدث ببساطة عن أنه منذ قبل الستينيات لا رباط بين العرب شكلا أو موضوعا، قدرتُ أن الرجل يبالغ لكنني لما دققتُ في كلمات الراحل الشيخ محمد الغزالي أن العرب لا يجمعهم إلا الدين، ومن يتوهم غير هذا فالواقع يكذبه. علمتُ أن الأمر ليس هيّنا، فما بالنا إذا ما غلب على الشعوب الإسلامية حلم أن تصير وطنا واحدا؟
إن على المثقفين من عرب وغيرهم دور خطير لا يضطلعون به للأسف الشديد إلا قليلا، وهكذا صرنا نرى الطبيب يشي بمريضه بالتقارير النهائية عن حالته، وصرنا نرى سخرية عارمة في غرفة العمليات من مريض مجنس وصاحب أصول تعود للبلد نفسه الذي يجري فيه الجراحة لمجرد أنه لا يتحدث اللغة كأهلها، وبين هذه التفاصيل وأكثر يكاد الغرب يعصف بأوطاننا بداية من غزة، وما زلنا نتحدث وكأن كلا منا يعيش في جزيرة منفصلة عن الآخر، ولعل للحديث بقية إن كان في العمر بقية!
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العنصرية العرب غزة غزة العرب المسلمين العنصرية الإنسانية مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
إجماع عربي على جرائم الإبادة !!
بعد أكثر من أربعمائة يوم على الإجرام الصهيوني في غزة، تحدث وزير حرب الكيان الصهيوني المقال فقال إن الحرب ليست الحل ومعنى ذلك انه أدرك متأخراً أن هناك قضية وفكرة لا يمكن القضاء عليها بالأساليب العسكرية الإجرامية التي يتبعها الغرب، كما أباد الاستعمار الأوروبي الهنود الحُمر في أمريكا واستولى عليها، وكما استعبد أفريقيا وحولها إلى مستعمرة فقيرة يستأثر بخيراتها ويستعبد أهلها .
والمعلوم أن الاستعمار لا يؤمن بغير القوة عموما لفرض هيمنته وبسط نفوذه سواء في إسقاط الحكومات أو تنصيبها، إذا كان الخصم المقابل ضعيفا، وكان هناك من سيمول الحرب، أما إذا كان يمتلك القوة فإن فرض العقوبات الاقتصادية والحصار كما هو الحال في فرض العقوبات كان على روسيا والصين وايران وكوريا الشمالية، وقد يجمع بين الاثنين إذا كان الخصم عربيا ويرغب بإسقاطه والاستيلاء على ثروات وخيرات الأرض والإنسان كما تم عندما فرض الحصار فيما سمي “برنامج النفط مقابل الغذاء” في العراق، بواسطة الأمم المتحدة، فتم تدمير الأسلحة وتم تشكيل حلف عاصفة الصحراء وإسقاط النظام ومصادرة القرار السياسي والاقتصادي وحتى الخزينة العامة تم الاستيلاء عليها ومصادرتها.
وبين ممارسة الإجرام والإرهاب للاستيلاء على الدول واستعمارها واستعبادها والاستعانة بالجماعات الإرهابية التي يُنشئها ويمولها، يبدو الترابط واضحا كسياسة أصيلة للحلف الصهيوني الصليبي لتحقيق أكثر من هدف وضرب أكثر من عصفورين بحجر واحدة، ،يكشف الصحفي اليهودي بوب ودورد مفجر فضيحة “ووترجيت” في كتابه الجديد “الحرب” بعضا من الحقائق وبعضها لا يتحدث عنها ربما لأنه لا يريد الآخرين الاطلاع عليها وبعضها الآخر يسردها بتفاصيل، كأنه حاضر مشاهد، وما يهمنا هنا ما أورده من آراء الزعماء العرب فيما يخص جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال اليهودي على أرض غزة وحديثه عن الحركات الجهادية في المنطقة (حماس والجهاد في فلسطين وحزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن) وغيرها.
بلينكن وبوب والقادة العرب
جميع القادة العرب يرون أن حماس تسببت بمشاكل في بلدانهم رغم أنها لا تتدخل بالشؤون الداخلية لأي قُطر عربي مسلم، إلا أن الإملاءات الصهيونية هي التي جعلت من تواجدها مشكلة لدى الأنظمة المُطبّعة التي تنتقدها سرا وعلانية وتحرض العدو الصهيوني على القضاء عليها، ناهيك عن تحذيراتهم المتكررة من خطر حماس والمقاومة عموما على انظمتهم العميلة، وهي ذاتها التحذيرات التي تحدث عنها الملك السعودي فيصل في رسالته إلى ملك الأردن قبل مذبحة أيلول الأسود والتي على أساسها تمت إبادة أكثر من سبعة آلاف من المقاومة الفلسطينية من منظمة التحرير ولم يكن هناك حماس ولا الجهاد الإسلامي، وهكذا فكل حركة تعتمد العمل المسلح والجهاد ضد العدو المحتل، سيتم القضاء عليها بواسطة الزعماء العرب قبل الإجرام اليهودي، وقد يتم التعاون بين الجميع بحجة أن خطرها يتعدى إسقاط الاحتلال اليهودي إلى إسقاط الأنظمة العميلة والمتصهينة .
يتبع الصحفي العريق كاشف فضيحة “ووترجيت” التي أسقطت الرئيس الأمريكي -آنذاك- رواية اليهود انفسهم وهي روايات تعتمد على الزور والكذب وتؤسس لما يريد أن يفعله الإجرام الصهيوني من أفعال يندى لها الجبين، ومما ذكره نقلا عن رواية اليهود الكاذبة (دخل مقاتلو حماس …وأحرقوا المنازل وذبحوا عائلات بأكملها بما في ذلك الأطفال الرضع في مهودهم ، واغتصبوا وقتلوا النساء) إلى آخر ذلك من الأكاذيب والافتراءات التي لا أساس لها من الصحة وروَّج لها الإعلام الصهيوني والمتصهين، فكيف كانت مواقف الزعماء العرب الذين زارهم بلينكن؟ .
* الملك عبدالله ملك الأردن الذي يجتهد في إرضاء اليهود، أغلق المعابر ولم يسمح بإدخال إمدادات الغذاء والدواء وهو ذاته التي تعمل قواته على إسقاط الصواريخ والمسيَّرات إذا كانت متجهة إلى الأراضي المحتلة، بينما يسمح لها إذا كانت في اتجاه ضرب الدول العربية المصنفة كعدو لإسرائيل (اليمن والعراق وايران)، وهو ذاته الذي فتح أراضيه لإدخال الإمدادات من الأغذية وغيرها للعدو بهدف كسر الحصار البحري الذي تفرضه القوات المسلحة اليمنية على السفن المتجهة إلى موانئ العدو في فلسطين المحتلة عبر البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي لكنه في مجال المساعدات الإنسانية لأهل غزة يسقطها جوا إلى البحر.
*ملك الأردن أكد لبلينكن قائلا “يجب هزيمة حماس، لن نقول ذلك علنا لكننا ندعم هزيمة حماس ويجب على إسرائيل أن تهزمها “، ما يفعله يؤكد صدق مقولة الصحفي بوب ودورد وزيادة .
ولا ينسى ملك الأردن أن يربط بين حماس والإخوان المسلمين، بل انه يجعلها الأب الروحي لها، ويدرك اليهود معنى ذلك من خلال الحرب التي كانت مع العصابات الصهيونية بعد احتلالهم أرض فلسطين .
* وزير الخارجية السعودي من جانبه يربط بين حماس والإخوان ويشير للأمريكان بتمكين داعش من العمل مع اليهود، حتى تمارس ما قامت به من إجرام في العراق وسوريا وهي الجرائم التي لا يريد الأمريكان أن تنسب اليهم، حيث يقول الوزير السعودي :ما يأتي بعد حماس قد يكون أسوأ, والسؤال هنا إذا كان سياتي الأسوأ فلماذا لا تتركون السيئ” والجواب انُهم يريدون تدمير حماس حتى تكتمل الاستثمارات السعودية في الشرق الأوسط الجديد الذي يسعون إليه وبشَّر به “نتن ياهو” من على منصة الامم المتحدة.
*رئيس الإمارات محمد بن زايد يخاطب بلينكن بصفته يهودياً لا بصفته وزير خارجية أمريكا بالقول : (يجب القضاء على حماس ، يمكننا أن نعطي إسرائيل المجال لتدمير حماس؛ لكن يجب على إسرائيل أن تعطينا مساحة، دعوا المساعدات الإنسانية تدخل وانشئوا مناطق آمنة)، إنه طلب واضح وصريح بالقضاء على حماس وستتكفل الإمارات بمساعدة الإجرام الصهيوني بإدخال جواسيس للعمل لصالح الصهاينة على أنهم يقدمون المساعدات كما كشفت ذلك الصحف الفرنسية وهو ما تم حينما تم الزج بالفرق الاستخباراتية على أنها تتقدم المساعدات ولولا يقظة امن حماس التي قامت بالقبض على عناصرها وأيضا بكشف شرائح التجسس، لحدث ما لا يحمد عقباه.
أما نصيحته الأخذ بالمناطق الآمنة، فقد طبقها اليهود وكل من تحرك قاصدا الفرار إليها تم قتله وهي حيلة قديمة للفصل بين المجاهدين وغيرهم، لأن المستهدف أولا وأخيرا هم سكان غزة جميعا.
ومعلوم أن الإمارات والسعودية ستتكفلان بإعادة إعمار غزة باعتبارهما أفضل بقرتين قابلتين للحلب إما طوعا أو كرها فقد فاز الكاوبوي ترامب ولذلك لا معنى لقول بن سلمان “لن ندفع لتنظيف فوضى بيبي إذا دمرت إسرائيل، كل هذا فلن ندفع لإعادة بنائه”.
المساعدات التي لم يتم السماح بدخولها تم تحويلها إلى هدف استخباراتي لتحديد أماكن احتجاز الأسرى ولذلك تم إنزالها جوا حتى تكون بعيدة عن رقابة حماس والأمن الفلسطيني وحينما وصلت بعض الأجهزة “تحديد المواقع”تحرك الجيش الأمريكي والمرتزقة والجيش الصهيوني لإحداث مفاجأة غير متوقعة، لكن النتائج كانت مذهلة، تم تحرير أربعة وقتل ما يزيد على خمسة وعشرين أسيرا من الصهاينة سواء من القوات المهاجمة أو من الأسرى.
*الطفل المدلل بن سلمان- كما يصفه الأمريكان- يحدث بلينكن “أريد فقط أن تختفي المشاكل التي أوجدها السابع من أكتوبر”، بمعنى خلصوا المشاكل والباقي علينا، لا قلق من جهتنا، ويوضح الصحفي الأمريكي إلى أي مدى وصلت إليه السعودية والإمارات من تحولات جذرية لصالح مسخ الهوية الإسلامية واستبدالها بالانفتاح والتحلل والتفسخ، فيقول: بالنسبة لبلينكن وفريقه كانوا يستيقظون متسائلين في أي دولة هم؟ –تعليقا على السهرات الصاخبة والأجواء الملتهبة التي تعيشها السعودية، أما الإمارات فهي الأسبق، فقد وصل الحال بهم إلى التبشير بدين جديد رسوله ومسيلمته الإمارات .