“الأونروا” تحذر من اجتياح رفح: لم يعد هناك مكان آخر يرحل إليه الناس
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
الجديد برس:
حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، الأحد، من أي عملية أو هجوم عسكري على مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، مؤكدة أنه “لم يعد هناك مكان آخر يرحل إليه الناس”.
وقالت الوكالة في تقرير لها إنه يقدر أن هناك حالياً ما يصل إلى 1,5 مليون شخص في رفح، مضيفة أن “من شأن المزيد من القتال في رفح أن يزيد من إعاقة العمليات الإنسانية التي تعمل فوق طاقتها”.
وجاء في تقرير صادر عن الـ”الأونروا” أن القتال العنيف في خان يونس تسبب، على مدى الأيام الـ17 الماضية بخسائر في الأرواح وأضرار في البنية التحتية المدنية.
ووفقاً لها، شمل ذلك أكبر ملجأ للأونروا في المنطقة الجنوبية، مركز تدريب خان يونس.
وفيما يخص الوصول إلى السكان المعزولين شمالي وادي غزة، قالت الوكالة إن هذا الأمر لا يزال يشكل تحدياً. وأضافت أنه في الفترة ما بين 1 يناير وحتى 5 فبراير، لم تصل سوى 10 بعثات شاملة تابعة “للأونروا” إلى شمال وادي غزة من أصل 35 بعثة كان مخطط لها.
وحتى 5 فبراير، بحسب التقرير، أصبح العدد الإجمالي للعاملين في “الأونروا” الذين استشهدوا منذ بدء العدوان الإسرائيلي 154 شخصاً.
1,7 مليون نازح في غزةوحتى 7 فبراير، نزح ما يصل إلى 1,7 مليون شخص (أو أكثر من 75% من السكان) في مختلف أنحاء قطاع غزة، بعضهم عدة مرات، وفقاً للتقرير. وأضاف أنه يتم إجبار العائلات على الانتقال بشكل متكرر بحثاً عن الأمان.
وفي أعقاب القصف الإسرائيلي المكثف والقتال في خان يونس والمناطق الوسطى في الأيام الأخيرة، ذكر تقرير “الأونروا” أن عدد كبير من النازحين انتقلوا مرة أخرى إلى الجنوب.
ووفقاً لوزارة الصحة في غزة، حتى 7 فبراير، استشهد ما لا يقل عن 27,708 فلسطينياً في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر.
وبحسب تقرير “الأونروا”، تم الإبلاغ عن حوادث مختلفة أثرت على منشآت الأونروا والنازحين داخلياً الذين يحتمون هناك.
وذكر التقرير أنه في 27 يناير 2024، أفادت التقارير أن قوات الاحتلال فتحت النار باتجاه مدرسة في خان يونس.
ونتيجة لذلك، بحسب التقرير، تم إطلاق النار على آذن مدرسة تابعة لــ”لأونروا” وأصيب بجروح أثناء قيامه بصيانة الألواح الشمسية في المدرسة، وتم نقله إلى المستشفى.
وفي 29 يناير 2024، استشهد أحد الموظفين المتعاقدين مع “الأونروا” رمياً بالرصاص على سطح مدرسة في خان يونس أثناء قيامه بأداء واجبه. وعلى الرغم من المحاولات المتعددة، بحسب التقرير، حال الوضع الأمني دون نقل جثمانه.
وفي 6 فبراير 2024، أصاب صاروخ منطقة مفتوحة شمال شرق المستودع القطري في معبر رفح. ونتيجة لذلك، سقطت بعض الشظايا بالقرب من مخازن الأونروا.
وفي 7 فبراير 2024، أطلقت الدبابات الإسرائيلية قذيفتين مباشرة باتجاه مدرسة في خان يونس. وأصابت إحدى قذائف الدبابات غرفة صفية ما أدى إلى إصابة أربعة أشخاص من النازحين الذين لجأوا إلى المدرسة.
وفي صباح يوم 7 فبراير، أفادت التقارير أن قوات الاحتلال نشرت طائرة مسيرة بأربع مراوح فوق مدرسة في خان يونس، حيث كان يحتمي ما يقرب من 1800 نازح، وأمرت بإخلاء المدرسة.
وتم استدعاء مديرة المدرسة لمقابلة جندي من قوات الاحتلال متمركز في مكان قريب. وتحت التهديد، صدرت لها تعليمات بجمع جميع الرجال مع حصر النساء في منطقة محددة.
إضافة إلى ذلك، أفادت التقارير أن قوات الاحتلال أصابت ودمرت هوائي التردد العالي جداً الموضوع على سطح المدرسة، ما أدى إلى انقطاع الاتصالات بين المدرسة و”الأونروا”.
400 نازح استشهدوا داخل مراكز الأونروا منذ بدء الحربوفي 7 فبراير، أجبرت قوات الاحتلال، بحسب التقرير، حوالي 1000 نازح لجأوا إلى مدرسة في خان يونس على مغادرة المدرسة وتعرضوا لسوء المعاملة.
وفي اليوم نفسه، أجبرت قوات الاحتلال حوالى 1,500 نازح لجأوا إلى مدرسة في خان يونس بمغادرة المدرسة وتعرضوا لسوء المعاملة. بالإضافة إلى ذلك، أفادت التقارير باستشهاد خمسة نازحين وإصابة آخرين.
وتم الإبلاغ، بحسب التقرير، عن 298 حادثة أثرت على مباني الأونروا وعلى الأشخاص الموجودين داخلها منذ بدء الحرب (بعضها شهد حوادث متعددة أثرت على نفس الموقع)، بما في ذلك ما لا يقل عن 31 حادثة استخدام عسكري أو تدخل في منشآت الأونروا.
وتقدر “الأونروا” أنه بالإجمال، استشهد ما لا يقل عن 395 نازحاً يلتجئون في ملاجئ “الأونروا” وأصيب 1,379 آخرين على الأقل منذ بدء العدوان.
ولا تزال “الأونروا” تتحقق من عدد الإصابات التي وقعت بسبب الحوادث التي أثرت على مرافقها، وتشير إلى أن هذه الأرقام لا تشمل بعض الإصابات التي تم الإبلاغ عنها حيث لم يتسن تحديد عدد الإصابات.
المصدر: الجديد برس
كلمات دلالية: مدرسة فی خان یونس قوات الاحتلال بحسب التقریر أثرت على منذ بدء
إقرأ أيضاً:
مابل ولف ومدرسة القابلات (1920): الاستعمار المضاد (1-2)
عبد الله علي إبراهيم
د. حسن بلة الأمين، أطباء السودان الحفاة: قصة نجاح بهرت العالم، جامعة الخرطوم للنشر، 2012 (الطبعة الثانية، المصورات 2025)
(شرفت بطلب الدكتور حسن الأمين بلة تقديم كتابه أعلاه. فكتبت ما تجده أدناه)
هذا الكتاب شديد الحفاوة بتدريب القابلات بمدرسة الدايات التي نشأت في أم درمان في 1920. وبلغ من حفاوته أن قال إنها تجربة في الأطباء الحفاة، الممارسين للرعاية الصحية غير متفرغين، سبقنا إليها الصين التي جاءت بحفاة أطبائها في العقود الأخيرة من القرن العشرين. وتأسف المؤلف أن لم تجد تجربة القابلة السودانية الحفاوة التي لقيها طبيب الصين الحافي. فلا تجد ذكراً لها في أروقة كلية الطب التي نشأت بعدها في 1924. وتأسف شخصياً كخريج من هذه الكلية أنه لم يسمع عن إحساننا فن التوليد طوال سنيه بها. وسمى كسب مؤسسة القابلات كسباً عبقرياً. وذكر دهشة كل من سمع منه محاضراً عن هذه العبقرية. فوقف جراح سوداني بعد الاستماع له ببلد أجنبي:
“You made me feel proud as a Sudanese as I never felt before.”
"لقد جعلتني أحس بالزهو بأنني سوداني كما لم أحس من قبل".
وأراد المؤلف بالتوثيق لمدرسة القابلات أن نستصحب عبقرية تلك المدرسة في السياسة الصحية القومية وأن نبني عليها لعافية الريف خاصة. فظل المؤلف مهجساً بخبرة الطبيب الحافي في مدرسة القابلات لأربعين سنة أنفقها في لقاءات بمن كانوا من وراء تدريب أولئك الطبيبات الحافيات، وفي أبحاث عن حال هذا التدريب في إطار تخصصه في طب الأسرة. وكتب مؤلفاته بالإنجليزية ثم ساءه ألا يبلغ من ذلك شيء إلى بني بلده. فكتب كتابه هذا في العربية الذي تجوهرت فيه معارف أربعين عاماً في لغة أجنبية. وقال: "ارجو أن يكون هذا الكتاب تعبيراً عن حبي للوطن، وللمحتاجين للنصرة من أهله".
أدرك المؤلف مابل وولف، مؤسسة مدرسة القابلات في 1920، وأخذ منها لأنها عاشت لمائة عام. فهشت له وسعدت أن يطلبها طبيب سوداني شاب راغب في معرفة تجربتهن الباكرة في السودان. واجتمع معها بإلين كندل آخر مديرة بريطانية لمدرسة القابلات. ثم بحث عن مس إي هلز ينق التي خلفت مابل في العمادة. ثم التقى في السودان بالست بتول محمد عيسى الباشدايه الأولى بالمدرسة وعميدة المدرسة لاحقاً ولمدة طويلة. والتقى كذلك بست الدون من أوائل خريجات المدرسة وصارت عميدة لمدرسة الدايات بمدني. ثم ست حواء محمد صالح من رائدات التمريض والتوليد.
نشأ برنامج تدريب القابلات في مدرستهن على يد السيدة مابل وولف ولحقت بها أختها جيرترود لاحقاً لتساعدها لدى مرضها عام 1929. وحين شفيت مابل صارت جيرترود مساعدة لها. وجاءت مابل إلى السودان من مصر وكانت رئيسة التمريض بالفيوم فيها. وهدفت المدرسة إلى تحقيق وجود قابلة مدربة في كل قرية للتغلب على العادات الضارة بصحة المرأة، وترعى صحتها وصحة أطفالها.
وكان نهج مابل الدعوة بالحسنى لصحة الأمهات لا التأمر من عل. ولم تفهم من المقاومة التي لقيتها في تحديثها للولادة أنها صنع "متمردين" ذوي نية مبيته لإفشالها، بل زميلات لهن عزة بما تعودن من مهنتهن. وصح استصحابهن في ذلك الطريق المستجد عليهن. ومن مصابرتها على جفاء زميلات المهنة انتهازها زيارات التفتيش على القابلات للترويج للمدرسة بين الأهالي. فلم تر في معارضة دايات الحبل التقليديات للنظام الجديد دساً للتقويض. وسعت مابل في وجه مقاومتهن لتليين موقفهن بلقاءات معهن والحديث إليهن بأحاديث سمتها "أحاديث في التوليد". وكانت المقاومة حقيقة حتى طالبات المدرسة كرهن الإقامة في المدرسة. ووكزتها مرة داية حبل قائلة: "أنا وَلَّدت قبل يولدو أمك". وبدأ فصلها الأول وفيه اثنتان من دايات الحبل (عمرهما 68 سنة و70 سنة). وسارعت لتخريج دايات مثل عزيزة برسي (68 سنة) ومستورة خضر الأصغر قليلاً لتخرج من الحرج بأنها أجنبية لا تحسن الولادة السودانية. ثم جات جندية صالح التي لعبت، رغم أميتها، دوراً مميزاً في تقريب مهنتي القابلة والممرضة لجمهور النساء.
وأهم سمات نهج مابل هو حسها الفائق بالزمالة مع فريقها مع طاقم المدرسة. فقالت عن بتول عيسى: "إنها بحق امرأة غير عادية في توجهها ونظرتها للحياة، وفي تربيتها لابنها، وفي إحساسها العميق بالمسؤولية. يأتي العمل عندها أولاً مهما كلف ذلك. ولا تدخر وسعاً في ذلك. إن ثباتها على قيم وشرف العمل بمدرسة الدايات كان أعز شيء عندها". ونعت هي واختها جيرترود المرحومة جندية حين توفيت بالسرطان في 1936. ووصفتاها ب"المجاهد المحارب". وكتبتا شاهداً باسمهما على قبرها. وترقرقت عين حفيدة لجندية وهي تسمع من المؤلف ثناء مابل وأختها عليها.
وكان أبهر صور زمالة مابل هو تعلمها اللغة الدراجة السودانية لتصح دعوتها للتحديث بلغة القوم فتصل الشغاف. فلم تتعلل بمعرفتها عامية مصر دون تعلم عامية السودان. وبلغت من معرفة العامية السودانية مبلغ أهلها. ففي زيارة للمؤلف لها بمنزلها بإنجلترا كسرت زميلتها إناء ما فصاحت مابل: "انكسر الشر".
وأعانتها معرفة العامية السودانية على تملك زمام قاموس النساء السودانيات. فجمعت الكلمات في العامية عن الحمل ومتعلقاته لوظيفها في تدريب القابلات. وهو البدء من ثقافة طالب الخدمة ومؤديها لا افتراض خلوه منها لتجريعه ثقافة أرقى مزعومة. فأنشأت "دليل العربية السودانية لقابلات" ترجمت فيه المصطلحات العلمية في لغة ميسرة للتدريب فيه. ووظفت خيالاً شفيفاً للغاية. فجعلت الجسم في الكتاب ك: "شبه بيت مفروش. وكل العدة الفيه عندها فايدة مخصوصة. القلب يشبه الطرمبه فشان كلما ينفك يشفط الدم الفاسد". الصدر شبه قفص من عظم وفيه بالظهر عظام السلسلة واللوحتين. والفشافيش مثل شبابيك البيت. والمعدة متل الخرج. وهي "متل المرحاكة عشان بتفرم الأكل ناعم".
وجنح خيال مابل تستثمر في روتين حياة النساء اليومي لبلوغ مقاصدها. فلتقلع النساء عن لزوم السرير لأربعين يوما جاءت ماربل بمجاز "الجبنة" لتقريب مخاطر العادة. فصورت الرحم كجبنة. والرقاد يجعل الرحم كجبنة راقدة على جنبها يبقى فيها شيء من القهوة بعد صبها. وهذا ما يحدث للمرأة المستلقية فلا تنزل منها إفرازات الولادة. وزينت كل كتب منهجها بصور إيضاحية بريشتها فقد كانت رسامة موهوبة أيضاً. بل لربما كان الفن هو الذي ساقها إلى هذه المخاطرة الرشيقة مع مستعمَرين تحت حكم بلدها.
ودخلت بإحسان تعليم القابلات المطبخ لتأتي لهن بمجازات قريبة إلى افهامهن. فاخترعت مجاز "كشف الحلة" مثلاً من واقع النساء لتأليف الحوامل ليحضرن للعيادة. وتخريج المجاز في سؤالها للحامل: إذا كانت لك حلة على النار هل ستتركين الطعام يحرق أم أنك سترفعين الغطاء عنها مرة بعد مرة للتأكد من نضج الطبيخ قبل الحريق؟ وصار "كشف الحلة" عبارة في وفود الحوامل للكشف الدوري عليهن.
وسخي المثال الديني لمابل في التدريب. فواتاها في ما ورد في المنهج: "عليك أن تتذكري أن كل مولود تساعدينه من ظلام الرحم إلى ضياء الحياة هو هبة من الله وعليك أن تكوني جديرة بهذه الهبة الربانية". وزكى المنهج التوليد من جهة تقواه فاستثمرت من الدين الشعبي قوله: إذا ولدت الداية 99 ولادة بكرية (تلد لأول مرة) فلها الجنة. وحز في نفس المؤلف أن نغادر هذه البركة، وهي مطلب البروف عبد الله الطيب من التعليم، في تعليمنا الطبي المعاصر وممارسته فيتقدس عندنا الكسب والجاه. فعبارة طب الجاه بالمقابل هي: علم بالعينات الخمس: عيادة وعربة وعروس وعمارة وعزبة
لا مندوحة أن ينصرف الذهن إلى عقد مقارنة بين مدرسة القابلات وبخت الرضا بقرينة أنهما خدمتان تعليميتان من مستعمر واحد. وقد جاء ذلك المستعمر بتكليف ذاتي لانتشال أهل المستعمرة من وهدة الفاقة إلى رحاب الحداثة. ولكن في المماثلة بين التجربتين ظلم كبير لمدرسة القابلات. فاختلف التدريب في مدرسة القابلات عن معهد بخت الرضا من جهة تقييم المؤسستين للثقافة السودانية. فاتفق كلاهما على شح مواردها في ما يليهما من فن. ولكن بينما قامت فلسفة بخت الرضا على أخذ التلميذ من فقر ثقافته (المفترض من الاستعمار) إلى غنى ثقافتهم في مدرسة غنية لبيئة فقيرة (أو غبية)، في قولهم، كانت فلسفة مدرسة القابلات في استثمار ثقافة النساء للنفاذ بالحداثة لهن. فدربت القابلات لأداء مهمتهن داخل أكثر البيوت فقراً وتسخير إمكاناته لغرضها. فلتوقع ألا تكون بالبيت إنارة فالقابلة دُربت القابلة على حفظ استعمالات وجرعات الأدوية. كما تستخدم حواسها بالذوق أو الرائحة لتتعرف على المساحيق في صندوق المهنة. وكانت القابلات يُدربن على الولادة ونظافة الطفل على دمى من مواد محلية تصنعها المتدربات وهذا باب في المشاركة مميز في التدريب. وأعطوا اسم "ظريفة" لدمية الولادة لأنها تسمح للجميع توليدها. وجرى تدريب خياطة الأنسجة بالمقص على إطارات السيارات الداخلية. واحترمت مابل أمية قابلاتها فرتبت لهن أقراص ملونة تقف بها الداية على مراحل الحرج في النفاس في المستشفى. وهكذا قبلتهن أميات كما ولدتهن أمهاتهن ووفرت لهن طرائق للتوطن في المهنة ومعرفة لغتها.
واختلفت المؤسستان حيال الهرمية المؤسسية التي شابها استعلاء المستعمر على من هم دونه.
ibrahima@missouri.edu