كييف- بعد طول خلاف وجدل، قُضي الأمر في أوكرانيا وأقال الرئيس فولوديمير زيلينسكي، رئيس هيئة الأركان، الجنرال فاليري زالوجني، معينا العقيد أوليكساندر سيرسكي، قائد القوات البرية، بدلا منه.

وأمام سيرسكي الآن وقت قليل لبناء قيادة عسكرية جديدة مع اقتراب الذكرى السنوية للحرب في 24 فبراير/شباط الجاري، ولكن كيف انعكست هذه التغييرات على الشارع الأوكراني؟ وكيف ستؤثر على جبهات القتال مع روسيا؟

على عكس ما توقعه كثيرون، لم تنعكس الإقالة ثورةً في الشارع أو حتى غضبا، بل مرت كمجرد خبر مهم، واقتصرت ردود الفعل على تعليقات تأييد وامتعاض في مواقع التواصل الاجتماعي فقط.

تربط شريحة واسعة من الأوكرانيين نجاح الجيش بوزير الدفاع المقال فاليري زالوجني (رويترز) توقيت غير مناسب

بحسب المحلل السياسي، فولوديمير فيسينكو، فإن "شكل الإقالة ساهم في تهدئة الوضع، لأنها تمت بسلاسة، وبدا فيها زالوجني راضيا وتقبلها طواعية وتصرف بمسؤولية تستحق التقدير، قبل أن يكرمه زيلينسكي بوسام رفيع.

وفي النهاية، بحسب فيسينكو "الجيش ليس زالوجني وزالوجني ليس الجيش، حتى وإن ربطت شريحة واسعة من الأوكرانيين بين الاثنين، معتقدة أن نجاحات الجيش مرهونة بوجود زالوجني في المنصب".

أما على المستوى العسكري، فالجدل اشتعل بين الخبراء العسكريين حول الإقالة والتعيين، بين مؤيدين قلة لسيرسكي في منصبه الجديد، وآخرين يعتبرون أن إقالة زالوجني "خطأ في غير وقته".

ويرى الخبير العسكري والعقيد في قوات الاحتياط أوليغ جدانوف، أن "تعيين سيرسكي كان آخر احتمال متوقع، لأنه لا يقارن بزالوجني، ويحتاج سنوات لكسب خبرة كبيرة دفعت حتى بريطانيا لتكريمه (زالوجني) كما لم تفعل مع أحد قبله"، على حد قوله.

ويعتبر جدانوف أن إقالة زالوجني "خطأ عسكري في غير وقته" أيضا، سينعكس سلبا على جبهات القتال بحدوث انقسام محتمل، لا سيما في ظل أزمة تعبئة ونقص ذخيرة تعاني منها القوات الأوكرانية.

"سفاح" بأساليب قاسية

برز اسم سيرسكي مع الأسابيع الأولى للحرب الروسية على أوكرانيا، ونُسب إليه فضل تحرير مقاطعات كييف وتشيرنيهيف وسومي شمالا، ثم خاركيف شرقا، وميكولايف وجزء من خيرسون في الجنوب؛ قبل أن يكرم بوسام "بطل أوكرانيا".

ومع ذلك، فإن منصب سيرسكي الجديد الحساس يدفع بعض الأوكرانيين اليوم للحديث عن أصوله التي لا يتم تجاهلها في المجتمع كالسابق، ولم تعد موضع ترحيب في أوكرانيا منذ بداية الحرب، لا سيما أنه ولد في قرية قريبة من موسكو عام 1965، ودرس في الأخيرة قبل أن يخدم بصفته ضابطا في الجيش الأحمر السوفياتي، ثم ينتقل بنهاية الثمانينيات للعيش والخدمة في أوكرانيا.

لكن آخرين ينظرون إلى الأمر من زاوية مغايرة تماما، تعتبر الخوض في الأصل "هراء"، وترى أن الخبرة التي اكتسبها سيرسكي في الماضي السوفياتي تؤهله بجدارة للمهمة، وتعينه عليها.

ويقول إيفان ستوباك، الخبير العسكري في "المعهد الأوكراني للمستقبل"، والمستشار السابق لشؤون الأمن العسكري في البرلمان الأوكراني: "كأوكرانيين نفضّل اليوم المدارس العسكرية الأطلسية الغربية. ولكن الأمر واقع ولا نستطيع تغييره".

وتابع متحدثا للجزيرة نت "مدرسة سيرسكي العسكرية السوفياتية تعينه على فهم العقلية الروسية في الحروب والقتال، وهذا ما لمسناه في شهور الحرب الأولى فعلا".

وفي سياق غير بعيد، يصف بعض الجنود ووسائل الإعلام سيرسكي بـ"الجزار أو السفاح"، على عادة وصف بعض قادة الجيش في روسيا، وهذا الوصف مستخدم لدى الأوكرانيين والروس معا.

ويقول ستوباك "تعليقات الجنود الأوكرانيين على تعيين سيرسكي تعكس تباينا في الآراء والتوقعات بينهم، فمن عمل معه يعتبره سفاحا، والمعروف عن سيرسكي أنه شديد الطبع فعلا، يميل إلى أسلوب القسوة في القيادة".

لكن ستوباك أشار إلى أن "آخرين رأوا أن الفريق الذي بدأ سيرسكي بتكوينه؛ يتكوّن من عسكريين معروفين يتمتعون بالخبرة؛ وهو ما ساهم بتخفيف حدة القلق، وخلق توازنا في الآراء".

جندي أوكراني مع قاذفة صواريخ مضادة للدبابات بأحد خطوط المواجهة في منطقة دونيتسك (رويترز) شهر لاتخاذ خطوات

ينتظر الشارع في أوكرانيا الخطوات الأولى التي سيتخذها سيرسكي لتحريك المياه الراكدة منذ أكثر من سنة على جبهات القتال، وإحراز تقدم جديد لصالح بلاده.

ويقول الخبير ستوباك: "علينا أن ننتظر اكتمال فريق سيرسكي، وأولى الخطوات الملموسة التي سيتخذها لإحداث تغيير ما. أعتقد أن أمامه شهر لهذا الغرض، وإلا فإن موجة الانتقاد ستزداد ارتفاعا"، على حد قوله.

لكن خبراء آخرين لا يتوقعون الكثير من سيرسكي في أولى أيامه، ويربطون ذلك بالواقع والقضايا الصعبة الذي يواجهها الجيش الأوكراني.

ويقول المحلل العسكري، دينيس بوبوفيتش، إن "سيرسكي أسير قضايا تضغط على أوكرانيا وجيشها، أبرزها التعبئة التي تثير جدلا في مجتمع البلاد، وقلة الذخائر اللازمة بسبب تراجع إمدادات الغرب وخاصة من الولايات المتحدة، لا سيما بعد تعثر العمليات المضادة في العام الماضي".

ويعتبر بوبوفيتش أن من أبرز المهام التي تقع على عاتق سيرسكي هي التفكير "بإجراءات، تعين أوكرانيا على القتال حتى وإن تراجع أو توقف الدعم الغربي".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی أوکرانیا

إقرأ أيضاً:

كورسك مقابل الأراضي المحتلة.. هل يذر زيلينسكي الرماد بعيون الأوكرانيين؟

كييف- منذ أن بدأت أوكرانيا هجوما مباغتا على مقاطعة كورسك الروسية في الشمال، حتى سارع الأوكرانيون إلى تبرير ذلك بتخفيف الضغط على جبهات الشرق، والتمتع بورقة ضغط قوية على موسكو عند أي مفاوضات محتملة.

وبمناسبة مرور نحو 6 أشهر على ذلك التوغل، قالت هيئة الأركان الأوكرانية إن عملياتها في كورسك أدت إلى خسارة الروس نحو 40 ألف جندي، من بينهم 16 ألف قتيل تقريبا، ونحو 900 أسير، بالإضافة إلى خسارة كوريا الشمالية 4 آلاف مقاتل من أصل 12 ألفا شاركوا بالقتال، وأسر عدد منهم أيضا.

أرقام كبيرة إن صحت، لكنها لم تفلح بتحقيق غاية تخفيف الضغط على جبهات الشرق خلال الفترة الماضية، بل على العكس، زادت وتيرة الهجمات الروسية وخاصة في مقاطعة دونيتسك.

عملية هامة

كما كانت كورسك وبالا على مقاطعة سومي الأوكرانية المحاذية بعد طول هدوء وأمان نسبيين، إذ لم تسلم يوما من الضربات الروسية، لأنها كانت منطلقا لعمليات التوغل، وما زالت طريقا لإمدادات الجيش الأوكراني.

وهكذا فشل هدف تخفيف الضغط عمليا، رغم أن الأوكرانيين يؤكدون أن الوضع كان سيصبح أسوأ لولا عملياتهم في كورسك، وباتوا يتحدثون عن الهدف الثاني بقوة وثقة.

بحسب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، "كانت عملية بالغة الأهمية ستؤدي إلى تسوية دبلوماسية لإنهاء الحرب"، فيما ذهب وزير خارجيته أندريه سيبيها إلى أبعد من ذلك، مؤكدا أن فيها "درسين للعالم؛ أولهما ألا داعي للخوف من بوتين، والثاني هو الإيمان بقدرة كييف على النصر".

إعلان

ومع تسارع الخطوات نحو مفاوضات مباشرة بوساطة أميركية في نهاية ثالث سنوات الحرب، زاد تمسك الأوكرانيين بكورسك، وشهدت الأسابيع الماضية تحول عملياتهم من دفاعية إلى هجومية جديدة في بعض الاتجاهات.

زيلينسكي يريد مبادلة نحو 420 كيلومترا مربعا من الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا في كورسك بأراضي مقاطعة أخرى، لكنه لم يحددها في حديث مع صحيفة الغارديان البريطانية.

هونتشارينكو يرى أن دخول كورسك كان خطة فريدة لإذلال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الجزيرة) رفض روسي

وبالطريقة ذاتها، كشف فولوديمير أوميلتشينكو، خبير مركز "رازومكوف" للدراسات الإستراتيجية، ومدير برامج الطاقة في الحكومة الأوكرانية، في منشور على وسائل التواصل، أن "كييف أرادت مبادلة محطة زابارويجا للطاقة النووية (الأكبر في أوروبا والخاضعة لسيطرة روسيا)، مقابل وقف قصف البنية التحتية للطاقة في كلا الجانبين، والسماح بعبور الغاز الروسي عبر أراضي أوكرانيا".

بحسب أوميلتشينكو، رفضت روسيا هذا التبادل وأعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف رفض مبادلة أراضي كورسك بأخرى أوكرانية تقع تحت سيطرة موسكو أيضا.

من جهته، قال النائب البرلماني عن حزب "التضامن الأوروبي"، أوليكسي هونتشارينكو للجزيرة نت "لا يهم ما يقول بيسكوف. الواقع يقول إن دخول كورسك كان خطة فريدة لإذلال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والضغط عليه، وإجباره على التفاوض والتنازل، لأن أمرا مماثلا لم يحدث منذ عام 1943 في موسكو".

ويضيف "لم يستطع الروس إخراج قواتنا منذ نصف عام. لا خيار أمامهم سوى التبادل. هذا سيحدث، ولكن لا أحد يعرف كيف ومقابل ماذا. كورسك هي ورقة الجوكر التي تتمتع بها أوكرانيا".

كرايف قال إن التصميم على تحرير كامل أوكرانيا تراجع بسبب ضعف المساعدات الغربية اللازمة (الجزيرة) عجز وخسارة

ولكن حتى لو تم تبادل الأراضي، يبدو أن زيلينسكي يعترف بعجز بلاده عن استعادة كل الأراضي المحتلة، فهو اليوم لا يتحدث عن الوصول إلى حدود عام 1991، بل إلى تبادل يعيد -على أقصى تقدير- واحدة من 4 مقاطعات تسيطر روسيا على أرجاء واسعة منها، ناهيك عن القرم المحتلة بالكامل منذ 2014.

إعلان

لا يرى أوليكساندر كرايف خبير مركز "المنشور الأوكراني" للدراسات، وأستاذ في جامعة كييف الوطنية، في ذلك هزيمة. ويقول للجزيرة نت "تراجعَ التصميم على تحرير كامل البلاد أمام واقع بطيء وضعف المساعدات الغربية اللازمة لهذا الغرض".

وتابع "ومع ذلك، بفضل كورسك، لا يمكن للروس الحديث عن أي نصر لهم في أوكرانيا. إذا بقيت بأيدينا فإن أساطير العالم الروسي وروسيا الحديثة، وكذلك النزعة الإمبراطورية لدى بوتين، ستنهار لسبب بسيط هو أنه لا يمكن أن تكون منتصرا إذا حصلت على أراضٍ جديدة وخسرت أراضيك الأصلية".

من وجهة نظر كرايف، "بوتين خسر بعدم قدرته على احتلال كل أوكرانيا، والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي روسيا".

مقالات مشابهة

  • رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يزور أمريكا لبحث قضايا إستراتيجية
  • «بيرقص ويقول حالو يا حالو».. أسعار فوانيس رمضان 2025
  • أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي منذ بداية الحرب
  • سر اختفاء أحد ضحايا «سفاح المعمورة».. شقيقته تكشف تفاصيل صداقته وآخر مكالمة بينهما |فيديو
  • الجيش الروسي يعلن السيطرة على قرية بشرق أوكرانيا
  • وزير الدفاع الألماني: استبعاد الاتحاد الأوروبي من محادثات أوكرانيا سيؤثر على علاقتنا بواشنطن
  • مزاح ثقيل..تفاصيل جديدة حول إقالة وزير بريطاني
  • فانس يهدد "بالضغط العسكري" لإنهاء الحرب في أوكرانيا
  • واشنطن تنتظر "ثروات أوكرانيا" لسداد مليارات الدعم العسكري
  • كورسك مقابل الأراضي المحتلة.. هل يذر زيلينسكي الرماد بعيون الأوكرانيين؟