لجريدة عمان:
2025-02-22@23:07:16 GMT

الدور الوظيفي.. ماذا عن البنيوية الفكرية؟

تاريخ النشر: 11th, February 2024 GMT

يُنْظَرُ إلى البنيوية الفكرية على أنها مستوى عال في تنظيم تشابك العلاقات بين مجموعة من العناصر في بيئة ما، وهي تذهب أكثر إلى التركيبة النفسية أو الفكرية لذوات العلاقة بين المجموعات، أو حتى الأفراد، ولأنها ترتبط بالعامل النفسي أكثر منه بالعامل المادي، مع أهميته؛ إلا أنه يكون للدور الوظيفي شأن آخر عبر الممارسات التي يقوم بها كل من عليه وظيفة يقوم بها، وبالتالي فتجذر هذا الأمر «البنيوي» هو ما يذهب إليه الفهم في حقيقة الأمانة والصدق، وهما العاملان المهمان في انتزاع الفرد من حالته العامة والشائعة كأفراد في مجتمع، أو في مؤسسة، إلى حالته الخاصة في استنطاق مجموعة من المثل والقيم؛ ويأتي في مقدمتها الأمانة والصدق، ونصفها بالحالات الخاصة جدا، بمعنى أنه لا يمكن تعميمها من خلال قرار مسؤول أو نظام مؤسسة، بغية إنجاز عمل حقيقي دون أي خلل موضوعي لذات الوظيفة التي يعمل بها الفرد، ولهذا السبب يظهر الأفراد «مجموعة الموظفين في مؤسسة ما» غير متساوين في الأداء الوظيفي، وفي الهمة، وفي السرعة والدقة في الإنجاز،وعندما نرفع السقف أكثر، يمكن أن نقول: وفي احترام قوانين العمل، وفي احترام التراتبية الوظيفية للمسؤولية، واحترام الزملاء، وإنزال هيبة المؤسسة في النفس على أنها مصدر دخل سخرها الله تعالى لنا لنطعم منها أسرنا، وتقينا ذل السؤال والحاجة، وتعظيم شخصيتنا الطبيعية؛ حتى مع انتهاء صلتنا بهذه المؤسسة أو تلك، فعلى امتداد هذه المسافة يبقى للفعل البنيوي أثره الكبير في دعم الدور الوظيفي –هذا على مستوى مفهوم المؤسسة– بينما يقتضي الأمر أن الفعل البنيوي مستمرا مع كل صغيرة وكبيرة من الفعل البشري في حياة الإنسان اليومية، ومن هنا ينظر إلى أهمية الدور الكبير الذي تقوم به محاضن التربية في تنشئة الأفراد على معززات البنيوية الفكرية، حتى يكونوا أفرادا صالحين في مجتمعهم الصغير، وفي مجتمعهم الكبير، حيث الوطن بكل حمولته الحضارية والتاريخية والاجتماعية، والثقافية والاقتصادية؛ سواء بسواء، لا يشذ أحد من هذه الأبعاد عن الأخرى.

يَمْثُلُ الدور الوظيفي، وهو نتيجة حتمية للبنى الفكرية، كإحدى المهمات الأساسية لأية مؤسسة، أو مجموعة عمل، أو حتى على مستوى الفرد نفسه، يرجى من خلاله أن تكون هناك عوائد مادية أو معنوية مدخلة أو خارجة من شأنها أن تعظم من مستوى الإنتاج؛ لكي تبقى هذه المؤسسة أو تلك قادرة على الاستمرار في الإنتاج، ومحافظة على الدور الذي أسست له منذ البداية، ولأن المسألة لا تقتصر على مفهوم المؤسسة، كما جاء أعلاه، فإن ملامح الدور الوظيفي تظهر أثر المخزون المعرفي للبنى الفكرية عند كل شخص على حد، «فليس الفتى من قال كان أبي؛ إنَّ الفتى من قال ها أنا ذا» والـ«ها أنا ذا» لن تظهر على الواقع، ويشهد لها الناس بالكفاءة والتميز، إلا من خلال ما تقوم به من أدوار وظيفية ملموسة، سواء على مستوى مؤسسة، أو مستوى أسرة، أو مستوى مجتمع، أو مستوى فرد في تعظيم منجزاته المعبرة عن حركته واشتغالاته، بمعنى أن الدور الوظيفي الذي يقوم به فلان من الناس، هو الذي يحكم من خلاله على حقيقة «من هو فلان؟» وليس «من هو أبو فلان؟» أو من أي حاضنة وجاهية يتسلسل فلان؟» ولذلك كما يشار دائما؛ أن لا تأثير للبنى الفكرية للأفراد في المجتمعات التقليدية الممتدة، ولذلك تشهد ضعفا نوعيا في الإنتاج، بخلاف المجتمعات الحديثة التي تنتصر أكثر للطاقات الفردية، وتنميها، وتعزز من قيمتها المعرفية.

تحرص محاضن التربية المختلفة (الأسرة، المدرسة، المسجد، الحاضنة الاجتماعية الواسعة) على تأسيس وتنمية البنية الفكرية في مشروعاتها وبرامجها المختلفة، حيث يبدأ ذلك بالأعمار الصغيرة التي لا تزال فطرها الفكرية لم تتلوث بالكثير مما يدور من حولها فـ«العلم في الصغر؛ كالنقش على الحجر» وبالتالي فمتى تربت الناشئة على كثير من القيم السامية؛ كان ذلك بمثابة النور الذي تهتدي به طوال مسيرتها الإنسانية، مما يؤهلها لأن تلعب أدوارًا إيجابية على امتداد مساحة العمر، وأهم هذه المراحل عندما يصل إلى ذروة سنام العمر، حيث يتقلد الوظائف العامة والخاصة، ويكون أسرة، ويكون فردًا فاعلًا في المجتمع الذي يعيش فيه، هذا الحرص يؤسس لمرحلة وصول الفرد إلى الدور الوظيفي الذي سوف يقوم به عندما يكون مهيئا لذلك، بغض النظر عن مستوى الوظيفة التي سوف يقوم بها في المستقبل، ويبدأ التأسيس من المراحل الأولى لعمر الفرد حتى تترسخ هذه البنية الفكرية في نفسية هذا الفرد، وترويض شعوره الفطري لأن يتهيأ بذلك سواء للوظيفة المرتقب شغلها، أو لمختلف تفاعلاته مع من حوله في مجمل العلاقات التي يقيمها مع الآخرين في مختلف شؤون الحياة اليومية، فهو محتاج على امتداد مسيرة حياته لأن يكون صادقًا وأمينًا، وناصحًا، يحب لغيره ما يحبه لنفسه، ولا يرضى لغيره ما لا يرضاه لنفسه ولمجتمعه من حوله، وهذه المحاضن تستند في تربيتها البنيوية لتأصيل الفكر –بالنسبة للمسلمين– على نصوص القرآن الكريم ونصوص السنة الشريفة على صاحبها الصلاة والسلام – وعلى مجموعة من المثل والقيم الإنسانية، والمواقف الإيجابية، والقصص، وأحداث التاريخ، والتجارب التي تعبر عن القيم الإيجابية سواء في الماضي والحاضر، حيث يتم من خلال ذلك استنطاق المشاعر، ومخاطبة العقل والعاطفة في الوقت نفسه، بالإضافة إلى عمل اختبارات عملية ونظرية لترسيخ الفهم بصورة أكثر.

تعمل مجموعة من الأنظمة والقوانين على تأسيس بنيوية فكرية في كثير من الممارسات الوظيفية، وذلك بهدف النقاء، والصدق والأمانة، والحيادية التامة عن الوقوع في مطب الخاص، ومن ذلك «قسم اليمين» لعدد من الوظائف كقسم الطبيب، والقاضي، والعسكري، وأعضاء المجالس التشريعية، وعدد كبير من الوظائف التي تأخذ أهمية خاصة تتعلق بالعلاقة بين القائم بالوظيفة والجمهور العام، أو المتطلبات المهنية والإدارية لهذه الوظائف، وذلك كله لتحييد القائم بهذه الوظائف عن الوقوع إما في استغلال الوظيفة لخدمته الخاصة، أو لسرية شديدة الحساسية لمجموعة الممارسات لها، أو شيوع ممارساتها ليعلم بها القريب والبعيد؛ في الداخل والخارج، أو للمحافظة على أسرار الناس، هذا الإجراء «القسم» لا يهدف فقط لتحييد القائم بالوظيفة عن الإفصاح عما يقوم به من ممارسات تتطلبها الوظيفة، ولكن بالإضافة إلى ذلك هو تسكين، أو زرع، أو تأسيس لتموضع بينة فكرية في الذات النفسية لمجموع هؤلاء العاملين على اختلاف وظائفهم وممارساتهم.

ويأتي استخدام القسم –حسب فهمي الخاص لذلك– لتعظيم أمانة المسؤولية من خلال ربطها بالعلاقة مع الله، فالناس فيما بينهم، كثيرا، ما يتجاوزون مجموعة الالتزامات القائمة بينهم على اعتبار أن لا يعرف الآخر ما يقوم به الأول، والعكس صحيح أيضا، ولذلك يصبح هناك نوع من غض الطرف في جوانب هذه العلاقات؛ مع أن ذلك ليس من شيم الأمانة والصدق القائمة بين الناس، ولكنه يحدث وهذا من الضعف الموسوم به البشر، لكن العلاقة مع الله، يحسب لها كل الاحتمالات التي يمكن أن تكون، ولذلك فليس من السهولة بمكان أن يتجاوز الفرد عهدًا قطعه مع الله «مع سبق الإصرار والترصد» إلا في الحالات الاستثنائية التي يغيب فيها العقل عن الوعي التام للفرد، وبالتالي إن فشل هذا التأسيس في تعظيم البنية الفكرية لأهمية الذات الوظيفية، فإنه لا يستبعد أن يعود الإنسان إلى حالته المعتادة والمتقلبة بين القوة والضعف، وبالتالي؛ إن حدث ذلك بالفعل فإن هذا التأسيس تعرض لفشل ذريع، وهذا ما يحدث كثيرا في ممارسات الوظيفة على وجه الخصوص؛ كالطبيب والمحامي والعسكري، والمسؤول في الوظائف الكبيرة والحساسة، وغيرهم من الذين تتطلب أعمالهم مستوى معين من السرية وأمانة المسؤولية؛ عندما لا يلتزمون بما تعهدوا عليه أمام الله أولا، وأمام مسؤوليات الوظيفة ثانيا، وأمام مجتمعهم الذي شهد عليهم بهذا القسم ثالثا، ولن يعود هذا الفشل فقط على ضعف تأسيس البنى الفكرية عند الفرد، وإنما تتداخل فيه عوامل ذاتية خارجة عن نطاق السيطرة، حيث يصعب ترويض النفس بصورة مطلقة عند الجميع.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مجموعة من من خلال

إقرأ أيضاً:

تطوير مناهج التربية الفكرية وتأهيل المعلمين لدعم الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة بالمدارس

شارك محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، اليوم الجمعة، في الندوة التفاعلية حول الشراكة التعليمية بين مصر واليابان، بحضور رفيع المستوى من عدد من المسؤولين اليابانيين وممثلي الشركات والمؤسسات التعليمية ومراكز الأبحاث والجهات التمويلية المتخصصة في مجال التعليم.

وفي كلمته، استعرض وزير التربية والتعليم والتعليم الفني محمد عبداللطيف الإصلاحات التي تشهدها منظومة التعليم في مصر، مشيرًا إلى الدور المحوري للشراكة بين مصر واليابان في دعم التعليم والتعليم الفني والتقني وتعزيز أساليب التعلم الحديثة، مشيرا إلى أن التعليم الفني يعد بوابة مصر نحو المستقبل، مؤكدا حرص الدولة المصرية على تطويره بالشراكة مع اليابان.

وقال وزير التربية والتعليم والتعليم الفني محمد عبداللطيف إن الشراكة المصرية اليابانية في التعليم تمثل مشروعًا استراتيجيًا يهدف إلى تعزيز منظومة التعليم في مصر بالاستفادة من التجربة اليابانية الرائدة، مشيرا إلى الاتفاقية التي تم توقيعها خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى اليابان في مارس 2016، حيث وقع الاتفاق مع رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي، مما شكل نقطة انطلاق رئيسية نحو تحديث النظام التعليمي المصري وفقًا لأفضل الممارسات اليابانية.  

توسيع نطاق تطبيق نموذج المدارس المصرية اليابانية

كما تناول وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الجهود المصرية المبذولة للاستفادة من النموذج الياباني في التعليم، موضحا أن التعاون يشمل توسيع نطاق تطبيق نموذج المدارس المصرية اليابانية الذي يركز على تنمية المهارات الحياتية للطلاب، وتعزيز العمل الجماعي، والانضباط، مما يساهم في بناء شخصية متكاملة للطالب المصري.

تطوير مناهج التربية الفكرية وتأهيل المعلمين لدعم الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة

كما تطرق وزير التربية والتعليم والتعليم الفني إلى الجهود المبذولة لدمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس المصرية، وذلك عبر تطوير مناهج التربية الفكرية، وإنشاء مراكز متخصصة مثل مركز ريادة المصري الدولي لتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جانب تأهيل المعلمين لدعم هذه الفئة وتمكينهم من الالتحاق بسوق العمل، مؤكدا على أن دمج فئة ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم تمثل أولوية للدولة المصرية.

وفي مجال التعليم الفني، ناقش وزير التربية والتعليم والتعليم الفني خطط التعاون للتوسع في انشاء مدارس تكنولوجية تطبيقية بالشراكة مع القطاع الخاص من الجانب الياباني، والإشراف على جودتها، وتوفير مناهج تعليمية متطورة تواكب احتياجات سوق العمل المصري والدولي.

مصر تمتلك أكبر نظام تعليمي قبل الجامعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

وأشار وزير التربية والتعليم والتعليم الفني ، خلال حديثه، إلى أن مصر تمتلك أكبر نظام تعليمي قبل الجامعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تضم أكثر من 25 مليون طالب، في جميع المراحل التعليمية، و843 ألف معلم وإداري، و60 ألف مدرسة.

كما وجهت السيدة كامي هاروكو، المديرة العامة لإدارة تنمية الموارد البشرية بوكالة التعاون الدولي اليابانية (JICA)، كلمة، أكدت خلالها على أهمية التعاون المصري الياباني في تطوير التعليم وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.  

كما تضمنت الندوة عرضًا حول المبادرة المصرية اليابانية للشراكة في التعليم، قدّمه الدكتور هاني هلال، الأمين العام للبرنامج، حيث استعرض أبرز إنجازات المشروع والتحديات التي تواجهه، بالإضافة إلى خطط التطوير المستقبلية.

وسلط الضوء على دور الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا (E-JUST) كنموذج رائد لهذا التعاون، وتضمن الاستعراض الإشارة إلى الحدث الهام الذي شهده يوم 16 سبتمبر 2020، حيث قام فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي بافتتاح الجامعة المصرية اليابانية، رافقه خلالها رئيس الوزراء الياباني و14 وزيرًا يابانيًا، ما يعكس عمق وأهمية التعاون المشترك بين البلدين.  

كما أشاد الدكتور هاني هلال بالدعم المستمر من الحكومة اليابانية، والذي يعكس التزام البلدين بتعزيز التعاون في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي

وشهدت الندوة أيضًا عروضًا تقديمية قدمها ممثلو عدة شركات يابانية بارزة، منها شركة "كاسيو"، حيث تحدثت السيدة ريحانة فاطمة عن دور الشركة في تطوير الأدوات التعليمية الرقمية، وشركة ياماها، التي استعرضت مشاريعها لنشر التعليم الموسيقي في المدارس، وشركة "سبريكس" SPRIX Inc، التي ناقشت تطبيقاتها الحديثة في التعليم الذكي.  

وتناولت الندوة أيضا المبادرات التي تعكس التزام اليابان بنقل خبراتها في التعليم إلى مصر، مما يعزز قدرات الطلاب المصريين في مجالات العلوم والتكنولوجيا، ويدعم جهود الحكومة المصرية في تطوير منظومة التعليم بما يتماشى مع المعايير العالمية.

مقالات مشابهة

  • تطوير مناهج التربية الفكرية وتأهيل المعلمين لدعم الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة بالمدارس
  • بعد تحقيق سعر الذهب مستوى تاريخي.. ماذا يحدث في السوق العالمي اليوم؟
  • مذيع يقوم بعمل مقلب في مروج الرحيلي ⁧.. فيديو
  • وزير الإسكان خلال ندوة «مستقبل وطن»: الحزب يقوم بدور بارز في دعم المواطن المصري
  • لتجنب معاناة دنيا سمير غانم في عايشة الدور.. 7 نصائح للموازنة بين الحياة الشخصية والعمل
  • سوق أهراس: الأمن يقوم بحملة للقضاء على التجار الفوضويين
  • معرض «قطاف» يستعرض إنجازات الدولة بقطاع الملكية الفكرية
  • وزير الاقتصاد: الإمارات نجحت في تطوير منظومة متكاملة لحماية حقوق الملكية الفكرية
  • وزير التعليم العالي يؤكد علي الدور الحيوي الذي تلعبه جامعة المنوفية في مجال التعليم والبحث العلمي
  • ماسك يجدد تحذيره من إمكانية إفلاس الولايات المتحدة