لجريدة عمان:
2025-07-11@03:28:50 GMT

الدور الوظيفي.. ماذا عن البنيوية الفكرية؟

تاريخ النشر: 11th, February 2024 GMT

يُنْظَرُ إلى البنيوية الفكرية على أنها مستوى عال في تنظيم تشابك العلاقات بين مجموعة من العناصر في بيئة ما، وهي تذهب أكثر إلى التركيبة النفسية أو الفكرية لذوات العلاقة بين المجموعات، أو حتى الأفراد، ولأنها ترتبط بالعامل النفسي أكثر منه بالعامل المادي، مع أهميته؛ إلا أنه يكون للدور الوظيفي شأن آخر عبر الممارسات التي يقوم بها كل من عليه وظيفة يقوم بها، وبالتالي فتجذر هذا الأمر «البنيوي» هو ما يذهب إليه الفهم في حقيقة الأمانة والصدق، وهما العاملان المهمان في انتزاع الفرد من حالته العامة والشائعة كأفراد في مجتمع، أو في مؤسسة، إلى حالته الخاصة في استنطاق مجموعة من المثل والقيم؛ ويأتي في مقدمتها الأمانة والصدق، ونصفها بالحالات الخاصة جدا، بمعنى أنه لا يمكن تعميمها من خلال قرار مسؤول أو نظام مؤسسة، بغية إنجاز عمل حقيقي دون أي خلل موضوعي لذات الوظيفة التي يعمل بها الفرد، ولهذا السبب يظهر الأفراد «مجموعة الموظفين في مؤسسة ما» غير متساوين في الأداء الوظيفي، وفي الهمة، وفي السرعة والدقة في الإنجاز،وعندما نرفع السقف أكثر، يمكن أن نقول: وفي احترام قوانين العمل، وفي احترام التراتبية الوظيفية للمسؤولية، واحترام الزملاء، وإنزال هيبة المؤسسة في النفس على أنها مصدر دخل سخرها الله تعالى لنا لنطعم منها أسرنا، وتقينا ذل السؤال والحاجة، وتعظيم شخصيتنا الطبيعية؛ حتى مع انتهاء صلتنا بهذه المؤسسة أو تلك، فعلى امتداد هذه المسافة يبقى للفعل البنيوي أثره الكبير في دعم الدور الوظيفي –هذا على مستوى مفهوم المؤسسة– بينما يقتضي الأمر أن الفعل البنيوي مستمرا مع كل صغيرة وكبيرة من الفعل البشري في حياة الإنسان اليومية، ومن هنا ينظر إلى أهمية الدور الكبير الذي تقوم به محاضن التربية في تنشئة الأفراد على معززات البنيوية الفكرية، حتى يكونوا أفرادا صالحين في مجتمعهم الصغير، وفي مجتمعهم الكبير، حيث الوطن بكل حمولته الحضارية والتاريخية والاجتماعية، والثقافية والاقتصادية؛ سواء بسواء، لا يشذ أحد من هذه الأبعاد عن الأخرى.

يَمْثُلُ الدور الوظيفي، وهو نتيجة حتمية للبنى الفكرية، كإحدى المهمات الأساسية لأية مؤسسة، أو مجموعة عمل، أو حتى على مستوى الفرد نفسه، يرجى من خلاله أن تكون هناك عوائد مادية أو معنوية مدخلة أو خارجة من شأنها أن تعظم من مستوى الإنتاج؛ لكي تبقى هذه المؤسسة أو تلك قادرة على الاستمرار في الإنتاج، ومحافظة على الدور الذي أسست له منذ البداية، ولأن المسألة لا تقتصر على مفهوم المؤسسة، كما جاء أعلاه، فإن ملامح الدور الوظيفي تظهر أثر المخزون المعرفي للبنى الفكرية عند كل شخص على حد، «فليس الفتى من قال كان أبي؛ إنَّ الفتى من قال ها أنا ذا» والـ«ها أنا ذا» لن تظهر على الواقع، ويشهد لها الناس بالكفاءة والتميز، إلا من خلال ما تقوم به من أدوار وظيفية ملموسة، سواء على مستوى مؤسسة، أو مستوى أسرة، أو مستوى مجتمع، أو مستوى فرد في تعظيم منجزاته المعبرة عن حركته واشتغالاته، بمعنى أن الدور الوظيفي الذي يقوم به فلان من الناس، هو الذي يحكم من خلاله على حقيقة «من هو فلان؟» وليس «من هو أبو فلان؟» أو من أي حاضنة وجاهية يتسلسل فلان؟» ولذلك كما يشار دائما؛ أن لا تأثير للبنى الفكرية للأفراد في المجتمعات التقليدية الممتدة، ولذلك تشهد ضعفا نوعيا في الإنتاج، بخلاف المجتمعات الحديثة التي تنتصر أكثر للطاقات الفردية، وتنميها، وتعزز من قيمتها المعرفية.

تحرص محاضن التربية المختلفة (الأسرة، المدرسة، المسجد، الحاضنة الاجتماعية الواسعة) على تأسيس وتنمية البنية الفكرية في مشروعاتها وبرامجها المختلفة، حيث يبدأ ذلك بالأعمار الصغيرة التي لا تزال فطرها الفكرية لم تتلوث بالكثير مما يدور من حولها فـ«العلم في الصغر؛ كالنقش على الحجر» وبالتالي فمتى تربت الناشئة على كثير من القيم السامية؛ كان ذلك بمثابة النور الذي تهتدي به طوال مسيرتها الإنسانية، مما يؤهلها لأن تلعب أدوارًا إيجابية على امتداد مساحة العمر، وأهم هذه المراحل عندما يصل إلى ذروة سنام العمر، حيث يتقلد الوظائف العامة والخاصة، ويكون أسرة، ويكون فردًا فاعلًا في المجتمع الذي يعيش فيه، هذا الحرص يؤسس لمرحلة وصول الفرد إلى الدور الوظيفي الذي سوف يقوم به عندما يكون مهيئا لذلك، بغض النظر عن مستوى الوظيفة التي سوف يقوم بها في المستقبل، ويبدأ التأسيس من المراحل الأولى لعمر الفرد حتى تترسخ هذه البنية الفكرية في نفسية هذا الفرد، وترويض شعوره الفطري لأن يتهيأ بذلك سواء للوظيفة المرتقب شغلها، أو لمختلف تفاعلاته مع من حوله في مجمل العلاقات التي يقيمها مع الآخرين في مختلف شؤون الحياة اليومية، فهو محتاج على امتداد مسيرة حياته لأن يكون صادقًا وأمينًا، وناصحًا، يحب لغيره ما يحبه لنفسه، ولا يرضى لغيره ما لا يرضاه لنفسه ولمجتمعه من حوله، وهذه المحاضن تستند في تربيتها البنيوية لتأصيل الفكر –بالنسبة للمسلمين– على نصوص القرآن الكريم ونصوص السنة الشريفة على صاحبها الصلاة والسلام – وعلى مجموعة من المثل والقيم الإنسانية، والمواقف الإيجابية، والقصص، وأحداث التاريخ، والتجارب التي تعبر عن القيم الإيجابية سواء في الماضي والحاضر، حيث يتم من خلال ذلك استنطاق المشاعر، ومخاطبة العقل والعاطفة في الوقت نفسه، بالإضافة إلى عمل اختبارات عملية ونظرية لترسيخ الفهم بصورة أكثر.

تعمل مجموعة من الأنظمة والقوانين على تأسيس بنيوية فكرية في كثير من الممارسات الوظيفية، وذلك بهدف النقاء، والصدق والأمانة، والحيادية التامة عن الوقوع في مطب الخاص، ومن ذلك «قسم اليمين» لعدد من الوظائف كقسم الطبيب، والقاضي، والعسكري، وأعضاء المجالس التشريعية، وعدد كبير من الوظائف التي تأخذ أهمية خاصة تتعلق بالعلاقة بين القائم بالوظيفة والجمهور العام، أو المتطلبات المهنية والإدارية لهذه الوظائف، وذلك كله لتحييد القائم بهذه الوظائف عن الوقوع إما في استغلال الوظيفة لخدمته الخاصة، أو لسرية شديدة الحساسية لمجموعة الممارسات لها، أو شيوع ممارساتها ليعلم بها القريب والبعيد؛ في الداخل والخارج، أو للمحافظة على أسرار الناس، هذا الإجراء «القسم» لا يهدف فقط لتحييد القائم بالوظيفة عن الإفصاح عما يقوم به من ممارسات تتطلبها الوظيفة، ولكن بالإضافة إلى ذلك هو تسكين، أو زرع، أو تأسيس لتموضع بينة فكرية في الذات النفسية لمجموع هؤلاء العاملين على اختلاف وظائفهم وممارساتهم.

ويأتي استخدام القسم –حسب فهمي الخاص لذلك– لتعظيم أمانة المسؤولية من خلال ربطها بالعلاقة مع الله، فالناس فيما بينهم، كثيرا، ما يتجاوزون مجموعة الالتزامات القائمة بينهم على اعتبار أن لا يعرف الآخر ما يقوم به الأول، والعكس صحيح أيضا، ولذلك يصبح هناك نوع من غض الطرف في جوانب هذه العلاقات؛ مع أن ذلك ليس من شيم الأمانة والصدق القائمة بين الناس، ولكنه يحدث وهذا من الضعف الموسوم به البشر، لكن العلاقة مع الله، يحسب لها كل الاحتمالات التي يمكن أن تكون، ولذلك فليس من السهولة بمكان أن يتجاوز الفرد عهدًا قطعه مع الله «مع سبق الإصرار والترصد» إلا في الحالات الاستثنائية التي يغيب فيها العقل عن الوعي التام للفرد، وبالتالي إن فشل هذا التأسيس في تعظيم البنية الفكرية لأهمية الذات الوظيفية، فإنه لا يستبعد أن يعود الإنسان إلى حالته المعتادة والمتقلبة بين القوة والضعف، وبالتالي؛ إن حدث ذلك بالفعل فإن هذا التأسيس تعرض لفشل ذريع، وهذا ما يحدث كثيرا في ممارسات الوظيفة على وجه الخصوص؛ كالطبيب والمحامي والعسكري، والمسؤول في الوظائف الكبيرة والحساسة، وغيرهم من الذين تتطلب أعمالهم مستوى معين من السرية وأمانة المسؤولية؛ عندما لا يلتزمون بما تعهدوا عليه أمام الله أولا، وأمام مسؤوليات الوظيفة ثانيا، وأمام مجتمعهم الذي شهد عليهم بهذا القسم ثالثا، ولن يعود هذا الفشل فقط على ضعف تأسيس البنى الفكرية عند الفرد، وإنما تتداخل فيه عوامل ذاتية خارجة عن نطاق السيطرة، حيث يصعب ترويض النفس بصورة مطلقة عند الجميع.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مجموعة من من خلال

إقرأ أيضاً:

الإفتاء: سرقة الملكية الفكرية جريمة شرعية وأكل لأموال الناس بالباطل

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالًا من أحد المواطنين بشأن الموقف الشرعي من سرقة الملكية الفكرية والعلامات التجارية الأصلية المسجلة، وفتح محلات تجارية تبيع منتجات مقلدة على أنها أصلية، وما يترتب على ذلك من ضرر على أصحاب هذه الحقوق وسمعتهم، وما هي العقوبات الشرعية المناسبة لمن يرتكب مثل هذا الفعل.

أوضح السائل أن الشريعة الإسلامية وضعت ضوابط صارمة لحماية الحقوق، وأن تحريم السرقة جاء بنصوص واضحة في القرآن والسنة، وتساءل عن مدى اعتبار سرقة الحقوق الفكرية والعلامات التجارية المسجلة من صور السرقة المحرمة، خاصةً في ظل ما تسببه من ضرر مباشر لأصحابها، وخداع متعمد للمستهلك.

وفي ردها، أكدت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمي أن الحقوق الفكرية والعلامات التجارية المسجلة تعد من الحقوق الثابتة لأصحابها شرعًا وعرفًا، ولها حكم المال المملوك، وبالتالي يسري عليها ما يسري على الأموال الخاصة من أحكام شرعية، من بينها جواز الانتفاع بها، وجواز بيعها إذا خلت من التدليس، وحرمة استخدام الغير لها بغير إذن من مالكها، وتحريم الاعتداء عليها أو تزويرها أو استغلالها بالكذب.

هل الصدقة لغير الفقير تحتسب؟ .. دار الإفتاء تجيبهل يوجد فضل في زيارة أضرحة ومقامات آل البيت.. دار الإفتاء تجيب

وأضافت الدار أن أي صورة من صور التعدي على هذه الحقوق تُعد أكلاً لأموال الناس بالباطل، وهي محرمة شرعًا، ولا يجوز تبريرها بأي ذريعة، لأنها تلحق الضرر بأصحابها وتفوت عليهم منافعهم المالية، وقد تؤثر على سمعتهم ومكانتهم في السوق.

أما بخصوص العقوبات، فذكرت دار الإفتاء أن الأصل في معاقبة المعتدين على هذه الحقوق هو ضمان التلفيات، وتقدير حجم الضرر الواقع على أصحاب العلامات الأصلية، ويكون ذلك من اختصاص القاضي، استنادًا إلى تقارير أهل الخبرة.

 كما أشارت إلى أنه يمكن لولي الأمر أن يفرض عقوبات تعزيرية رادعة، بحسب ما تقتضيه المصلحة العامة، وذلك حماية للحقوق ومنعًا لانتشار الغش والخداع التجاري.

طباعة شارك الإفتاء سرقة الملكية الفكرية أكل لأموال الناس بالباطل دار الإفتاء

مقالات مشابهة

  • رئيس الوزراء يثمن الدور المحوري الذي تقوم به الصين في دعم جهود التنمية في مصر
  • تزايد عمليات الاحتيال الوظيفي.. احمِ نفسك بهذه النصائح
  • الزهراني: لا أحد يقوم بعمل المدير الرياضي في الهلال
  • حمدان بن زايد يقوم بجولة تفقدية في مدينة السلع ويلتقي المواطنين
  • ناقد رياضي: هناك وكيل لاعبين يقوم بعمل مسابقات وهمية للجمهور احذروه
  • الإفتاء: سرقة الملكية الفكرية جريمة شرعية وأكل لأموال الناس بالباطل
  • «الإمارات للملكية الفكرية» تشارك في عمومية «الوايبو».
  • بن حبتور يطلّع على معرضي صنعاء التعليمي والتوعوي عن مخاطر المخدرات
  • اجتماع في البيضاء يناقش آليات تعزيز الأداء ومستوى الانضباط الوظيفي
  • مفتي الجمهورية: النيابة الإدارية صمّام أمان لمواجهة مظاهر الفساد والانحراف الوظيفي