عواصم «وكالات»: تعهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بتوفير «ممر آمن» للمدنيين قبل شنّ عملية عسكرية في رفح وسط تحذيرات ومخاوف دولية متزايدة من هجوم على المدينة الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة، وأصبحت الملاذ الأخير لأكثر من مليون نازح جراء الحرب.

في هذه الأثناء حذرت حركة المقاومة الفلسطينية حماس اليوم إسرائيل من أنّ أي عملية عسكرية قد تشنّها على مدينة رفح، ستؤدي إلى «نسف مفاوضات» التبادل بين الرهائن الإسرائيليين والمعتقلين الفلسطينيين، وكانت الحركة قد حذّرت اليوم من «كارثة» في رفح بحال شنّت إسرائيل عملية برية.

قال مصدر قيادي في حركة حماس، اليوم: إن «أي هجوم لجيش الاحتلال الإسرائيلي على مدينة رفح يعني نسف مفاوضات صفقة تبادل الأسرى».

وذكر المصدر، في تصريحات لقناة «الأقصى» الفلسطينية اليوم، أن (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) «نتانياهو يحاول التهرب من استحقاقات صفقة التبادل بارتكاب إبادة جماعية وكارثة إنسانية جديدة في رفح».

وأضاف: «ما لم يحققه نتانياهو وجيشه النازي خلال أكثر من أربعة أشهر لن يحققه مهما طالت الحرب».

بدوره، قال مصدر قيادي في الفصائل الفلسطينية لـ «وكالة شهاب للأنباء»، إنه «أمام تهديدات الاحتلال بعملية عسكرية برفح فإن الدور المصري هو الأكثر أهمية لوقف العدوان وخاصة أن العملية تمس الأمن القومي المصري».

ودعا المصدر «القيادة المصرية لزيارة الحدود الفلسطينية المصرية للاطلاع بشكل مباشر على المخاطر التي تمس الأمن القومي العربي»، مطالبا «القيادة المصرية بالتحرك فورًا لإحباط العملية العسكرية ومخططات الاحتلال النازي».

وأشار إلى أن «تهديدات الاحتلال بالعملية العسكرية لرفح يعرض أكثر من مليون ونصف مليون نازح للإبادة الجماعية، لافتا إلى أن «المعركة ستكون على أبواب مصر وهذا سيهدد السيادة المصرية وأمنها القومي».

وأوضح أن «العملية الصهيونية النازية على رفح ستكون لها ارتدادات كبيرة على المنطقة بأسرها»، محذرا من «تنفيذ مخططات الاحتلال بتهجير شعبنا، ونؤكد بأن شعبنا في غزة لن يقبل التهجير لا قسرًا ولا طوعًا وسيبقى ثابتًا على أرضه ولن يعود إلا لدياره التي هُجّر منها».

من جهة أخرى، حضت فرنسا اليوم إسرائيل على وقف المعارك في قطاع غزة تجنبا «لكارثة»، مبدية قلقها الشديد بعد الضربات الإسرائيلية التي طالت مدينة رفح في أقصى جنوب القطاع المدمر.

وقال مساعد المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان في بيان مكتوب إن «هجوما إسرائيليا واسع النطاق على رفح سيؤدي إلى وضع إنساني كارثي ذي أبعاد جديدة وغير مبرر»، مضيفا «بهدف تجنب كارثة، نكرر دعوتنا إلى وقف المعارك».

وأشارت باريس إلى أنّ «رفح هي اليوم مكان يلجأ إليه أكثر من 1,3 مليون شخص»، موضحة أنّها «أيضا نقطة عبور حيوية لإيصال المساعدات الإنسانية لسكّان غزة»، وفقا لمساعد المتحدث باسم وزارة الخارجية.

وتابع كريستوف لوموان «في غزة، كما في أي مكان آخر، تعارض فرنسا أيّ تهجير قسري للسكان، وهو ما يحظره القانون الإنساني الدولي»، مشددا على أنّ «مستقبل قطاع غزة وسكّانه لا يمكن أن يكون إلّا جزءا من دولة فلسطينية تعيش بسلام وأمن إلى جانب إسرائيل».

وباتت رفح محور الترقب بشأن المرحلة المقبلة، خصوصا بعد تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي هذا الأسبوع أنه أمر الجيش بالتحضير لعملية فيها.

وصدرت مواقف عدة في السياق التحذيري، أبرزها على الصعيد الدولي من الولايات المتحدة الحليفة لإسرائيل، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، إضافة إلى دول عربية تتقدمها السعودية والأردن وقطر والأردن.

كما أعربت عدد من الدول العربية عن «قلقها الشديد» إزاء «الانعكاسات الإنسانية الخطيرة» التي قد تتسبّب بها العملية العسكرية.

وأدانت منظمة التعاون الإسلامي «محاولات التهجير القسري للشعب الفلسطيني من أرضه».

وفي طهران، دعا الرئيس إبراهيم رئيسي إلى «طرد» إسرائيل من الأمم المتحدة، مؤكدا أنّ «ما يحدث في غزة اليوم هو جريمة ضدّ الإنسانية».

وكان مكتب نتانياهو أكد الجمعة أنه أمر الجيش بـ«تقديم خطّة لإجلاء السكّان والقضاء على كتائب» حماس في رفح.

تصاعد أعمدة الدخان في خان يونس

وعلى بعد بضعة كيلومترات إلى الشمال في خان يونس، أحد معاقل قيادة حماس حيث يتعقب الجيش الإسرائيلي مقاتليها منذ عدة أسابيع، يبدو القتال أكثر حدّة. وسمع مراسلو وكالة فرانس برس دوي انفجارات متواصلة وطائرات تحلّق في سماء المدينة، كما رأوا عدة أعمدة من الدخان الأسود تتصاعد من المدينة وضواحيها.

ويأتي ذلك فيما أفاد الهلال الأحمر الفلسطيني عن «أضرار في بوابة ومبنى مستشفى الأمل بخان يونس وخروج آخر سيارة إسعاف عن الخدمة جراء استهداف الاحتلال»، مشيرا إلى تواصل «سماع دوي الانفجارات في مدينة رفح خصوصا على مدينة خان يونس».

ويتزايد القلق بين المواطنين من شنّ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية في رفح.

وتجمّع العشرات في رفح قرب حطام سيارة دمّرها قصف إسرائيلي، وقال السكان إنها كانت تنقل عنصرين من الشرطة.

وفي سياق الإحصائيات اليومية في أعداد الشهداء، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، اليوم، ارتفاع حصيلة القصف الإسرائيلي إلى 28 ألفا و176 شهيدا و67 ألفا و784 مصابا منذ السابع من أكتوبر الماضي.

وقالت الوزارة، في منشور أوردته على حسابها بموقع «فيسبوك» اليوم: إن «الاحتلال الإسرائيلي ارتكب 14 مجزرة ضد العائلات في قطاع غزة راح ضحيتها 112 شهيدا و173 إصابة خلال الـ24 ساعة الماضية».

وأضافت أنه في «اليوم الـ128 للعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة ما زال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، ويمنع الاحتلال طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إليهم».

وقال محمد صيدم لفرانس برس «لم نعد قادرين. عندنا أطفال، عندنا نساء... قالوا رفح أمان. لا أمان في رفح، عن أي أمان يتحدثون؟ كل مكان يتم ضربه».

وأضاف «نريد للحرب أن تنتهي».

بدورها، قالت فرح محمد (39 عاما) وهي نازحة مع أطفالها الخمسة من شمال القطاع لمخيم يبنى غرب مدينة رفح، «لا أعرف أين نذهب، لا أملك نقودا للذهاب لوسط القطاع، كما أن الطريق خطير والموت في كلّ مكان».

في سياق متصل، أشار مكتب الإعلام الحكومي في غزة إلى أنّ «الاحتلال يمنع وصول الشاحنات إلى محافظة شمال غزة»، مؤكدا أنّ الوضع الإنساني هناك «تجاوز المرحلة الكارثية».

في غضون ذلك، قالت كتائب عز الدين القسام -الجناح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)- اليوم إن اثنين من المحتجزين الإسرائيليين قتلا وأصيب ثمانية آخرون بإصابات خطيرة جراء القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة خلال آخر 96 ساعة.

وأشارت عبر حسابها على تطبيق تيليجرام إلى أن المحتجزين المصابين «أوضاعهم تزداد خطورة في ظل عدم التمكن من تقديم العلاج الملائم لهم ويتحمل العدو المسؤولية الكاملة عن حياة هؤلاء المصابين في ظل تواصل القصف والعدوان».

وقال الأميرال دانيال هاجاري كبير المتحدثين العسكريين الإسرائيليين يوم الثلاثاء إن 31 من المحتجزين المتبقين لدى حماس في غزة لقوا حتفهم.

وذكر خلال إفادة إعلامية «أخطرنا 31 أسرة بأن أحباءهم الأسرى لم يعودوا بين الأحياء وأننا أعلنا وفاتهم».

وتقول إسرائيل إنه لا يزال هناك 136 محتجزا في غزة. وأصدرت جمعية نادي الأسير الفلسطيني بيانا اليوم قالت فيه إن عدد الفلسطينيين الذين اعتقلوا منذ السابع من أكتوبر وصل إلى 6950 شخصا.

إلى ذلك، أثار التلويح بعملية عسكرية وشيكة في رفح، قلق بعض الإسرائيليين من تأثير ذلك على الرهائن الذين ما زالوا محتجزين في القطاع.

وقال جيل غوردون لوكالة فرانس برس مساء السبت خلال تظاهرة في تل أبيب «من الواضح أنّ نتانياهو يطيل أمد الحرب، وليس لديه أيّ فكرة عما سيفعله في اليوم التالي». وأضاف «إنه يكتفي بقول لا... وليس لديه حلّ آخر غير الحل العسكري».

بدورها، قالت أورلي زينغر (55 عاما) «كيف يمكن التفكير أن تهجير 1,4 مليون شخص من رفح هو أمر منطقي؟ هذا عبثي. لا أعتقد أنه أمر قابل للتحقيق. من المحزن أن نرى إلى أي مدى وصلنا».

ونزل إسرائيليون إلى شوارع تل أبيب ليل أمس للمطالبة بتأمين الإفراج عن الرهائن واستقالة نتانياهو.

وأتاحت هدنة لأسبوع أواخر نوفمبر، الإفراج عن أكثر من مائة رهينة لقاء إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

وتتواصل الجهود الدبلوماسيّة للتوصّل إلى هدنة جديدة تتيح تبادل الرهائن والمعتقلين وزيادة المساعدات.

في الرباط، تظاهر آلاف المغاربة اليوم تعبيرًا عن دعمهم للشعب الفلسطيني ومطالبين بإنهاء تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل ومنددين بـ«إبادة» في قطاع غزة.

لاجئون فلسطينيون يخشون إغلاق الأونروا

وتفاعلا مع الأحداث الأخيرة والاتهامات الإسرائيلية، يخشى فلسطينيون يقطنون مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية المحتلة ويعتمدون على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في التعليم والرعاية الصحية من توقف الخدمات الأساسية مع تعليق عدة دول مانحة تمويلها للوكالة وسط اتهامات لموظفين فيها بالمشاركة في هجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر.

وينصب معظم التركيز بشأن مصير الوكالة على عملياتها الطارئة في غزة التي دمرتها الحرب حيث تؤدي دورا حاسما في جهود الإغاثة لسكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.

لكن الوكالة تعد أيضا شريان حياة للاجئين الفلسطينيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك الضفة الغربية حيث تخدم أكثر من 870 ألف شخص، وتدير 96 مدرسة و43 منشأة أولية للرعاية الصحية.

وقال محمد المصري، أحد سكان مخيم الدهيشة للاجئين قرب بيت لحم، «إذا تم إلغاء الأونروا، ستتوقف أي مساعدة للمواطنين، بالأخص المخيمات، لأنها تعتمد على مساعدات الأونروا ولا يوجد أي مساعدات خارجية».

وأعلنت الأونروا الشهر الماضي فصل بعض موظفيها بعد اتهامات إسرائيلية بأن 12 من الموظفين، وعددهم 13 ألفا في غزة، شاركوا في هجوم السابع من أكتوبر الذي شنه مسلحو حماس على بلدات حدودية إسرائيلية.

المنظمة البحرية: تعمل «بلا كلل»

وفي سياق الهجمات في البحر الأحمر، أكد رئيس المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة أرسينيو دومينغيز في مقابلة مع وكالة فرانس برس أنّ المنظمة تعمل «بلا كلل» على إيجاد حل للأزمة في البحر الأحمر التي تؤثر على حركة نقل البضائع عالميا.

منذ 19 نوفمبر، نفّذ جماعة أنصار الله عشرات الهجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب يشتبهون بأنها مرتبطة بإسرائيل أو متّجهة إلى موانئها، ويقولون إن ذلك يأتي دعمًا لقطاع غزة الذي يشهد حربًا بين حركة المقاومة الفلسطينية حماس وإسرائيل منذ السابع من أكتوبر.

وتوثر هجمات جماعة أنصار الله على حركة الملاحة في المنطقة الاستراتيجية التي يمرّ عبرها 12 بالمائة من التجارة العالمية، وتسبّبت بتحويل العديد من شركات الشحن مسار سفنها إلى رأس الرجاء الصالح، في أقصى جنوب إفريقيا، ما يطيل الرحلة بين آسيا وأوروبا لمدة نحو أسبوع.

وشدّد دومينغيز على أن «هذا الحل ليس الأمثل» للشركات؛ لأنه يزيد تكلفة النقل، وبالتالي يرتفع سعر المنتجات المنقولة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السابع من أکتوبر عملیة عسکریة مدینة رفح قطاع غزة أکثر من فی رفح فی غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

فضيحة “الدرونز” التي كشفت مشاركة فرنسا في إبادة غزة

#سواليف

في ليلة 17 يوليو/تموز 2014، كانت عائلة شحيبر التي تنحدر من #غزة على موعد مع حادث أليم ومُعتاد في #فلسطين المحتلة، حيث قصف #جيش_الاحتلال منزلهم. أما الهدف الإستراتيجي، فتمثل في قتل عدة أطفال: أفنان (8 سنوات)، ووسيم (9 سنوات)، وجهاد (10 سنوات)، الذين استُشهِدوا وهم يُطعِمون الحَمام على سطح المنزل، فيما تسبب القصف في استشهاد طفلين آخرين.

بعد القصف مباشرة، بدأت منظمتان حقوقيتان هما “الميزان” الفلسطينية و”بتسيليم” الإسرائيلية في البحث عن السبب الحقيقي وراء الاستهداف، لكنها خلصت إلى عدم وجود أي هدف عسكري في منزل شحيبر حسب ما أكدته الأمم المتحدة نفسها بعد ذلك في تقرير نشرته في يونيو/حزيران 2015.

هناك سؤال ثانٍ كان يؤرق المحققين المستقلين حيال #السلاح الذي استُخدِم في القصف، وما أثار الاهتمام في أثناء تنقيب المحققين هو أسطوانة سوداء حملت نقوشا مسحها الانفجار جزئيا وعليها كُتب “أوروفارد ـ باريس ـ فرنسا”.

مقالات ذات صلة حالة الخوف تدفع الذهب إلى مزيد من الصعود 2025/04/05

بسبب هذا الاكتشاف رفعت أسرة شحيبر دعوى في فرنسا ضد شركة “إكسيليا”، بسبب تواطؤها المحتمل في جريمة حرب اقترفتها إسرائيل في عملية “الجرف الصامد”. تقول هذه الأسطوانة الكثير عن الدعم العسكري والتقني الفرنسي لصالح جيش الاحتلال، وأحدث فصل فيه ما كشف عنه موقع “ديسكلوز” في تحقيق يورط فرنسا في #جرائم_إسرائيل في حق أهل غزة أثناء #حرب_الإبادة الدائرة حاليا.

رمادية فرنسية

قبل انطلاق الحرب على غزة يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كانت فرنسا رسميا وإعلاميا أيضا تصرح بالدعم الكامل لجيش الاحتلال للرد على ما حدث في السابع من أكتوبر. لكن إسرائيل حولت هذا الزخم الغربي من التعاطف إلى الإقدام على #جرائم حرب يصعب إخفاؤها.

بدأ التوجس يجد طريقه إلى أروقة الداعمين الغربيين، خصوصا مع ارتفاع الأصوات الرافضة للإبادة في الرأي العام الغربي، ومحاولاته الضغط على صناع القرار لوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل.

في فرنسا، سبق أن وجَّه 115 برلمانيا في أبريل/نيسان من عام 2024 رسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مطالبين إياه بإيقاف مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، لأن أي تحرك عكس ذلك يعني ضلوع باريس في الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.

قبل ذلك بأيام، كان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد أصدر قراره بحظر تصدير الأسلحة إلى دولة الاحتلال، وصوَّتت 28 دولة لصالح هذا القرار، فيما اعترضت 6 دول على رأسها الولايات المتحدة وألمانيا، أما فرنسا فوجدت لنفسها مكانا مريحا في المنطقة الرمادية التي جلست فيها 13 دولة من الممتنعين عن التصويت.

يتسق موقف فرنسا من هذا القرار الأممي مع موقفها العام حيال حرب غزة، وملف تزويد إسرائيل بالأسلحة، أو ببعض القطع التي تستعملها تل أبيب في صناعة أسلحتها التي توجهها في الغالب نحو الفلسطينيين العُزّل.

منذ بداية الحرب على غزة، سلكت فرنسا مسلكا يرقص على جميع الحبال، فهي لم تعلن قطع أي تعامل عسكري مع دولة الاحتلال، لكنها في الوقت نفسه نزلت بهذا التعاون إلى أقل درجة ممكنة، بحيث تحافظ على خيط رفيع يربطها بتل أبيب، مع بذل كل الجهد المطلوب للمحافظة على هذا الخيط من الانقطاع.

موضوعيا، لا تُمثِّل تجارة الأسلحة بين فرنسا وإسرائيل إلا 0.2% فقط من 27 مليار يورو من صادرات باريس إلى دول العالم التي يمكنها استعمالها عسكريا أو في مجالات تقنية أخرى وتكون غالبا مجرد قطع غيار، حسب تصريح سيباستيان ليكورنو، وزير القوات المسلحة الفرنسي.

لا تمانع فرنسا من تبادل المساعدة مع الإسرائيليين فيما يخص بيع الأسلحة، لكن المساعدة تخضع لحسابات أخرى أفصحت عنها مصادر لصحيفة “لوموند” أثناء التحقيق الذي نشرته الجريدة الفرنسية عام 2021 حول برنامج “بيغاسوس” للتجسُّس، حيث يقول المصدر: “نحن قريبون من الإسرائيليين بمسافة تسمح لنا أن نعرف ماذا يفعلون، لكن في الوقت ذاته، لدى فرنسا رغبة واضحة في عدم مساعدة إسرائيل في أي عمليات تقوم بها في غزة، لذلك لا نريد أخذ أي مجازفة في إرسال بعض الأسلحة التي قد تُستعمل في ذلك”.

أسلحة فرنسا.. للدفاع فقط

في تقرير لها في 28 أبريل/نيسان الماضي، أفادت صحيفة “لوموند” أن فرنسا حتى قبيل الحرب الأخيرة على غزة كانت تزود إسرائيل بقطع ضرورية لصنع القذائف المدفعية، لكن في أكتوبر/تشرين الأول 2023، قررت باريس وقف العقود الخاصة بهذه القطع.

وتشير تقارير البرلمان الفرنسي الصادرة عام 2023 إلى أن فرنسا أرسلت إلى إسرائيل عددا من المعدات الخاصة بتدريع السيارات والمراقبة عبر الأقمار الصناعية.

بعيدا عن المعلومات التي جاءت في وسائل الإعلام الفرنسية، ثمَّة أخبار أخرى أكثر لفتًا للأنظار، منها التحقيق الاستقصائي الذي نشره موقع “ديسكلوز” الفرنسي في مارس/آذار 2024، وقال إن باريس سمحت في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2023 بإرسال شحنة تضم ما لا يقل عن 100 ألف خرطوشة (ما يغلّف الطلقة)، انطلقت من مرسيليا عبر شركة “أورولينكس” الفرنسية المتخصصة في صناعة المُعدات العسكرية.

يشير التحقيق إلى أن حجم الشحنة وصل إلى 800 كيلوغرام من الذخائر أُرسِلَت إلى شركة “آي إم آي سيستمز” الإسرائيلية، المُزوِّد الحصري للجيش الإسرائيلي لهذا النوع من الذخائر، ويتعارض هذا التمويل المباشر مع تأكيد باريس عبر قياداتها السياسية أن الأسلحة والمعدات الدفاعية فقط هي ما تصل إلى تل أبيب.

فضيحة المُسيَّرات

مع جولة خفيفة في مواقع التواصل الاجتماعي للعالقين في غزة، نجد أن صوت الخلفية المشترك بين الفيديوهات يغلب عليه ضجيج الطائرات المُسيَّرة، أو ما ُسميه أهل غزة بـ “الزنّانات”.

شكَّلت حرب غزة فرصة لإسرائيل لتفعيل الكتيبة 166 التي تحمل اسم “سرب الطيور النارية”، بحسب ما نشر موقع “إسرائيل ديفِنس”، والهدف من هذه الطائرات هو مراقبة غزة، ثم تنفيذ الضربات. وضمن هذا السرب هناك الطائرة “هيرميس 900” التي يصل طولها إلى نحو 15 مترا، وهي قادرة على الطيران لمدة 30 ساعة متواصلة، وعلى ارتفاع 9000 متر.

لا يحتاج الضباط الذين يوجِّهون هذه الطائرات إلا إلى غرفة تحكم تبعد مئات الكيلومترات عن مسرح العمليات، ثم تنفيذ الضربات مستفيدين من الدقة الكبيرة التي توفرها هذه الطائرات الحديثة، حيث بإمكانها مثلا الإجهاز على سائق سيارة على بُعد 5 أو 10 أمتار دون إصابة أي راكب آخر في السيارة نفسها، رغم أن الاستعمال الإسرائيلي لهذه الأسلحة لا يهتم كثيرا بالقتلى المدنيين.

في تحقيق جديد حول صفقات السلاح بين فرنسا وإسرائيل، نشر موقع التحقيقات الفرنسي “ديسكلوز” وثائق تُثبت تورط شركة “تاليس” الفرنسية، التي تمتلك الدولة 26% من أسهمها، في تسليم إسرائيل مجموعة معدات إلكترونية تساعد في جمع قطع طائرة “هيرميس 900″، من بينها قطعة “TSC 4000 IFF”، وهي تساعد هذه المُسيَّرات على تجنُّب الصواريخ والمُسيَّرات “الصديقة” التي قد تعترض طريقها، حتى لا تسقط الصواريخ الموجهة نحو الفلسطينيين على الإسرائيليين أنفسهم.

يشير التحقيق إلى أن 8 قطع من هذه الأجهزة أُرسِلَت فعلا إلى إسرائيل بين ديسمبر/كانون الأول 2023 ومايو/أيار 2024، أي بعد أشهر من انطلاق العمليات الإسرائيلية في غزة.

ويسلط التحقيق الضوء على إشكالية مراقبة العقود السرية التي تعقدها الجهات العليا الفرنسية مع بعض الدول ومن بينها إسرائيل، وذلك رغم خروج وزير الدفاع الفرنسي يوم 20 فبراير/شباط 2024 أمام البرلمان مؤكدا أن جميع القطع التي تُرسَل إلى إسرائيل عبارة عن معدات يُتأكَّد من نوع الآليات التي تُستَعمل فيها.

يعود هذا التعاقد السري بين فرنسا وإسرائيل إلى 2 مارس/آذار 2023، حين اشترت شركة “إيلبيت سيستيمز” الإسرائيلية المصنعة لطائرات “هيرميس 900” ثماني قطع إلكترونية بمبلغ 55 ألف يورو للقطعة الواحدة من جهات فرنسية (440 ألف يورو إجمالا). وصل الطلب بعد أسابيع من انطلاق الرد الناري على هجمات 7 أكتوبر، في الوقت الذي كانت تحذر فيه الأمم المتحدة من أن النيران الإسرائيلية غالبا ما تطول النساء والأطفال الرضع.

ورغم ذلك، يقول موقع “ديسكلوز” إن وزارة الدفاع الفرنسية لم تحترم الاتفاقيات التي وقَّعت عليها بعدم بيع أسلحة لجهات تستهدف المدنيين، بل واصلت دعم تحركات حكومة نتنياهو في تدمير قطاع غزة.

كانت فرنسا قد واجهت في وقت سابق دعوة من 11 منظمة حقوقية تتزعمها منظمة العفو الدولية “أمنستي” بسبب إرسالها أسلحة إلى تل أبيب، مع العلم أن الأخيرة لا تجرب أسلحتها ولا الأسلحة التي تحصل عليها من حلفائها إلا في مواجهة الفلسطينيين.


سكوربيون

تجمع فرنسا وإسرائيل علاقة تسليح وتكنولوجيا وطيدة، ويكشف تحقيق مهم لموقع “أوريان 21” عن العلاقة بين جيش الاحتلال وجهاز الدفاع الفرنسي، وعن الغموض الكبير الذي يكتنف هذه العلاقة، التي تشهد تعاونا بين الفرنسيين والإسرائيليين على حروب المستقبل التي سيكون أبطالها الروبوتات والطائرات المُسيَّرة.

تمتاز العلاقات بين فرنسا وإسرائيل بنوع من الودية، وإن كانت قد تعكرت في الفترة الأخيرة، بيد أن الأمر ليس بذلك الوضوح أو الشفافية فيما يتعلق بالجانب العسكري، لأن العلاقة تتأرجح بين الود والمنافسة، بل تصل أحيانا إلى الاختراق. لا يحب الفرنسيون الطريقة التي يتعامل بها الإسرائيليون في مجال الصناعات العسكرية، فهم يكسرون الأثمان بهدف الاستيلاء على أسواق السلاح.

وليس هذا فحسب، بل أصبح جيش الاحتلال منذ سنوات يتوجه إلى أهم الأسواق التقليدية التي كانت فرنسا تتمتع بالأفضلية المطلقة فيها لينافسها هناك، وهي سوق أفريقيا.

منذ اتفاق أوسلو، استثمرت إسرائيل كثيرا في القارة السمراء، خصوصا في مجال حماية الأنظمة القائمة. وفي السياق نفسه، حافظ الإسرائيليون رغم ذلك على نوع من التعاون مع الفرنسيين كما حدث في الكاميرون، حيث دعموا الجيش الكاميروني للقتال ضد جماعة “بوكو حرام”، وأقدم مرتزقة إسرائيليون على تأطير كتيبة التدخل السريع، التي تعمل تحت قيادة الرئاسة مباشرة، وجهز الإسرائيليون كتيبة التدخل السريع ببنادق كانت حتى الأمس القريب لا تأتي إلا من الصناعة الفرنسية.

تجاوز تأثير السلاح الإسرائيلي رعايا فرنسا السابقين من الأفارقة إلى فرنسا نفسها. وصحيح أن جيش الاحتلال منذ بدء عدوانه الغاشم على غزة قد استعان بكل مَن له إبرة يمكنها أن تغطي حاجتها العسكرية لإبادة غزة وسكانها، إلا أن الإسرائيليين في الظروف العادية يؤثّرون بالفعل في مجال التسليح والدفاع الفرنسي، مع أن العكس ليس صحيحا بالضرورة.

ففي خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كانت فرنسا هي التي تبيع الأسلحة لجيش الاحتلال، أما اليوم، فأضحت تل أبيب تبيع لباريس، إذ استوردت فرنسا أنظمة المراقبة الإلكترونية والمُسيَّرات، وحتى الجنود الآليين. ولا يُخفي الفرنسيون انبهارهم بالتكنولوجيا الإسرائيلية، وبالقليل من البحث، يمكننا الوصول إلى بعض نتائج هذا التعاون الخفي، أما الفاكهة المسمومة الأكثر نضجا هي “برنامج سكوربيون”.

لا يعلم الفرنسيون الكثير عن برنامج خفي يسمى “تآزر الاتصال المعزز بتعدد الاستخدامات وتثمين المعلومات”، المعروف اختصارا بـ”سكوربيون”، وهو برنامج “ذكي” سيدخل في قلب إستراتيجية القوات البرية الفرنسية للعقدين المقبلين.

أهم نقطة في برنامج “سكوربيون” هي تطوير قيادة رقمية واحدة تعتمد على وصلة مشتركة، تسمح للجنود المختلفين والأدوات العسكرية المنتشرة، وبالخصوص المُسيَّرات والروبوتات، بالاتصال في وقت واحد لاستباق أي ردود فعل يقوم بها العدو المفترض.

لذا، سيتمكن الجندي الفرنسي من الحصول على جميع هذه المعلومات عبر مواقع “جي بي إس” خاصة بالبرنامج، الذي عملت عليه شركة “إلبيت” الإسرائيلية، من أجل حرب “بدون ضوضاء”، وبحيث يُتيح هذا النظام الاستباقي لفرنسا أن تتجنَّب مقتل العديد من جنودها عبر قراءة التحركات الاستباقية لعدوها.

عمل جيش الاحتلال على تطوير تقنياته عبر تجريبها في غزة وفوق جثث أهلها، ولذلك تمكن من التقدم في نقاط ثلاث: أولها محو أصوات محركات المُسيَّرات، وثانيها تصغير حجمها وتطويرها بحيث يماثل حجمها حجم الحشرات، وأخيرا القضاء على أي آثار رقمية لها مع تحديد إشارات العدو.

كل هذا وأكثر يوجد في برنامج “سكوربيون” الذي لا تقتصر أهميته في الصناعة الفرنسية على الاستخدام، بل تتجاوزه إلى التصدير، حيث أبدت بعض الدول، ومنها دول عربية، حماسها الشديد للحصول عليه، وهو برنامج وصل بالطبع، قبل كل هؤلاء المشترين، إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وبذلك يبدو الموقف “المحايد” الذي تحاول القيادة السياسية في فرنسا اتخاذه من حرب الإبادة الحالية، موقفا لا تعضده مواقف الجانب العسكري، الذي بات بصورة أو بأخرى جزءا من هذه الحرب، وجزءا من آلة القتل التي تحرق وتدمر يوميا كل ما تطاله دون رادع.

مقالات مشابهة

  • عبد الرحيم علي: الوحدة الوطنية الفلسطينية هي الحل.. ولا مجال للحرب بالنيابة عن الشعب الفلسطيني
  • بعد تطويقها بالكامل.. الاحتلال الإسرائيلي ينفذ إبادة جماعية في غزة
  • الإمارات تنقل التحريض ضد المقاومة الفلسطينية إلى ساحة الأمم المتحدة
  • النزوح أو الموت.. برلماني: أين المجتمع الدولي وإسرائيل تشن حرب إبادة جماعية في غزة؟
  • العسال: إسرائيل تشن حرب إبادة جماعية لقطاع غزة والمجتمع الدولي يغض بصره
  • برلماني: إسرائيل تشن حرب إبادة جماعية لقطاع غزة والمجتمع الدولي يتفرج
  • فضيحة “الدرونز” التي كشفت مشاركة فرنسا في إبادة غزة
  • فضيحة الدرونز التي كشفت مشاركة فرنسا في إبادة غزة
  • باحث: الاحتلال يرتكب إبادة جماعية في غزة لخدمة بقاء نتنياهو السياسي
  • باحث: الاحتلال يرتكب إبادة جماعية بغزة لخدمة بقاء نتنياهو السياسي