السودان: نائب والي جنوب كردفان يستقيل من منصبه ويصف «مالك عقار» بـ «بوق الفلول»
تاريخ النشر: 11th, February 2024 GMT
أوضح نائب الوالي أن دافعه وراء هذه الاستقالة هو تأكيد وتجديد مواقفه المُنحازة لإيقاف الحرب ولثورة ديسمبر وخيار إستعادة التحول المدني الديمقراطي.
الخرطوم: التغيير
أعلن نائب والي ولاية جنوب كردفان محمد علي محمد، استقالته من منصبه احتجاجاً على تبدل مواقف رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) مالك عقار، من العمل على وقف الحرب إلى “بوق للفلول وداعية حرب من أجل تحقيق مصالح ذاتية وشخصية” على حد تعبيره.
وتم تعيين نائب الوالي الذي ينتمي لتنظيم الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار، وفقاً لبنود اتفاق السلام الموقع بين الحكومة الإنتقالية والجبهة الثورية – التي تضم الحركة – في أكتوبر من العام 2020.
وجرى تداول استقالة على مواقع التواصل الإجتماعي اليوم السبت، منسوبة لنائب الوالي جاء فيها: “منذ بداية الحرب إلى يومنا هذا، انا ضد الحرب ومع ايقافها لتخفيف معاناة الشعب السوداني”.
وتابع: “وصلت لقناعة بأن الأمور لم تُعد تجري كما تمنيتها، حيث تحول مالك عقار من مناضل من أجل قضايا المهمشين الذين تضرروا من (القصف الجوي والمدفعي) نتيجة الحروب الطويلة التي شنّتها الدولة على مواطنيّها بمختلف أنحاء البلاد، إلى بوق للفلول وداعية حرب من أجل تحقيق مصالح ذاتية وشخصية بشكل أناني و نرجسي”.
وأوضح نائب الوالي أن دافعه وراء هذه الاستقالة هو تأكيد وتجديد مواقفه المُنحازة لإيقاف الحرب ولثورة ديسمبر وخيار إستعادة التحول المدني الديمقراطي.
وأضاف: “إتساقاً مع مواقفي السابقة رفضت التماهي مع دعاة الحرب، وإستمراري مع (حكومة الحرب) التي يُهيمن عليها الفلول في بورتسودان”.
يُشار إلى أن رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) مالك عقار، يشغل منصب نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، حيث جرى تعيينه في مايو من العام الماضي بواسطة رئيس المجلس عبدالفتاح البرهان، خلفاً لمحمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي يخوض حرباً ضد الجيش منذ منتصف أبريل 2023.
الوسوماتفاق جوبا لسلام السودان 2020 الجبهة الثورية السودانية الحركة الشعبية لتجرير السودان - شمال حرب الجيش والدعم السريع مالك عقار ولاية جنوب كردفانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجبهة الثورية السودانية حرب الجيش والدعم السريع مالك عقار ولاية جنوب كردفان الحرکة الشعبیة مالک عقار
إقرأ أيضاً:
تحديات السودان مع مطلع 2025
في نهاية 2024 يبدو المشهد في السودان مختلفاً تماماً عما كان عليه في الأيام الأخيرة من العام الماضي. آنذاك واجه الجيش خسارة كبيرة عندما اجتاحت «قوات الدعم السريع» مدني، عاصمة ولاية الجزيرة و«صرة السودان»، بعد انسحاب قيادة الفرقة الأولى مشاة من دون معارك تذكر. تبع ذلك موجة من التساؤلات بشأن مسار الحرب، وحملات من التشكيك بعد أن خسر الجيش مواقع عديدة ومدناً حيوية، وتمددت «قوات الدعم السريع» في مساحات شاسعة، ومعها اتسعت دائرة النزوح القسري للمواطنين، ودورة الانتهاكات الفظيعة والتدمير الممنهج لقدرات البلاد.
اليوم تظهر الصورة مختلفة بشكل كبير بعد الانتصارات الأخيرة التي حققها الجيش السوداني والقوات المشتركة وكتائب الإسناد من المستنفرين، متمثلة في استرداد مناطق استراتيجية، واستهداف خطوط الإمداد بما في ذلك تدمير قاعدة الزرق في شمال دارفور التي تعد أهم قواعد «قوات الدعم السريع» وشريان الإمداد بالوقود وشحنات الأسلحة القادمة من الخارج. في غضون ذلك واصل الجيش وحلفاؤه التقدم نحو مدني، واستعادوا السيطرة على معظم أنحاء مدينة بحري وتقدموا للالتقاء مع القوات التي كانت معزولة في سلاح الإشارة، ليبدأ من هناك الزحف لاستكمال استعادة الخرطوم.
ينظر كثيرون إلى هذه التطورات المتسارعة كمؤشر على نقلة نوعية في مسار الحرب توحي بأن مطلع العام الجديد سيشهد تحولات ميدانية ستكون لها انعكاساتها على مجمل الأوضاع، مع تغير موازين القوى بشكل كبير وواضح. ومع ذلك، فإن مستقبل الوضع في السودان يعتمد على جملة من العوامل العسكرية، والسياسية، والإنسانية، والاقتصادية، والخارجية أيضاً.
الانتصارات العسكرية التي تحققت للجيش وحلفائه تمثل فرصة حقيقية لتعزيز الجهود نحو إنهاء الحرب، لكنها ليست حلاً نهائياً بحد ذاتها. فالوضع أعقد من ذلك بكثير، والمعالجات تحتاج إلى نظرة متعمقة في كيفية معالجة آثار هذه الحرب التي هزت السودان بشكل غير مسبوق، وأحدثت فيه جروحاً غائرة واستقطاباً حاداً، بما يستدعي تضافر الجهود، ورؤية حكيمة لكيفية عبور هذا المنعطف بسلام وبالطريقة التي تحافظ على وحدة السودان، وتصد عنه المكايد والمؤامرات التي غذت هذه الحرب.
خلال العام الجديد يمكن أن يشهد السودان نقلة مهمة إذا تم البناء على التحولات العسكرية الأخيرة بطريقة استراتيجية وشاملة تعالج الأزمة بمختلف أبعادها. فتحقيق السلام يتطلب أكثر من الانتصار في المعارك؛ إنه يتطلب رؤية للمعالجة السياسية تتجاوز دعوات الإقصائيين، وتفتح الباب أمام الحوار الشامل، الذي من دونه لن يكون هناك حل حقيقي، أو استقرار يحقق للبلد الوقوف على قدميه لمواجهة حرب أخرى أصعب هي إعادة البناء والإعمار، وجذب المساعدات والاستثمارات الضرورية في المرحلة المقبلة.
التحديات كثيرة، والطريق لن يكون سهلاً. بداية هناك التحدي المتعلق بكيفية معالجة الوضع الإنساني المتفاقم، والمعاناة التي تشتد كلما طال أمد الحرب. فالسيطرة على الأرض لا تعني انفراجاً إذا لم يتبعها توفير الظروف الأمنية، والخدمات الأساسية التي تتيح عودة النازحين والمهجرين إلى ديارهم، وتضمن تقديم الإغاثة العاجلة التي يحتاجونها. فالسودان اليوم يواجه واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية المركبة نتيجة التهجير القسري، والتدمير الممنهج للبنى التحتية والمنشآت الخدمية، وتعطل وسائل الإنتاج، وشل الحياة الطبيعية بما في ذلك العمل والتعليم.
تحدٍّ آخر سيتمثل في الطريقة التي سترد بها «قوات الدعم السريع»، والأطراف الخارجية الداعمة لها، وهل ستمضي في الحرب بما يعني إطالة أمدها. فالواضح الآن وفقاً للتحولات في الميدان، وفي موازين القوى، أن محاولة فرض السيطرة على السودان تبددت، وأن أقصى ما يمكن أن يحدث هو فرض واقع تقسيمي في غرب البلاد إلى حين، أو حدوث تحول في موقف الجيش الأخير وقبوله العودة إلى منبر جدة، للتفاوض هذه المرة على شكل انتهاء الحرب انطلاقاً من مفهوم أن الحروب تنتهي عادة بترتيبات عبر التفاوض حتى ولو كان هناك نصر ميداني.
في هذا الإطار فإن هناك عدة أسئلة شائكة مثل: هل بعد كل الانتهاكات التي حدثت، يمكن أن يكون هناك دور لـ«الدعم السريع» في أي مشهد مستقبلي؟ وهل يمكن استيعابها في الجيش الوطني «المهني» الواحد الذي يفترض أن يكون من بين أهداف وخطط مرحلة ما بعد الحرب التي ستشمل أيضاً الفصائل والحركات المسلحة الأخرى؟ وهل أن منحها أي دور مستقبلي سيعني نهاية الحروب في السودان، أم أنه سيشجع آخرين على تكرار تجربتها بكل مرارتها؟
يبقى بعد ذلك التحدي المتمثل في الإرادة السياسية للحل، وما إذا كانت الانتصارات الأخيرة التي حققها الجيش وحلفاؤه ستفتح مجالاً للبدء في خطوات نحو إطلاق حوار وطني سياسي شامل حول مستقبل السودان، وكيف يُحكم بما يحقق له الاستقرار، ويفتح طريق التنمية المتوازنة والمستدامة، ويعالج القضايا الجوهرية المتجذرة بما ينهي دوامة الحروب المستمرة منذ ما قبل الاستقلال والتي كبلت البلد وكلفته أثماناً باهظة.