100 ألف قانوني ضمن تكتل الجزائر لمقاضاة الاحتلال ..ومناشدات بانضمام احرار العالم
تاريخ النشر: 11th, February 2024 GMT
#سواليف
كشف رئيس نقابة المحامين في الجزائر عن انضمام نحو 100 ألف من رجال القانون إلى التكتل الجزائري لمقاضاة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه في غزة، في وقت أكد المحامي الفرنسي الشهير جيل ديفرس أنه تم تقديم طلبات توقيف ضد رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان الإسرائيليين وأن التحقيقات في الجنائية الدولية تسير في الاتجاه الصحيح.
وذكر طايري في ندوة صحافية نشطها رفقة ديفرس بالجزائر العاصمة، أن الآلة القانونية لتقديم مسؤولي الكيان الصهيوني أمام العدالة الدولية انطلقت عبر إيداع بلاغات أمام مكتب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية بلاهاي، مناشدا أحرار العالم بالانضمام الى تكتل الجزائر القانوني لمقاضاة الاحتلال.
وأكد القانوني في حوصلة قدمها بالمناسبة، على أهمية البلاغ الذي تقدم به “التحالف الدولي”، الذي يضم كل من الاتحاد الوطني لمنظمة المحامين الجزائريين، ونقابة القضاة ونقابات المحامين لكل من فلسطين والاردن وتونس وموريتانيا والذي انضمت اليه مؤخرا نقابة المحامين بليبيا، مشيرا الى أنه و”لأول مرة في التاريخ يدخل تكتل بهذا الحجم يضم تأييد أكثر من 100 ألف شخص من رجال القانون، محكمة العدل الدولية، من أجل التبليغ عن جرائم ابادة”.
مقالات ذات صلة انتشال 100 جثة بعد انسحاب الاحتلال من مدينة غزة 2024/02/11لأول مرة في التاريخ يدخل تكتل بهذا الحجم يضم تأييد أكثر من 100 ألف شخص من رجال القانون، محكمة العدل الدولية، من أجل التبليغ عن جرائم ابادة”
وأبرز النقيب أن هذه الحركة جاءت انطلاقا من النداء الذي وجهه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لأحرار العالم حتى لا تفلت إسرائيل من العقاب، مشيرا إلى “الجميع تجندوا من أجل القيام بهذا العمل الذي يعتبر قبل كل شيء، مناداة بتطبيق قواعد القانون الدولي، حيث تم تقديم ملف عن جريمة ابادة استندنا فيه على توثيقات وتصريحات لمسؤولين بالكيان الصهيوني وأخرى للامم المتحدة وعلى العديد من الفيديوهات التي تثبت جرائم الاحتلال الصهيوني”.
وشكّل إيداع البلاغ المحطة الاولى في هذا التوجه القانوني في انتظار تقديم طلب من أجل دعوة للحضور لتقديم ملفات تتضمن توثيقات. وفي هذه النقطة، شدد طايري على مسألة الضحايا وشهادتهم التي قال إنها ستكون مفيدة للملف، مبرزا أنه وإلى جانب مكتب المدعي العام بمحكمة العدل الدولية، هناك مكتب ثان يسمى بمكتب الضحايا. وسيتم وفق المتحدث، إنشاء موقع إلكتروني لجمع شهادات أكبر عدد من الضحايا والوثائق على المستوى العالمي وصبها فيه من أجل دعم الملف.
وفي نفس السياق، أشاد النقيب الجزائري بكل الجهود التي تصب في معاقبة الكيان الصهيوني ومتابعته، لأن جرائمه ضد الانسانية وجرائم الحرب المرتكبة بغزة من قتل للاطفال وتهجير قسري واستهداف للمستشفيات، لا تخفى عن أحد والعالم يعلم بوجودها وحدوثها على مرأى ومسمع منه. وناشد بالمناسبة كل الدول التي تتغنى بحقوق الإنسان بالضغط على الكيان الصهيوني ومحاسبته، لأن كل الأدلة تؤكد تورطه، معربا عن أمله في انضمام كل احرار العالم الى التحالف الدولي سواء من أوروبا او غيرها لان ذلك يصب في مصلحة القضية الفلسطينية.
ووجه طايري في هذا الإطار، تحية خاصة لجنوب افريقيا التي قدمت شكوى ضد الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية من أجل اتخاذ الاجراءات اللازمة لوقف عملية الإبادة الجماعية في قطاع غزة، مبرزا الاهمية البالغة لهذه المبادرة لصالح الشعب الفلسطيني وخاصة لسكان غزة.
من جانبه، أكد المحامي جيل ديفرز أن البلاغ المتعلق بالإبادة الجماعية ضد الكيان الصهيوني المرفوع أمام المحكمة الجنائية الدولية يوم 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 من قبل مجموعة من المحامين، قد أخذ مساره تاطبيعي وهو يسير في الطريق الصحيح.
وشدد المحامي على أن المجموعة عازمة على تطبيق القانون وإسماع صوت الشعب الفلسطيني الذي بلغت معاناته ذروتها بسبب العدوان. وأضاف قائلا: “نحن محامون نناضل من أجل تطبيق القانون في سياق بالغ الصعوبة ونحن في معركة من أجل تأكيد القانون والدفاع عن حقوق الإنسان على أساس أقوى المبادئ”.
ولم يخف المحامي تفاؤله بشأن التوصل إلى نتيجة إيجابية للشكوى المقدمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، مبرزا أن “المحامين أصبح لديهم إطار عمل وهم يتعاملون مع محكمة لها قوانين وقواعد، ولدينا الأدلة ونحن قادرون على تقديم الحجج التي تسمح لنا بالتقدم”.
وفي تصريح له قبيل الندوة الصحفية، كشف المحامي أن النائب العام لدى المحكمة الجنائية الدولية، استقبله بمعية فريقه 4 مرات منذ تسجيل الشكوى”، مؤكدا أنه “تم فتح تحقيق معمق بخصوص هذه الشكوى وقد عرف تقدما في الاتجاه الصحيح”.
وذكر أن المحامين طالبوا بإصدار مذكرات توقيف ضد كل من الوزير الأول بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوهاف غالانت ورئيس أركان الكيان الصهيوني هرزي هاليفي بتهمة الإبادة الجماعية” ضد الشعب الفلسطيني، مشيرا الى أن المحكمة الجنائية الدولية “لا تحاكم المتورطين غيابيا بل تقوم باستدعائهم أو إصدار مذكرات توقيف بشأنهم”.
وفي بداية شباط/فيفري الجاري، كشف الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين الجزائريين، عن إيداع أولى البلاغات أمام مكتب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية بلاهاي، ضد المتورطين في ارتكاب جرائم الابادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني، تنفيذا لتوصيات ندوة الجزائر المتعلقة بمحاكمة إسرائيل أمام الجنائية الدولية.
وذكر بيان للاتحاد، أن البلاغ المتعلق بجرائم الابادة الجماعية، استند على “مجموعة من التوثيقات التي تم جمعها والتي اشتملت على عدد من الصور والفيديوهات الموثقة التي تثبت كل هذه الجرائم والتي تم التقاطها بعين المكان من مصادر موثوقة ومعترف لها المصداقية، ومراجع التصريحات الرسمية لقادة الاحتلال المتضمنة إقرارات واعترافات علنية بارتكاب هذه الجرائم وحتى الدعوة الى ذلك”.
أكد المحامي جيل ديفرز أن البلاغ المتعلق بالإبادة الجماعية ضد الكيان الصهيوني المرفوع أمام المحكمة الجنائية الدولية يوم 9 نوفمبر 2023 من قبل مجموعة من المحامين، قد أخذ مساره تاطبيعي وهو يسير في الطريق الصحيح
كما اشتمل البلاغ وفق نفس المصدر، على “مجموعة من السندات الرسمية الصادرة عن جهات أممية وعن منظمات دولية معترف لها بالحياد و النزاهة وأيضا على قرار محكمة العدل الدولية التاريخي الصادر بتاريخ 26 يناير 2024، والذي اعترف بوجود قرائن كافية تفيد بارتكاب جرائم ابادة جماعية في الأراضي المحتلة و أمر المحتل باتخاذ التدابير والإجراءات الاحترازية المذكورة في القرار قبل الفصل في الموضوع”.
وكانت ندوة الجزائر الدولية حول العدالة للشعب الفلسطيني، التي انعقدت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قد أعلنت عن إنشاء لجنة مشكلة من قضاة ومحامين تتولى متابعة رفع الشكاوى بخصوص الجرائم الإسرائيلية أمام محكمة الجنايات الدولية وباقي المحاكم التي تعتمد عالمية العقوبة.
وتضم اللجنة رئيس الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين الجزائريين، ورئيس النقابة الوطنية للقضاة الجزائريين، ونقيب المحامين الأردنيين وهو نفسه رئيس الدورة الحالية للمكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب والمنسق العام للإسناد القانوني للاتحاد، ونقيب محاميي فلسطين، مع الإشارة إلى أن اللجنة لها صلاحية إضافة من تراه مناسبا لعضويتها.
وكانت الندوة قد خصصت 4 ورشات عملية تتعلق بمقاضاة إسرائيل، هي ورشة “توثيق الجرائم”، ورشة “المتابعة الجنائية أمام محاكم الدول التي اعتمدت مبدأ عالمية العقاب والمحاكم الدولية الأخرى”، وورشة “إخطارات المحكمة الجنائية الدولية”، وورشة “الشكاوى للمنظمات والهيئات الدولية”، حيث تركزت مناقشاتها على الجوانب التنظيمية والإجرائية.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف المحکمة الجنائیة الدولیة محکمة العدل الدولیة الشعب الفلسطینی الکیان الصهیونی مجموعة من من أجل
إقرأ أيضاً:
قاطف البنجر الذي انسحب من الجنائية الدولية لأجل نتنياهو
في أحد أيام صيف عام 1989، وقف الشاب ذو 26 عاما، بملامحه الأوروبية وشعره الطويل ولحيته القصيرة نسبيا، مرتديا بزة شبابية بقميص مفتوح وبدون ربطة عنق، أمام الميكروفون مخاطبا زهاء 250 ألف شخص احتشدوا بصورة غير تقليدية في ساحة الأبطال بالعاصمة المجرية بودابست، احتفالا بمراسم إعادة دفن رموز الثورة المجرية ضد الحكم الشيوعي، التي سحقها الجيش السوفياتي بقسوة ودموية عام 1956.
كان رئيس وزراء المجر السابق إيمري ناغي، الذي تمرد على القبضة الستالينية الحديدية للسوفيات على بلاده ودفع ثمن ذلك خسارته لمنصبه ثم لحياته نفسها بعدما أعدمه النظام المجري الموالي للسوفيات، هو البطل الرمزي الأهم لذلك اليوم.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2عودة العملاق.. لماذا تخاف أميركا وأوروبا من إعادة تسليح ألمانيا؟list 2 of 2نبوءة ميرشايمر.. هل اقتربت الحرب المدمرة بين أميركا والصين؟end of listلكن السياسي المجري الشاب نجح في خطف الكثير من الأضواء بخطابه القصير الذي لم يدم أكثر من 7 دقائق، ولكنه كان ثوريا بكل المقاييس، إذ جاء فيه: "الآن، بعد 33 عامًا على الثورة المجرية، و31 عامًا على إعدام آخر رئيس وزراء مجري مسؤول، لدينا فرصة لتحقيق كل ما تمناه ثوار 1956 وخاضوا من أجله مواجهة دامية بالوسائل السلمية".
دعا السياسي المجري المنتمي إلى حزب صغير عُرف باسم حزب "فيدس"، أو "حزب الشباب"، دعا الجماهير إلى الإيمان بأنفسهم حتى يكونوا "قادرين على إنهاء الدكتاتورية الشيوعية"، وإلى التحلي بالعزيمة والإصرار اللازمين من أجل إجبار الحزب الحاكم على الخضوع لانتخابات حرة، قائلا: "إذا تمسكنا بأفكار ثورة 1956، فيمكننا التصويت لحكومة تدخل فورًا في مفاوضات تؤدي في النهاية إلى انسحاب القوات الروسية من بلادنا".
إعلانكان ذلك خطابا ثوريا "ليبراليا" بكل المقاييس في بلد كان لا يزال يئن تحت وطأة النفوذ السوفياتي، لكن المفارقة أن تلك الكلمات صدرت من شخص سوف يعتبره الجميع لاحقا أحد أهم خصوم الليبرالية وحامل لواء إعادة بلاده إلى زمان "دولة الحزب الواحد".
إذ حكم المجر 15 عامًا متتالية حتى الآن وفاز في 4 انتخابات متعاقبة بأغلبية ساحقة، مسيطرًا على البرلمان، ومغيرا وجه البلاد بتعديلات جذرية على دستورها، لدرجة أنه بات يُنظر إليه في أوروبا والعالم بوصفه أحد القادة الذين يدفعون العالم الغربي نحو الاستبداد والتطرف اليميني بحسب ما يصف خصومه.
والمفارقة الأكبر أنه بات متهما في نظر الكثيرين بأنه "رجل روسيا الأول في أوروبا"، روسيا وريثة عرش السوفيات نفسها التي وقف فيكتور أوربان ذاته منددا بهم يوما ما.
مؤخرًا، أسيل الكثير من الحبر حول رئيس الوزراء المجري أوربان في العالم العربي بعدما استقبل نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عاصمة المجر بودابست، متحديًا قرار المحكمة الجنائية الدولية القاضي باعتقال نتنياهو بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها خلال حرب الإبادة التي يشنها على قطاع غزة. وقد تمادى أوربان في الأمر معلنًا أن بلاده ستنسحب من المحكمة نهائيا. فما هي قصة فيكتور أوربان؟ وأي دور يلعبه حاليا في المشهد العالمي؟
من ساحات الكرة إلى عوالم السياسةيمتلك فيكتور أوربان قصة كلاسيكية لواحد من أولئك الذين برزوا من عالم الفقر والحرمان لدرجة أنه جرب الحصول على الماء الساخن بمجرد فتح الصنبور في دورة المياه لأول مرة في حياته وهو في 15 من عمره، بحسب ما حكاه بنفسه.
نشأ أوربان في كنف أسرة فقيرة ضمن قرية تقع داخل دولة أوروبية شرقية هامشية يحكمها نظام شمولي وخاضعة لنفوذ الاتحاد السوفياتي، وقد اعتاد والده الصارم أن يضربه بعنف. وكان فيكتور الصغير يضطر للعمل بجد منذ نعومة أظافره في الحقل مع إخوته حيث يفرزون البطاطس ويقطفون البنجر ويطعمون الدجاج والخنازير.
إعلانكشأن أقرانه من الأطفال الفقراء المعدمين، كانت تسليته الوحيدة في هذا العالم هي كرة القدم، لكنه لم يرض في ملعبها بأقل من مركز المهاجم الذي يسجل الأهداف، التي ربما رأى فيها طريقة لتحقيق نصر ما في مواجهة صعوبات الحياة.
وربما كانت أقصى آمال فيكتور حينها أن يصبح مهاجمًا لفريق مشهور في الدوري المجري لكرة القدم، وربما وصل بالأحلام إلى درجة تمني أن يصبح لاعبًا دوليًا مرموقا يعيد أمجاد أسطورة الكرة المجرية فرينتس بوشكاش.
في طفولته الصعبة، ورغم تفوقه في الدراسة، كان -كما يصف نفسه- طفلًا مشاغبًا وعنيفا وغير محبوب على الإطلاق، وفي المنزل كان والده يلاحظ افتقاره إلى الانضباط، وهو السبب الرئيسي الذي كان يضربه لأجله.
غير أن حياة أوربان وأسرته بدأت تتحول تدريجيًا منذ سبعينيات القرن العشرين حين تمكن والده من الحصول على شهادة جامعية وترقى في صفوف الحزب الحاكم، وفي نفس الوقت كان أوربان يرتقي تعليميًا ويدرس القانون، ويتقن اللغة الإنجليزية.
بدأت طموحات أوربان السياسية تتبلور مع نهاية الثمانينيات في السنوات التي كانت خلالها "الكتلة الشرقية الشيوعية" حول العالم تلفظ أنفاسها الأخيرة.
وفي عام 1988 تحديدا، أسس الشاب المجري منظمة "تحالف الشباب الديمقراطيين" مع 36 زميلًا سابقًا له في الجامعة، وشرع في ممارسة العمل السياسي من خلالها. وقد حققت المنظمة نموا واتساعا جماهيريا مُثيريْن للإعجاب، وكانت بمثابة حجر الأساس لحزب "فيدس" الشهير الذي يتزعمه أوربان حاليا.
غير أن توجهات أوربان ومنظمته (حزبه لاحقا) في ذلك الوقت كانت مختلفة تمامًا عما نعرفه الآن.
وكما يشير خطابه الشهير في ساحة الأبطال، كان لدى أوربان نفسا ثوريا ليبراليا واضحا، مع عداء صارم للتوجهات الشيوعية والسوفياتية، إلى درجة أن ميوله تلك لفتت أنظار الملياردير الأميركي ذي الأصول المجرية جورج سوروس المشهور بتمويله للقضايا الليبرالية، فوظَّف أوربان بدوام جزئي في منظمة "المجتمع المفتوح" التي يملكها، قبل أن تمنحه المؤسسة منحة لدراسة دور المجتمع المدني في الفلسفة السياسية الأوروبية بكلية بيمبروك في جامعة أكسفورد البريطانية، وذلك قبل أن ينقلب أوربان على سوروس لاحقا ويصبح من ألد خصومه، متهما إياه باستخدام أمواله "لتخريب العالم".
إعلانلم يستكمل أوربان منحته، وسرعان ما عاد إلى بودابست مقررا احتراف العمل السياسي، وكانت بدايته خلال الانتخابات البرلمانية الحرة الأولى في المجر بعد عصر الشيوعية عام 1990، حيث وُضع على رأس قائمة المرشحين عن حزب "فيدس".
ورغم عدم حصول الحزب إلا على 22 مقعدًا فقط، فكان ثاني أصغر كتلة في البرلمان، فإن نوابه تميزوا بأن جميعهم من الشباب ذوي اللحى والشعر الطويل الذين يرتدون الجينز والقمصان المفتوحة، مما ساعد على زيادة إعجاب الجمهور بهم، وقد دعوا إلى سياساتٍ اقتصادية وتعليمية واجتماعية ليبرالية، وسارعوا إلى إدانة النزعات القومية لدى الأحزاب التقليدية، ما أكسبهم صوتا مميزا وفريدا في السياسة المجرية.
لم تمر فترة طويلة حتى فرض أوربان حضوره وشخصيته على حزبه قبل أن يكمل حتى عقده الثالث، ولكن في أعقاب أداء الحزب المخيب للآمال في انتخابات عام 1994 التي شهدت انتصار الاشتراكيين من الحزب الشيوعي القديم، بدأت انعطافة أوربان والحزب إلى اليمين، حيث بدا أن خيار اعتناق السياسة القومية الشعبوية يقدم الفرصة الواقعية الوحيدة للنجاح في المستقبل ضد اليسار.
وقد آتت هذه السياسة أكلها سريعا على ما يبدو في الانتخابات البرلمانية عام 1998 التي حصد خلالها حزب "فيدس" مقاعد أكثر من أي حزب آخر، و حصل على 29.48% من أصوات الناخبين، وصار أوربان، الذي أصبح الآن حليق اللحية ويرتدي ملابس رسمية، أصغر رئيس وزراء منتخب في تاريخ المجر.
عزف أوربان ورفاقه ببراعة على وتر "القومية" في المجر، مستغلين الحساسية الوطنية الشديدة الناجمة عن معاهدة تريانون (نسبة إلى قصر تريانون في فرساي بفرنسا) عام 1920، التي وقعتها المجر مع الحلفاء الغربيين بعد الحرب العالمية الأولى، وفقدت على إثرها ثلثي أراضيها التاريخية، ووجد أكثر من 3 ملايين مجري أنفسهم بسببها يعيشون في دول أجنبية، ما ولّد لدى المجريين شعورا متوارثا بالمرارة.
إعلانوقد قاد أوربان اليميني الوسطي آنذاك بلاده لتنضم إلى حلف الناتو (عام 1999)، كما حصل على موافقة الاتحاد الأوروبي على عضوية المجر عام 2000 (وقع الانضمام رسميا عام 2004)، كما استطاعت حكومة اليميني الوسطي الشاب آنذاك أن تجري تحسينات واضحة في الاقتصاد، ورغم ذلك جاءت المفاجأة المدوية لأوربان بخسارة انتخابات عام 2002.
أورثت الخسارة الانتخابية أوربان مرارة سياسية عزم ألا يذوقها مجددا، وكان الحل من وجهة نظره للعودة وتفادي انتكاسة سياسيا جديدة هو تجرع كأس السم نفسه بالانعطاف إلى اليمين أكثر وأكثر. تزامن ذلك مع فضائح مسربة لليسار الحاكم هزت الشارع المجري، وجاءت الأزمة المالية العالمية عام 2008 وضغوط الاتحاد الأوروبي لحل العجز المالي المجري بالمزيد من التقشف لتزيد الطين بلة، ما تسبب في خروج احتجاجات واسعة النطاق في البلاد.
هذه الظروف استغلها أوربان ببراعة ليطل على الشعب اليائس بخطاب يميني جديد يمزج هذه المرة بين الميول القومية التي أظهرها سابقا وبين النزعة الدينية المسيحية المحافظة.
كان ذلك تحولا جديدا مثيرا بالنسبة إلى شخص عرّف نفسه في وقت سابق من حياته بأنه "ملحد" لا يتبع أي دين، قبل أن يسهم زواجه من سيدة كاثوليكية وصداقته مع القس الكالفيني زولتان بالوغ في تهذيب رؤاه تجاه الدين تدريجيا منذ نهاية التسعينيات.
لكن ما غيّر موقفه حقيقة هو إدراكه -من موقعه الجديد كزعيم شعبوي محافظ- لدور الدين "كورقة سياسية" مهمة يمكن أن يربح بها السياسي قطاعات واسعة من الشعب، ويكسب بها أرضية جماهيرية أوسع على حساب خصومه.
في ضوء ذلك، تبنى أوربان خطابا يتمحور حول قيم الأسرة والمحافظة الاجتماعية، مازجا بينها وبين القومية المجرية، مع وعود بتخفيض الضرائب وتحقيق الازدهار الرأسمالي وتعهدات بإصلاح سياسي جذري يُخرج الفاسدين من المعادلة السياسية المجرية نهائيًا.
إعلانوفي عام 2010 وُلد رسميا نظام أوربان الذي نعرفه الآن، إذ استطاع العودة إلى السلطة بعد حصوله مع حلفائه اليمينيين على 57% من الأصوات، مما أهله لإعادة تشكيل البلاد سياسيًا واقتصاديًا ودستوريًا ومؤسساتيًا.
خلال فترة حكم أوربان الجديدة والممتدة حتى الآن، كان خطابه ينعطف نحو الشعبوية واليمينية رويدا رويدا، وبالتزامن مع ذلك أقر تعديلات دستورية في عام 2011 بهدف ترسيخ سلطته، لكن ذلك لم يكن كافيا أيضا، فخلال انتخابات أوائل عام 2015، فقدت حكومة أوربان أغلبيتها المطلقة، غير أن جحافل المهاجرين التي كانت تتدفق إلى القارة العجوز حينها منحت فيكتور أوربان فرصة لا تقدر بثمن، وساهمت في تشكيل الصورة النهائية لتوجهاته التي يعرفها الجميع اليوم.
استغل رئيس الوزراء المجري قضية الهجرة للتغلب على تراجع شعبيته، ففي عام 2015 وحده تلقت المجر 174 ألف طلب لجوء (ما يعادل 1770 طالب لجوء لكل 100 ألف من السكان المقيمين في الدولة)، وهي النسبة الأعلى في أي بلد أوروبي.
ومن أجل التعبير عن موقفه المناهض للهجرة، بنى أوربان سياجا على طول الحدود مع صربيا، وسياجا آخر على طول الحدود مع كرواتيا، وحصد ثمرة ذلك تأييدا قويا في استطلاعات الرأي، وشهرة كبيرة في أوساط القوميين الأوروبيين، إلى درجة أن مجلة "دير شبيغل" ذات الميول اليسارية وصفته أنه "المُنتصر السياسي الأكبر في أزمة اللاجئين".
منح الموقف المتشدد من أزمة الهجرة فيكتور أوربان صوتا سياسيا في القارة الأوروبية لا يتلاءم مع وزن المجر كبلد غير ساحلي يقل عدد سكانه عن 10 ملايين نسمة، يرغب زعيمه في تحدي موقف المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل المهيمن على القارة. وخلال تلك الفترة، لم يتوقف أوربان عن لمز ميركل وانتقاد سياساتها "المتساهلة" مع الهجرة، بحسب وصفه. وفي الداخل، استغل أوربان هذا المد المناهض للهجرة الذي ساهم بنفسه في تغذيته، لإعادة تحويل السياسة المجرية بصورة جذرية.
إعلانأعلن أوربان بوضوح وصراحة أن الدولة التي يضع قواعدها هي دولة ديمقراطية غير ليبرالية، أو ديمقراطية مسيحية بعبارة أوضح، وأكدت التغييرات الدستورية الجديدة على التقاليد المسيحية والوطنية المجرية ما قبل الحقبة الشيوعية. ووفقا لعالمة الاجتماع المجرية إيفا فودور، فإن مفهوم "الديمقراطية المسيحية" ترسخ في لغة أوربان بشكل واضح بعد فوزه في انتخابات عام 2018 تحديدا، ليعلن منذ ذلك الحين أن حماية التقاليد المسيحية أحد الأهداف الرئيسية لحكومته.
وبحسب فودور، فقد خلق أوربان صراعًا رمزيًا بين المجريين الذين يحبون تقاليدهم وثقافتهم، وبين "شبح" التأثيرات الخارجية التي تريد تحطيم تلك التقاليد وهذه الثقافة. وآتت هذه اللغة أكلها رغم أن الشعب المجري ليس متدينًا حقا، كما تثبت الإحصاءات أن علاقته بالمسيحية كدين تتلاشى مع الزمن، وأن دور الكنيسة في المجتمع كان مهمشًا دائمًا، بحسب ما أورده تقرير لمجلة "نيو هيومانيست" البريطانية.
لكن هذا العزوف عن المسيحية كدين صاحبه هوى مسيحي ثقافي متزايد، وهو الوتر الذي لعب عليه أوربان، إذ تنامى في عهده الدور الذي تلعبه الكنيسة، وتزايدت أعداد المؤسسات التعليمية التي تديرها، وعدد الأطفال الذين يلتحقون بها. وبحسب "نيو هيومانيست"، فقد منح أوربان المنظمات المسيحية التي أظهرت الولاء له مزيدا من السلطات والمكاسب داخل الدولة.
في المقابل، حين أقر أوربان سياسة الأسرة عام 2019 والتي تشجع المجريين على الإنجاب، وتعتبر الأسرة المُشكَّلة في أساسها من ذكر وأنثى وأبناء من صلبيهما هي نواة المجتمع الأساسية وليس الفرد، وتزيل الضرائب الشخصية تمامًا عن النساء اللواتي ينجبن أكثر من 4 أولاد، كانت الكنيسة من أكبر الداعمين لسياسته ومن أكبر المروجين لها.
ويؤكد الأستاذ بجامعة ميسكولك المجرية لازلو كوتي، أن الكنائس المسيحية في المجر خضعت تمامًا لدولة أوربان، إذ بنى رئيس الوزراء علاقات متينة مع رجال الدين في الريف على وجه الخصوص، حيث تتركز حواضنه الشعبية في المناطق الريفية بينما تتقلص شعبيته بشدة في المدن الحضرية وعلى رأسها العاصمة بودابست.
إعلان كيف حوّل أوربان المجر؟في المجمل، كانت رحلة أوربان لإعادة تشكيل المشهد الاجتماعي والسياسي في المجر إحدى أكثر التجارب نجاحًا في إعادة تشكيل وجهة دولة ما بعد الفوز في الانتخابات، بغض النظر عن طبيعة هذا التغيير، إذ اتبع أوربان سلسلة إجراءات متتابعة تحميه من تكرار ما حصل له في فترة ولايته الأولى، حين أيقن أن بقاءه في السلطة مرتبط بامتلاك سيطرة صارمة على مفاصل المجتمع والدولة، مقررا منذ ذلك الحين تحويل المجر إلى دولة الحزب الواحد والرجل الواحد.
منذ عودته إلى السلطة عام 2010، انتبه أوربان إلى خطورة وسائل الإعلام، ومن ثم سعى تدريجيًا للسيطرة على المشهد الإعلامي في البلاد حتى لا يتمكن خصومه من استخدام وسائل الإعلام ضده، وحتى يمتلك مفاتيح تعبئة الشعب وحشده بين يديه بصورة دائمة، ومن ثم انطلق أنصار أوربان وأتباعه يسيطرون على وسائل الإعلام في البلاد، ويغيّرون المستثمرين الأجانب بآخرين محليين مقربين، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، كما أنشأ هيئة تنظيمية للإعلام تراقبه وعيّن فيها أتباعه.
بالتزامن مع ذلك، سن البرلمان بين عامي 2010 و2012 زهاء 365 قانونًا جديدًا، بحسب "المركز الأوروبي لدراسات الشعبوية". هذه التغييرات القانونية العميقة مكنت أوربان من إعادة تشكيل البلاد معتمدًا على أغلبيته البرلمانية، ولم تكن البلاد قد شهدت تغييرات قانونية على هذا المستوى من الكثافة والعمق حتى في فترة انتقالها من الحقبة الشيوعية إلى حقبة ما بعد الحرب الباردة.
شملت قائمة التغييرات الكثيرة إلغاء مجلس القضاء الوطني الذي يشرف على السلطة القضائية في المجر، وتقليص سلطة المحكمة الدستورية وإلغاء سلطتها الخاصة بمراجعة الميزانية، في حين بات قضاتها يعيَّنون عبر الاختيار البرلماني بأغلبية الثلثين، مع إلغاء سن التقاعد الخاص بالقضاة المعينين وتمديد ولايتهم من 11 عاما إلى 15 عامًا. وهكذا استطاع أوربان أن يجعل غالبية القضاة في المحكمة الدستورية موالين له، هذا فضلًا عن تمرير حزبه تعديلات قانونية أدت إلى إقالة 274 قاضيا.
إعلانوعلى جانب آخر، وزع أوربان المناصب الإدارية والحكومية الهامة، مثل مناصب رئيس الدولة وديوان المحاسبة والمناصب العليا في المؤسسات الثقافية والجامعات الحكومية، على أتباعه والموالين لحزبه، بعدما كانت أغلب تلك المناصب تكنوقراطية الطابع قبله.
أثارت التغييرات الجذرية التي أجراها أوربان في المجر موجة كبيرة من الاحتجاجات من الهيئات الإدارية الأوروبية ووسائل الإعلام الغربية طوال السنوات الماضية، إذ رأوا أن أوربان يحول المجر إلى "دولة دكتاتورية" مجددا، لكن تجربته الناجحة في إخضاع جهاز الدولة له، نُظر إليها من قبل يمينيين كثيرين في العالم بوصفها تجربة استثنائية ينبغي استنساخها.
وليس غريبًا في هذا الصدد أن الكثيرين من حلفاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأعضاء إدارته يرون في تجربة أوربان مثالا يُحتذى "لتدمير الدولة العميقة في الولايات المتحدة"، وقد صرح رئيس مؤسسة التراث اليمينية الأميركية بأن تجربة أوربان "ينبغي أن يتعلم منها الأميركيون والبريطانيون والإسبان والجميع".
لقد نجح أوربان في غايته الصعبة أيما نجاح، إلى درجة أن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وصف حكمه بأنه "التجربة الأكثر نجاحًا في أوروبا فيما يتعلق بتفكيك دعائم الليبرالية".
وبحسب دراسة حول استراتيجية أوربان الخارجية، أعدها برنامج دراسات "الليبرالية" التابع لجامعة جورج واشنطن الأميركية، فإن أحد أهداف أوربان الأساسية هو الموازنة في علاقاته بين الشرق والغرب، فهو يتوجه إلى روسيا والصين وفي نفس الوقت يحتاج إلى الحفاظ على علاقاته مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ويرتكز خطاب أوربان حول السياسة الخارجية على فكرة أن الغرب سيخسر المنافسة مع الشرق، ومن ثم لن يكون من الحكمة أن تقتصر علاقات المجر الوثيقة على الغرب فقط، بل إن أوربان -وبحسب نفس الدراسة- كان قد صرح بأن الصين ستسيطر قريبًا على العالم لمئات السنين. ووفق مجلة "بوليتيكو" الأميركية فإن السياسي المجري يأمل من خلال تعميق علاقاته مع الصين وروسيا أن يكون للمجر دور أكبر في صياغة السياسة العالمية.
إعلانوعلى الجانب الآخر، وبحسب الورقة البحثية المشار إليها، يحاول أوربان أن يوازن تلك السياسة المتطلعة إلى خارج المحيط الغربي مع مساعيه لتحويل بلاده إلى دولة محورية في أوروبا، حيث أمل دائمًا في بناء تحالفات مع دول من أوروبا الشرقية يستطيع من خلالها أن يواجه ضغوط القوى المهيمنة الليبرالية في الغرب، ومن ثم فهو يسعى دائمًا لتوسيع عضوية الاتحاد الأوروبي لتشمل حلفاء جددا محتملين، ويحاول أن يدعم أي نظام ذي ميول غير ليبرالية في أوروبا حتى تتوسع تلك الأنظمة في القارة وتشكل تكتلا وازنا، وهو نفس الأمر الذي يقوم به على الصعيد العالمي، وهو ما يفسر اهتمامه الكبير بترسيخ العلاقات مع الحزب الجمهوري الأميركي وحركة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى".
نجح أوربان حتى الآن وطوال تلك السنوات في ممارسة لعبة الرقص على الحبال السياسية بين الشرق والغرب بنجاح يُحسد عليه، في الوقت الذي يعزز فيه نظامًا غير ليبرالي في بلاده، دون أن يدخل في صدام فعلي مع الأوروبيين. لكن مؤخرًا، بدأت أجراس الإنذار تدق منذرة بأن تحولات أكثر حدة قد تحدث في القارة العجوز ضد أوربان ونظامه.
وبحسب صحيفة "بوليتيكو" الأميركية فإن المحافظين في ألمانيا بقيادة المستشار المرتقب فريدريش ميرتس وشركاءهم المحتملين في السلطة من يسار الوسط؛ قد اتفقوا على مطالبة الاتحاد الأوروبي بحجب أمواله وتعليق حقوق التصويت عن الدول الأعضاء التي تنتهك سيادة القانون في بلادها (في إشارة واضح إلى المجر).
بل إن السلطة الألمانية الجديدة -بحسب الصحيفة- ستسعى للدعوة داخل الاتحاد إلى توسيع نطاق تصويت "الأغلبية المؤهلة" (التي تعني 55% من الدول الأعضاء) لتشمل مساحة فرض العقوبات، وذلك لمنع أوربان من استخدام حق النقض الذي لطالما برع في استخدامه لحماية نظامه.
وبحسب ترجيحات سياسية وإعلامية، فإن الاتجاه المناهض لنظام أوربان داخل الاتحاد الأوروبي بدأ يأخذ في الأسابيع الأخيرة شكلًا أكثر حدة، وذلك بفضل انضمام ألمانيا بثقلها إلى المجموعة الساخطة على أوربان والراغبة في اتخاذ تدابير أكثر صرامة معه، بعد سنوات من التساهل النسبي.
إعلانوبحسب صحف أوروبية فإن زيارة نتنياهو لأوربان ساهمت في مضاعفة حجم السخط ضد رئيس الوزراء المجري في بعض دول القارة بسبب انتهاكه الصارخ للقانون الدولي، وهو ما ينذر بحقبة جديدة غير واضحة المعالم في المناورات السياسية بين فيكتور أوربان والقوى الأوروبية.