أليس البحر للبسطاء أمثالنا؟
تاريخ النشر: 11th, February 2024 GMT
مرّت تيارات الهواء الباردة لتداعب وجوهنا، فأغمضنا أعيننا لنصغي لنشيد الموج. لقد بدا الأمر كمن يعود لأرجوحة الصبا، هناك حيثُ تتلاشى الحدود الأسمنتية والأبواب المُغلقة، وحيثُ تخلعُ الأماني ثوبها المتطلب، فتصبحُ أثمن أمانينا مشاهدة بزوغ قرص الشمس من وراء خليج عُمان، ثمّ وداعها وراء التخوم البعيدة في تدرج لوني آسر، بينما تشقُ أقدامنا الحافية طريقها فوق رمال رطبة وهشة.
هذا ما شعرتُ به في رحلتنا الأخيرة للمبيت في مخيم في «فنس» التابعة لولاية قريات. حيث تجلى الازدحام -على غير العادة- كثيفا على الشاطئ، فكلما مشينا أكثر تحدر انعكاس الأضواء على صفحة البحر، لدرجة أنّي تخيلتُ أنّه من الصعب أن توضع خيمة بين الواحدة والأخرى. تلك الكثافة البشرية جعلتنا نتأكد من حدوث تحول كبير في نسيج المجتمع الذي لم يكن يُعيرُ من قبل أهمية تذكر للتخييم العائلي، كما تُرينا التجربة تغيرا في الاستثمار الذي بات يُقدم أفكارا جديدة ووسائل جذب مبتكرة للسياحة المحلية، كما أنّ هذا النوع من المشاريع -رغم عشوائيته- يُقلل من توحش الاستثمار الرأسمالي الذي بات يجرفُ الرمال ويُقيم الأسوار العالية والحراسات المشددة، فلا تُفسح البوابات إلا لأصحاب الجيوب المنتفخة!
عندما جلستُ قبالة البحر لساعة متأخرة من الليل، تذكرتُ أولئك الذين ثُمنت منازلهم من أجل إقامة الشارع البحري. تذكرتُ كيف استقر الحال ببعضهم -عقب التعويضات المالية التي حصلوا عليها- في بيئة لا تشبه البيئة التي عاشوا فيها لعقود عديدة من حياتهم، بينما تعبرُ أرواح البحارة القُدامى مخيلتهم الخصبة.
ولا أدري إلى أي حد دُرس البعد النفسي لهذا النوع من الإزاحة؟ وهل دُرس أثر تباينات تمثلات المجتمع في بيئاته المتعددة؟ فلا يكفي أن نمنح الناس تعويضا جيدا بينما نغفل الضرر والشروخات الحادة التي يمكن أن تحدث في نسيج واقعهم النفسي والحسي!
فكيف لمن تعودت عيناه أن ترى البحر أول ما ترى وأن تنام على صوت الموج أن تقابل خواء «السيوح» وفراغها الشاسع؟ وكيف تهنأ العين المعتادة على الزرقة بتدرج بني قاحل؟ ولأنني ممن عاشوا جوار البحر رغم أصولي الجبلية، فقد كنتُ أشاهدهم يغرسون أقدامهم في الرمل كأشجار، ويفرشون حصرهم جواره جماعات أو منفردين، فيراودني سؤالهم الحائر: «من يملك هذا البحر؟ وماذا سيتبقى للبسطاء أمثالنا الذين نشأوا جواره وبالكاد يملكون لقمة يومهم؟!».
لسنا ضد بناء المنتجعات والفنادق الكبيرة، ولسنا ضد امتداد الشارع البحري الذي سيُحدث نقلة هائلة، إنّها من متطلبات المدن الحديثة والصناعة السياحية التي ننشدها.. لكن لنتذكر أنّ الله قد وهب عُمان شواطئ هائلة الجمال والامتداد، فهي تربو على ٣ آلاف كيلو متر من مضيق هرمز وحتى حدودها المتاخمة لليمن. وكل ما تحتاج إليه هذه المساحات الشاسعة رؤية واضحة تُنضم تقسيم المساحات بشكل مدروس، بحيث يجد المستثمر الكبير صاحب رؤوس الأموال الضخمة مكانا له، وتجد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة حيزا لها، مع الاحتفاظ بأماكن خاصة للتخييم الحر لكل من يأتي مُغامرا بخيمته الشخصية أو مستنشقا للهواء العذب برفقة أبنائه. نحن بحاجة إلى أن تُخصص أماكن خاصة للشوي وأخرى للعب -وهنالك أماكن نجحت في هذا- مع أهمية أن تكون هنالك فسحة للنساء، إذ يتم حرمان العديد منهن من متعة السباحة، خشية تعريض أنفسهن لنظرات المجتمع باهظة الثمن، فهذه الشواطئ الطويلة يمكن أن تغدو كافية لنا جميعا بقليل من التخطيط.
إنّ هذا البحر العظيم الذي يُحيط بنا، يمنحنا الخير الماكث في أعماقه، ويوفر فسحة سياحية لا محدودة الأفق ولا الأفكار، يوفر دخلا جيدا لأشكال مختلفة من الاستثمارات، وفرصا لعمل للباحثين، وعليه من الجيد أن يجد الجميع غايته مع مراعاة تعدد الخيارات والأسعار، حتى لا نصل إلى مضامين الجملة التي قرأتها ذات يوم وخشيتُ أن تصبح حقيقة: «أخشى أن يصير البحر مكانا مستحيلا للبسطاء أمثالنا».
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
درجات الحرارة والطقس المتوقع ليوم الأحد 27 أبريل 2025
توقّع المركز الوطني للأرصاد في تقرير عن حالة الطقس اليوم -بمشيئة الله تعالى- هطول أمطار رعدية مصحوبة برياح نشطة مثيرة للأتربة والغبار على أجزاء من مناطق المدينة المنورة والقصيم وحائل والحدود الشمالية والأجزاء الشمالية من منطقتي الشرقية والرياض.
وأشار التقرير إلى أن حركة الرياح السطحية على البحر الأحمر ستكون شمالية غربية إلى شمالية بسرعة 20-40 كم/ساعة على الجزء الشمالي والأوسط، وجنوبية غربية إلى جنوبية شرقية بسرعة 12-38 كم/ساعة على الجزء الجنوبي، وتصل إلى 45 كم/ساعة باتجاه خليج العقبة، وكذلك باتجاه مضيق باب المندب، وارتفاع الموج من متر إلى متر ونصف المتر على الجزء الشمالي والأوسط، ومن نصف المتر إلى متر ونصف المتر على الجزء الجنوبي، ويصل إلى مترين باتجاه خليج العقبة، وكذلك باتجاه مضيق باب المندب، وحالة البحر متوسط الموج على الجزء الشمالي والأوسط، وخفيف إلى متوسط على الجزء الجنوبي، فيما ستكون حركة الرياح على الخليج العربي جنوبية شرقية إلى شرقية على الجزء الشمالي والأوسط، وجنوبية شرقية إلى شمالية شرقية على الجزء الجنوبي بسرعة 10-30 كم/ساعة، وارتفاع الموج من نصف المتر إلى متر، وحالة البحر خفيف الموج.