لجريدة عمان:
2024-12-27@08:52:48 GMT

أليس البحر للبسطاء أمثالنا؟

تاريخ النشر: 11th, February 2024 GMT

مرّت تيارات الهواء الباردة لتداعب وجوهنا، فأغمضنا أعيننا لنصغي لنشيد الموج. لقد بدا الأمر كمن يعود لأرجوحة الصبا، هناك حيثُ تتلاشى الحدود الأسمنتية والأبواب المُغلقة، وحيثُ تخلعُ الأماني ثوبها المتطلب، فتصبحُ أثمن أمانينا مشاهدة بزوغ قرص الشمس من وراء خليج عُمان، ثمّ وداعها وراء التخوم البعيدة في تدرج لوني آسر، بينما تشقُ أقدامنا الحافية طريقها فوق رمال رطبة وهشة.

هذا ما شعرتُ به في رحلتنا الأخيرة للمبيت في مخيم في «فنس» التابعة لولاية قريات. حيث تجلى الازدحام -على غير العادة- كثيفا على الشاطئ، فكلما مشينا أكثر تحدر انعكاس الأضواء على صفحة البحر، لدرجة أنّي تخيلتُ أنّه من الصعب أن توضع خيمة بين الواحدة والأخرى. تلك الكثافة البشرية جعلتنا نتأكد من حدوث تحول كبير في نسيج المجتمع الذي لم يكن يُعيرُ من قبل أهمية تذكر للتخييم العائلي، كما تُرينا التجربة تغيرا في الاستثمار الذي بات يُقدم أفكارا جديدة ووسائل جذب مبتكرة للسياحة المحلية، كما أنّ هذا النوع من المشاريع -رغم عشوائيته- يُقلل من توحش الاستثمار الرأسمالي الذي بات يجرفُ الرمال ويُقيم الأسوار العالية والحراسات المشددة، فلا تُفسح البوابات إلا لأصحاب الجيوب المنتفخة!

عندما جلستُ قبالة البحر لساعة متأخرة من الليل، تذكرتُ أولئك الذين ثُمنت منازلهم من أجل إقامة الشارع البحري. تذكرتُ كيف استقر الحال ببعضهم -عقب التعويضات المالية التي حصلوا عليها- في بيئة لا تشبه البيئة التي عاشوا فيها لعقود عديدة من حياتهم، بينما تعبرُ أرواح البحارة القُدامى مخيلتهم الخصبة.

ولا أدري إلى أي حد دُرس البعد النفسي لهذا النوع من الإزاحة؟ وهل دُرس أثر تباينات تمثلات المجتمع في بيئاته المتعددة؟ فلا يكفي أن نمنح الناس تعويضا جيدا بينما نغفل الضرر والشروخات الحادة التي يمكن أن تحدث في نسيج واقعهم النفسي والحسي!

فكيف لمن تعودت عيناه أن ترى البحر أول ما ترى وأن تنام على صوت الموج أن تقابل خواء «السيوح» وفراغها الشاسع؟ وكيف تهنأ العين المعتادة على الزرقة بتدرج بني قاحل؟ ولأنني ممن عاشوا جوار البحر رغم أصولي الجبلية، فقد كنتُ أشاهدهم يغرسون أقدامهم في الرمل كأشجار، ويفرشون حصرهم جواره جماعات أو منفردين، فيراودني سؤالهم الحائر: «من يملك هذا البحر؟ وماذا سيتبقى للبسطاء أمثالنا الذين نشأوا جواره وبالكاد يملكون لقمة يومهم؟!».

لسنا ضد بناء المنتجعات والفنادق الكبيرة، ولسنا ضد امتداد الشارع البحري الذي سيُحدث نقلة هائلة، إنّها من متطلبات المدن الحديثة والصناعة السياحية التي ننشدها.. لكن لنتذكر أنّ الله قد وهب عُمان شواطئ هائلة الجمال والامتداد، فهي تربو على ٣ آلاف كيلو متر من مضيق هرمز وحتى حدودها المتاخمة لليمن. وكل ما تحتاج إليه هذه المساحات الشاسعة رؤية واضحة تُنضم تقسيم المساحات بشكل مدروس، بحيث يجد المستثمر الكبير صاحب رؤوس الأموال الضخمة مكانا له، وتجد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة حيزا لها، مع الاحتفاظ بأماكن خاصة للتخييم الحر لكل من يأتي مُغامرا بخيمته الشخصية أو مستنشقا للهواء العذب برفقة أبنائه. نحن بحاجة إلى أن تُخصص أماكن خاصة للشوي وأخرى للعب -وهنالك أماكن نجحت في هذا- مع أهمية أن تكون هنالك فسحة للنساء، إذ يتم حرمان العديد منهن من متعة السباحة، خشية تعريض أنفسهن لنظرات المجتمع باهظة الثمن، فهذه الشواطئ الطويلة يمكن أن تغدو كافية لنا جميعا بقليل من التخطيط.

إنّ هذا البحر العظيم الذي يُحيط بنا، يمنحنا الخير الماكث في أعماقه، ويوفر فسحة سياحية لا محدودة الأفق ولا الأفكار، يوفر دخلا جيدا لأشكال مختلفة من الاستثمارات، وفرصا لعمل للباحثين، وعليه من الجيد أن يجد الجميع غايته مع مراعاة تعدد الخيارات والأسعار، حتى لا نصل إلى مضامين الجملة التي قرأتها ذات يوم وخشيتُ أن تصبح حقيقة: «أخشى أن يصير البحر مكانا مستحيلا للبسطاء أمثالنا».

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

أمطار على مناطق متفرقة من الدولة

إبراهيم سليم (أبوظبي) 

أخبار ذات صلة محمد الشرقي يؤكد الدور الاستراتيجي للبرلمان العربي «الاتحاد النسائي» يعرّف ببرامجه في «قدفع»

هطلت أمس أمطار على مناطق متفرقة من الدولة، نتيجة امتداد منخفض جوي سطحي من الشرق، يصاحبه امتداد منخفض جوي في طبقات الجو العليا، أدى إلى تهيئة الفرصة لتكون سحب ركامية يصاحبها أمطار ورياح نشطة السرعة تصل سرعتها 40 كم/س تؤدي إلى اضطراب البحر أحياناً على بعض المناطق الساحلية الشمالية والشرقية.. وكانت أعلى درجة حرارة سجلت على الدولة أمس 28.2 درجة مئوية في دبا (الفجيرة) الساعة 13:00 بالتوقيت المحلي لدولة الإمارات، بارتفاع طفيف عن أمس. وساد طقس غائم جزئياً إلى غائم أحياناً على بعض المناطق الشرقية والشمالية مع سقوط أمطار، ورطب ليلاً وصباح الخميس مع فرصة تشكل الضباب أو الضباب الخفيف على بعض المناطق الداخلية، والرياح خفيفة إلى معتدلة السرعة ونشطة إلى قوية أحياناً مع السحب، والبحر خفيف الموج في الخليج العربي وخفيف إلى متوسط الموج قد يضطرب مع السحب في بحر عُمان.
ويتوقع المركز أن يكون طقس اليوم غائماً جزئياً إلى غائم أحياناً على بعض المناطق الشرقية والشمالية مع فرصة سقوط أمطار، ورطباً ليلاً وصباح الجمعة مع فرصة تشكل الضباب أو الضباب الخفيف على بعض المناطق الداخلية، والرياح شمالية شرقية إلى شمالية غربية خفيفة إلى معتدلة السرعة تنشط أحياناً، وسرعتها من 15 إلى 25 تصل إلى 35كم/س، والبحر خفيف الموج في الخليج العربي وفي بحر عُمان.

مقالات مشابهة

  • رجل يعثر على دب في غرفته بينما تبحث الحكومة اليابانية على ترخيص لقتله
  • مؤسسة البحر الأحمر تحمل المجتمع الدولي مسؤولية استهداف الكيان الصهيوني لموانئها
  • موانئ البحر الأحمر تحمل المجتمع الدولي مسؤولية استهداف الكيان الصهيوني لموانئها
  • هدية ابن هانى الناظر .. إطلاق مشروع مجاني للبسطاء فى أول ذكرى ميلاد بعد وفاته
  • بينما نعيش عصر التكنولوجيا المتطورة يبقى الإنسان سيد هذا العالم بفضل روحه وعقله وإبداعه.
  • استمرار الأجواء شديدة البرودة على المرتفعات الجبلية ومعتدلة في المناطق الساحلية
  • أمطار على مناطق متفرقة من الدولة
  • تفاصيل مثيرة.. إحباط تهريب مئات القطع الأثرية التي انتشلت من خليج أبو قير (شاهد)
  • الموج الأحمر يكتسح العِنّابي بثنائية الصُبحي
  • "الموج مسقط" يحصد جائزتين مرموقتين ضمن "جوائز العقارات العربية"