قراءة لـ”أثير” في المجموعة القصصية “غرفة رجل مبعثرة”
تاريخ النشر: 11th, February 2024 GMT
أثير- مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري
أديبتنا اليوم من ليبيا الشقيقة ..، تكتب الشعر والقصة ..وهي عنصر فاعل في الوسط الأدبي ..، ونعتزّ بقراءة وتقديم مجموعة نصوص قصصية ” لأثير ” تحفيزا لها لمزيد البذل والعطاء في مجال الورقة والقلم ..، عنوان المجموعة ” غرفة رجل مبعثرة ” لصديقتنا المبدعة غزالة الحريزي …، كما أننّا نساهم في التعريف بين المشرق والمغرب بأدبائنا الذين كرّسوا حيواتهم للأدب والإبداع .
” الفجر والمدينة ” قصّة قصيرة تبيّن مدى تعلّق الساردة بتقاليدها وعاداتها ..وحرصها على استمرار مناسك المجتمع فيها، ففي هذا المتن السردي حديث عن الماء ووجوده أوّلا وغيابه ثانيا، ففي هذه المعادلة الصعبة يكمن جوهر القصة، فالكاتبة تبدأ سردها بتوقيت صلاة العشاء ..وتتبع الخطى المتسارعة نحو الأبواب المغلقة، وتعبر الليل بسكونه ..ولحظة تذكر الماء ..أو السيل الطافح بكلّ خير ..، يرد إذن اسم النهر ..ومن هنا يبتدئ القصّ ..، فالماء هو أساس كلّ شيء ..تتوقف على انعدامه أو وجوده حياة الناس ..وأهمّ أركان هذه الحياة أداء الفرائض الدينية ..ومن ضمنها الصلاة ..، خلاصة القول قصة فيها من السلاسة والفطنة ..والإشارة إلى أهميّة الماء وغيره في حياتنا الاجتماعية ..:
” شيخ الجامع وحده من اتجه إلى مجرى النهر عازمًا على الوضوء، تسمَّر واقفًا تنهشه الحيرة وتصدمه دون مهل الدهشة في ما رأى، فقط شيءٌ من الطين يركن في مجرى النهر..!! “
في ” فوضى السهر ” تكشف لنا الساردة سرّ تعلّقها وهيامها بالليل ، وتحدّث القارئ عن خوف أمّها من سقوطها المدوّي في عشق هذا الكائن الغريب ، هذا الذي يحجب عن الكاتبة سحنات ..لا تحبّها فهي لا تشبهها ..، كائن لا يتركها إلا إذا لاحت بوادر النهار، فيرحل عنها ..بعد أن يترك حجرتها مملوءة بفناجين القهوة وبالأوراق المخطّطة ..بعد أن يستمع لهتافها لسيدها القمر ..، نعرف الآن أنّ كاتبتنا مهووسة بعشق الليل والسهر والقمر
” غيَّرتُ كلَّ عاداتي، حتى عاداتُ النَّومِ تغيَّرت، فقلبت لأجله رتابة اليوم، صيَّرت الليل هذا الكائن الذي يضمُّني بحنوٍّ ويخفي عَنِّي وجوه الآخرين بكل ألوانها وتفاصيلها إلى نهارٍ مغايرٍ، بلا شمس وبنوافذ نصف مفتوحةٍ تعزف الريح خلفها لحنها لقمر توشَّح بالغيوم ..”
غزالة الحريزي قاصة جادّة ..، تكتب سيرتها وسير الذين حولها ومعها في الحياة ..بل حتّى من ماتوا ..فانظر إلى قصة ” سيرة طفولة ” وغيرها ..، كيف انطلقت من حديث إلى الطفولة والصغر وحماقاته ..، ثمّ بيّنت علاقة الأطفال بالمقبرة الرهيبة ..، فلم تكن تلك العلاقة مع الراحلين جيّدة أو سيئة ..بل كانت حيادية ..، إذ يكفي وصفها للقبور القديمة المهملة والأغصان النابتة من حولها ..، لنعرف أنّ الكاتبة اختارت الحياد ..، وانحازت إلى طفولتها وشقاوة الأطفال ..فمثلا وقع التركيز على أقاربها حين يزورونها في الأعياد والمناسبات الكبرى …:
” نقبِّل الأغصان، وكأننا ندين لأصحابها بالولاء، نقضي القيلولة كلها في نزهة بين المقابر، الحديقة التي نقدِّمها لأبناء عمي كلما زارونا في الأعياد والمأتم أيضًا؛ فهي كل ما نملك في قريتنا البائسة.
أجمل ما نختم به هذه الجولة السريعة لهذه المجموعة ..مقطع من المقدّمة التي قام بها وتصدّى لها الشاعر الأديب المعروف في ليبيا وفي أقطار عربية أخرى ، ألا هو جمعة الفاخري …حيث يقول :
” (غرفةُ رجلٍ مبعثرةٍ) هِيَ المجموعَةُ القَصَصِيَّةُ البِكْرُ للقاصَّةِ/الشَّاعرَةِ غزالةَ الحريزي، ضَامَّةً اثنتينِ وعشرينَ قصَّةً قَصيرَةً، جَاعِلَةً لها عنوانًا فَرْعِيًّا (نصوصٌ قصصيَّةٌ)، لم تشأْ أن تُسَمِّيَها قِصَصًا، لعلَّها كانت تهابُ التسميَّةَ الصَّريحَةَ لنُصُوصِها الإبداعيَّةِ تلكَ خَوفًا من أَلَّا تكونَ قصصيا فأرَادَتْهَا مَحْضَ نُصَوصٍ تَتَقاطعُ مَعَ القَصِ، تَتَشَاطَأَ معَ السَّردِ، تَتَوَاطَأُ مَعَ الحكيِ العَفْوِيِّ، لكنَّها خَانَتْ فَلَانَتْ فَكَانَتْ قِصَصًا نَاضِجَةً طَازَجَةً لا شِيَّةَ فيها.”
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: مكتب تونس
إقرأ أيضاً:
“بدر-250”.. طائرة جسّدت رؤية الإمارات في الاستثمار بالإنسان
“بدر-250”.. طائرة جسّدت رؤية الإمارات في الاستثمار بالإنسان
يُقال في المثل العربي: “من جدّ وجد، ومن سار على الدرب وصل، ومن صبر نال الفخر”.
وهكذا، لم يكن تدشين طائرة “بدر-250” سوى ثمرة مسار طويل من الجدّ والعمل، ورحلة إصرار إماراتية بدأت برؤية طموحة، وترجمتها سواعد وطنية إلى إنجاز ملموس.
هذه الطائرة ليست مجرد قطعة تكنولوجيا عسكرية، بل عنوانٌ جديد لفصلٍ تُكتبه الإمارات في سجل إنجازاتها الصناعية الوطنية.
في لحظة فارقة في مسيرة الصناعات الدفاعية، أعلنت مجموعة “كالدس” الإماراتية عن تدشين أول طائرة هجومية خفيفة تُصنّع وتُطوّر بالكامل داخل الدولة، تحت اسم “بدر-250”، وذلك خلال فعاليات معرض دبي للطيران 2025.
إنها ليست طائرة كغيرها؛ بل بداية جديدة تُجسّد فخر الصناعة الوطنية الإماراتية، وتؤكد أن الاعتماد على الكفاءات المحلية أصبح خيارًا استراتيجيًا لصناعة المستقبل.
الطائرة “بدر-250” اجتازت بنجاح كافة الاختبارات التأهيلية والعسكرية، وحصلت على تصريح الطيران من الهيئة العسكرية للسلامة الجوية، مما يؤهلها لأداء مهامها بكفاءة عالية في البيئات العملياتية الصعبة. وتُجسد هذه الخطوة نقلة نوعية في مسيرة التوطين، حيث أصبحنا أمام منتج متكامل يجمع بين الدقة التقنية والتصميم الإماراتي والقدرات التصنيعية الوطنية.
ومع هذا الحدث اللافت، تحضر كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، حين قال: “إن استدامة ازدهار الدولة يتطلب مواصلة الاستثمار في بناء الإنسان لتأهيل أجيال من الكفاءات المتميزة، تضع ما اكتسبته من معارف وعلم في خدمة وطنها، وتسهم في تحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة ورفد سوق العمل بالكفاءات الوطنية المؤهلة”.
وهذا بالضبط ما نراه مجسدًا في “بدر-250″، التي لم تولد في مصنع فقط، بل خرجت من رؤية تؤمن بأن الإنسان هو الثروة الأغلى، وأن المعرفة هي رأس المال الحقيقي.
تتميز “بدر-250” بقدرات تقنية متطورة تشمل محركًا من نوع “برات آند ويتني” بقوة 1600 حصان، وسرعة قصوى تصل إلى 301 عقدة، وتحليق مستمر حتى 12 ساعة، إلى جانب قابلية حمل الأسلحة الذكية والذخائر الدقيقة بوزن يصل إلى 1800 كجم.
كما تم تجهيزها بأنظمة إلكترونيات طيران من الجيل الجديد، وقدرات استطلاع ومراقبة متقدمة، وكاميرات كهروضوئية تحت الحمراء، إضافة إلى نظام ضغط للقمرة ونظام توليد الأكسجين الداخلي.
كل ذلك يجعلها منصة متعددة المهام تجمع بين التدريب، والدعم الجوي، والمراقبة، مع مرونة تشغيلية حتى في أقسى البيئات الميدانية.
لكن، ماذا تعني هذه الطائرة في السياق الأوسع؟
إنها إعلان واضح بأن الإمارات تدخل مرحلة جديدة من التميز الصناعي الوطني، القائم على العلم والخبرة، وليس مجرد الاستيراد والتجميع. وهذا يعزز من جاهزيتها الدفاعية الذاتية، ويضعها في مصاف الدول القادرة على صناعة حلول متقدمة بمواردها البشرية والعلمية.
“بدر-250” ليست مجرد هيكل طائر، بل تجسيد لثقافة لا تؤمن بالمستحيل، ونتاج عقلية قيادية ترى أن الطموح لا سقف له.
في كل جناح منها بصمة إماراتية، وفي كل تحليق رسالة مفادها: نحن نصنع قوتنا بأيدينا.