استعرض مقال للكاتب والصحفي البريطاني توم ستيفنسون في صحيفة "لندن ريفيو" تفاصيل العدوان الإسرائيلي على غزة والرغبة في تدمير القطاع المدعومة غربيا.

وقال ستيفنسون، "إذا كانت إسرائيل قد أخفقت في توقع هجوم تم الإعداد له بتخطيط دقيق وعلى مثل هذا المستوى الضخم، فأنى لها أن تقوم الآن بتنفيذ عملية عسكرية متناسقة؟

وأضاف، "لسوف يكون من سابع المستحيلات اقتلاع حماس أو تدميرها كمنظمة، حتى لو كان لإسرائيل اختراق استخباراتي واطلاع جيد على الأمور داخل القطاع".



وتابع، "منذ البداية، كانت عملية السيوف الحديدية هجوماً شاملاً على سكان أغلبيتهم العظمى من المدنيين الذين يعيشون رهن الحصار".

وأردف، "لا تمت أساليب إسرائيل بكثير من العلاقة إلى مذهب مكافحة التمرد المتعارف عليه، أو إلى قواعد الاشتباك. ولذلك تعتبر الحرب على غزة في جوهرها عملية انتقامية: فعل من أفعال العقاب الجماعي، الذي مثله مثل جميع الإجراءات العقابية".

وبين، "أن تنفيذ الحرب له صفة عربدية. الاحتفالات بالقتل من قبل الزعماء السياسيين الإسرائيليين، المخططات الخيالية لإزاحة الفلسطينيين".

واستدرك، "لا يملك المرء سوى أن يتساءل ما الذي سيكون عليه شكل الرد لو أن الحجج التي تعتبر صالحة بما يكفي لتبرير الهجوم على غزة كانت مقلوبة رأساً على عقب".

لنفترض أن الصحف المحلية خرجت علينا بمقولات مثل: نظراً لأن حكومة إسرائيل تأمر بارتكاب فظائع منكرة، وذلك بالضبط ما هو حاصل، فإنه يتوجب قتل المسؤولين الإسرائيليين مهما كان الثمن".

وأشار إلى تصريحات المسؤولين الغربيين الذين تبنوا رواية الاحتلال تستخدم في تبرير قتل الفلسطينيين.



وفيما يلي نص المقال الذي ترجمته "عربي21”:

خلال الشهور الثلاثة من هجوم إسرائيل على غزة قُتل ما يقرب من 25 ألف فلسطيني وجُرح ما يقرب من 60 ألفاً، سبعون بالمائة منهم من النساء والأطفال وما يقرب من 80 بالمائة من السكان في غزة أجبروا على النزوح.

كان معدل القتل خلال تلك الفترة أعلى مما شهدته معظم الحروب التي شهدتها المعمورة في هذا القرن، حيث وصل في بعض الأوقات إلى ما يزيد عن ألفين من الوفيات في الأسبوع الواحد، ولم تسلم من القصف الجوي عربات الإسعاف ولا المخابز ولا مدارس الأمم المتحدة التي تحولت إلى ملاجئ للنازحين.

قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 150 من موظفي الأمم المتحدة، بينما تحولت المنظمات الخيرية الدولية إلى مجرد وكالات مهمتها تدوين أعداد الأطراف التي تبتر في كل يوم. وإذ يصر المسؤولون الإسرائيليون على الاستمرار في النفي السخيف لوجود أي نوع من الأزمات الإنسانية، تحولت معظم المراكز الحضرية في غزة إلى ساحات بركانية من الأكوام الرمادية والسوداء غير المتساوية.
 
شاعت الرغبة داخل إسرائيل في الانتقام للهجوم الذي وقع يوم السابع من أكتوبر. إلا أن الجيش الإسرائيلي كان بكل وضوح يعلم أقل بكثير مما كان يعتقد بذلك الذي يجري داخل قطاع غزة.

إذا كانت إسرائيل قد أخفقت في توقع هجوم تم الإعداد له بتخطيط دقيق وعلى مثل هذا المستوى الضخم، فأنى لها أن تقوم الآن بتنفيذ عملية عسكرية متناسقة؟ لسوف يكون من سابع المستحيلات اقتلاع حماس أو تدميرها كمنظمة، حتى لو كان لإسرائيل اختراق استخباراتي واطلاع جيد على الأمور داخل القطاع.

لقد شبه المسؤولون والسفراء الإسرائيليون أنفسهم الحملة الجوية على غزة بالقصف الذي تعرضت له مدينة دريزدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية، ورغم حجم القتل المهول، إلا أن التدمير المنتظم للبنى التحتية المدنية فاق التصور. 

وتطلبت الحرب نشر ما لا يقل عن 360 ألفاً من عناصر الاحتياط،  أي ما يقرب من أربعة بالمائة من سكان "إسرائيل".

من الهرمية السياسية والعسكرية نزولاً إلى أدنى الرتب الفردية، بدا أن طبيعة العمليات كانت محل قبول منذ اللحظة الأولى، ألا وهي أنه سوف يتم تدمير غزة وسوف يرفرف العلم الإسرائيلي فوق أطلالها.

لعل هذا ما يفسر انهماك الجنود الإسرائيليين في تسجيل سيل منهمر من مقاطع الفيديو التي وثقوا من خلالها إخراج الفلسطينيين عنوة من ديارهم، ودونوا احتفالهم بذلك، وكما عبرت عن ذلك القناة 13 الإسرائيلية، (لسوف تحتفل القوات الإسرائيلية بعيد الحانوكا (مهرجان النور) في ميدان فلسطين).
 
وبدأت الحرب بشن حملة من القصف الاستراتيجي، على مدى أسابيع، لم يكد يسلم منها متر مربع واحد. وتم استهداف المباني السكنية التي يعتقد بأنها كانت تحتوى شققاً تعود لأعضاء في حركة حماس دونما أي اعتبار لعدد من قد يقتلون خلال العملية. 

بل وفي بعض الحالات قتل المئات من المدنيين أثناء محاولة إسرائيل استهداف شخصية واحدة من شخصيات حركة حماس. ولكن، بحسب ما يقوله الصحفي الاستقصائي الإسرائيلي يوفال أبراهام – والذي يعرف بمصادره الجيدة داخل التسلسل القيادي في الجيش وأجهزة المخابرات، كان جل حملة القصف الجوي يستهدف غزة بأسرها، وليس حماس فقط كما تدعي إسرائيل باستمرار. 

وطبقاً لمصادر أبراهام فإن معظم الضربات الجوية كانت تستهدف بكل وضوح أهدافاً مدنية، وكانت "الغاية منها إلحاق الأذى بالمجتمع المدني الفلسطيني"، لدرجة أن روبرت بابه، الخبير السياسي الأمريكي، وصف ذلك في شهر كانون الأول/ ديسمبر، بأنه "واحد من أشد حملات العقاب التي تشن على المدنيين في التاريخ".
 
ما يفعله القصف الاستراتيجي بأي مدينة هو اللجوء إلى الأساليب العسكرية من أجل إحداث دمار هائل في المراكز الحضرية شبيه بذلك الذي أحدثه زلزال العام الماضي في تركيا وسوريا: أنابيب وأسلاك مشوهة، عقد ملتوية من القضبان الحديدية والخرسانة المقطعة، منازل مقسومة إلى شطرين، انكشفت أساساتها كما لو كانت أعجاز نخل خاوية. 

بشكل ما، يبدو الركام كما لو كان أكبر بكثير من الكتلة الكلية للمباني الأصلية، من ذا الذي يملك إزاحة كل ذلك؟ وأين عساه يذهب به؟ وكيف لآليات الحفر والجرف أن تميز بين الحطام والعظام؟

كانت استراتيجية إسرائيل على الأرض تتمثل في البدء بإحكام طوق على أطلال مدينة غزة، فدخلت القوات الإسرائيلية إلى القسم الشمالي من غزة ما بين بيت حانون والبحر وقطعت خط الانسحاب إلى الشمال تماماً بمحاذاة وادي غزة قبل أن تقوم بوصل المواقع بعضها ببعض على امتداد البحر.

وبعد الهدنة المؤقتة التي استمرت لمدة أسبوع في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، بدأت العمليات البرية في المناطق التي تلي ذلك جنوباً. وفي شهر ديسمبر (كانون) توجهت القوات الإسرائيلية نحو خان يونس، دافعة بمعظم السكان باتجاه رفح وشريط ضيق من الأرض على امتداد الحدود مع مصر. لا يسمح إلا لعدد ضئيل جداً من الناس بالعبور، ولذلك بقي سكان غزة محشورين بطريقة يندر أن يتعرض لها أحد، بما في ذلك حتى من يعلقون في مناطق الحروب.
 
إن القتال بين أكوام الركام أصعب بكثير من القتال في شوارع لم تصب بأضرار. استخدم الجيش الإسرائيلي مسيرات كوادكوبتر صينية، مثل تلك التي من طراز DJI Mariv 3، حتى يصل إلى داخل المباني المقصوفة قبل أن يعطي جنوده الضوء الأخضر بدخولها. ينبغي على جنوده وهم يفعلون ذلك حماية أنفسهم من العبوات الناسفة ونيران البنادق التي تستهدفهم عبر الثقوب الموجودة في المباني، والتي غدت تستخدم كمتاريس. 

يقوم أفراد سلاح الهندسة بتنفيذ عمليات هدم وتفجير لمناطق بأسرها.  وأثناء الهجوم على خان يونس نشر الجيش الإسرائيلي كتيبة محمولة جواً بكاملها داخل وحول المدينة بالإضافة إلى الكتائب المسلحة الثلاث التي كانت ما تزال تعمل داخل مدينة غزة. إلا أن كتاب عز الدين القسام التابعة لحماس، وعناصر الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى وغيرها من المجموعات الفلسطينية المسلحة، تصدت للإسرائيليين بالمقاومة. 

قبل أن تتولى حماس إدارة قطاع غزة في عام 2006، طورت كتائب القسام التابعة لها نسخة مصنعة محلياً من المدفع السوفياتي المحمول على الكتف (آر بي جي – 2)، والذي أطلقوا عليه اسم الياسين (على اسم الشيخ أحمد ياسين، أحد مؤسسي حركة حماس). ظن المحللون العسكريون الإسرائيليون أن هذا السلاح لن يكون فعالاً ضد دباباتهم وعرباتهم المصفحة الثقيلة. وذلك أن دبابات ميركافا مزودة بنظام حماية (يسمى تروفي)، صمم لحمايتها من الأسلحة المضادة للدبابات. 

وفعلاً، خلال هجومي عام 2014 وعام 2021 على غزة، نجح نظام تروفي، ولكن ثمة أدلة على أن مقاتلي القسام هذه المرة تمكنوا من الاقتراب من الدبابات على الأقدام ووضعوا الذخيرة تحت أنظمة الحماية الفعالة لإبطالها وتعطيلها قبل إطلاق قذائف آر بي جي عليها. 



كما استخدم مسلحو غزة بنادق مصنعة محلياً باستخدام معدات الخراطة والأدوات الصناعية البسيطة. منذ الثالث والعشرين من يناير (كانون الثاني) فقدت إسرائيل في غزة 217 جندياً، بعضهم أثناء خوضهم معارك قتالية مع المليشيات الفلسطينية (مثل الواحد والعشرين جندياً احتياطياً الذين قتلوا في الثاني والعشرين من يناير)، والذين ماتوا بسبب عبوات انفجرت قبل الأوان، كانوا قد زروعها هم أنفسهم.
 
يتعرض الرجال والأولاد الفلسطينيون، ممن تتراوح أعمارهم ما بين اثني عشرة وسبعين سنة، للتعرية، والتكبيل، وعصب العيون، ثم يحملون في شاحنات تنقلهم إلى مقرات التحقيق. وبعضهم تدون أرقام على أذرعهم. 

ولقد تم نقل المئات ممن اعتقلوا داخل غزة إلى سجن كيتزيوت الصحراوي، بالقرب من الحدود مع مصر، ولربما تم نقل آخرين إلى القواعد العسكرية المجاورة. بعض الرجال الذين اعتقلوا في بيت لاهيا تمت تعريتهم ثم نقلوا إلى معسكرات مسيجة، وبقوا هناك أياماً وهم في الأصفاد، حيث تعرضوا للضرب والتعذيب. وهناك من اختفوا تماماً ولا يعرف لهم مكان. فيما بعد قال الجيش الإسرائيلي إن ما بين خمسة وثمانين بالمائة وتسعين بالمائة من المعتقلين كانوا مدنيين. 

وقامت القوات الإسرائيلية مراراً بمداهمة مدارس الأمم المتحدة لاعتقال أي رجال يتواجدون داخلها. ولقد وثق مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة حادثة وقعت يوم التاسع عشر من ديسمبر (كانون الأول) حينما حاصر الجيش الإسرائيلي ثم داهم بناية في حي الرمال داخل مدينة غزة. جاء فيما وثقه المكتب التالي: "تم الزعم بأن الجيش الإسرائيلي فصل الرجال عن النساء والأطفال، ثم أطلق النار على ما لا يقل عن أحد عشر رجلاً وقتلهم، وجلهم تتراوح أعمارهم ما بين أواخر العشرينيات ومطلع الثلاثينيات، وفعل ذلك على مرأى ومسمع من أفراد عائلاتهم."
 
منذ البداية، كانت عملية السيوف الحديدية هجوماً شاملاً على سكان أغلبيتهم العظمى من المدنيين الذين يعيشون رهن الحصار. 

لا تمت أساليب إسرائيل بكثير من العلاقة إلى مذهب مكافحة التمرد المتعارف عليه، أو إلى قواعد الاشتباك. ولذلك تعتبر الحرب على غزة في جوهرها عملية انتقامية: فعل من أفعال العقاب الجماعي، الذي مثله مثل جميع الإجراءات العقابية، يغفل التساؤل عما إذا كان ذلك ناجعاً أم لا.

حقيقة أن العقاب في حد ذاته كثيراً ما يكون هو الغاية النهائية. إلا أن تنفيذ الحرب له صفة عربدية. الاحتفالات بالقتل من قبل الزعماء السياسيين الإسرائيليين، المخططات الخيالية لإزاحة الفلسطينيين وإخراجهم إلى سيناء أو إلى أوروبا أو إلى الكونغو، والشخصيات العامة التي توقع اسماءها على القنابل التي سوف يقصف بها ما تبقى من غزة، والتسجيلات التي يقوم بها الجنود الإسرائيليون بكل سعادة وابتهاج – كل ذلك يجمع ما بين الحقد والنشوة.
 
قد نرغب في مقارنة الحرب الحالية مع العمليات الإسرائيلية ضد غزة في حروب 2008/2009، 2012، 2014، و 2021. 

ولكن الأكثر فائدة من حيث المعلومات هو مقارنة عملية السيوف الحديدية الأكبر بكثير مع طوفان الأقصى، الهجوم الذي قادته حماس على عدة جبهات يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول). خلال دقائق من اختراقهم لحاجز غزة (وذلك ليس بحدود)، وجد المسلحون أنفسهم وجهاً لوجه أمام نسخة إسرائيلية من مهرجان النشوة البرازيلي، الذي كان قائماً بالقرب من رعيم. مباشرة تقريباً تحول ذلك إلى مجزرة، حيث قتل المئات من المشاركين في المهرجان بينما أخذ آخرون رهائن. 

داخل الكيبوتزات استهدف المقاتلون قوات الرد السريع المحلية (في نير يتسحاق قتلوا ما يقرب من خمسة رجال مسلحين)، بالإضافة إلى مدنيين إسرائيليين وعمال مزارع من جنوب شرق آسيا. 

يوصف طوفان الأقصى في العادة بأنه هجوم لحماس، يكاد يكون من المؤكد تقريباً أن التخطيط له والأمر به كان من قبل يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، وكذلك من قبل قائد كتائب القسام محمد الضيف.

ولكنه كان أيضاً عملاً تعاونياً شاركت فيه مختلف المليشيات الموجودة داخل غزة، حيث ساندت كتائب أبو علي مصطفى كتائب القسام والجهاد الإسلامي الفلسطيني. 

فيما بعد انضمت إلى هؤلاء المقاتلين عناصر غير نظامية من غزة، والنتيجة أن فرق هجومية نظمتها كتائب القسام، على درجة عالية من الانضباط العسكري والعنف النموذجي كانت ترافقها مجموعات من المقاتلين غير المدربين والذين ينقصهم ما يتميز به مقاتلو القسام من انضباط وعنف. 

بالمجمل، قتل ما يقرب من 800 مدني إسرائيلي، بما في ذلك 36 طفلاً، و370 من أفراد الجيش وعناصر الأمن (عدد قليل منهم قتلوا نتيجة لمحاولات الجيش الإسرائيلي فرض السيطرة على المنطقة). مائتان وخمسون آخرون أخذوا رهائن، ما يقرب من نصف عدد القتلى المدنيين كانوا من رواد المهرجان.
 
كان صادماً حجم الهجوم الذي شنته حماس، بما تضمنه من عدد كبير من القتلى في يوم واحد. منذ ذلك اليوم، قتلت إسرائيل ما لا يقل عدده عن عشرين ضعفاً وأكثر من مائتي ضعف من الأطفال. 

كما قامت بشكل منتظم بمهاجمة المرافق الصحية في غزة، رغم أنه بموجب القانون الدولي لا يجوز إلا في حالات استثنائية جداً القيام بمثل هذه الأعمال. 

في منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول)، انشغلت وسائل الإعلام الدولية لبعض الوقت في الجدل حول ما إذا كانت إسرائيل مسؤولة عن الضربة التي استهدفت ساحة مستشفى الهلال. 

ولكن لم يكن ذلك هو المستشفى الأول الذي يتعرض للهجوم. جميع المستشفيات في شمال غزة تقريباً – المستشفى الإندونيسي، مستشفى العودة، مستشفى الرنتيسي، مستشفى الشفاء، مستشفى القدس، مستشفى الأهلي، ومستشفى الصداقة التركية الفلسطينية، ومستشفى الوفاء – تعرضت للقصف والحصار أو الاحتلال من قبل القوات الإسرائيلية. ومعظمها أخرج عن الخدمة بنهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني). 

في الثالث والعشرين من نوفمبر اعتقل مدير مستشفى الشفاء محمد أبو سلمية، ولا يزال رهن الاعتقال (كان يفترض حينها أن مستشفى الشفاء هو مقر قيادة حماس ومركز التحكم). تم احتلال مستشفى الهلال من قبل الجيش الإسرائيلي الذي ما لبث أن أغلقه يوم الثامن عشر من ديسمبر (كانون الأول). 

وفي منتصف شهر ديسمبر، حاصرت القوات الإسرائيلية وقصفت مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، رغم علمهم بأنه كان يغص بالمرضى. ثم دخلوا المبنى واعتقلوا أكثر من ألف فلسطيني، بما في ذلك الكوادر الطبية العاملة داخل المستشفى، ونقلوا في شاحنات ما يقرب من سبعين منهم إلى موقع مجهول. ولقد وثقت منظمة الصحة العالمية 240 هجوماً على المرافق الطبية.  
 
في البداية منعت القوات الإسرائيلية جميع المساعدات من دخول قطاع غزة، وفي نفس الوقت قطعت إمدادات الوقود والمياه والكهرباء والطعام. بحسب تقديرات الأمم المتحدة، ما يقرب من ربع السكان يعانون من مجاعة كارثية – 80 بالمائة من مجموع الناس حول العالم الذين يصنفون حالياً ضمن هذه الحالة. 

لدى غزة أعلى نسبة مئوية من الناس الذين يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي يتم تسجيله حتى الآن. كان يمكن بكل سهولة رفع الحصار البحري للسماح بشحن المساعدات إلى القطاع. مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات والأغذية تنتظر في مصر، ولكنها فعلياً تمنع من الدخول. 

خلال الشهرين الأولين من حربها، طالبت إسرائيل بنقل النزر اليسير من المساعدات التي ترسل من مصر عبر طريق طابا رفح حتى تخضع للفحص من قبل المسؤولين الإسرائيليين في نيتزانا قبل أن تعود وتنقل ثانية إلى معبر رفح من أجل أن تدخل من هناك إلى قطاع غزة. 

أما الآن، فيمكن أن تجري عملية الفحص في معبر كرم سالم، ولكن الشاحنات مازالت تخضع للتدقيق والفحص يدوياً نزولاً عن رغبة الجيش الإسرائيلي (وذات مرة تم رفض حمالات الإسعاف). قبل أن تتمكن من الدخول إلى غزة، يجب على الشاحنات أن تفرغ بالكامل من أجل الخضوع للفحص والتدقيق، ثم يعاد تحميلها تارة أخرى، مما يتسبب بتأخيرات طويلة جداً. كان بإمكان إسرائيل السماح للمساعدات بالعبور إلى داخل غزة من منطقتها هي في أي وقت، ولكنها اختارت ألا يكون ذلك. 

خلصت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية ييتسيلم إلى أن التجويع الجماعي للناس في غزة "لم يكن ناجماً عن الحرب وإنما كان نتيجة مباشرة لسياسة إسرائيل المعلنة .... إن السماح بدخول الغذاء إلى قطاع غزة ليس عملاً من أعمال الشفقة وإنما هو واجب ملزم بموجب القانون الإنساني الدولي. يمثل رفض الانصياع لهذا الواجب جريمة من جرائم الحرب."
 
أحد مبررات هذا الحجم المهول من التدمير هو وجود شبكة الأنفاق في غزة. 

تعتبر إسرائيل والمدافعون عنها في الولايات المتحدة وأوروبا الأنفاق أمراً شريراً، وخاصة في ضوء المزاعم بأن حماس تستخدمها لتحويل المال والبضائع بعيداً عن المواطنين. 

وما لا يتم الإشارة إليه في العادة هو أن الأنفاق، وبعضها كان سابقاً على وجود حماس، إنما حفرت ووسعت كإجراء دفاعي بعد تعرض غزة مراراً وتكراراً للهجمات الإسرائيلية، وكوسيلة لتجاوز الحصار (بعض الأنفاق كانت تمتد إلى داخل مصر، رغم أن معظمها تم تدميره). أي إدارة في غزة لم تأخذ بعضاً من مثل هذه الإجراءات كانت ستتهم بالإهمال. 



ويبدو أن الأنفاق لعبت دوراً فعالاً في إحباط وإعاقة العمليات البرية الإسرائيلية. ومع ذلك، عززت الأنفاق في كل من إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا فكرة أن أهل غزة عبارة عن وباء خارج عن السيطرة: مخلوقات تحت أرضية، أبناء الظلام.
 
تمثلت الأهداف المعلنة للحكومة الإسرائيلية في غزة في القضاء على حماس واستعادة الرهائن. 

ولكن عدداً قليلاً جداً من كبار القادة في حماس تم التأكد من قتلهم أو أسرهم في غزة، ولم تتمكن القوات الإسرائيلية من إنقاذ سوى رهينة واحدة من خلال عملية عسكرية، ولم تكن تلك الرهينة مدنية. 

قتل عشرات الألوف، ولكن السنوار والضيف، أبرز قياديين لحماس داخل غزة، مازالا ليسا من بينهم. أبرز وأهم قادة حماس الذين تم قتلهم منذ بدء الحرب هو صالح العاروري، والذي اغتيل في لبنان يوم الثاني من يناير (كانون الثاني).

مازالت القوات الإسرائيلية تقوم بعمليات تطهير في شمال غزة، ولكن كتائب القسام مستمرة في العمل داخل مدينة غزة وفي خان يونس. لقد قتل الجيش الإسرائيلي آلاف المقاتلين الفلسطينيين، ولكن من المحتمل جداً أن تكون الحرب قد أفضت إلى تجنيد سيل من المقاتلين الجدد. لم تحقق العمليات العسكرية الإسرائيلية أياً من الغايات المعلنة، ويبدو جلياً أن الغرض الحقيقي هو إنزال العقوبة الجماعية بالناس وإلحاق الدمار الشامل بالقطاع.

يبدو أن القادة الإسرائيليين يساندون هذا التقييم. بالنسبة لوزير التراث أميهاي إلياهو، كان تدمير شمالي غزة "متعة للناظرين". تحدث بنيامين نتنياهو مراراً وتكراراً عن حمل الفلسطينيين على المغادرة. 

أما وزير المالية بيزاليل سموتريتش، فيتصور مستقبلاً فيه 100 ألف أو 200 ألف عربي في غزة وليس مليونين. وأما وزير الدفاع يوآف غالانت فقال إن إسرائيل تقاتل حيوانات بشرية وأننا نتصرف بناء على هذا الأساس. 

بعض هذه التصريحات تم جمعها في المرافعة التي تقدمت بها جنوب أفريقيا لدى محكمة العدل الدولية في التاسع والعشرين من ديسمبر (كانون أول)، والتي اتهمت إسرائيل بالقيام بأعمال تجاوزت المذبحة إلى الإبادة الجماعية. في اليوم الأول من المرافعة، قالت تيمبيكا نغكوكايتوبي إن الدليل على وجود نية بارتكاب إبادة جماعية ليس مرعباً فحسب، بل إنه كذلك كاسح ولا جدال فيه. 

في السادس والعشرين من يناير (كانون الثاني) أصدرت محكمة العدل الدولية حكماً مؤقتاً يوجب على إسرائيل "اتخاذ جميع الإجراءات" لمنع أعمال الإبادة الجماعية في غزة. وقالت إنها اطلعت على التصريحات التي صدرت عن غالانت وعن غيره.  
 
ثمة ما يغري بتحميل اليمين الإسرائيلي المسؤولية عن التوحش في الحرب. إلا أن الانقسامات السياسية تلاشت بعد السابع من أكتوبر، والتي قامت، كما كان الحال، على التظاهر بأن الاحتلال ليس ذا شأن وأن وجود الفلسطينيين هو مصدر الإزعاج. 

في أغسطس الماضي، قالت شيكما بريسلر، إحدى الشخصيات الرئيسية في حركة المعارضة، إنه يُنصح بعدم رفع الأعلام الفلسطينية في مسيرات المعارضة من أجل التأكيد على أن تلك ليست هي القضية الأساسية هنا.

ما من شك في أن التأييد المحلي لحكومة نتنياهو ضعيف، بل وتتعرض للانتقاد بسبب الإخفاق في استعادة الرهائن. إلا أن ثمة إجماعاً قوياً لصالح المجهود الحربي، ربما باستثناء بعض المعارضين في الهوامش. 

كما أن غزة وفرت غطاء ممتازاً للعدوان الذي تمارسه الشرطة بالتنسيق مع المستوطنين في الضفة الغربية، كما استغل القادة الإسرائيليون الفرصة للإيحاء بإمكانية مهاجمة لبنان. في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني)، اقترح المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس "إن التوقيت لن يكون أبداً أفضل مما هو عليه الآن" من أجل أن تهاجم إسرائيل إيران. 

وكتب موريس في مقال له في صحيفة هآريتز يقول: "من الممكن أن مثل هذا الهجوم، وخاصة إذا ما نجح، لسوف يسعد حتى واشنطن."
 
في الواقع اتسم رد الفعل من قبل إيران وحزب الله في لبنان على الهجوم على غزة بالانضباط والحذر. 

شن حزب الله هجمات صاروخية على شمال إسرائيل، وأطلقت إسرائيل قذائف الفوسفور الأبيض وأسقطت القنابل على البلدات المحاذية للحدود، مما أفضى إلى نزوح عشرات الآلاف من الناس من بيوتهم في الجانبين. 

وتم في الثامن من يناير (كانون الثاني) اغتيال القائد الميداني الكبير في حزب الله وسام الطويل في ضربة جوية إسرائيلية. 

ولكن بالمجمل، ظل رد فعل حزب الله على الحرب متواضعاً. لم يتكلم حسن نصر الله عن غزة حتى الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني)، وحتى عندما تكلم لم يقل الكثير. 

وإيران هي الأخرى مارست درجة عالية من الانضباط النسبي، واقتصر ردها في الأغلب على هجمات رمزية يشنها وكلاؤها على المواقع العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا. إلا أن محاولة الحوثيين فرض حصار على البحر الأحمر كانت أكثر خطورة وأشد تبعات، فلقد نجحوا عبر ما أطلقوا عليه عبارة "التدخل الإنساني عبر القرصنة" في تغيير المسار عبر جزء كبير من واحد من أهم الخطوط التجارية.

ورغم القصف الذي نفذته كل من الولايات المتحدة وبريطانيا على اليمن إلا أن ذلك لم يجد نفعاً معهم ولم يحملهم على التوقف عما يفعلونه.
 
لا يمكن رؤية أفعال إسرائيل في معزل عن الولايات المتحدة، وذلك لأن الحماية التي توفرها الولايات المتحدة هي التي تشكل البيئة التي تعمل فيها إسرائيل. 

وكان المقصود من نشر مجموعة حاملات الطائرات الأمريكية في المنطقة (بالإضافة إلى بضع سفن حربية بريطانية) هو توجيه رسالة إلى الدول المجاورة مفادها أن إسرائيل لا تعمل بمفردها، وبالتالي التخفيف من أخطار التدخل الإقليمي ضد إسرائيل. 

كما أن الحرب بحد ذاتها عبارة عن جهد عابر للحدود. ولا أدل على ذلك من أن القنابل التي يتم صنعها في تكساس تزود بأنظمة توجيه دقيقة في ميسوري، ثم تشحن إلى أوروبا، ثم من هناك تنقل جواً، ربما عبر قواعد بريطانية في قبرص، إلى إسرائيل قبل أن تستخدم لقصف غزة. 

يتم ضبط السياسات الخارجية لكل من الولايات المتحدة وأوروبا بحيث يتسنى تمكين إسرائيل من فعل ما تقوم به الآن بالضبط. سارعت الولايات المتحدة إلى توفير 14.5 مليار دولار إضافية كمساعدة طارئة لإسرائيل مساهمة في الجهد الحربي. 

تشتمل الإمدادات العسكرية على 2000 صاروخ من طراز نار الجحيم وكذلك 57 ألف قذيفة من عيار 155 ملم. عندما أوشك مخزون الجيش الإسرائيلي من قذائف الدبابات عيار 120 ملم على النفاذ، أقرت وزارة الخارجية شحن 14،000 قذيفة أخرى. وفي العشرين من أكتوبر (تشرين الأول) طلب البيت الأبيض رفع جميع القيود التي تحول دون الوصول إلى الذخيرة التي تم تخزينها داخل إسرائيل.
 
بعد أسبوع واحد من بدء الهجوم الإسرائيلي، سافر أنطوني بلينكن إلى تل أبيب لإجراء تسع ساعات من المحادثات في معقل التحكم الذي يوجد تحت الأرض أسفل هاكيريا، المقر الرئيسي للجيش الإسرائيلي، والذي يعرف باسم "الحفرة". دون أن يردعهم الدمار الحاصل، ظل المسؤولون الأمريكيون يقومون بزيارات مستمرة لإسرائيل للتأكيد على ما أطلق عليه وزير الدفاع لويد أوستن "الدعم الأمريكي الذي لا يتزحزح." 

في البداية، ادعت الولايات المتحدة أنها تطير المسيرات فوق غزة من أجل "استعادة الرهائن." ولكن بناء على طلب تقدم به الصحفيان الأمريكيان كين كليبنستين وماثيو بيتي، انطلاقاً من حرية الحصول على المعلومات، تم الكشف عن أن سلاح الجو الأمريكي نشر ضباط مخابرات في تل أبيب وكلفهم بمهمة توفير دعم استهدافي للحملة الجوية. 

بالطبع، يمكن لحجم المذابح في غزة أن يصعب الأمور على القادة الأمريكيين. يتناوب طاقم العاملين المدجن في الدوائر الصحفية داخل البيت الأبيض والخارجية الأمريكية – والذي يقف من وراء الملف الذي نشرته مجلة تايم عن بلينكن ويقطر تزلفاً – على القول بأن الولايات المتحدة لم تزل بكل جرأة "تتفاوض" مع إسرائيل من أجل حملها على ممارسة "الانضباط". 

ولكن لا يوجد سبب يجعل المرء يأخذ ذلك التوصيف على محمل الجد. إلا أن كولين كاهل، وكيل وزارة الدفاع السابق، قدم تقييماً أكثر دقة حين قال إن "بايدن سارع مباشرة إلى الدفاع عن إسرائيل وظل ثابتاً على موقفه ذلك حتى في وجه الانتقادات المتزايدة له محلياً ودولياً."
 
تحول الولايات المتحدة دون إمكانية ممارسة ضغط فعال من قبل الأمم المتحدة على إسرائيل، وذلك نظراً لأن سياسة "العلاقة الخاصة"، التي حددت معالمها مذكرة صادرة عن البيت الأبيض في مايو (أيار) 1961، مازالت فعالة.

تنص تلك السياسة على التالي: "يجب على إسرائيل أن تعلم أنها فيما لو هوجمت، فإن بإمكانها أن تعتمد على الولايات المتحدة التي لن تدخر جهداً داخل الأمم المتحدة وخارجها." من المعروف أن بايدن لا يستسيغ نتنياهو، ولكن في أوج المذابح كان الرجلان يتكلمان مع بعضهما البعض يوماً بعد يوم. 

ولقد كشف الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد عن أن بايدن ونتنياهو جرت بينهما مكالمة هاتفية صعبة في أواخر شهر ديسمبر (كانون الأول)، وأنهما لم يتحدثا سوى مرة واحدة منذ ذلك الحين. ولقد أقر بذلك بلينكن في السادس عشر من يناير (كانون الثاني)، قائلاً إنه ولئن كان الدعم الأمريكي مستمراً بدون ريب فإن "عدداً أكبر من اللازم من الفلسطينيين، الفلسطينيين الأبرياء، يتعرضون للقتل." 

ولكن هذا التبدل في اللهجة لا ينبغي أن يؤخذ على أنه يعني أن الكثير قد تغير. لربما بادر بلينكن ومعه مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان بالطلب من إسرائيل تخفيف معدل القتل من أجل تيسير مهمة الولايات المتحدة وأوروبا في الدفاع عنها. ولذلك تصادف تصريح بلينكن مع انتقال الجيش الإسرائيلي إلى ما وصفه أحد المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين بأنه "حملة متنقلة منخفضة الشدة."
 
أما بريطانيا فدعمت الهجوم على غزة، ليس فقط من خلال تزويد إسرائيل بكميات متواضعة من الأسلحة والذخيرة، ولكن أيضاً، وبكونها عضواً في التحالف الاستخباراتي الخماسي (الذي يشمل كذلك كلاً من أستراليا ونيوزيلندا وكندا والولايات المتحدة)، من خلال تقديم المعلومات الاستخباراتية. فقد طير سلاح الجو الملكي البريطاني طائرة فوق غزة متخصصة في جمع المعلومات والرصد والتعرف على الأهداف، حتى أن منظمة هيومان رايتس ووتش دعت في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) بريطانيا إلى التوقف عن تسليح إسرائيل وإلا فإنها تجازف "بأن تتهم بالتورط في ارتكاب انتهاكات خطيرة." إلا أن المؤسسة السياسية البريطانية كشفت عن دعم ثابت لا يتزحزح لإسرائيل. ولا أدل على ذلك من أن ديفيد كاميرون، الذي يشغل الآن منصب وزير الخارجية، قال إنه لا سبيل لأن تكون إسرائيل ضالعة في ارتكاب جرائم حرب في غزة لأنها "دولة ديمقراطية" ولأنها "بلد لديه قوات مسلحة ملتزمة بالانصياع لسيادة القانون." 

وفي الرابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) دافع رئيس هيئة الأركان البريطاني طوني راداكين عن الجيش الإسرائيلي، قائلاً إنه "لا مفر من أن القتال في مثل هذه المناطق ذات الكثافة السكانية العالية قد يسبب ضرراً بالغاً للمدنيين." بالإضافة إلى ذلك، يسارع الوزراء إلى استخدام عبارات تعود إلى الحروب السابقة في غزة، تكاد تكون بدون أي معنى في السياق الحالي. 

ومن ذلك ما قاله كاميرون أثناء حديثه أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان يوم التاسع من يناير (كانون الثاني)، من أن الدعوات لوقف القتال كانت غير واقعية نظراً لأن السؤال الملح هو: "كيف يمكنك التخلص من قدرة حماس على إطلاق المزيد من الصواريخ." وكأن الصواريخ هي كل ما يشغل البال في هذا الوقت.
 



لا يملك المرء سوى أن يتساءل ما الذي سيكون عليه شكل الرد لو أن الحجج التي تعتبر صالحة بما يكفي لتبرير الهجوم على غزة كانت مقلوبة رأساً على عقب. 

لنفترض أن الصحف المحلية خرجت علينا بمقولات مثل: نظراً لأن حكومة إسرائيل تأمر بارتكاب فظائع منكرة، وذلك بالضبط ما هو حاصل، فإنه يتوجب قتل المسؤولين الإسرائيليين مهما كان الثمن، وأنه لو كان تدمير تل أبيب ضرورياً من أجل تحقيق هذه الغاية، فليكن إذن ولا بأس في ذلك. 

وكذلك لو استدعى الأمر تحويل حانات ريهافيا إلى ركام، فحظاً سيئاً – ثم انظر كم هي قريبة من مقر الرئاسة في شارع هاناسي. 

هل تقوم الدولة الإسرائيلية باستخدام الأموال في بناء المعاقل لقادتها تحت الأرض؟ وهل يمكن تبرير القصف السجادي بناء على الزعم بأن الحكومة والأحزاب السياسية التي تتشكل منها غدت جزءاً لا يتجزآ من المجتمع الإسرائيلي؟ لقد اكتسبت مثل هذه المقولات السخيفة درجة من الاحترام وهي تستخدم في تبرير قتل الفلسطينيين.
 
تقترب الآن نسبة المباني المدمرة في غزة من تلك التي شهدتها غويرنيكا أو هامبورغ أو هيروشيما، المدن التي ارتبطت أسماؤها بأشنع الفظائع وأشد حالات الدمار التي شهدتها الحرب العالمية الثانية. 

لا توجد ثمة علاقة بين هدف إسرائيل المعلن، أي تدمير حماس، والأساليب المستخدمة في التعامل مع عموم الناس، وهي الأساليب التي تستهدف قتلهم أو حملهم على مغادرة ديارهم باتجاه مصر. 

يبدو أن غرض إسرائيل لم يعد الرغبة في الاستمرار في إدارة غزة كما لو كانت معسكر اعتقال مسيج. ولكن خططها غير واضحة. ثمة مفاوضات تجري بين إسرائيل وحماس عبر مصر وقطر. تشير بعض التقارير إلى أن إسرائيل عرضت توقفاً في القتال لمدة شهرين مقابل إطلاق سراح من بقي من الرهائن. ولكن ردت حماس على ذلك بالتأكيد على أن أي إطلاق إضافي لسراح الرهائن لن يحصل إلا بعد أن توافق إسرائيل على وقف الهجوم والانسحاب.

قال يوآف غالانت إن غزة ينبغي أن تعود إلى "الإدارة الفلسطينية" بضمانة من الولايات المتحدة. ولكن في الثلاثين من ديسمبر (كانون الأول)، اقترح نتنياهو أنه يتوجب على القوات الإسرائيلية كذلك أن تفرض سيطرتها على ممر فيلادلفيا، المنطقة الحدودية التي يبلغ طولها 14 كيلومتراً ما بين غزة ومصر. 

إلا أن إسرائيل مستمرة في رفض أي إطار سياسي لصالح البحث عن الأمن في كومة من العظام. نتنياهو ورئيس أركان حربه هيرزي هاليفي كلاهما يقولان إن الحرب سوف تستمر لعدة شهور. ولكن، من في غزة يملك مثل ذلك الوقت؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية العدوان غزة حماس الاحتلال الولايات المتحدة بريطانيا بريطانيا حماس الولايات المتحدة غزة الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة وأوروبا القوات الإسرائیلیة الجیش الإسرائیلی الهجوم على غزة الأمم المتحدة کانون الثانی کتائب القسام بالإضافة إلى تشرین الثانی والعشرین من کانون الأول بالمائة من ما یقرب من من أکتوبر من دیسمبر مدینة غزة بکثیر من قطاع غزة من ینایر داخل غزة إذا کان مثل هذه من خلال لو کان من أجل ما بین قبل أن فی ذلک على أن عشر من غزة فی إلا أن فی غزة من قبل أو إلى

إقرأ أيضاً:

الأسلحة الكيميائية وسر نظام الأسد المظلم الذي تخشاه إسرائيل والغرب

ترك الانهيار المدوي والمفاجئ لنظام بشار الأسد في سوريا العديد من الأسئلة المفتوحة بلا جواب، واحد من هذه الأسئلة يتعلق بمصير ترسانة الأسلحة الكيميائية التي يمتلكها النظام، التي استخدمها ضد شعبه بالفعل في أكثر من مناسبة منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، وفشلت الجهود الدولية في تفكيكها بشكل حاسم ونهائي.

فرغم تبنّي مجلس الأمن الدولي قرارا بالإجماع عام 2013 بتدمير مخزون الأسلحة الكيميائية السوري والتخلص منه نهائيا في أعقاب مجزرة الغوطة، التي استخدم فيها نظام الأسد غاز السارين مُخلِّفا أكثر من 1400 قتيل، وإعلان الولايات المتحدة وروسيا إنجاز مهمة التخلص منها نهائيا في وقت لاحق، يُعتقد أن النظام نجح في إخفاء جزء كبير من ترسانته عن المراقبين، وتجديد جزء آخر منها خلال السنوات التالية، وقد ظهرت دلائل على استخدام النظام الأسلحة الكيميائية بعد الإعلان عن تفكيك ترسانته، أبرزها في دوما في إبريل/نيسان 2018 باستخدام الكلور وغاز الأعصاب.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هذه الأسلحة ستكون أشد فتكا من الأسلحة النووية والعالم يتسابق لامتلاكهاlist 2 of 2كيف أخفقت روسيا في دعم بقاء الأسد؟end of list

تُثير هذه الترسانة الكيميائية الكثير من القلق لدى جهات عدة، أبرزها إسرائيل بكل تأكيد. فبحسب ما نشرته صحيفة "هآرتس" في 3 ديسمبر/كانون الأول، تزامنا مع تقدُّم فصائل المعارضة السورية وقبل أيام قليلة من فرار الأسد، كانت هناك مخاوف من إمكانية وصول الأسلحة الكيميائية التي يملكها النظام السوري السابق إلى أيدي فصائل المعارضة السورية المسلحة، ما قد يؤدي إلى تهديدات خطيرة لأمنها. لذلك، لم تمر بضع ساعات على انهيار نظام بشار الأسد رسميا، حتى قصف جيش الاحتلال مركز البحوث العلمية في المربع الأمني بدمشق، حيث تُدار برامج أسلحة كيميائية وصواريخ باليستية، وفقا لما ذكرته هيئة البث الإسرائيلية.

إعلان

في وقت لاحق، قصف سلاح الجو الإسرائيلي مؤخرا مستودعا آخر للأسلحة الكيميائية تابعا لنظام بشار الأسد المُنهار في غرب سوريا، وعموما كانت مستودعات الأسلحة الكيميائية أحد الأهداف الرئيسية لأكبر عملية جوية في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي، التي شاركت خلالها 350 طائرة في تدمير أنظمة أسلحة الجيش السوري المُنهار، بما يشمل أيضا الطائرات المقاتلة والصواريخ الباليستية وأنظمة الدفاع الصاروخي وحتى السفن القتالية.

من جانبها، حرصت إدارة الشؤون السياسية التابعة للمعارضة السورية على طمأنة المجتمع الدولي بشأن موقفها من الأسلحة الكيميائية، متعهدةً بعدم استخدامها مهما كانت الظروف، وهو ما يدفعنا للتساؤل: ما الذي نعرفه حقا عن مخزون نظام بشار الأسد من الأسلحة الكيميائية؟ وكيف تَشكَّل؟ وما أشهر العمليات التي استخدم فيها النظام هذا السلاح في الحرب؟ وقبل ذلك، ما الأسلحة الكيميائية؟ ولماذا تثير كل هذا الرعب؟

أكبر ترسانة في العالم

في عام 1971، بدأت أولى المحاولات السورية لامتلاك السلاح الكيميائي، حين أنشأ عبد الله واثق شهيد، الفيزيائي النووي والمستشار الأول للرئيس السابق حافظ الأسد، مركز البحوث والدراسات العلمية لأغراض الأبحاث الكيميائية، لتبدأ دمشق في أنظمة الحماية من الهجمات الكيميائية بمعاونة الاتحاد السوفياتي، جنبا إلى جنب مع 11 ألف قناع واقٍ حصلت عليها البَلَدان من الصين.

وتشير المصادر الأميركية إلى أن سوريا حصلت على مخزون ضئيل من الأسلحة الكيميائية من مصر عشية حرب أكتوبر عام 1973، بيد أن الجيش السوري لم يستخدم تلك الأسلحة ضد إسرائيل أو ضد خصم آخر في أي وقت، ويبدو أنها كانت مجرد خطة تحوُّط في مواجهة سيناريو الانهيار العسكري الشامل. ومع ذلك، بعد أن فقدت دمشق الحليف المصري في أعقاب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في نهاية السبعينيات (اتفاقية كامب ديفيد)، وبشكل أخص بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 الذي فقدت خلاله سوريا 80 طائرة حربية دفعة واحدة في سهل البقاع، والحرب العراقية الإيرانية التي أضعفت الشراكة بين سوريا والاتحاد السوفياتي بسبب دعم الأخير لإيران في حربها ضد النظام البعثي العراقي، ازدادت عزلة النظام السوري وانكشف ضعفه الإستراتيجي والعسكري، ما وفَّر حوافز إضافية للاستثمار في الأسلحة الكيميائية.

إعلان

تشير التقديرات إلى أن دمشق بدأت فعليا في إنتاج "الكيماوي" في منتصف الثمانينيات، ففي عام 1983 أشارت تقديرات الاستخبارات الوطنية الأميركية لأول مرة إلى وجود منشأة سورية لإنتاج الأسلحة الكيميائية. وكشف إفصاح صادر عن الحكومة البريطانية في عام 2014 أن سوريا حصلت بحلول عام 1986 على مئات الأطنان من المواد الكيميائية الأولية، بما في ذلك "ثلاثي ميثيل الفوسفيت"، و"ثنائي ميثيل الفوسفيت"، و"فلوريد الهيدروجين"، من المملكة المتحدة، وتقنيات أخرى لتطوير عوامل الأعصاب مثل غاز السارين.

وبحلول عام 1990، أشارت وسائل الإعلام والتصريحات الصادرة عن المسؤولين الأميركيين إلى أن سوريا حوَّلت العديد من مصانع الكيماويات الزراعية إلى مرافق لإنتاج السارين. وفي عام 1997، زعمت مصادر أميركية وإسرائيلية أن برنامج الأسلحة الكيميائية السوري بات يتضمن منشآت إنتاج في دمشق وحمص وحلب، ويمكنه إنتاج السارين والخردل، وربما "في إكس" (VX) الذي يُصنَّف واحدا من أكثر الأسلحة الكيميائية فتكا وخطورة.

نتيجة لذلك، حظرت الولايات المتحدة بيع غاز السارين ومركبات الخردل إلى سوريا منذ ثمانينيات القرن العشرين، وتسبَّب ذلك في لجوء دمشق إلى السوق السوداء. مثلا في عام 1996، اتهمت السلطات الروسية الفريق المتقاعد أناتولي كونتسيفيتش بشحن 800 كيلوغرام من المواد الكيميائية الأولية إلى سوريا. ورغم إسقاط هذه التهم في نهاية المطاف، أفادت الصحافة الإسرائيلية أن كونتسيفيتش اعترف لاحقا بنقل مواد أولية لغاز الأعصاب.

من عام 2002 إلى عام 2006، كرَّرت التقارير الصادرة عن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) أن "دمشق تحتفظ بالفعل بمخزون من غاز الأعصاب السارين، لكنها حاولت على ما يبدو تطوير مواد أعصاب أكثر سُمِّية واستمرارية". في عام 2009، أصدرت الاستخبارات المركزية الأميركية تأكيدها أن النظام السوري يملك برنامج أسلحة كيميائية يُمكِّنه من تنفيذ هجمات كيماوية بالطائرات والصواريخ بعيدة المدى وبالمدفعية. وفي يونيو/حزيران عام 2012، أكَّد الجنرال "يائير نافيه"، مساعد رئيس الأركان الإسرائيلي حينها، أن سوريا تملك "أكبر ترسانة أسلحة كيميائية في العالم طوَّرتها منذ أربعين عاما"، وقال إن من بين الغازات الموجودة في ترسانتها غاز السارين وغاز الأعصاب وغاز الخردل. وفي يوليو/تموز من العام نفسه، جاء أخيرا أول اعتراف رسمي من النظام السوري بامتلاكه أسلحة كيميائية، وهو اعتراف لم يرد إلينا عبر تصريح رسمي لمسؤول حكومي، بل عبر آثاره التي ظهرت على جثث القتلى.

إعلان الكيماوي ضد الشعب

كانت الثورة التي حوَّلها قمع النظام إلى حرب دموية قد اندلعت بحلول ذلك الوقت، وتحوَّلت معها الأسلحة الكيميائية من "مخزونات صامتة" للتحوُّط ضد الخصوم الخارجيين إلى أسلحة مشهرة في وجه المواطنين السوريين. وفي الفترة ما بين أواخر نوفمبر/تشرين الثاني وأوائل ديسمبر/كانون الأول 2012، حصلت وكالات الاستخبارات الغربية على أدلة واضحة على أن النظام السوري كان يجهز الأسلحة الكيميائية للاستخدام، بما في ذلك خلط المواد الكيميائية الأولية وتحميل الأسلحة على مركبات نقل عسكرية خاصة.

لم تكد تمر أيام على تلك التقارير حتى جاء الخبر اليقين، حين استُخدم "الكيماوي" لأول مرة في حمص قبل نهاية عام 2012. وبعد بضعة أشهر، تحديدا في 19 مارس/آذار 2013، ظهرت أدلة على هجوم بالأسلحة الكيميائية في قرية خان العسل في محافظة حلب، مما استدعى تشكيل بعثة لتقصي الحقائق من قِبَل الأمم المتحدة. بيد أن الأسوأ لم يكن قد جاء بعد، ففي صباح يوم 21 أغسطس/آب 2013، ظهرت مقاطع الفيديو حول هجوم الغوطة، وهو الهجوم الكيميائي الأكثر فتكا في الحرب السورية، الذي أجبرت تداعياته نظام الأسد على إدخال فِرَق التفتيش الأممية ثم الرضوح لاتفاق روسي أميركي للتخلص من مخازنه الكيميائية تفاديا لضربة أميركية محتملة.

مجزرة الغوطة التي قامت بها قوات الأسد باستخدام الأسلحة الكيميائية في أغسطس/آب 2013 (الجزيرة)

ووفقا للنتائج الأولية التي أعلنتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فإن الترسانة السورية تضمنت 1000 طن متري من الأسلحة الكيميائية من الفئة الأولى (الأسلحة الكيميائية الصريحة)، و290 طنًّا من المواد الكيميائية من الفئة الثانية (ذات الاستخدام المزدوج)، و1230 نظام توصيل غير معبأ من الفئة الثالثة مثل الصواريخ، وقد دُمِّرت الغالبية العظمى من هذا المخزون خارج سوريا. ولكن في حين رُحِّبَ بتدمير الأسلحة الكيميائية المعلنة في سوريا باعتباره إنجازا كبيرا، ظلَّت الأسئلة قائمة حول إذا ما كان النظام قد أفصح عن مخزوناته كاملة.

إعلان

بادئ ذي بدء، اقتصر دخول الفِرَق إلى مواقع تخزين السلاح الكيميائي التي أعلن عنها النظام، أما المواقع غير المُعلنة فكان على المفتشين تقديم طلب دخول إليها عبر إرفاق مجموعة من الأدلة التي تدعم شكوكهم، أي إن تحركات المفتشين كانت تخضع لشروط النظام، وكان له صلاحية رفض تلك التحركات. في إحدى الحالات، شكَّك المفتشون بأن النظام يمتلك أكثر من 20 طنًّا من غاز الخردل هو حجم ما اعتُرف به رسميا، وعندما ضغطت الأمم المتحدة على النظام، ذكر أنه كان قد أتلف فعلا مئات الأطنان من غاز الخردل قبل بدء عملية التفتيش دون تقديم أدلة على ذلك.

لاحقا، كشفت العيّنات التي أخذتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في موقع الأبحاث العسكرية السورية "المعهد 3000" (في مايو/أيار 2014 ويناير/كانون الثاني 2016) عن وجود بعض المواد الكيميائية الناتجة عن تحليل غاز الأعصاب "في إكس"، كما وجد المفتشون آثارا من كحول "بيناكوليل" في المنشأة، وهو مادة أولية لغاز الأعصاب "سومان" وليس له استخدامات سلمية.

قُطعت هذه الشكوك باليقين حين استأنف النظام هجماته الكيميائية بعد الإعلان عن تفكيك ترسانته. وتشير تقديرات مستقلة إلى وقوع عشرات الهجمات الكيميائية للنظام بعد تفكيك ترسانته رسميا. على سبيل المثال، في الرابع من إبريل/نيسان 2017، ظهرت التقارير حول هجوم بغاز السارين على قرية خان شيخون، 30 ميلا جنوبي إدلب، الذي خلَّف أكثر من 100 قتيل، وهي الحادثة التي عُرفت بمجزرة خان شيخون، ما دفع الولايات المتحدة إلى إطلاق 59 صاروخا من طراز "توماهوك" على قاعدة الشعيرات الجوية، الموقع الذي انطلق منه الهجوم الكيميائي.

لاحقا، استهدف النظام مدينة دوما بريف دمشق عام 2018 بأسطوانات غاز الكلور، مما أسفر عن مقتل 43 شخصا. وردا على هذا الهجوم، شنَّت الولايات المتحدة إلى جانب فرنسا وبريطانيا، في إبريل/نيسان عام 2018، ضربات عسكرية ضد ثلاثة مواقع ذكرت إدارة ترامب حينها أنها كانت جزءا من برنامج الأسلحة الكيميائية السوري، منها موقعان لتخزين الأسلحة الكيميائية في غرب حمص، أحدهما الموقع الأساسي لإنتاج غاز السارين، بينما الموقع الثالث كان في إحدى مناطق دمشق، وذكر مسؤول في البنتاغون حينها أنه مركز لتطوير وإنتاج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.

إعلان ما السلاح الكيميائي وما خطورته؟

يقودنا هذا الاستعراض إلى حديث مقتضب حول الأسلحة الكيميائية نفسها، ولماذا تُعد مصدرا للرعب. بحسب منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، يُعرَّف السلاح الكيميائي بأنه أي مادة كيميائية سامة مُصمَّمة خصوصا لإحداث الوفاة أو غيرها من الأضرار، أو أي مادة أخرى يمكن أن تؤدي بتفاعل كيميائي إضافي إلى تلك المادة السامة، التي يمكن أن تُستخدم مباشرة، أو تُوضع في ذخائر عسكرية.

تنقسم الأسلحة الكيميائية إلى عدة عوامل بحسب استخدامها، هناك مثلا خردل الكبريت الذي يُصنَّف ضمن العوامل المنفّطة، وتظهر تلك العوامل في الحروب على شكل سائل، أو رذاذ، أو بخار، أو غبار، وتدخل إلى الجسم عبر الرئتين والجلد. وغاز الخردل ليس له لون أو رائحة، ولكن عندما يُخلط مع مواد كيميائية أخرى فإنه يصبح بُنّي اللون وله رائحة تشبه رائحة الثوم، وتشمل أعراضه حروقا في الجلد والأغشية المخاطية والعينين، بالإضافة إلى التهابات جلدية ومشكلات في الجهاز التنفسي مثل التهابات القصبة الهوائية والرئتين.

بينما يُعد الكلور ضمن العوامل الخانقة، التي تكون عادةً في شكل غاز وتدخل الجسم عبر الرئتين. عند استنشاقها، تُسبب هذه العوامل تهيُّجا في الأنف والمجرى التنفسي، وقد تؤدي إلى تراكم السوائل في الرئتين مما يسبب الاختناق. يُعد الكلور مادة كيميائية مزدوجة الاستخدام، إذ يُستخدم في العديد من التطبيقات المدنية السلمية المشروعة، لكن يُحظر استخدامه بوصفه سلاحا بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.

أما الأسلحة الكيميائية الأكثر خطورة فهي العوامل المؤثرة على الأعصاب مثل "السارين"، و"في إكس". تظهر هذه المواد أيضا في شكل سائل، أو رذاذ، أو بخار، أو غبار، وتخترق الجسم عبر الرئتين والجلد كليهما، وتؤدي إلى تشنجات شديدة، وفقدان السيطرة على الجسم، وشلل العضلات بما في ذلك عضلة القلب والحجاب الحاجز مما قد يؤدي إلى الوفاة.

إعلان

أحد أكثر تلك العوامل استخداما هو غاز السارين، الذي طُوِّر أثناء الحرب العالمية الثانية، واكتسب اسمه من اسم العالِم الألماني الذي طوَّره، ومثله غاز "تابون" وغاز "سيكلوسارين". وتُعد هذه المجموعة من الغازات الطيارة التي تتحول إلى سائل في درجة حرارة غرفة طبيعية، غير أن غاز السارين هو أخفها، والسارين الصافي عندما يكون سائلا يكون عديم اللون والطعم والرائحة.

استخدم نظام الأسد هذه العوامل في هجمات كيميائية مختلفة على مدار السنوات الماضية، لكن التقارير تشير إلى أن المادة الكيميائية السامة الأكثر استخداما هي الكلور. ووفقا لبيانات "بي بي سي"، يُشتبه في استخدام جيش النظام السوري للكلور في 79 هجوما مسجلا. وتُعزى ميزة الكلور -في الهجمات الكيميائية- إلى صعوبة إثبات استخدامه، وبالتالي زيادة إمكانية الإنكار، بسبب سرعة تطاير الكلور، ما يعني تبخّره وتشتته سريعا.

أب يرثي أبناءه بعد مقتلهم على إثر الهجمات الكيميائية التي شنتها قوات الأسد في مدينة الغوطة في أغسطس/آب 2013 (الأوروبية)

تشير شهادات المنشقّين عن مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري لصحيفة "لوموند" الفرنسية عام 2020 إلى أن براميل الكلور تُصنع محليا، وأشارت تلك الشهادات إلى كيانات جديدة لم تكن معروفة من قبل، مثل ورشتين لإنتاج البراميل المتفجرة المليئة بالكلور، إحداهما تقع في جمرايا، والأخرى بالقرب من مصياف. ويشير التقرير أيضا إلى آليات تزويد المركز بالمواد الكيميائية، إذ اكتشف المحققون أنه بين عامَيْ 2014-2018، صدّرت 39 دولة -بينها 15 دولة أوروبية- 69 فئة من المنتجات التي يُحتمل خضوعها للعقوبات إلى سوريا، وتضم بصورة أساسية مُركب "أيزوبروبانول"، الذي يُسمح بتسويقه فقط إذا كانت نسبة تركيزه أقل من 95%، لأنه يمكن استخدامه في صنع غاز السارين.

إعلان

وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2023، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بيانا في يوم إحياء ذكرى كل ضحايا الحرب الكيميائية، أشارت فيه إلى أن النظام السوري لا يزال يمتلك ترسانة من الأسلحة الكيميائية، مع مخاوف جدّية من احتمال تكرار استخدامها في سوريا. وأشار البيان إلى أن روسيا تساعد النظام السوري في إخفاء مخزوناته من الأسلحة الكيميائية. وقد وثَّقت الشبكة حتى تاريخ 30 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2023 ما لا يقل عن 222 هجوما بالأسلحة الكيميائية في سوريا في قاعدة بياناتها، منذ أول استخدام موثق لهذه الأسلحة المحرّمة دوليا في 23 ديسمبر/كانون الأول عام 2012. وقد نفّذت قوات النظام السوري ما مجموعه 217 هجوما من إجمالي تلك الهجمات، بينما نفّذ تنظيم الدولة الهجمات الخمس المتبقية.

أما خطورته، فيُعد السلاح الكيميائي ضمن أخطر الأسلحة فتكا بالبشر على المستوى الجماعي، غير أن حجم الأضرار الناجمة عنه يعتمد بشكل كبير على تركيزه، وهو أمر يختلف من مكان إلى آخر، حيث تزيد المخاطر في الأماكن المغلقة والضيقة، مقارنة بالمساحات الواسعة على سبيل المثال، وفي كل الأحوال يؤدي التعرض لذلك النوع من المواد إلى الوفاة إذا زاد التركيز الذي يتعرَّض له الشخص ومدة التعرُّض على حدٍّ معين.

حقيقة أخرى لا تقل أهمية عن السلاح الكيميائي هي أنه "عشوائي" في اختيار ضحاياه، إذ يمر بين جنبات البيوت والحارات الضيقة، فيقتل مَن يقابل بلا تمييز. وتزداد الأمور سوءا إذا علمنا أن المواد الكيميائية تُحمَل مع الرياح أو المياه إلى مسافات طويلة، ويستمر تأثيرها لمدة يومين تقريبا في البيئة التي أُطلقت بها، في ظل ظروف مناخية متوسطة، ومن أسابيع إلى شهور في ظل ظروف شديدة البرودة.

كل هذا ولم نتحدث بعد عن ذلك القدر من الألم غير المحتمل الذي يعانيه الضحايا قبل الموت. تبدأ أعراض تسمم السارين مثلا بدموع غزيرة، مع ألم واضح ورؤية مشوَّشة، إلى جانب سيلان اللعاب والتعرق المفرط والسعال وضيق الصدر والتنفس السريع والإسهال والغثيان والقيء، مع آلام في البطن وزيادة التبول والارتباك والنعاس والصداع، إلى جانب ذلك يرتفع معدل ضربات القلب ويضطرب ضغط الدم. ومع استمرار التعرض، يفقد الشخص الوعي، وقد تظهر تشنجات وشلل، تنتهي بفشل الجهاز التنفسي، ثم الوفاة.

إعلان

فيما يتسبَّب الكلور في ألم حارق واحمرار وبثور على الجلد، مع شعور بحرقة في الأنف والحلق والعينين، وسعال ساحق، وضيق شديد في الصدر، وصعوبة في التنفس، يعقب ذلك تراكم السوائل في الرئتين، ومع استمرار التعرُّض تكون الوفاة هي النتيجة التالية. كل هذا القدر من الألم ألحقه نظام الأسد بلا رحمة بآلاف الضحايا، الذي كانوا بالنسبة إليه ثمنا مقبولا للاحتفاظ بكرسي السلطة، الذي لم يُخيَّل إليه أنه سيفقده بين طرفة عين وانتباهتها، في اثني عشر يوما فقط.

مقالات مشابهة

  • مفاوضات غزة – تفاصيل الاتفاق الذي سينفذ على 3 مراحل
  • معاريف العبرية: اليمنيون مصمون على مواصلة القتال ضد “إسرائيل” مهما كان الثمن
  • الأسلحة الكيميائية وسر نظام الأسد المظلم الذي تخشاه إسرائيل والغرب
  • روني كاسريلز.. حان الوقت لتغيير حق الفيتو الذي يحمي إسرائيل
  • وفد دبلوماسي بريطاني يجتمع بزعيم هيئة تحرير الشام
  • ما الذي اختلف بين سورية ولبنان في مواجهة العدوان “الإسرائيلي”؟
  • حماس: الحملة الأمنية في جنين تعزز المقاومة ولا تقضي عليها
  • كاتب صحفي: إسرائيل حققت حلمها بنزع أنياب سوريا
  • حماس : الحملة الأمنية في جنين لن تنهي المقاومة
  • غزة: مقتل مصور صحفي من الجزيرة في هجوم..والجيش الإسرائيلي يعلق