سودانايل:
2024-10-05@03:49:01 GMT

قوة القانون في التنازع بالقوة

تاريخ النشر: 11th, February 2024 GMT

عمر العمر

بعد عشرات الكتب ،الكراسات والمقالات ذات القيمة المرجعية في تاريخنا السياسي المعاصر عاد الأستاذ فيصل عبد الرحمن علي طه ليخرج لنا سفرا بحثياً قيّماً جاوز عمره نصف القرن .ذلك هو أطروحته الأكاديمية لنيل الدكتوراه في القانون الدولي في جامعة كيمبريدج. مع ذلك يشكل الكتاب مرجعية لاغنىً عنها للباحث في تاريخ ،حاضر ومستقبل إحدى قضايانا الوطنية الساخنة.

تلك هي مسألة الحدود مع دول الجوار، خاصة الخطوط الشرقية المشتركة مع إثيوبيا. فهنا تبرز قصة مثلث الفشقة. في الكتاب الصادر في اللغة الإنجليزية (نزاع الحدود السوداني الإثيوبي) لا يستعرض البروفيسور فيصل تاريخ السودان المعاصر منذ العام ١٨٢١ بل يعالج ذلك السرد التاريخي بمبضع الحقوقي الماهر .تلك المعالجة تمنح الكتاب -قوامه 369 صفحة من القطع الكبير - فردانيته المتميزة.
*****
حتى لا يصدر حديثي في شأن الكتاب عن ألفة ومحبة فإني أستعين بما كتب الأستاذ الموقر صالح فرح مستشار الراحل المقيم الشيخ زايد بن سلطان في حق دكتور فيصل .العم صالح- زاده الله سنيناً ومنعة- قال في كتابه النادر ( خواطر) الصادرة طبعته الثانية والأخيرة في العام ٢٠١٥ في شأن فيصل)رجل قانون ضليع استفاد من علمه القانوني واطلاعه الواسع وتجاربه في التأليف ليقدم مرافعة من طراز رفيع.) مع أن ذلك التقريظ صدر في حق كتاب سابق للمؤلف إلا أنه يطابق تماما السفر الحديث.للبروفيسور فيصل أكثر من كتاب عن مسألة الحدود. من ذلك(القانون الدولي و منازعات الحدود)١٩٩٩ و(تسوية النزاع الحدودي بين السودان و إثيوبيا)٢٠٢٢.لكن الإصدار الجديد يشكل أهم أمهات القضية.
*****
هذا السفر يسلط الضوء على بُعْدٍ مهملٍ في السرد التاريخي المتداول.فبينما يتناول المؤرخون والدارسون التاريخ من موازين قانون القوة يُشرّح استاذنا الصراع بمنطق قوة القانون.فالثورة المهدية -مثلا-شكّلت وضعا مبهما لدى جميع الأطراف المعنية من حيث تكييف وضع السودان قانونيا. رؤى الأطراف تباينت بين اعتباره اقليما تركيا تحت سيطرة قوة عسكرية متمردة، دولة مستقلة و أرض لا سيادة عليها! هذا الغموض فتح الأفق أمام تنازع بريطاني ، فرنسي ،إيطالي، ألماني تركي بلجيكي على حوض وادي النيل بأكمله.اللبس القانوني اكتنف كذلك الحقوق المصرية البريطانية تجاه حملة الفتح ثم السيادة إبان إدارة الحكم الثنائي في السودان بعد الاسترداد.
*****
التازع الحدودي ليس استثناءا سودانيا إثيوبيا بل أزمة أفريقية غالبة ظلت تهدد وحدة وسيادة الدول كما تؤرّق علاقات الجوار.فالحدود القُطرية في القارة تولت ترسيمها القوى الاستعمارية متجاهلة عددا من الحقائق لعل أبرزها وحدة القبائل الساكنة على خطوط التماس .رغم ذلك لم تجد حكومات دول القارة بُدّاً في العام ١٩٦٤من ارتضاء الاعتراف بالحدود كما ورثتها عشية استقلالها.لكن ذلك التبني الجماعي لم يُسكن التنازع على حدود الأقطار بل التهب على عديد من الخطوط المشتركة.فالواقع على الأرض يبقى - كما يوضح المؤلف -أكثر تأثيرا من الاتفاقات المنبثق ذلك الواقع عنها.
*****
مؤرخنا الحقوقي يؤصّل محاولات تسوية النزاع السوداني الإثيوبي إلى مفاوضات بين الإمبراطور الإثيوبي منليك والمندوب البريطاني في أديس أبابا هارينغتون منتصف إبريل ١٨٩٩.تحديثات عدة طرأت على ذلك الاتفاق في أزمان متباعدة و بين أطراف متباينة ،تداخلت فيها إيطاليا واتسعت لجهة الحدود السودانية الإريترية حتى التوقيع عليها منتصف مايو ١٩٠٢. بعد ذلك برزت قضية فنية شائكة تتمثل في أهمية الفرز بين مصطلحي ترسيم الحدود وتعيينها على الأرض.الاتفاق اشتمل كذلك على مسائل حيوية ترتبط بحياة الناس .من ذلك توفير الصحة ،التعليم ، الجمارك وتأمين الطرق بالإضافة إلى الإدارة المحلية والإحصاء السكاني.
*****
مسلسل النزاع السوداني الإثيوبي لم يتوقف .كذلك تواصلت محاولات التسوية مع انفجارات نوبات التوتر في أشكال أبعد من النزاع على الأرض .إذانطوى بعضها على أبعاد سياسة بينها تحريض عناصر معارضة للأنظمة الحاكمة في الخرطوم وأديس أبابا. ربما كانت المذكرة المتبادلة بين الجانبين في العام ١٩٧٢ أفضل المحاولات للخروج بالحدود من دائرة التنازع إلى رحاب التعاون .مثلث الفشقة ظل يشكل عظم النزاع الثنائي استنادا إلى ثقله الاقتصادي مع ان اثيوبيا لم تزعم ملكيتها عليه!
*****
الكتاب يتميز بالعديد من الوثائق التاريخية والخرائط الجغرافية مما أغنى ثرائه المرجعي. كذلك يوفر الكتاب حقلا خصبا في اللغة الإنجليزية يعين الراغبين في زيادة غلتهم من مفردات الأدب السياسي.تلك كانت وصية البروفيسور لي مهاذرا بغية تحريضي على قراءة النسخة المهداة - له الامتنان - لكني وجدتها نصيحة ينبغي أخذها على محمل الجدية ،بل تستوجب التعميم.

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

العزاوي: يظل انتصار اكتوبر علامة فارقة  في تاريخنا العربي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الدكتور رائد العزاوي مدير مركز الأمصار للدراسات الإستراتيجية ان جيش مصر وشعبه العظيم غيروا مجرى التاريخ في السادس من اكتوبر 1973 والتي كانت علامة فارقه في تاريخنا العربي.

واضاف العزاوي: في تصريحات صحفية لاذاعة صوت العرب ان الذكرى الـ51 لنصر أكتوبر كانت نتيجة ملحمة لإعادة بناء القوات المسلحة المصرية والتي جاءت بجهود كبيرة من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والتي استكملها الرئيس الراحل أنور السادات الذي قام باعادة الثقة بجيش مصر العظيم، حيث ان  حرب أكتوبر لم تكن مجرد معركة عسكرية خاضتها مصر وحققت فيها أعظم إنتصاراتها وإنما كانت إختبار حقيقي لقدرة الشعب المصري على تحويل الحلم إلى حقيقة فعملية العبور كانت معجزة عسكرية مكتملة الأركان لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.

وبين العزاوي: ان نصر أكتوبر بين قدرة الشعوب العربية في التلاحم والاصطفاف لاستعادة الارض، والدفاع عن الحق وهي ملحمة قومية وقف كل العرب خلف القيادة السياسية والعسكرية في مصر.

وقال العزاوي في ختام حديثة: تحية للشعب المصري العظيم وجيشه وتحية لروح الرئيس السادات، وتحية للطيارين العراقين الذين شاركو في تلك المعركة ولكل شهداء مصر والعرب الذين بدمائهم الطاهرة استعدنا كرامتنا العربية.

مقالات مشابهة

  • العزاوي: يظل انتصار اكتوبر علامة فارقة  في تاريخنا العربي
  • دفنت القانون الدولي.. بوريل: إسرائيل تتجاوز الحدود في غزة ولبنان
  • "الشارع اللي وراه" جملة تسبب في حبس سوزي الأردنية|القصة الكاملة لاتهامها بخدش الحياء العام
  • درك العاصمة يوقف شخصا يقوم بالإعتداء والسرقة على المواطنين
  • ???? النشرة الحمراء
  • المستقبل الحضاري في السودان (1-3)
  • واشنطن تخلع قناعها: مع إضعاف حزب الله… ولو بالقوة!
  • تخريج 187 طالباً وطالبة في أكاديمية شرطة دبي
  • السودان يوجه دعوة إلى الولايات المتحدة بعد مصادقة بايدن على رفع قرار عقوبات
  • المدير العام لشركة كهرباء السودان يشارك في أسبوع الطاقة بموسكو ويبحث التعاون مع الشركات الروسية