سودانايل:
2024-09-19@05:01:18 GMT

هل فقد السودانيون إنسانيتهم..؟

تاريخ النشر: 11th, February 2024 GMT

المقال الأسبوعي في صحيفة الشرق الأوسط

فيصل محمد صالح

هذا سؤال مؤلم، وتبدو إجابته أكثر إيلاماً، لكنه سؤال الساعة الذي يجب أن يتم طرحه، ومناقشته.

الحروب لا تدور في ميادين المعركة وحدها، لكنها تدور أيضاً في عقول الناس وضمائرها، تدخل بين أحاسيسها ومشاعرها وعواطفها، تتأثر وتؤثر، سلباً وإيجاباً. عقول وضمائر الناس هي أخطر ميادين المعركة، والخسائر في هذا الميدان لا يمكن تعويضها بسهولة؛ لأنها أصعب وأكبر وأكثر كلفة من الخسائر المادية.



خاض السودانيون حروباً عنيفة في ما بينهم، أكثر من خمسين عاماً من حروب الشمال والجنوب، ثم نحو 15 عاماً من حروب دارفور، ودارت حرب محدودة أيضاً في شرق السودان. في كل هذه الحروب حدثت مآسٍ وجرائم وانتهاكات، لم يتم التوقف عندها والمحاسبة عليها، واكتفى الناس بالعبارة المألوفة «عفا الله عما سلف».

ما حدث خلال أشهر قليلة من الحرب الحالية فاق كل تصور ممكن، ووضع عقول السودانيين وضمائرهم أمام امتحان عصيب. هذه حرب لا قواعد أخلاقية أو إنسانية أو مهنية أو دينية تحكمها، ولا شأن لها بالقانون الدولي الإنساني والقوانين الدولية والمحلية الأخرى، ولا الأعراف المحلية التي يتغنى بها السودانيون في أغنيات الحماسة والفخر.

كانت بداية الحرب نفسها قمة الانتهاك لحق المواطنين المدنيين في اتخاذ القرار، فهم لم يختاروا الحرب ولا توقيتها. ثم كان حجم الانتهاكات والجرائم التي وقعت على العسكريين والمدنيين لا سابق لها في تاريخ السودان المعاصر، ولم تحدث في حروب المنطقة التي نشاهدها على الشاشات، ربما باستثناء حرب غزة.

لا يضع الطرفان المتحاربان أي اعتبار للمدنيين وممتلكاتهم، ولا للممتلكات العامة، ففي سبيل مطاردة أعداد قليلة من العسكريين من الممكن أن تُهدم المنازل والمنشآت العامة، ويسقط عشرات الأبرياء ضحايا للقصف المتبادل. تقتحم «قوات الدعم السريع» المنازل فتسرق وتنهب وتقتل، وتصور كل ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، لم تبقَ سيارة مدنية في أي منطقة استولت عليها إلا ونهبتها، غير الأموال والممتلكات الأخرى، وما لا يفيدها تتركه لعصابات النهب مقابل جعل متفق عليه. يعود المواطنون مضطرين في بعض الأحيان إلى المنازل التي هجروها ليحضروا وثائق السفر وبعض الأوراق المهمة، فيجدوا مجندي «الدعم السريع» قد احتلوا المنزل واستباحوا كل شيء، يرفلون في ملابس أهل المنزل بلا أدنى إحساس بالخجل.

وجارتها قوات الجيش في بعض المناطق فنهبت المواطنين وممتلكاتهم، وربما تكون الوقائع أقل بالنسبة للجيش، لكن المبدأ نفسه موجود. هذا طبعاً غير جرائم العنف الجنسي والاغتصاب والاختطاف، والاعتقالات والسجن لفترات طويلة من دون مسوغ قانوني أو محاكمات.

وارتكب طيران الجيش مجازر متعددة قصف فيها المواطنين المدنيين في مساكنهم وهدمها فوق رؤوسهم، والمؤسف أنه كان يفعل ذلك بعد انسحابات كتائبه من بعض المدن التي تتسلمها «قوات الدعم السريع»، ثم يعود الطيران ليشنّ هجمات انتقامية لا تفرق بين مدني وعسكري، ولا بين منزل وثكنة عسكرية. وهدم طيران الجيش معظم المباني الكبيرة والضخمة في وسط العاصمة بحجة وجود جنود «الدعم السريع» داخلها.

الموجع والمخزي هو ما أحدثته الحرب في نفوس بعض الناشطين المدنيين الذين يقفون في منصة دعم الحرب، ويشجعون هذا الطرف أو ذاك، ويستخدمون خطاب الكراهية المقيت، ويستنفرون الناس بالعصبية القبلية والإثنية. يتبادل هؤلاء الناشطون نشر الأخبار الكاذبة والمفبركة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويغرقون بها الناس حتى تضيع وسطهم الحقيقة فلا يدركون وجهتها. ويحرّضون على تصفية الأسرى ذبحاً أو بإطلاق النار بدم بارد، بل وينشرون بعض التسجيلات المرئية لمثل هذه الجرائم التي وصل بعضها حداً بعيداً من القبح ومجافاة القيم الإنسانية.

وليس غريباً أن تجد جثثاً لجنود من الطرفين منشورة هنا وهناك تحت مسميات «جثث الكلاب» أو «الجيف» وربما معها ضحكات للشماتة، كما تنتشر فيديوهات تعذيب الأسرى من الجانبين وإهانتهم مصحوبة بكلمات التشجيع والاستحسان. أما الأشد مرارة فهو التلذذ بجثث ضحايا قصف الطيران ووصف الطيارين بالشجعان البواسل و«صانعي الكباب» بالإشارة إلى الجثث المحترقة. ثم الدعوة الصريحة المصحوبة بأسماء وصور بعض الناشطين والناشطات من الإعلاميين وأشباه الإعلاميين وهم يطلبون من القوات تصفية المدنيين الموجودين في المناطق الفلانية لأنهم «حواضن اجتماعية للتمرد»، ومن الممكن أن تجد إلى جانب هذه المادة المنشورة صورة الكاتب أو الكاتبة في كامل زينته الاجتماعية وكأنه مدعو لحفل استقبال.

لم يقل أحد لهؤلاء إن محكمة جرائم الحرب في رواندا، والتي عقدت جلساتها في مدينة أروشا التنزانية، قد حاكمت بعض الإعلاميين الروانديين بالتحريض على القتل والإبادة الجماعية.

بوضوح وصراحة شديدين، إن إنسانيتنا وضمائرنا وقيمنا الأخلاقية والدينية في خطر عظيم، نحن في حاجة إلى حالة صحوة عامة ويقظة عاجلة لنلتفت لمعالجة أنفسنا قبل أن يعمنا الخراب الأخلاقي قبل الخراب المادي.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

الخارجية السورية تدين العدوان الصهيوني بحق المدنيين في لبنان

الثورة نت/..

أدانت وزارة الخارجية السورية بشدة العدوان الصهيوني بحق المدنيين في لبنان معربة عن تضامنها القوي مع الشعب اللبناني الشقيق ووقوفها إلى جانبه بحقه في الدفاع عن نفسه.

وقالت وزارة الخارجية في بيان الليلة الماضية ارتكب الكيان الصهيوني العنصري بعد ظهر يوم الثلاثاء عدواناً دموياً ضد أهلنا في لبنان الشقيق وذلك من خلال القيام بهجوم إلكتروني على وسائل الاتصال مستخدماً التكنولوجيا كوسيلة لنشر القتل وسفك الدماء في سابقة لا مثيل لها.
وأضافت الخارجية: تدين سوريا بشدة هذا العدوان الإرهابي وهذه الجريمة الدموية الجديدة التي ارتكبتها “إسرائيل” بحق المدنيين في لبنان والتي تعكس رغبة ” إسرائيل” في توسيع رقعة الحرب وتعطشها إلى سفك المزيد من الدماء معربة عن تضامن سورية القوي مع الشعب اللبناني الشقيق ووقوفها إلى جانبه في الدفاع عن نفسه، مؤكدة ثقتها بقدرته على مواجهة هذا العدوان الصهيوني الغادر.
ودعت في ختام بيانها جميع دول العالم وشعوبها إلى إدانة هذا العدوان الآثم بشكل لا لبس فيه.

مقالات مشابهة

  • "لجان المقاومة" تدين العدوان الإسرائيلي واستهداف المدنيين في لبنان
  • "لجنة المقاومة" تدين العدوان الإسرائيلي واستهداف المدنيين في لبنان
  • بريطانيا: الخسائر بين المدنيين في لبنان مؤسفة للغاية
  • سلام: بكبسة زر شيطانية سقط الاف المدنيين !
  • أ ف ب عن مسؤول أوكراني: هناك آلاف المدنيين في كورسك الروسية الخاضعة لسيطرتنا
  • الخارجية السورية تدين العدوان الصهيوني بحق المدنيين في لبنان
  • كاريكاتير .. بشاعة العدوان السبراني الصهيوني بحق المدنيين في لبنان
  • السودان يحترق والقوى الأجنبية تستفيد.. ما المكاسب التي تجنيها الإمارات من الأزمة؟
  • السودانيون في يوغندا يبتدرون السلام المجتمعي بالمحبة و الكمنجة
  • كاتب الشرق الأوسط: فليمت السودانيون حفاظاً على السيادة الوطنية..!