سودانايل:
2025-02-05@02:56:32 GMT

هل فقد السودانيون إنسانيتهم..؟

تاريخ النشر: 11th, February 2024 GMT

المقال الأسبوعي في صحيفة الشرق الأوسط

فيصل محمد صالح

هذا سؤال مؤلم، وتبدو إجابته أكثر إيلاماً، لكنه سؤال الساعة الذي يجب أن يتم طرحه، ومناقشته.

الحروب لا تدور في ميادين المعركة وحدها، لكنها تدور أيضاً في عقول الناس وضمائرها، تدخل بين أحاسيسها ومشاعرها وعواطفها، تتأثر وتؤثر، سلباً وإيجاباً. عقول وضمائر الناس هي أخطر ميادين المعركة، والخسائر في هذا الميدان لا يمكن تعويضها بسهولة؛ لأنها أصعب وأكبر وأكثر كلفة من الخسائر المادية.



خاض السودانيون حروباً عنيفة في ما بينهم، أكثر من خمسين عاماً من حروب الشمال والجنوب، ثم نحو 15 عاماً من حروب دارفور، ودارت حرب محدودة أيضاً في شرق السودان. في كل هذه الحروب حدثت مآسٍ وجرائم وانتهاكات، لم يتم التوقف عندها والمحاسبة عليها، واكتفى الناس بالعبارة المألوفة «عفا الله عما سلف».

ما حدث خلال أشهر قليلة من الحرب الحالية فاق كل تصور ممكن، ووضع عقول السودانيين وضمائرهم أمام امتحان عصيب. هذه حرب لا قواعد أخلاقية أو إنسانية أو مهنية أو دينية تحكمها، ولا شأن لها بالقانون الدولي الإنساني والقوانين الدولية والمحلية الأخرى، ولا الأعراف المحلية التي يتغنى بها السودانيون في أغنيات الحماسة والفخر.

كانت بداية الحرب نفسها قمة الانتهاك لحق المواطنين المدنيين في اتخاذ القرار، فهم لم يختاروا الحرب ولا توقيتها. ثم كان حجم الانتهاكات والجرائم التي وقعت على العسكريين والمدنيين لا سابق لها في تاريخ السودان المعاصر، ولم تحدث في حروب المنطقة التي نشاهدها على الشاشات، ربما باستثناء حرب غزة.

لا يضع الطرفان المتحاربان أي اعتبار للمدنيين وممتلكاتهم، ولا للممتلكات العامة، ففي سبيل مطاردة أعداد قليلة من العسكريين من الممكن أن تُهدم المنازل والمنشآت العامة، ويسقط عشرات الأبرياء ضحايا للقصف المتبادل. تقتحم «قوات الدعم السريع» المنازل فتسرق وتنهب وتقتل، وتصور كل ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، لم تبقَ سيارة مدنية في أي منطقة استولت عليها إلا ونهبتها، غير الأموال والممتلكات الأخرى، وما لا يفيدها تتركه لعصابات النهب مقابل جعل متفق عليه. يعود المواطنون مضطرين في بعض الأحيان إلى المنازل التي هجروها ليحضروا وثائق السفر وبعض الأوراق المهمة، فيجدوا مجندي «الدعم السريع» قد احتلوا المنزل واستباحوا كل شيء، يرفلون في ملابس أهل المنزل بلا أدنى إحساس بالخجل.

وجارتها قوات الجيش في بعض المناطق فنهبت المواطنين وممتلكاتهم، وربما تكون الوقائع أقل بالنسبة للجيش، لكن المبدأ نفسه موجود. هذا طبعاً غير جرائم العنف الجنسي والاغتصاب والاختطاف، والاعتقالات والسجن لفترات طويلة من دون مسوغ قانوني أو محاكمات.

وارتكب طيران الجيش مجازر متعددة قصف فيها المواطنين المدنيين في مساكنهم وهدمها فوق رؤوسهم، والمؤسف أنه كان يفعل ذلك بعد انسحابات كتائبه من بعض المدن التي تتسلمها «قوات الدعم السريع»، ثم يعود الطيران ليشنّ هجمات انتقامية لا تفرق بين مدني وعسكري، ولا بين منزل وثكنة عسكرية. وهدم طيران الجيش معظم المباني الكبيرة والضخمة في وسط العاصمة بحجة وجود جنود «الدعم السريع» داخلها.

الموجع والمخزي هو ما أحدثته الحرب في نفوس بعض الناشطين المدنيين الذين يقفون في منصة دعم الحرب، ويشجعون هذا الطرف أو ذاك، ويستخدمون خطاب الكراهية المقيت، ويستنفرون الناس بالعصبية القبلية والإثنية. يتبادل هؤلاء الناشطون نشر الأخبار الكاذبة والمفبركة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويغرقون بها الناس حتى تضيع وسطهم الحقيقة فلا يدركون وجهتها. ويحرّضون على تصفية الأسرى ذبحاً أو بإطلاق النار بدم بارد، بل وينشرون بعض التسجيلات المرئية لمثل هذه الجرائم التي وصل بعضها حداً بعيداً من القبح ومجافاة القيم الإنسانية.

وليس غريباً أن تجد جثثاً لجنود من الطرفين منشورة هنا وهناك تحت مسميات «جثث الكلاب» أو «الجيف» وربما معها ضحكات للشماتة، كما تنتشر فيديوهات تعذيب الأسرى من الجانبين وإهانتهم مصحوبة بكلمات التشجيع والاستحسان. أما الأشد مرارة فهو التلذذ بجثث ضحايا قصف الطيران ووصف الطيارين بالشجعان البواسل و«صانعي الكباب» بالإشارة إلى الجثث المحترقة. ثم الدعوة الصريحة المصحوبة بأسماء وصور بعض الناشطين والناشطات من الإعلاميين وأشباه الإعلاميين وهم يطلبون من القوات تصفية المدنيين الموجودين في المناطق الفلانية لأنهم «حواضن اجتماعية للتمرد»، ومن الممكن أن تجد إلى جانب هذه المادة المنشورة صورة الكاتب أو الكاتبة في كامل زينته الاجتماعية وكأنه مدعو لحفل استقبال.

لم يقل أحد لهؤلاء إن محكمة جرائم الحرب في رواندا، والتي عقدت جلساتها في مدينة أروشا التنزانية، قد حاكمت بعض الإعلاميين الروانديين بالتحريض على القتل والإبادة الجماعية.

بوضوح وصراحة شديدين، إن إنسانيتنا وضمائرنا وقيمنا الأخلاقية والدينية في خطر عظيم، نحن في حاجة إلى حالة صحوة عامة ويقظة عاجلة لنلتفت لمعالجة أنفسنا قبل أن يعمنا الخراب الأخلاقي قبل الخراب المادي.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

مصر التي في خاطري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

مصر.. "أم الدنيا"، ليست مجرد بلد عربي، بل هي حالة عشق تتملك كل من تطأ قدماه أرضها الطيبة، هي منبع العلم والفن والثقافة، روح تسكن القلوب، وتاريخ يمتزج فيه عبق الماضي بروعة الحاضر، على أرضها كلم الله موسى، والتقى سيدنا يوسف بأبيه يعقوب، فباركها الرحمن وجعلها موطناً للأمن والسلام، من جاءها ضعيفاً منحته القوة، ومن قصدها مهزوماً أهدته النصر، ومن دخلها خائفاً وهبته الطمأنينة.

مصر.. قصة شعب لا يعرف المستحيل، تحكيها صفحات التاريخ، وترويها معجزاتها الخالدة، تقف أمام الأهرامات عاجزاً عن الفهم، حيث يتحدى الحجر الزمن والمنطق، ويبقى هذا الصرح شاهداً على عظمة المصريين، متحف مفتوح يسرد قصص الشموخ والعظمة التي أدهشت العالم.

النيل.. شريان الحياة، الخليل في الليالي الساهرة، ملهم المبدعين والفنانين، على ضفافه ولدت أروع الإبداعات الفنية، وخرجت منه أصوات خلدها التاريخ كأم كلثوم، عبد الحليم، عبد الوهاب، وسيد درويش وغيرهم، فصار رمزاً للحياة والإبداع.

في شوارع مصر، تأسرك ضحكات المصريين التي لا تفارقهم رغم صعوبات الحياة، يحيطونك بكرمهم ويجذبونك بحكاياتهم، أما بناياتها العالية والشامخة، فهي شاهدة على ذكريات وطنية توجت بالعزة والنصر، ولم تقف مصر عند أمجاد الماضي، بل واصلت مسيرتها في الحاضر، بقيادة واعية أدركت قيمة الوطن، فالرئيس عبد الفتاح السيسي، هذا القائد الاستثنائي، استطاع في فترة وجيزة إعادة بناء مؤسسات الدولة وإطلاق نهضة تنموية، جاعلاً من مصر قوة صاعدة وصامدة أمام كل التحديات.

مصر ليست مجرد بقعة على الخريطة، بل هي أمان وسكينة وانتماء، من يزورها يقف احتراماً لعظمة التاريخ، ومن يختارها وطناً يدرك إنها أكثر من مجرد بلد، بل هي الماضي العريق، والحاضر المشرق، والمستقبل الذي يُصنع بأيدي أبنائها بإرادة وتحدٍّ، إنها مصر.. أم الدنيا، وستظل كذلك إلى الأبد، محفوظة برعاية الله.

*كاتبة وإعلامية مغربية

مقالات مشابهة

  • لماذا يدعم ناشطو الديمقراطية السودانيون الجيش الآن؟
  • هل تقلل الأسواق المالية من خطورة الحرب التجارية التي أشعلها ترامب؟
  • هجمات عسكرية على المدنيين وخطط ترامب.. آخر تطورات الأوضاع في السودان
  • عاجل. مصادر سورية: الجيش الإسرائيلي يتوغل داخل بلدة المعلقة بريف القنيطرة ويقوم بتفتيش منازل المدنيين
  • مصر التي في خاطري
  • قوات الدعم السريع تتهم طيران الجيش بقتل عشرات المدنيين بينهم أطفال ونساء وجرح المئات في نيالا
  • هذه أبرز النزاعات التي تواجه العالم في عام 2025.. حروب ترامب من بينها
  • صحافة عالمية: مشاهد من غزة تذكّر بهيروشيما وحياة المدنيين مهددة بالانهيار
  • الأمن السوري يشدد قبضته بالساحل ويعتقل العميد عاطف نجيب المتهم بتعذيب المدنيين
  • ناشطون: مجزرة سوق صابرين تؤكد نهج الدعم السريع في استهداف المدنيين