موقع النيلين:
2024-10-01@00:33:06 GMT

الحرب تتوسع والفجوة تتسع

تاريخ النشر: 11th, February 2024 GMT


توسعت الحرب واتسعت الأزمة وأصبح الإقليم على صفيح ساخن، خرجت الحرب عن حدود غزة، وتجاوزت مساحة الأرض الفلسطينية المحتلة، ولم يعد طرفاها الجيش الإسرائيلي وجماعة حماس، إنما انضمت أطراف أخرى مجاورة وغير مجاورة. الكل يتوعد ويهدد. البعض يقول إن هدفه وقف إطلاق النار في غزة، والبعض يستهدف تأديب «الخارجين» عن إرادته ومحوهم من الوجود، وكأن 130 يوماً من القتل والإبادة والتخريب لا تكفي لتحقيق الهدف وتأكيد «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها».

توسُّع الحرب يؤكد أن الدبلوماسية في زمن الحروب مهمتها فقط منح بعض المسكنات للرأي العام العالمي أملاً في تخدير إرادته وتخفيف حدة الأذى النفسي الذي يلحق به من مشاهد القتل المجاني للأطفال والتهجير القسري للأسر والتجويع الجماعي لمن تخطئ الطريق إليهم الصواريخ القادمة من كل اتجاه وقاذفات المدفعية الذاهبة إليهم في المنازل والمخابئ، والحصار اللاإنساني لكل كائن حي فوق الأرض المغضوب عليها بسبب تمرد بعض أبنائها على حصار امتد لسنوات والحرمان المتعمد من كل وسائل العيش ومقومات الحياة. دبلوماسية التخدير تريد أن تفقد الإنسان إنسانيته ويصبح كائناً لا تحركه مشاهد انتهاك إنسانية الآخرين، وأن تصبح المشاهد المرعبة القادمة من غزة والمتجولة حول العالم في الفضاء الإلكتروني، مشاهد وهمية في فضاء، يكون وهمياً عندما يريدون ويكون حقيقياً عندما يحمل مضموناً يتوافق مع رؤاهم ويروج لمصالحهم!.

كل الدبلوماسيين حول العالم طالبوا بعدم السماح بتوسع الحرب واتساع دائرة العنف، وتجاوز هذا المطلب حدود الدبلوماسية وكان مادةً للتصريح لدى الكثير من وزراء الدفاع وقادة الحروب ومُنظّري الإعلام العالمي، وأصبح هو المطلب الذي يتسيّد المؤتمرات والاجتماعات واللقاءات ومساحات الإعلام التقليدي والحديث، ولكن الواقع مختلف، جماعات مسلحة وميليشيات تسعى للانتقام من إسرائيل وأمريكا في البحر الأحمر وفي قواعد عسكرية أمريكية بالمنطقة، وفي المقابل يأتي الرد مضاعفاً من أمريكا وحلفائها، والنتيجة الحرب تتوسع والفجوة تتسع، ودوائر الفعل ورد الفعل تتواصل حتى تظل النار مشتعلة، لا بل يمكن أن يزيدها اشتعالاً ويمددها إلى مناطق جديدة.

المتابع للتصريحات الأمريكية منذ السابع من أكتوبر الماضي يجدها تركز على جزئيتين، أولهما هو «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» وهو المبدأ الذي دافعت عنه واشنطن رئاسياً ودبلوماسياً وعسكرياً واقتصادياً، دعم بالمال والسلاح، و«فيتو» جاهز في مجلس الأمن للتصدي لأي مطالب دولية لوقف الحرب، ودبلوماسية تشكّك في كل من يحاول دفع إسرائيل لوقف الحرب حتى ولو كان ذلك عَبر القانون الدولي وعبر محكمة العدل الدولية؛ أما الجزئية الثانية فهي العمل على عدم توسع نطاق الحرب وامتدادها إلى دول أخرى في المنطقة، وهو الأمر الذي بذلت لأجله الولايات المتحدة الكثير من الجهد الدبلوماسي عبر السعي لعدم دخول أية أطراف خارجية على خط الصراع، والجهد العسكري بالتهديد والوعيد لكل من يفكر في هذا الأمر، والإعلان الصريح أنها هي التي ستتصدى لكل من يطلق قذيفة تستهدف مصالح إسرائيل أو مصالح واشنطن.

من حق الولايات المتحدة الدفاع عن مصالحها في المنطقة، ولكن من واجبها أيضاً أن تراعي مصالح دول المنطقة التي تأثرت سلباً جراء هذه الحرب، ومن واجبها أن تدرك أن السبيل الأوحد لحل هذه الأزمة الممتدة للشهر الخامس هو وقف الحرب على قطاع غزة والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية من دون قيود.

أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي زار المنطقة خمس مرات منذ السابع من أكتوبر، ناهيك عن زيارات الرئيس جو بايدن ووزير الدفاع لويد أوستن قبل مرضه ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، والعنوان الرئيسي لمعظم الزيارات في البداية هو منع توسّع الحرب ودعم إسرائيل، ومؤخراً أصبح العنوان السعي لهُدن إنسانية تضمن الإفراج عن المختطفين وإدخال المساعدات، وقد نجحت أمريكا في تحقيق هدف دعم إسرائيل بامتياز، حتى ولو كان ذلك على غير رغبة قطاع لا يستهان به من الأمريكيين، ولكنها أيضاً فشلت بامتياز في عدم توسيع الحرب، بل وأصبحت طرفاً أصيلاً فيها، وأصبحت قواعدها ومصالحها في المنطقة هدفاً لميليشيات مسلحة في أكثر من دولة، كما فشلت بامتياز في فرض الحد من استهداف إسرائيل للمدنيين الذي طالبتها به مراراً، كما فشلت بامتياز في فرض أي هدن على إسرائيل، بل وأصبحت واشنطن هدفاً لليمين الإسرائيلي المتطرف الذي تجاوز وزراءه على الرئيس الأمريكي شخصياً، وسيزداد الهجوم على واشنطن وقد لا تفيق لحقيقة أن إسرائيل، الابن المدلل الذي اعتاد أن يأخذ بلا مقابل، واعتاد عدم الاستماع إلى «والديه»، لا بد أن ينقلب عليهما يوماً ويسقيهما من الكأس المر، إلا بعد فوات الأوان.

دائرة العنف في المنطقة تتسع يوماً بعد يوم، والضربات الأمريكية على أهداف في أكثر من دولة لن توقف استهداف مصالحها، وأمريكا تعي ذلك، وتدرك قبل غيرها أن القضاء على العنف لن يتحقق سوى بوقف الحرب، ولكن يبدو أن الابن المدلل خرج عن السيطرة ولا يريد وقفاً للحرب إلا بعد إحراق المنطقة وإشعال العالم.

محمود حسونة – جريدة الخليج

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: فی المنطقة

إقرأ أيضاً:

أثر الحرب في السودان على النساء والأطفال: العنف ضد النوع واستغلال الأطفال

بروفيسور حسن بشير محمد نور

شهد السودان العديد من الصراعات المسلحة الداخلية التي خلفت آثاراً جسيمة على مختلف فئات المجتمع، ولكن الأثر الأعمق والمستدام كان على النساء والأطفال، الذين يعانون من أنماط مختلفة من العنف والاستغلال. وتعتبر قضية العنف ضد النوع الاجتماعي واستغلال الأطفال من القضايا الأكثر إلحاحاً التي تحتاج إلى تحليل معمق وفهم دينامياتها في إطار النزاعات.

• واقع المرأة في سياق الحرب

تمثل النساء الفئة الأكثر هشاشة في أوقات النزاع، حيث يتعرضن بشكل خاص لأشكال متعددة من العنف القائم على النوع الاجتماعي. الحروب ليست فقط مواجهات مسلحة بين أطراف متصارعة، بل هي أيضاً ساحات لاستهداف النساء بغرض الإذلال، التفكيك الاجتماعي، والسيطرة على المجتمعات.
في السودان، تتعرض النساء للعنف الجنسي والجسدي بشكل متزايد خلال فترات النزاع، إذ تصبح أجسادهن ساحة للصراع بين الأطراف المتنازعة. من المهم ملاحظة أن هذا النوع من العنف ليس مجرد اثر جانبي للحرب، بل هو أداة من أدوات الحرب نفسها. يتم استهداف النساء من أجل زعزعة استقرار المجتمع وتفكيك نسيجه الاجتماعي، كما أن العنف الجنسي غالباً ما يُستخدم كوسيلة للتطهير العرقي أو الإثني. هذه الأفعال تؤدي إلى تدمير الروابط الاجتماعية وتفكيك الأسرة، ما يفاقم من الأزمة الإنسانية ويترك تأثيرات طويلة الأمد على المرأة وعلى المجتمع ككل.

• الأطفال وقود الصراع المستمر

إلى جانب النساء، نجد ان الأطفال أيضاً هم ضحايا رئيسيون للصراع. في السودان، اذ يُستخدم الأطفال كأدوات في الحرب، سواء كمجندين قسراً أو كضحايا لانتهاكات حقوق الإنسان. تجنيد الأطفال هو واحد من أكثر الأشكال الوحشية لاستغلالهم، حيث يتم استخدامهم كمقاتلين، كجواسيس، أو حتى كدروع بشرية. هذا الاستغلال ينتهك كل المعايير الإنسانية والدولية، ويترك ندوباً نفسية وجسدية على هؤلاء الأطفال، تعيقهم عن التطور الطبيعي وتعيق فرصهم في الحصول على التعليم والحياة الكريمة.
تجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة له تأثير كارثي على مستقبل المجتمع، حيث ينشأ جيل كامل وهو محمّل بذكريات الحرب وآلامها. هؤلاء الأطفال يُحرمون من فرص التعليم والنمو الطبيعي، ويُجرّون إلى عالم من العنف والوحشية التي تشكل وعيهم وسلوكهم في المستقبل. ومن هنا، يصبح إنهاء تجنيد الأطفال واحداً من أهم الأهداف التي يجب أن تسعى لتحقيقها كل منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية٫ خاصة في ظروف غياب مؤسسات الدولة والمؤسسات التعليمية والنظم التربوية وتدهور البيئة الاجتماعية التي يعيشون فيها.

•العنف المركب وآثاره الممتدة
الجمع بين العنف ضد النساء واستغلال الأطفال يؤدي إلى ما يمكن وصفه بالعنف المركب، حيث يُستهدف المجتمع بأكمله من خلال تمزيق النسيج الاجتماعي والأسري. النساء اللواتي يتعرضن للعنف الجنسي غالباً ما يُنبذن من مجتمعاتهن، مما يزيد من العزلة الاجتماعية ويعمق الأزمة النفسية والاقتصادية. وفي نفس الوقت، يتحول الأطفال المجندون أو الذين يشهدون على العنف إلى أشخاص فاقدين للثقة في المجتمع وفي مجمل النظام، مما يسهم في إستدامة دوامة العنف.

تتمثل رؤيتنا المبنية علي مناهج التحليل الاجتماعي والنزاعات، إلى أن الحرب لا يمكن فهمها بشكل منفصل عن السياق الاجتماعي الذي تحدث فيه. ونركز هنا على فكرة أن النزاعات في السودان، بالإضافة إلى أسبابها السياسية والاقتصادية، تتغذى أيضاً من الأنماط الاجتماعية القائمة على التمييز والإقصاء. وفي سياق العنف ضد النساء واستغلال الأطفال، نرى أن هذا العنف يمثل انعكاساً لنظام اجتماعي يحرم النساء والأطفال من حقوقهم الأساسية حتى في أوقات السلم، وبالتالي يصبحون أهدافاً سهلة في زمن الحرب.
يحب التأكيد هنا على أن الحل لا يكمن فقط في إنهاء الصراع المسلح، بل يجب أن يترافق ذلك مع إصلاحات اجتماعية عميقة تهدف إلى تغيير النظرة التقليدية للنساء والأطفال في المجتمع السوداني. بدون القيام بثورة تحقق اصلاحات جوهرية في هذا المجال، سيظل العنف القائم على النوع واستغلال الأطفال أمراً مستمراً حتى بعد انتهاء الصراع.

في الختام إن الأثر المدمر للحرب في السودان على النساء والأطفال هو نتيجة مباشرة لأوضاع اجتماعية وسياسية معقدة، حيث يشكل العنف ضد النوع واستغلال الأطفال جزءاً من استراتيجية الحرب. وبالنظر إلى منهح التحليل المتبع، يتضح أن أي محاولات لحل النزاع يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية لهذا العنف، مع التركيز على إصلاحات شاملة تهدف إلى تمكين النساء والأطفال وحمايتهم من الاستغلال والعنف في مستقبل سودان ما بعد الحرب أي كان تكوينه ومكوناته.

mnhassanb8@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • واشنطن تخشى الرد الإيراني وتعمل مع إسرائيل في شؤون الدفاع
  • واشنطن: الحرب الشاملة ليست سبيل إعادة سكان شمال إسرائيل
  • البنتاغون: واشنطن ستعزز قدرات الدفاع الجوي في الشرق الأوسط
  • كاتب صحفي: واشنطن تستطيع الضغط على إسرائيل لوقف التصعيد في المنطقة
  • أثر الحرب في السودان على النساء والأطفال: العنف ضد النوع واستغلال الأطفال
  • "أكسيوس": إسرائيل طلبت من واشنطن ردع إيران بعد اغتيال نصر الله
  • عقب مقتل "نصر الله".. بايدن يؤكد وقوف بلاده مع إسرائيل ضد حماس والحوثيين وحزب الله
  • البنتاغون: ملتزمون بالدفاع عن إسرائيل
  • خسائر بشرية قد تفوق غزة.. وزير الدفاع الأميركي يحذر من حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله
  • «الجارديان»: هل تستطيع إسرائيل تجنب الوقوع في نفس الأخطاء التي ارتكبتها خلال هجومها البري السابق على لبنان؟