لم تكن الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جو بايدن تتصور أن تتورط في نزاعات عالمية كبيرة، فضلا عن "حروب دائمة"، بعد أن بدأت انسحابا عسكريا من أفغانستان، إيذانا بعهد تقلص فيه واشنطن مشاركتها العسكرية المباشرة في الخارج لصالح التركيز على استراتيجية مكافحة الصين بشكل استراتيجي.

لكن الناظر للإدارة الآن، يجد أنها لا تزال متورطة في الحرب الروسية الأوكرانية، ومؤخرا في الحرب بين الاحتلال الإسرائيلي و"حماس" في غزة، وفي النزاع الأخير تورطت واشنطن بشكل مباشر، عندما تدخلت عسكريا ضد الحوثيين في اليمن.

وترى الأكاديمية والباحثة السياسية الهندية أريبا عبدالمعظم، في مقال نشره موقع "مودرن دبلوماسي"، أن "الحروب الدائمة" التي انخرطت بها واشنطن بشكل غير مباشر في أوكرانيا، وبشكل مباشر الآن في الشرق الأوسط تدق ناقوس خطر لبايدن وتقلق دول الشمال العالمي، بقيادة الولايات المتحدة.

حرب أوكرانيا

وتعد حرب أوكرانيا قضية رئيسية في الحملات الرئاسية الأمريكية المستمرة. وبينما يؤيد معظم المرشحين الجمهوريين استمرار الدعم، فإن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يعارض الدعم "المبالغ فيه"، وبدوره يرى المرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية الأمريكية والسياسي رون دي سانتس أن الحرب الأوكرانية الروسية ليست أولوية للأمن القومي الأمريكي.

ومن ناحية أخرى، يدعم كريس كريستي وتيم سكوت ومايك بنس ونيكي هالي وويل هيرد وآسا هاتشينسون استمرار دعم الذخيرة والمعدات لأوكرانيا.

ويعتقد هؤلاء أن الحرب الأوكرانية الروسية يمكن أن يكون لها آثار جيوسياسية محتملة إذا فازت روسيا بالحرب. وفي حال خسرت أوكرانيا الحرب، فمن المحتمل أن تهاجم روسيا حلفاء الولايات المتحدة وأعضاء الناتو في أوروبا.

صراع آخر

ووسط التوترات مع روسيا في أعقاب الحرب الأوكرانية واتساع أفق المنافسة مع الصين، والمشكلات الاقتصادية المحلية، انجذبت الولايات المتحدة إلى صراع جيوسياسي آخر في غرب آسيا، وهو الحرب بين "حماس" وإسرائيل المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وتواصل الولايات المتحدة، التي قدمت الدعم لإسرائيل منذ إنشائها عام 1948، إمدادها بالذخيرة والمساعدات والموارد العسكرية الأخرى.

وقد أدى ذلك إلى معضلة بالنسبة للولايات المتحدة حيث أدى دعمها إلى رد فعل عنيف من المجتمع الدولي.

وأدت المخاوف بشأن الوفيات بين المدنيين، وخاصة الأطفال والنساء الأبرياء، إلى احتجاجات ليس فقط في جميع أنحاء العالم ولكن حتى داخل الولايات المتحدة. هناك أيضًا عواقب جيوسياسية ودبلوماسية بالنسبة للولايات المتحدة، حيث يراقب الشركاء الإقليميون تصرفاتها عن كثب ويشككون في دورها في بدء وقف إطلاق النار من خلال الوساطة، تقول الكاتبة.

ووجدت واشنطن نفسها في قلب الصراع عندما بدأت في الهجوم المباشر على الحوثثيين في اليمن، بسبب هجماتهم على السفن في البحر الأحمر، والتي قالوا إنها تأتي تضامنا مع الفلسطينين.

وتحذر الكاتبة من أن انضمام الولايات المتحدة للحرب في الشرق الأوسط بهذا الشكل ستجعل عملية خفض التصعيد، التي تمثل أولوية ملحة، أكثر صعوبة.

حاجة الساعة

وتقول أريبا إن حاجة الساعة الآن هي تدخل استراتيجي ودبلوماسي من قبل التحالف الذي تقوده أمريكا لوقف الحرب في غزة.

وبصرف النظر عن الضغوط المتزايدة على خزانة الولايات المتحدة والتي ستؤثر في نهاية المطاف على اقتصادها ومواردها العسكرية والاستخباراتية، فإن هذا التصعيد سوف يزعزع استقرار منطقة غرب آسيا.

وبناء على هذا، ترى الكاتبة أن الأولوية القصوى لدول الشمال العالمي بقيادة الولايات المتحدة يجب أن تكون إعادة تقييم سياساتها وممارسة الحذر من أجل الحفاظ على الاستقرار في المنطقة.

وتضيف: يجب البدء بوقف فوري لإطلاق النار وحل الدولتين الذي يعالج مخاوف إسرائيل وفلسطين بشأن سلامة الأراضي والأمن.

وتردف: يمكن للولايات المتحدة أيضًا أن تثق باللاعبين الإقليميين الرئيسيين، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر ومصر.

وتختم الكاتبة مقالها بالقول: وما لم تدرك الولايات المتحدة هذه الحقيقة، فإنها قد تستمر في التورط في حروب في أوروبا وغرب آسيا مع عدم وجود مجال كبير للمناورة لانتشال نفسها من الحروب التي لا تشارك فيها بشكل مباشر، وهذا لن يؤدي إلا إلى تجربة الولايات المتحدة بشكل مباشر لحالة حرب "دائمة".

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الولایات المتحدة بشکل مباشر

إقرأ أيضاً:

السودان بين خيار الفيدرالية وإكراهات التقسيم: مأزق الحرب الحالية

د. هشام عثمان

يعيش السودان في الوقت الراهن على وقع حرب دامية تشتعل بين الجيش وقوات الدعم السريع، حرب أعادت إلى الواجهة كافة التناقضات السياسية والاجتماعية والعرقية التي ظلت تعصف بالبلاد لعقود. هذه الحرب، التي بدأت كمواجهة عسكرية، سرعان ما اتخذت أبعادًا أعمق، حيث باتت تهدد بتفكيك نسيج البلاد وإدخالها في دوامة من الانقسامات التي يصعب احتواؤها. في ظل هذا المأزق الدموي، تبرز من جديد خيارات الفيدرالية والتقسيم كبدائل سياسية للمستقبل، لكنها تأتي اليوم في سياق أكثر تعقيدًا، حيث يمكن للحرب أن تدفع بالسودانيين نحو أحد هذين الخيارين بشكل حاسم.

الحرب: تعميق التهميش وتهديد الوحدة

منذ اندلاع النزاع الحالي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، شهدت البلاد تصاعدًا في الفوضى وانهيارًا شبه كامل لمؤسسات الدولة. المناطق التي كانت تاريخيًا تعاني من التهميش، مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، باتت ساحات رئيسية للصراع، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والسياسية فيها. في ظل هذه الظروف، بات الحديث عن إمكانية بناء دولة مركزية قوية يبدو بعيد المنال. فالمركز، الذي كان مصدر السلطة، بات اليوم هشًا وغير قادر على فرض سيطرته بشكل كامل، مما فتح الباب أمام تصاعد الدعوات للحكم الذاتي والفيدرالية كسبيل لإنقاذ الأقاليم من ويلات الصراع.

الحرب الحالية لم تقتصر على التدمير المادي والبشري فقط، بل أظهرت بوضوح مدى عمق التباينات بين المناطق المختلفة في السودان. ففي الوقت الذي يعاني فيه المركز من حالة انهيار، تحاول بعض الأقاليم تنظيم شؤونها بشكل مستقل، مما يعزز من فكرة أن الفيدرالية قد تكون السبيل الوحيد لضمان بقاء السودان موحدًا.

الفيدرالية كخيار للحل في ظل الحرب

في ظل الفوضى التي خلفتها الحرب، بات خيار الفيدرالية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. الفيدرالية، كآلية لتوزيع السلطة بين المركز والأقاليم، يمكن أن تكون حلاً عمليًا لإنهاء النزاعات المسلحة وتخفيف التوترات التي تعمقها الحرب. إذ تتيح لكل إقليم حكم نفسه بشكل شبه مستقل، مع الحفاظ على وحدة الدولة على المستوى السيادي.

في الوقت الراهن، تزداد الدعوات من قبل بعض القوى السياسية والحركات المسلحة نحو تطبيق نموذج فيدرالي يضمن حقوق الأقاليم في إدارة شؤونها، ويعالج الاختلالات البنيوية التي تفاقمت بسبب الحرب. الفيدرالية يمكن أن تكون آلية فعالة لوقف النزيف المستمر، إذا ما تم تطبيقها ضمن إطار إصلاح سياسي شامل يعيد توزيع الثروة والسلطة بشكل عادل.

لكن في الوقت نفسه، يواجه خيار الفيدرالية تحديات كبرى في ظل انعدام الثقة بين الأطراف المتصارعة. الحرب لم تترك مجالاً للتفاهم السياسي، بل زادت من تعقيد المشهد، حيث باتت كل قوة تسعى لتعزيز نفوذها على حساب الأخرى. لذلك، فإن تبني الفيدرالية كخيار سياسي في هذا التوقيت يتطلب أولاً وقف النزاع المسلح وبناء آليات حوار وطنية تضمن مشاركة جميع الأطراف في صنع القرار.

إكراهات التقسيم: خطر الحرب المفتوحة

على الجانب الآخر، تأتي مخاوف التقسيم كإحدى الإكراهات الكبرى التي تفرضها الحرب الحالية. النزاع المسلح أظهر هشاشة الدولة السودانية، حيث باتت بعض الأقاليم، مثل دارفور، مهددة بالانفصال الفعلي في ظل الانهيار التام للسلطة المركزية. تجربة انفصال جنوب السودان عام 2011 ما زالت حاضرة في الأذهان، وهي تذكر السودانيين بأن النزاعات المسلحة يمكن أن تكون مقدمة لتفكك الدولة.

التقسيم لا يعني فقط انفصال الأقاليم عن السودان الأم، بل يعني أيضًا انزلاق البلاد إلى حالة من الفوضى المستمرة، حيث يمكن لكل إقليم أن يتحول إلى دويلة صغيرة متصارعة على الموارد والسلطة. الحرب الحالية تؤجج هذه المخاوف، حيث تسعى بعض القوى المحلية لتعزيز نفوذها في الأقاليم التي تسيطر عليها، مما يزيد من احتمالية تفكك السودان إذا لم يتم التوصل إلى حلول جذرية.

مأزق الحرب: نحو أي اتجاه يدفع السودانيين؟

الحرب الحالية وضعت السودانيين أمام خيارين مصيريين: إما تبني الفيدرالية كحل سياسي لإنقاذ ما تبقى من الدولة السودانية، أو الانزلاق نحو التقسيم والتفكك. كلا الخيارين ليس سهلاً، ولكن الواقع المأساوي الذي تعيشه البلاد يجعل من الفيدرالية خيارًا أكثر منطقية وواقعية.

ففي ظل حالة الانقسام الحالية، قد تكون الفيدرالية وسيلة لاحتواء الصراع وإعادة بناء الثقة بين الأقاليم والمركز. إذا ما تم تبني هذا النموذج بشكل حكيم ومدروس، يمكن للسودانيين أن يحققوا نوعًا من التوازن بين الحكم الذاتي للأقاليم ووحدة الدولة على المستوى السيادي.

لكن الحرب نفسها تمثل أكبر عائق أمام تبني هذا الخيار. استمرار النزاع المسلح وتغذية الانقسامات المحلية يعمقان من خطر التقسيم، ويجعلان من الصعب تحقيق أي تقدم نحو حل سياسي مستدام. إذا استمرت الحرب، فإن خيار التقسيم سيصبح حتميًا، حيث لن تجد الأطراف الثائرة علي مركزية السلطة سوى طريق الانفصال كوسيلة للبقاء.

السودان يقف اليوم في مفترق طرق تاريخي، حيث يدفعه مأزق الحرب نحو اتخاذ قرارات مصيرية بشأن مستقبله. الفيدرالية، رغم التحديات التي تواجهها، تبدو كخيار يمكن أن يساهم في إعادة بناء السودان وضمان استقراره، إذا ما تم تبنيها ضمن رؤية سياسية شاملة. أما التقسيم، فهو الخطر الذي يهدد البلاد، وقد تدفعه الحرب إلى أن يصبح واقعًا مأساويًا.

في النهاية، يظل السودان بحاجة إلى قيادة حكيمة تستطيع أن تتجاوز مأزق الحرب، وتبني توافقًا سياسيًا يجمع بين الفيدرالية كآلية لتوزيع السلطة، وبين الحفاظ على وحدة الدولة ومنعها من الانهيار.

hishamosman315@gmail.com

   

مقالات مشابهة

  • السودان بين خيار الفيدرالية وإكراهات التقسيم: مأزق الحرب الحالية
  • ارتفاع طلبات إعانة البطالة الأسبوعية في الولايات المتحدة بشكل محدود
  • كوريا الجنوبية تلمّح إلى تسليح أوكرانيا بشكل مباشر
  • موسكو: لسنا معنيين بتهنئة ترامب.. وأمريكا لا تزال دولة معادية
  • الكاتبة الصحفية أمل محمد الحسن: تناسل المليشيات يُلقي بظلال سالبة على جهود وقف الحرب و إحلال السلام بالسودان 
  • أول تعليق من روسيا على فوز ترامب بالرئاسة.. ما علاقة أوكرانيا؟
  • أول تعليق من روسيا على فوز ترامب بالرئاسية.. ما علاقة أوكرانيا؟
  • ترامب يعلن فوزه في الإنتخابات الأمريكية رئيسًا لـ”الولايات المتحدة” ويوجه خطاب النصر وهذا أول المهنئين
  • نتائج انتخابات أميركا مباشر.. ترامب يعزز تقدمه وآمال ضئيلة لهاريس
  • هل يأمل الاتحاد الأوروبي فوز هاريس طمعا في استمرار تجارته مع الولايات المتحدة ومواصلة دعم أوكرانيا؟