نشرت مجلة "إيكونوميست" البريطانية تقريرا عن مواصفات الطائرات المسيّرة وكيفية عملها وانتشارها ودورها في تغيير الحروب وتوازن القوى العسكري في العالم.

يقول التقرير إنها طائرات صغيرة ورخيصة (يمكن أن تكلف عدة مئات فقط من الدولارات)، وتحمل متفجرات، وقصيرة المدى، ومقتبسة من نماذج استهلاكية، وهي تجعل حياة الجندي أكثر خطورة.

إنها تنزلق إلى أبراج الدبابات أو المخابئ، وتتسكع وتلاحق قبل أن تقتل، وتلحق خسائر فادحة بالمشاة والدروع، لكنها تجد صعوبة في العمل مع سوء الأحوال الجوية. لهذه الأسباب لن تحل محل المدفعية (حتى الآن). لكن لا يزال بإمكانها إحداث الكثير من الضرر.

تأثير جيوسياسي غير مكلف

وأشار التقرير إلى أن تجربة إيران في امتلاك مجموعة متنوعة من المسيرات والصواريخ الباليستية سيكون لها تأثير جيوسياسي يفوق بكثير تكلفتها. وحتى لو كانت المجموعة اللازمة للتغلب على التشويش المضاد للمسيّرات ترفع بشكل كبير تكلفة الأسلحة، كما يتوقع البعض، فإنها ستظل تعتبر رخيصة بشكل ثوري.

وتوضح المجلة أن الحروب جعلت المسيّرات منتشرة في كل مكان. فقد شهد يناير/كانون الثاني الماضي تنفيذ 3 آلاف ضربة من مسيّرات تم التحقق منها، الأمر الذي يعوّض انخفاض استهلاك أوكرانيا للقذائف (وهو انخفاض تسبب فيه الجمهوريون في الكونغرس الأميركي).

وذكر التقرير أن الأسلحة الموجهة بدقة ظهرت أول مرة في شكلها الحديث في حرب فيتنام منذ ما يزيد على 50 عاما. ومع سعي القوات المسلحة منذ ذلك الحين إلى الدقة والتدمير، ارتفعت تكلفتها، حتى بلغت تكلفة قذيفة المدفعية الأميركية الموجهة بنظام تحديد المواقع العالمي 100 ألف دولار.

ولأن الأسلحة الذكية باهظة الثمن، فهي نادرة. لهذا السبب نفدت أسلحة الدول الأوروبية في ليبيا في وقت مبكر من ذلك التدخل في عام 2011. وإسرائيل، التي تحرص كثيرا على الحفاظ على مخزوناتها، قصفت غزة بقنابل غبية.

ستنتشر بين المليشيات و"الإرهابيين" والمجرمين

والمسيّرات، يقول التقرير، تجسد اتجاهات كبيرة في الحرب: التحول نحو الأسلحة الصغيرة والرخيصة والتي يمكن التخلص منها، والاستخدام المتزايد لتكنولوجيا المستهلك. وبسبب هذه الاتجاهات، ستنتشر تكنولوجيا المسيّرات بسرعة من الجيوش إلى المليشيات و"الإرهابيين" والمجرمين.

ويشير النمو الهائل في عدد المسيّرات الروسية والأوكرانية إلى اتجاه ثان، وهو أنها مستوحاة من تكنولوجيا المستهلك المتاحة على نطاق واسع ومكيفة منها. وقد ساعد ذلك في انتشارها ليس في روسيا وأوكرانيا فقط، ولكن أيضا في ميانمار، حيث هزم المتمردون القوات الحكومية في الأيام الأخيرة، وفي اليمن وغيرهما من الدول الفقيرة.

وقال التقرير إن المتطوعين يمكنهم استخدام (طابعات 3 دي) لصنع المكونات الرئيسية للمسيّرات وتجميع هياكلها في ورش صغيرة. ولسوء الحظ، من الممكن أن تكون الجماعات الإجرامية و"الإرهابيون" غير متخلفين عن المليشيات في امتلاك واستخدام هذه المسيّرات.

ديمقراطية امتلاك الأسلحة الدقيقة

وعلق التقرير بأن هذا يعكس دمقرطة واسعة النطاق للأسلحة الدقيقة. ففي اليمن، استخدم الحوثيون نماذج إرشادية إيرانية رخيصة لبناء صواريخ مضادة للسفن تشكل تهديدا مميتا للسفن التجارية في البحر الأحمر.

وأضاف أن انتشار المسيّرات يعود إلى الإلكترونيات الاستهلاكية، التي تدفع الابتكار بوتيرة سريعة مع تراكم القدرات في كل دورة إنتاج، مشيرا إلى أن ذلك يطرح مشاكل أخلاقية، إذ لن يكون هناك دائما وقت لإخضاع الأسلحة الجديدة للاختبار الذي تهدف إليه الدول الغربية في وقت السلم والذي تتطلبه اتفاقيات جنيف.

الكلاشينكوف في السماء

وعلّقت المجلة بأن المسيّرات ستثير أيضا أسئلة حول كيفية شن الجيوش للحرب وما إذا كان بإمكان البشر التحكم في ساحة المعركة. ومع تكاثرها، ستصبح أسراب التنسيق الذاتي ممكنة. وسيجد البشر صعوبة لمراقبة وفهم مشاركتها في الحروب، ناهيك عن التفويض باستخدامها.

وخلصت إلى أنه يجب على أميركا وحلفائها الاستعداد لعالم تنتشر فيه القدرات العسكرية المطورة بسرعة أكبر وعلى نطاق واسع، مشيرة إلى أن امتلاء السماء فوق أوكرانيا بأسلحة مستهلكة تجمع بين الدقة والقوة النارية، هو بمثابة تحذير لكل العالم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المسی رات إلى أن

إقرأ أيضاً:

المخدرات "عملة بديلة" في صفقات داعش السرية

كيف أصبح الفساد حليفًا خفيًا للجماعات الإرهابية؟ وكيف تحولت المخدرات إلى عملة بديلة في صفقات السلاح داخل تنظيم داعش؟

أسئلة كثيرة تتبادر إلى الأذهان ونحن نقرأ صفحات ملف من أخطر الملفات التي كشفت عنها منظمة الشفافية الدولية في تقريرها المثير "The Big Spin" الصادر عام 2017، مؤكدًا أن الفساد لم يعد مجرد بيئة حاضنة للإرهاب، بل شريكًا رئيسيًا في تمدده عبر شبكات تهريب المخدرات والأسلحة.

اعتمد تنظيم داعش الإرهابي منذ نشأته على مصادر تمويل متعددة وغير مشروعة، شملت تهريب النفط والذهب، واختطاف الرهائن، والاتجار بالبشر، وتجارة الآثار. هذه الأنشطة كانت بمثابة الشريان الحيوي الذي وفر له السيولة اللازمة لشراء الأسلحة والذخائر.

لكن المثير أن المخدرات لم تكن مجرد سلعة ضمن مصادر التمويل، بل تحولت إلى عملة بديلة وآلية دفع "آمنة" في صفقات السلاح والسلع، بعيدًا عن أعين الرقابة الرسمية في العديد من الدول.

وفقًا لتقرير "The Big Spin" الصادر في 21 فبراير 2017 عن منظمة الشفافية الدولية، فإن تنظيم داعش استفاد من الفساد المستشري في بعض الدول، واستغله بطريقة منهجية لتأمين موارده المالية. فقد أصبحت تجارة المخدرات أداة رئيسية لتسهيل تبادل الأسلحة والسلع الأخرى عبر شبكات تهريب تمتد عبر القارات.

لا يكتفي تقرير الشفافية الدولية بوصف الفساد كعامل مساعد لصعود داعش، بل يصفه بأنه "ركيزة أساسية" مكّنت التنظيم من توسيع نفوذه الجغرافي والأيديولوجي. ففي المراحل الأولى لتمدده في سوريا والعراق، استغل داعش الانهيارات الأمنية والإدارية لتنظيم عمليات تهريب ممنهجة شملت البشر، والمخدرات، والأسلحة، وحتى السلع الاستهلاكية.

بعد سقوط ليبيا في دوامة الفوضى، وجد داعش بيئة خصبة لعقد صفقات السلاح مع عناصر فاسدة داخل الميليشيات وتابعيها والداعمين لها. الرشاوى كانت الوسيلة الذهبية لتسهيل عمليات تهريب شحنات ضخمة من الأسلحة عبر الطرق الصحراوية المفتوحة.

والأخطر أن التنظيم لم يعتمد فقط على الرشاوى النقدية، بل أدخل المخدرات كوسيلة دفع في صفقات الأسلحة. بهذا الأسلوب، تحوّل داعش إلى "مافيا عابرة للحدود"، تستغل كل الوسائل الإجرامية للبقاء والتمدد والتوغل في دول إفريقية.

استخدم تنظيم داعش شبكات تهريب دولية متطورة لنقل المواد المخدرة من مناطق الإنتاج مثل أفغانستان ولبنان إلى أماكن التخزين أو التداول، حيث تُقايض بالأسلحة مع فصائل فاسدة أو تجار سلاح خارجيين. هذا التكامل بين تجارة السلاح والمخدرات مكّن داعش من تقليل اعتماده على النظام المالي التقليدي، مما صعّب من مهمة تتبعه، ومنحه هامشًا واسعًا للتحرك في الأسواق السوداء.

إلى جانب التمويل، أظهر تقرير الشفافية الدولية كيف استغل داعش الفساد المالي والإداري في عدة دول، وقدم نفسه كـ"مُنقذ" بديل، يفرض النظام ويوفر الأمن على جثث الأبرياء، ويقدم وظائف لعناصره، مستغلاً فراغ السلطة وانعدام الثقة بمؤسسات رسمية.

الفراغ الناتج عن الفساد لم يسهل فقط تجنيد الشباب، بل مكّن التنظيم من السيطرة على مدن كاملة أحيانًا دون مقاومة تذكر، كما حدث في الموصل عام 2014.

من بين أبرز الأدوات التي استخدمها التنظيم كانت حبوب الكبتاجون المخدرة، التي لعبت دورًا مزدوجًا. فهي أولاً كانت تُستخدم كمنشط لعناصر التنظيم أثناء القتال، وثانيًا كانت سلعة تجارية عالية القيمة. تقارير دولية عديدة كشفت أن شحنات كبتاجون تم ضبطها في موانئ على البحر المتوسط كانت تحمل علامات تشير إلى مصانع واقعة في مناطق كانت خاضعة لسيطرة داعش.

بتكلفة تصنيع منخفضة وأرباح هائلة، أصبح الكبتاجون مصدر تمويل رئيسي مكّن داعش من شراء الأسلحة الثقيلة، وتمويل العمليات الإرهابية، ودفع رواتب مقاتليه.

تقرير " The Big Spin" أكد أن الفساد لم يعد مجرد ملف إداري أو شأن أخلاقي داخلي للدول، بل تحوّل إلى خطر داهم على الأمن القومي. فحين تُباع الحدود بالرشوة، وتُمرر الأسلحة عبر منافذ ملوثة بالفساد، وتتحول المنظومة المتكاملة إلى بيئات حاضنة للتهريب والجريمة، فإن الإرهاب يجد الطريق معبّدًا أمامه للتوسع.

التقرير يدعو الدول إلى إدراك العلاقة البنيوية بين الفساد والإرهاب، وإلى ضرورة أن تكون مكافحة الفساد جزءًا لا يتجزأ من أي استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب، إلى جانب الجهود الأمنية والعسكرية.

لقد أثبتت الوقائع، بما لا يدع مجالًا للشك، أن تنظيم داعش ما كان له أن يتمدد بهذه السرعة ويحقق هذه القوة لولا البيئة الملوثة بالفساد التي نما فيها: رشاوى، تهريب، مخدرات، سلاح.. .كلها أدوات لم تكن لتُتاح لداعش لولا تفشي الفساد وغض الطرف الرسمي في بعض الدول ورعاية من دول أخرى.

إن الحرب على الإرهاب لا ينبغي أن تظل معركة عسكرية فقط، بل يجب أن تكون أيضًا حربًا مفتوحة على الفساد بكل أشكاله. ففي عالمٍ تُشترى فيه الذمم، يصبح الإرهاب مجرد أحد أعراض مرض أكبر وأكثر خطورة: إنه الفساد.

ولذلك، إذا أرادت الدول حماية مستقبلها وأمنها، يجب أن تبدأ أولاً بتجفيف مستنقعات الفساد، قبل محاولة اقتلاع الإرهاب من جذوره.

مقالات مشابهة

  • الجيش الإسرائيلي يجد صعوبة في التصدي لسرقة أسلحة من قواعده
  • المخدرات "عملة بديلة" في صفقات داعش السرية
  • الفرص المتاحة: كيف يمكن للحرب التجارية بين أمريكا والصين أن تكون نعمة للدول النامية؟
  • الداخلية تداهم ورشة تصنيع أسلحة يديرها عنصرين جنائيين بأسيوط
  • إسبانيا وإسرائيل.. صفقات أسلحة تثير جدلاً في ظل أزمات دولية
  • اعتراضاً على نقلها أسلحة لجيش الاحتلال.. استقالات في شركة ميرسك
  • (وكالة).. ترامب يستعدّ لعرض صفقة أسلحة للسعودية بأكثر من 100 مليار دولار
  • ترامب يستعد لعرض أسلحة على السعودية بأكثر من 100 مليار
  • ترامب يعرض أسلحة على السعودية بنحو 100 مليار
  • رويترز: ترامب يستعد لعرض أسلحة على السعودية بأكثر من 100 مليار دولار