التابوهات هي المحظورات أو المحرمات، سواء المجتمعية أو السياسية؛ وقد “كسرتها” غزة بمقاوميها وشعبها ورجالها ونسائها وأطفالها أيضا منذ السابع من أكتوبر وما تلاه.
فتح طوفان الأقصى الأبواب لتكسير التابوهات كالمعاداة “العلنية” لإسرائيل من بعض المسئولين في أمريكا والغرب وبعض المشاهير، فضلًا عن انتشار التعاطف مع فلسطين وكسر تابو العداء للسامية من عدد يتزايد من الناشطين، خاصة الشباب في أمريكا وأوروبا.
من التابوهات التي تم كسرها التظاهر ضد رئيس الوزراء أثناء الحرب والانتقادات العلنية من رؤساء ووزراء سابقين والمطالبة باستقالته، ووصل الأمر برئيس وزراء الصهاينة الأسبق إيهود باراك إلى القول بأن إسرائيل هي التي قامت ببناء المخابئ في مستشفى الشفاء مفندًا “علانية” اتهامات الصهاينة لحماس ببناء أنفاق تحت المستشفى في سابقة لم تحدث من قبل؛ حيث كان جميع المسئولين السابقين والحاليين يتكاتفون ولو “ظاهريًا” مع الحكومة أثناء الحرب، ثم يتقاتلون بعدها كعادتهم.
من التابوهات التي تكسرت اعتراض كثير من المسئولين في البيت الأبيض وفي بريطانيا وفي فرنسا على الانحياز السافر لحكومات بلادهم للصهاينة وتأييد “المذابح” في غزة تحت ادعاء حق الدفاع عن النفس واستقالة بعضهم، كما نشرت صحيفة فايننشال تايمز في تعبير “نادر” عن موقف سياسي نائب المدير المساعد لشئون التحليل في سي آي إيه، أن مسئولة كبيرة في الاستخبارات الأمريكية نشرت صورًا داعمة لفلسطين وغيرت خلفية صفحتها على الفيس بوك إلى رجل يلوح بعلم فلسطين.
واستقال مسئول بالأمم المتحدة في نيويورك احتجاجًا على فشل المنظمة في منع الإبادة الجماعية في غزة، وقال السيناتور مارك وارنر رئيس الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي: “إسرائيل فقدت تعاطف الناس في العالم كله”.
من التابوهات التي “أسعدت” الملايين كسر هيبة الصهاينة والسخرية منهم، وانتشار صور سحبهم من الدبابات وصور الاستسلام لبعض المستوطنين، وحديث أسرى الصهاينة الذين تم الإفراج عنهم عن حسن تعامل المقاومة معهم، وأشادت شابة بالتغيير “الجميل” الذي حدث لأختها الصغيرة بعد عودتها من الأسر؛ حيث أصبحت تتعامل معهم بلطف لم تفعله من قبل “وتصر” على تقاسم الطعام معهم، وهو جزء مما “تعلمته” في غزة.
من التابوهات التي تحطمت أيضًا الاعتراف علنا بالهزيمة في وسائل الإعلام الصهيونية، والمطالبة بمحاسبة المسئولين عنها والحرب ما زالت قائمة؛ قالت صحيفة معاريف: “يبدو أن الجيش لن ينتصر نحن نكذب على أنفسنا”.
ومن أبرز التابوهات تقديم إسرائيل للمحاكمة لأول مرة في تاريخها أمام محكمة العدل الدولية؛ من خلال الدعوى القضائية التي أقامتها جنوب إفريقيا وساندتها فيها بعض الدول.
ونتوقف عند كسر مهم لتابوهات عدم الاجتراء على القواعد الأمريكية؛ حيث فوجئت أمريكا والعالم كله بضرب القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، والأهم استخدام البحر الأحمر لأول مرة في التاريخ “لعقاب” إسرائيل على عدوانها النازي على غزة، ومنع السفن من الوصول إليها إلا بعد إنهاء الحصار الظالم على غزة، ثم مهاجمة السفن الأمريكية والبريطانية أيضًا من قبل الحوثيين في اليمن، وهي مفاجأة “قاسية” لم يتوقعها العدو الصهيوني ولا حلفاؤه أبدًا.
كما استهدف الحوثيون مواقع صهيونية بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة وهددوا بالمزيد.
من التابوهات المحطمة ما رأيناه عندما أغلق أمريكان بأجسادهم بوابة مصنع للأسلحة في أمريكا؛ لمنع وصولها للصهاينة، وفي بريطانيا حاصر أكثر من ألف نقابي مصانع تزود الصهاينة بالأسلحة؛ دعمًا لغزة في صمودها أمام نازية الصهاينة وحلفائهم، وساندت أسبانيا جنوب إفريقيا ضد الصهاينة، ورفضت المشاركة في العدوان على اليمن مع أمريكا وبريطانيا وأستراليا وهولندا والبحرين، وإعلان إيطاليا عن توقفها عن بيع الأسلحة للصهاينة.
ومن التابوهات التي تحطمت أيضًا التعاطف غير المسبوق مع غزة في أنحاء العالم، خاصة في أمريكا وأوروبا؛ ففي بريطانيا شاهدنا مظاهرات كثيرة تندد بالعدوان على غزة، وتعرض الملك تشارلز لانتقادات هو ورئيس حكومته العنصري، وبسط المتظاهرون ملابس تمثل أكثر من 11 ألف طفل بطول 5 كيلومترات على الرمال كنصب تذكاري رمزي للأطفال الذين استشهدوا في غزة في شاطئ مدينة بورنموث البريطانية.
كما انضم كثير من المشاهير في العالم لمؤيدي غزة ومنهم ممثلون من أمريكا فازوا بالأوسكار، وتحدوا هيمنة اللوبي الصهيوني على صناعة السينما.
كما شكل تضامن الأمين العام للأمم المتحدة مع غزة كسرًا للتابوهات أيضا وقال: أشعر بالفزع من الموت والدمار في غزة التي باتت تئن من فرط الألم والويل والكمد، ولا يوجد مكان آمن يمكن اتخاذه ملاذًا بعد إجبار الغزاويين على ترك منازلهم.
من التابوهات التي تحطمت أيضًا، ما أعلنه المتحدث باسم وزارة الدفاع الصهيونية من رحيل أكثر من ربع مليون صهيوني من منازلهم “خوفًا” من صواريخ حزب الله اللبناني، ورفضهم العودة وعدم شعورهم بالأمان.
رد المتحدث باسم الحوثيين على مذيعة البي بي سي “العربية” عندما سألته “بعدوانية” وحدة عن سبب هجوم الحوثيين على السفن المتوجهة للصهاينة، رغم “بعد” اليمن عن فلسطين المحتلة؟!؛ فقال: وهل يسكن بايدن مع نتنياهو وهل يسكن ماكرون في الطابق الذي يعلو نتنياهو وهل يسكن رئيس وزراء بريطانيا في نفس العمارة؟! هؤلاء جاءوا من آلاف الكيلومترات..
تمنى رئيس وزراء الصهاينة الأسبق شارون أن يستيقظ ليجد غزة وقد ابتلعها البحر؛ وتعفن وهو حي؟ وسيتعفن الصهاينة كلهم وستنتصر غزة بمشيئة الرحمن، ويحتفل أهلها بصمودهم المذهل فكم رأينا أطفالًا صامدين فوق ركام بيوتهم وطفل يرفع يده بعلامة النصر وهو داخل سيارة الإسعاف، وثالث يحتضن إخوته الصغار بعد استشهاد والديه ويهتف: صامدون.
نجلاء محفوظ – بوابة الأهرام
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی أمریکا فی غزة
إقرأ أيضاً:
ما هي العقبات التي تمنع تنظيم الإسلام في فرنسا مُنذ ربع قرن؟
تُحاول الدولة الفرنسية منذ ربع قرن دون جدوى إعادة تشكيل تمثيل الإسلام بشكل صحيح في البلاد، لكنّ النكسات وخيبات الأمل كانت دائماً من نصيبها، فما إن تعتقد السلطات أنّها حققت هدفها حتى تبدأ جهودها بالتراجع.
في بداية عام 2000، أطلق جان بيير شيفينمان، وزير الداخلية آنذاك، أولى الحوارات الرسمية التي أدّت في عام 2003 إلى ولادة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، تحت رعاية الرئيس السابق نيكولا ساركوزي.
Influences étrangères, attentats, argent du halal... Les six failles qui empêchent l’organisation de l’islam en France
L’État français tente en vain, depuis un quart de siècle, de façonner sa représentation dans le pays.https://t.co/d9WAQ66YHE
ومع تزايد سيطرة تنظيم الإخوان الإرهابي على المجلس المذكور على مدى 20 عاماً، رفض الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون الاعتراف به، فاستبدله في فبراير (شباط) عام 2022 بمنتدى الإسلام في فرنسا (Forif) تحت إشراف وزير الداخلية الأسبق جيرالد دارمانين، الذي كان مسؤولاً عن تنظيم عمل الأديان في فرنسا.
وعلى الرغم من أنّ من يُدير المُنتدى ممثلون دينيون أقل انخراطاً في السياسة وأكثر تكنوقراطية من المجلس الإخواني المُنحل، إلا أنّه لم ينتج بعد أيّ شيء ملموس عن الهيكل الديني الحديث خلال 3 سنوات من وجوده. ويرى عالم الاجتماع فرانك فريغوسي، الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، أنّ "الرجال والنساء الذين هم في صدد اختراع إسلام الغد، هم أكثر براغماتية بكثير مما يريد أتباع التطرّف الديني أو السلفيين أو الإخوان".
ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي جان ماري غينوا، أنّه، ورغم الفشل المتكرر، هناك حلول موجودة، حتى لو لم يكن أيّ منها حلاً سحرياً. لكنّ هناك العديد من العقبات التي تحول دون تشكيل مُستقر لـِ "إسلام فرنسا"، سواء على الجانب الإسلامي الداخلي أو على الجانب الجمهوري العلماني، كما أنّ بعضها يتعلّق بالسياق الدولي.
La loi confortant le respect des principes de la République que le Gouvernement a fait voter est un texte important qui donne les moyens à l’Etat de se défendre face au séparatisme islamiste et à ceux qui veulent renverser les valeurs de la République. #ZoneInterdite pic.twitter.com/TWpEDlvy25
— Gérald DARMANIN (@GDarmanin) January 23, 2022 تنافس لا ينتهيمن الخارج، لا يبدو الانقسام واضحاً، لكنّه حقيقي جداً. إذ هناك 3 مُجتمعات مُتنافسة تُهيمن على المشهد الإسلامي الفرنسي "الجزائريون، والمغاربة، والأتراك". وبحسب مسؤول كبير في الجالية المسلمة، يعتقد الجزائريون أنّهم الممثلون التاريخيون للإسلام في فرنسا. والمُفارقة أنّ إنشاء مُنتدى "فوريف"، الذي كان له هدف مُعلن هو الحدّ من التأثيرات الأجنبية، لم يتمكن من منع السياسيين من استغلال هذه التنافسات التاريخية.
ومنذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عملت وزارة الداخلية، المسؤولة عن الأديان، على دفع الجاليات الإسلامية المختلفة الموجودة في فرنسا إلى تنظيم أنفسها، لكنّ التنافس الداخلي والخارجي أدّى إلى متاهة أضعفت الهياكل الإسلامية كافة.
وحاول المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، الذي تتجاهله الدولة الآن بسبب تبعيته للإخوان، ويُمثّل نحو نصف مساجد فرنسا، إصلاح نفسه، لكنّ السلطات الرسمية ترفض الحوار معه.
"Les frères musulmans ont de grosses difficultés à s'implanter dans le monde musulman car souvent listés comme terroristes. En occident ils se développent sans entrave car considérés comme modérés, de gauche, surtout en Belgique et en France." [Florence Bergeaud-Blackler] pic.twitter.com/PKkfy7ujLK
— ⛓️???? #LiberezBoualemSansal ✍️ (@IslamismeFrance) February 3, 2025 جروح الهجمات القاتلةخلال 25 عاماً، تعرّض السياق المُجتمعي لتنظيم الإسلام في فرنسا لاضطرابات عميقة بسبب سلسلة من الهجمات، التي غالباً ما ارتُكبت باسم الإسلام، مما أدّى إلى تصلّب الرأي العام الفرنسي تجاه الدين. وقد وثّقت أجهزة الأمن الفرنسي وقوع حوالي 50 هجوماً إسلامياً قاتلاً، مما ولّد مآسٍ تركت بصمتها على البلاد.
ورغم أنّ كل هذه الأعمال الإرهابية كانت دائماً موضع إدانة واضحة من قبل الهياكل الممثلة للإسلام في فرنسا، إلا أنّها مع ذلك غيرت مناخ التسامح والتعايش تماماً.
كما شهدت الجمهورية الفرنسية تحوّلاً سياسياً وإدارياً بإقرارها في أغسطس (آب) 2021 قانون "تعزيز مبادئ الجمهورية"، المعروف بقانون مكافحة "الانفصالية" الإسلاموية، بهدف تعزيز العلمانية والحياد، وخاصة في الخدمات العامة.
ومن أهم ما تمّ إقراره هو مراقبة الجمعيات الدينية من خلال فرض توقيع "عقد التزام جمهوري"، وهو ما فرض قيوداً إدارية ودقيقة عليها، منها عدم قُدرتها على فتح حسابات مصرفية لمُحاربة التمويل الخارجي، مما أعاق عملها بشكل كبير.
Les enjeux du marché halal sont bien plus préoccupants que les seuls problèmes de compétition économique, le halal est l’instrument d’un djihâd économique.
À lire dans @LeFigaroTV ????https://t.co/VDI7dRtQYZ
استهدف كتاب عالمة الاجتماع الفرنسية البلجيكية فلورنس بيرغود بلاكلر، "الإخوان وشبكاتهم" في عام 2023 فكر التنظيم الإرهابي بشكل مُعمّق.
وهو عمل قدّمه عالم السياسة والمتخصص في الإسلام الراديكالي جيل كيبيل. وقد تجرّأت الباحثة في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي على كسر أحد المحرمات بشأن حقيقة نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا من خلال اتحاد المنظمات الإسلامية، الذي أعيدت تسميته إلى "مسلمي فرنسا"، حيث كان مُستهدفاً بشكل خاص في هذا السياق، وهو ما عرّض الباحثة لموجة من التهديدات بالقتل.
ولم يتنازل اتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية السابق عن إمكانية ممارسة دوره بشكل كامل في المجتمعات الغربية، مع دعوته لتطبيق مبادئ الشريعة والقانون الإسلامي في الحياة اليومية العادية، وفقاً لعقيدة صارمة. لتظلّ بذلك المشكلة قائمة في تمثيل الإسلام بشكل صحيح، حيث من غير الممكن تطبيق تعاليم الدين بشكل خاطئ لا يقبل المساومة عبر فرض ممارسات دقيقة للإسلام في السياق الغربي دون أن يُؤدّي ذلك إلى الانفصالية عن المُجتمع الفرنسي.
Influences étrangères, attentats, argent du halal... Les six failles qui empêchent l’organisation de l’islam en France
L’État français tente en vain, depuis un quart de siècle, de façonner sa représentation dans le pays.https://t.co/d9WAQ66YHE
اقترح حكيم القروي، أحد أبرز الشخصيات الإسلامية المُعتدلة والإيجابية في فرنسا، مراراً وتكراراً أن تذهب عوائد الطعام الحلال بشكل مباشر لدعم جهود تنظيم الدين الإسلامي في فرنسا.
وذكر أنّ "الأموال المُتداولة لا تذهب إلى حيث ينبغي أن تذهب، أي في مشاريع تدريب الأئمة، وفي دفع رواتب ممثلي الدين، وفي بناء أماكن العبادة (بهدف منع التمويل الخارجي)".
ولكن في الواقع فإنّ الغالبية العظمى من تلك الأموال تذهب إلى مُستثمرين يتحكمون بها وفقاً لأجندات مشبوهة. وأظهر عُمق هذا الخلاف الإضافي مدى الانقسام العميق الذي يسود المُجتمع الإسلامي نفسه في فرنسا بسبب المال الحلال.