الصحة.. مؤشرات تنافسية ورؤى سباقة لحياة أفضل
تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT
إعداد: عهود النقبي
في القمة العالمية للحكومات، التي استضافتها الإمارات في العام 2021، طرح مركز الفكر دراسة عبر فيها عن رؤيته لتعزيز مرونة النظم الصحية، بخطة عمل مقترحة للسنوات العشر المقبلة، وفي الوقت الذي كشف المركز أن نظم الرعاية الصحية في العالم أجمع، لا تتمتع بالجاهزية المطلوبة لخدمة السكان، كانت الإمارات منغمسة تماماً في حماية المواطن والمقيم، وذلك أثناء جائحة «كوفيد 19»، التي لا تزال حديث الساعة في تأثيرها على كل المجالات، ولم تقف الدولة عند ذلك وحسب، بل إنها قبلت بتحديات أخرى، لتعزيز كل مستويات المرونة، لترتقي بالنظم الصحية كافة، عبر إنجازات تنافسية، وأرقام مُحققة وعلى جميع الصعد.
يتمثل مفهوم المرونة الصحية الذي يتوجب على الحكومات تطبيقه، بقدرة الحفاظ على مستوى الأداء في الظروف المتوقعة وغير المتوقعة، والتكيف مع التحديات والمتغيرات على مختلف المستويات، من خلال الوقاية التي تتمثل بقدرة المنظومة على التنبؤ بالصدمات، والمراقبة ومتابعة الأزمة والاستجابة في التعامل المرن مع حالات الطوارئ، والتعافي واستعادة القدرة التشغيلية للمنظومة، وهي نظم أساسية يتوجب على المؤسسات الصحية التمتع بها.
أما الإمارات فكانت نهجاً يُدرس، في كل تلك الأسس عبر تجاوز بنّاء وملحوظ لجائحة «كوفيد 19»، وأهدت للعالم أجمع تعاليم ودروساً في التعامل مع جميع الظروف، وأقامت خُطتها في المراحل الأولى من انتشار الوباء، لنرى أن المنظومة الصحية في الدولة كانت تتمتع بوعي عال، لتصل كل المؤسسات الصحية إلى مرحلة التعافي وبجدارة تامة.
وفي ظل الجائحة، ارتفع عدد الأطباء البشريين العاملين في القطاعين الحكومي والخاص إلى 26151 طبيباً بنهاية 2020، مقابل 12804 أطباء في العام 2010، بزيادة 104 % وبعدد 13.347 طبيباً، وارتفع عدد أطباء الأسنان إلى 6811 طبيباً، مقابل 3.042 طبيباً، بنمو 124 %، وفي التمريض إلى 56133 ممرضاً، مقابل 23363 ممرضاً، خلال فترة المقارنة بنمو 140% وبعدد 32.770 ممرضاً، بحسب المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء.
السياحة العلاجيةأشار تقرير «دولة الإمارات.. أرقام توثق المسيرة»، إلى أن الإمارات تحتل المرتبة الأولى في عدد المنشآت الصحية المعتمدة دولياً، كما أصبحت ضمن أفضل الوجهات العالمية للسياحة العلاجية، وتمتلك عدداً من المستشفيات التخصصية، أسهمت بدورها في تقليل سفر المرضى لتلقي العلاج في الخارج.
وتعمل الدولة على تطوير قطاعها الصحي بهدف دعم قدراتها على مواجهة التحديات المختلفة، وتعزيز شراكاتها الدولية المتعددة، وتشجيع الابتكار والتطوير في هذا القطاع، حيث عملت خلال السنوات الماضية على الاستخدام المكثف لتقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي، وذلك ضمن خطة تستهدف دمج الذكاء الاصطناعي بنسبة 100% في الخدمات الطبية بما يتوافق مع مئوية الإمارات 2071.
فيما تمثل عنصر الوقاية المذكور في الدراسة المطروحة في القمة العالمية للحكومات، في اهتمام الإمارات بتطوير البنية التحتية الخاصة بالقطاع الصحي، خاصة المستشفيات والمراكز الطبية، التي وصل عددها في نهاية عام 2021 إلى 166 مستشفى، منها 54 مستشفى حكومياً و112 مستشفى خاصاً.
وبلغ عدد المراكز الطبية والعيادات نحو 5301 مركز وعيادة، بينما بلغ إجمالي عدد الأسرّة في المستشفيات نحو18363 سريراً، منها 9784 سريراً، في الحكومية و8579 سريراً في الخاصة، واهتمت الإمارات بتطوير الكوادر البشرية في القطاع، وبحسب مركز التنافسية والإحصاء فقد بلغ إجمالي القوى العاملة الصحية في عام 2021 نحو 135.929 عاملاً، موزعين بواقع 27.268 طبيباً، و7476 طبيب أسنان و12.481 صيدلياً، و59.798 ممرضاً، و28.906 فنيين طبيين، بما يشمل أخصائيي الأشعة والمختبرات.
برامج وطنيةفي وقت انشغل العالم كله بالجائحة، كانت الإمارات تعالج جذور مشكلات صحية أصيلة أخرى، وتقبل بتحديات أضخم، في عنصر المراقبة، الذي يتمثل بالكشف المبكر عن الأزمات ومتابعتها، والسيطرة على انتشارها، وهو ما ظهر في استهداف الحكومة للأمراض الجينية الوراثية عبر برنامج الجينوم الإماراتي، الذي أطلق في عام 2021، ويهدف لجمع أكبر قدر من البيانات الجينية الوراثية لمواطني الدولة، لتسريع وتيرة حلول الرعاية الصحية والوقائية والتشخيص الدقيق للأجيال الحالية والمقبلة.
واستُخدم في البرنامج أحدث القوى التحليلية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ما يؤكد رؤية الحكومة الرشيدة، وتطلعاتها نحو مستقبل صحّي وآمن للمواطنين، والوصول إلى استخدام البيانات الجينية الوراثية، وتحليلها والاستفادة منها في تحسين الصحة العامة للإماراتيين.
ويعمل البرنامج على تزويد المواطنين بجينوم، مرجعي خاص، ودمج البيانات الجينية بقاعدة البيانات الخاصة بإدارة الرعاية الصحية، ويستخدم البرنامج تقنية متواليات متقدمة لإيجاد قاعدة بيانات جينوم، كجزء من الرعاية السريرية بهدف تعزيز الوقاية من الأمراض الوراثية والمزمنة مثل: السمنة والسكري وضغط الدم وأمراض السرطان والربو، والوصول إلى علاج شخصي لكل مريض حسب العوامل الوراثية، من خلال استخدام العلوم الجينية والتقنيات الحديثة المبتكرة حول التنميط والتسلسل الجيني للتعرف إلى البصمة الجينية.
وفي ذكر الأمراض غير السارية، نجحت حملة تحدي ال100 يوم، ضمن برنامج مسرعات الأعمال الحكومية، الذي استهدف إجراء 5000 فحص للكشف المبكر عن مرض السكري، في تخطي العدد المستهدف وتجاوز 12 ألف فحص على مستوى الدولة، ما يعادل أكثر من ضعف المستهدف، ويعتبر هذا الإنجاز مرحلة أولى لتنفيذ برنامج متكامل من الفحص والعلاج، والمتابعة لحالات ما قبل السكري، الذي أطلقته لمدة عام، بدعم من دائرة الصحة بأبوظبي، ومركز أبوظبي للصحة العامة، وهيئة الصحة بدبي، ومؤسسة الإمارات للخدمات الصحية، ودبي الصحية.
وتصل كلفة الأمراض غير السارية إلى 41 ملياراً سنوياً، وهو ما يوضح اهتمام الدولة البالغ بملف الصحة ورعاية المواطن والمقيم على أرضها.
قطاع التحولاتفي ما يتعلق بعنصر الاستجابة، تمتلك المنظومة الصحية في الإمارات القدرة على التعامل مع أي أزمة أو حالة طوارئ، ثم الحد من آثارها والتكيف مع الظروف المتغيرة بسرعة وسلاسة، ويظهر ذلك في إجراء أول عملية زراعة كبد لسيدة عمرها 38 عاماً، خرجت من المستشفى بعد عشرة أيام فقط من العملية، وهو إنجاز مهم يضاف إلى رصيد إنجازات القطاع الصحي، ويواكب التحولات السريعة والطفرات النوعية المتتالية.
وأصبحت الإمارات الأولى عالمياً في نموّ التبرّع بالأعضاء وزراعتها بنسبة نمو 417 %، خلال آخر أربع سنوات بحسب نتائج «مؤتمر الجمعية العالمية للتبرّع بالأعضاء»، الذي أقيم مؤخراً في مدينة لاس فيغاس الأمريكية، إذ بلغ إجمالي عدد الأعضاء المزروعة لمرضى يعانون الفشل العضوي في الدولة منذ عام 2017، ولغاية الآن 585 عضواً، منها 330 زراعة كلى، و199 زراعة كبد، و16 زراعة قلب، ثم 27 زراعة رئة، و13 زراعة بنكرياس، ووصل عدد المتبرّعين الإجمالي إلى 202 منذ عام 2017، مع بداية البرنامج الوطني للتبرّع وزراعة الأعضاء.
تطوير مستمرتعتبر مرحلة التعافي، التي تتمتع بها مؤسسات الدولة الصحية بأكملها، قبل الجائحة وبعدها، الأساس الذي يتمثل بقدرة المنظومة على استعادة قدرتها التشغيلية، كما كانت قبل الأزمة، وتحسينها من خلال تعزيز المتانة لمواجهة الصدمات المحتملة في المستقبل، فهناك مؤسسات صحية لم تتماثل للشفاء وحسب، بل شملت تطلعاتها في كل أشكال التطوير الإداري والهيكلي.
وفي إطار عملية تطوير منظومة العمل الحكومي في دبي، بهدف رفع كفاءة مختلف القطاعات الحيوية، وبما يضمن توفير أرقى الخدمات وأعلاها جودة وفق أفضل المعايير العالمية، أصدر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، رعاه الله، بصفته حاكماً لإمارة دبي القانون رقم (13) لسنة 2021، بإنشاء مؤسسة دبي الصحية الأكاديمية، التي تضمن التكامل بين الرعاية الصحية والتعليم الطبي والبحث العلمي، ورفع مستوى كفاءة وجودة الخدمات الصحية المُقدّمة، وسهولة الوصول إليها وفقاً لأفضل المعايير والممارسات العالمية، وتعزيز استدامة خدمات القطاع الصحي في الإمارة، بما يُحقق مخرجات المنظومة الصحية، والإسهام في دعم ريادة دبي في التعليم الأكاديمي، والبحث العلمي في مجالات الطب والعلوم الصحية، وبنحو يدعم اقتصاد المعرفة.
كما تهدف المؤسسة إلى تطوير واستقطاب واستبقاء القُدرات الطبّية والبحثيّة، وتعزيز التوطين في مختلف مجالات القطاع الصحي، وتوفير البيئة الداعمة، للقيام بالأبحاث العلمية والسريرية، التي تنهض بالمخرجات الصحية للأفراد والمجتمع، وكذلك الإسهام في رفع مستوى جهوزية وتنافسية الإمارة في القطاع الصحي، من خلال دعم وتطوير الرعاية الصحية ووسائل الوقاية والعلاج من الأمراض والأوبئة وفقاً لأحدث النُّظُم الصحية، وتعزيز مكانة الإمارة مركزاً طبياً وصحياً عالمياً، ومقصداً للسياحة الصحية والعلاجية.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات الإمارات القمة العالمية للحكومات الرعایة الصحیة القطاع الصحی الصحیة فی من خلال عام 2021
إقرأ أيضاً:
الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
يأخذك الحديث وأنت تتأمل فيلم غيوم لمُزنة المسافر إلى التطور الفني والموضوعي في تجربتها، موضوعا التعددية الثقافية والعرقية في المجتمع العماني كمصدر ثراء غني، تتجه إليه مزنة في استقصائها الطويل، مزيلة وهم ما يفصل بيننا، عبر البحث عن ما يجمع بيننا ويأتلف في نسيج اجتماعي واحد. عبر هذا الثراء العرقي واللغوي نخلق تجانسنا الحقيقي، التجانس المميز لمجتمعنا منذ جذوره التاريخية البعيدة. فنيا يشكل فيلم غيوم تحولا نوعيا تخرج به مزنة عن الطرح الأفقي للتجربة، عن أحكام البداية فتتسلسل الأحداث وصولا إلى نهايتها. فيلم غيوم يخرج عن القوالب التقليدية في السينما منحازا إلى شاعريتها، الغائب والماضي والمفقود هم من يشكل وهج الأحداث، ويدفع بشخوصه إلى المحبة والأسى والفراق والندم، محكومة بالماضي الذي تسدل ظلال أحداثه على الحاضر والمستقبل معا. فنيا ينحاز السيناريو إلى الصورة السينمائية عنه إلى الحوار، الصورة خاصة في تجسيدها المباشر لملامح شخوص الفيلم، قادرة حقا على نقل عواطفهم واختلاجات قلوبهم، سينمائيا تضفي هذه اللغة الجمال السينمائي، الذي تريد مزنة إيصاله إلينا، ما لا يستطيع الحوار نقله عبر السينما.
اختيار مُزنة لطرح تجربتها جبال ظفار، عائدة بنا إلى عام ١٩٧٨م، أي بعد ثلاثة أعوام من نهاية حرب الجبل بعد حرب طويلة استمرّت عشرة أعوام. هذه الحرب هي الماضي الذي يثقل أرواح رعاة الجبل، الماضي الذي يسدل على الحياة مشاعر الفقدان والخوف من عودة الحرب ثانية. الحرب التي تركت في كل منزل قتيلًا، أو قريبًا لقتيل، أحرقت المراعي وفتكت بالإبل مصدر حياة سكانه، والأثقل أنها تركت روح الفرقة بين أبناء الجبل، نظرا لتغير مواقفهم من موقع إلى آخر، ذلك ما نقرأ ثقله في حياة بطل الفيلم دبلان الذي يتحول بعد الحرب إلى رجل منطو على نفسه، يرفض مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم ويقضي معظم وقته في العناية ببندقيته، وملئها بالرصاص حتى تكون جاهزة للقضاء على النمر في أي وقت تتكرر عودة الحرب ثانية إلى جبال ظفار.
مزنة في هذا الفيلم العميق والشاعري في آن تبتعد عن تقديم الرصاص والقصف والقتلى، كما أن المرأة القتيلة لم تظهر في الفيلم أبدا، رغم ظهور ذكراها المتواصل، كهاجس يومي يلازم حياة الأب وابنه عمر وابنته سلمى، المرأة ومقتلها الغامض هي السر المكتوم في الفيلم، ابنها عمر كل ليلة ينام في حضن أخته الكبرى، متخيلا والدته تنام على سحابة بعيدة في السماء، يراقب أباه يوميا أثناء تنظيف وتعمير بندقيته، محاولا أكثر من مرة خطفها منه، دون أن يتبين لنا السبب المباشر لذلك، حتى نجاح اختطافه البندقية في مشهد سينمائي أخاذ، يوجّه فيه عمر البندقية إلى صدر أبيه طالبا منه فك لغز اختفاء أمه، تكون الفرصة مؤاتية آنذاك للأب للاعتراف لابنه وابنته أن الأم قد توفيت برصاصة طائشة أثناء معارك الجبل، دون أن يحدد من أي طرف جاءت الرصاصة، ذكاء مزنة يوقف التجربة برمتها أمام تقييم جديد يكشفه التاريخ في مستقبل الأيام، والوقت ما زال باكرا لإدانة طرف ضد آخر، فقط الخوف من عودة الحرب ثانية، هي النمر الذي يستعد دبلان يوميا لمواجهته. وأخيرا لتعليم ابنه طريقة استخدام البندقية لقتل النمر وحش الحرب قبل وصوله إلى الجبال.
مصدر إيحاء غيوم هي مجموعة من الصور الوثائقية التقطها والدها الفنان موسى المسافر، الذي دون شك عاصر مرارة تلك الأحداث، تكشف لنا جانبا مهما من حياة أبناء الجبل في ظفار أثناء الحرب وبعد انتهائها. من تلك الصور الوثائقية استمدت مزنة هذا الإلهام المتدفق، وصاغت سيناريو فيلم غيوم، الذي يأتي ليس لإدانة طرف دون آخر، بل لإدانة الحروب البشرية برمتها، ذلك لأنها نظرت لنتائجها الوخيمة في عيني دبلان رب العائلة الذي مع خروجه حيا منها إلا أنه خرج مهزوما فاقد القدرة على الحياة، معذبا بالماضي الذي قدمته مزنة كنمر يفترس كل ما أمامه دون تمييز ورحمة.
مزنة تعي جيدا آثار الحروب على تغيير العلاقات الاجتماعية بين البشر، العلاقة بين دبلان وشيخ القبيلة بعد الحرب، ليست هي العلاقة إياها قبل الحرب، يتقدم شيخ القبيلة المتقدم في العمر لخطبة سلمى صبية دبلان، المرتبطة بعلاقة عاطفية مع سالم الصبي الجبلي من جيلها. يقف دبلان وهو راعي الإبل الجبلي موقفا متقدما عندما يرفض تزويج ابنته شيخ القبيلة الثري، مزوجا إياها الصبي الفقير مع مباركة الأب له بحبات من شجرة اللبان الأسطورية والتي تصل محبة أبناء الجبل لها إلى درجة التقديس، نظرا لارتباط استخدامها بطقوس دينية في معابد الأديان الهندية بل وفي معابد الأديان السماوية قديما.
الفيلم ناطق بالشحرية لغة رعاة الجبال بظفار، كان ذلك ضروريا، هذا ما أدركته مزنة، منذ بداية اشتغالها على المشهد السينمائي العماني، بما يحمله من تنوع عرقي وثقافي أخاذ منذ قديم الزمان. قبلها قدمت فيلم شولو الناطق بالسواحيلية وفيلم بشك الوثائقي الناطق بالبلوشية. هي السينمائية التي لا تعترف بفوارق وهمية بين أبناء الوطن الواحد، القادرة على اكتشاف النسيج الاجتماعي المخفي، الرابط أبناءه روحيا على أرض واحدة، وتحت سماء واحدة.
فيلم تشولو، تناقش مُزنة فيه تجربة الانتماء الوطني والحنين إلى الجذور البعيدة خلف البحار، تدور أحداثه في زنجبار، موطن أساسي لهجرة العمانيين عبر التاريخ لقرون مضت، يستقبل تشولو الصبي أخاه عبدالله القادم من عُمان، يعيشان معا توافق البحث عن جذورهم المشتركة، يتعرضان للاعتداء من رجال أفارقة بسبب انتماء عبدالله العربي الواضح في لونه، تتراءى عمان وطنا بعيدا مجهولا لتشولو، أرضا سحرية لن يعود إليها أبدا، يعود عبدالله مع أبيه ويظل تشولو ينظر إلى البحر، إلى السفن وهي تبحر عائدة إلى عمان التي لن يراها أبدا، هكذا تتكرر تجربة الماضي الساكن كقيد يرتبط به المرؤ. ولكن بشكل إيجابي في تشولو عنه في غيوم، مزنة تتجاوز تجربة الحنين النوستالجي إلى الماضي، في الفيلمين تنظر إلى الماضي كقيد يجب علينا كسره والانطلاق إلى المستقبل دون الالتفات إليه. خاصة في مرارة أحداثه كما هو في فيلم غيوم، حيث يبقى الدم الأفريقي العماني المشترك، تجربة حضارة مشتركة أيضا، تغذي النسيج الاجتماعي العماني بخصوبة العطاء في فيلم تشولو، أي أنها تنطلق من الإيجابي في ثراء الوجود العماني بشرق إفريقيا، الثراء الذي دفع بالأفارقة إلى ما هو مثمر، حيث حمل العمانيون معهم الأساليب الحديثة في الزراعة، وارتياد آفاق العمل التجاري، ونشر الدين الإسلامي وغيرها من الدلائل الحضارية المهمة، التي تؤكد إيجابية وجودهم المبكر في شرق إفريقيا. وحش الماضي الذي يصوب له دبلان وابنه عمر البندقية لمواجهته، يحتفظ له تشولو وأخيه عبدالله بمئة قطعة من المندازي الذي خبزته لهما جدتهم الإفريقية، يحشوان فم النمر المفترس بها حتى لا يكون قادرا على افتراسهما معا. ذلك دون شك مشهد طفولي ساحر يؤكد وحدة الأخوين ضد وحش الحرب المأساوية بين العمانيين والأفارقة، أي من المحبة المشتركة بينهما نخلق إمكانية التعايش المشترك والوحش الذي يطعمه الطفلان العماني والأفريقي المندازي، هي الحرب التي خلقت روح الكراهية بينهما، وآن لنا جميعا طي صفحاتها الدموية، نحو خلق عالم أجمل لأجيالنا القادمة.
مُزنة التي جاءت بعد ستين عاما على مأساة خروج العمانيين من شرق إفريقيا بطريقة مأساوية فقد فيها العمانيون الآلاف من أبنائهم ثم أنها جاءت بعد خمسين عاما أيضا بعد نهاية حرب الجبل بظفار، تنصت إلى أوراق التاريخ التي تحفظ لنا ما فقد وتم نسيانه، مؤهلة حقا للذهاب أبعد مستقبلا، نحو تقديم تجارب العطاء العماني المتدفق عبر التاريخ، ورفد السينما العمانية الناشئة بلغة شاعرية متميزة، ذلك حقا جوهر الفن الطليعي الجاد، يضيء كالنجوم ترشد المسافرين في ليل البحار إلى المجهول.
فيلم غيوم /روائي قصير /ناطق بالشحرية/ جائزة أفضل فيلم روائي قصير /المهرجان السينمائي الخليجي ٢٠٢٤م. إخراج مزنة المسافر.
فيلم تشولو/ روائي قصير/ ناطق بالسواحيلية /جائزة أفضل سيناريو /مهرجان أبوظبي السينمائي ٢٠١٤ م. إخراج مزنة المسافر.
سماء عيسى شاعر عُماني