طوفان الذكاء الاصطناعي يطال الحكومات والقطاع الخاص عالمياً
تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT
إعداد: بنيمين زرزور
تتسارع الخطى في هذا العالم وهذا العام 2024 الذي يعتمد على التكنولوجيا بكثافة، لاعتماد تطبيقات الذكاء الاصطناعي من قبل الأفراد والشركات والحكومات التي تحرص على أتمتة سير العمل لديها وتقليص حجم المهام الزائدة على الحاجة.
وقد ارتفعت مخصصات الإنفاق على تطبيقات الذكاء الاصطناعي عام 2024 لدى حكومات مختلفة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين وكندا.
من المعروف أن القطاع العام يتعامل مع كميات كبيرة من البيانات، لذا فإن زيادة الكفاءة أصبحت أمراً أساسياً، ويمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي والأتمتة في زيادة سرعة المعالجة، وتقليل التكاليف، وتقديم الخدمات للجمهور بشكل أسرع.
وقد باشرت المؤسسات والهيئات الحكومية في الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي لحل مشاكل القطاع العام المختلفة، ويشير تقرير لشركة «ديلويت» حول حالات استخدام الذكاء الاصطناعي في الحكومة إلى أن 70% من قادة الأعمال يدعمون المشاريع الحكومية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي وأن نحو 80% من الجهات الحكومية تنفذ المراحل الأولية أو المتطورة للوصول إلى النضج الرقمي.
وبحلول نهاية عام 2024، سيكون لدى 75% من الحكومات ما لا يقل عن ثلاث مبادرات للأتمتة الفائقة على مستوى المؤسسة تم إطلاقها أو هي قيد التنفيذ.
أحد الأسباب الرئيسية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات الحكومية هو أنه يمكن أن يوفر ملايين ساعات العمل، وهذا يمكن أن يسمح للعاملين في الحكومة بالتركيز على المهام الأكثر أهمية ويؤدي إلى رفع قدرة الحكومة على تقديم الخدمات للجمهور بشكل أسرع.
تشير تقديرات استطلاع أجرته شركة ديلويت إلى أن أتمتة مهام الموظفين الحكوميين يمكن أن توفر نحو 96.7 مليون إلى 1.2 مليار ساعة عمل، ما قد يؤدي إلى وفورات سنوية تبلغ نحو 41.1 مليار دولار.
نشر الوعي
لكن نشر الذكاء الاصطناعي في الحكومة لا يخلو من التحديات، هناك حاجة ماسة لنشر الوعي وتطوير خبرات الذكاء الاصطناعي بين موظفي الحكومة.
ولذا ينبغي أن تهتم الوكالات الحكومية أيضاً بتنظيم ومتابعة برامج الذكاء الاصطناعي لأن هذه المبادرات تؤثر بشكل مباشر في السلامة العامة والوطنية، وقد ركز المؤتمر الدولي الذي نظمته الحكومة البريطانية في«بلتشلي بارك» في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي لتنظيم الذكاء الاصطناعي على الأبعاد الرئيسية التي يجب على القطاع العام التركيز عليها لبناء ذكاء اصطناعي جدير بالثقة. ومن أبرزها الحد من التحيز التمييزي والتاريخي والعنصري والجنساني في عملية صنع القرار في مجال الذكاء الاصطناعي، ومساعدة المستخدمين على فهم خوارزميات الذكاء الاصطناعي، والخضوع للمساءلة وخاصة بالنسبة للتطبيقات الحيوية، بالإضافة إلى الأمن وضمان الخصوصية والموثوقية.
وربما تزيد هذه التحديات من صعوبة تلبية متطلبات الميزانية لأبحاث وتطوير الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك، مع نضج الذكاء الاصطناعي وزيادة إمكانية وصول الجمهور إليه، سيتغير هذا الاتجاه خلال السنوات القليلة المقبلة وتشمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
1- تحليل تدفق حركة المرور
تقدر منظمة الصحة العالمية أن 1.3 مليون شخص يموتون في حوادث الطرق سنوياً. ومن خلال التطبيق الفعال للذكاء الاصطناعي في مجال النقل، يمكن للحكومات معالجة مشكلات السلامة على الطرق.
بفضل التقدم التكنولوجي مثل رؤية الكمبيوتر، واكتشاف الأشياء، وتتبع الطائرات بدون طيار، وأنظمة المرور القائمة على الكاميرا، يمكن للمؤسسات الحكومية تحليل بيانات الأعطال وتسليط الضوء على المناطق التي يحتمل فيها وقوع حوادث كبيرة. ويمكنها استخدام تدابير إضافية للسلامة على الطرق لمنع وقوع حوادث مستقبلية.
وقد طورت وزارة الطاقة الأمريكية أداة للذكاء الاصطناعي تسمى«ترانس سيك» تستخدم التعلم الآلي لتحليل تدفق حركة المرور، حتى من بيانات حركة المرور غير الكاملة أو المتفرقة، لتقديم تقديرات في الوقت الفعلي لحركات المركبات على مستوى الشارع.
كما تستخدم نظام «جريد سمارت» القائم على الذكاء الاصطناعي حيث يستخدم رؤية الكمبيوتر لتتبع جميع الكائنات المتحركة ضمن نطاق الرؤية، ويستخدم النظام كاميرا عين السمكة مزودة بعدسة زاويتها واسعة جداً، لتتبع كل جزء من الطريق وتوصيل المعلومات إلى مديري المرور، ونتيجة لذلك، يمكن للوكالات الحكومية تدريب نماذج حركة مرور قوية تتمتع بقدرات مراقبة متقدمة.
2- الرعاية الصحية والوقاية من انتشار الأمراض
حقق الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية العديد من الإنجازات في العلوم الطبية، بدءاً من الكشف المبكر عن الأمراض والوقاية منها وحتى دعم القرارات السريرية.
يسمح الذكاء الاصطناعي بتتبع صحة المرضى في الوقت الفعلي وإرسال المعلومات إلى أنظمة الرعاية الصحية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، والتي يمكنها إخطار الأطباء بأي مخاطر محتملة.
ففي المملكة المتحدة، شكلت «خدمة الصحة الوطنية» مبادرة لجمع البيانات المتعلقة بمرضى كوفيد-19 لتطوير فهم أفضل للفيروس، ومن خلال شراكات مختلفة، أنشأت هيئة الخدمات الصحية قاعدة البيانات الوطنية لتصوير الصدر، وهي قاعدة بيانات مفتوحة المصدر للأشعة السينية للصدر لمرضى كوفيد في جميع أنحاء المملكة المتحدة. تهدف هذه المبادرة إلى تطوير تقنيات التعلم العميق التي تهدف إلى توفير رعاية أفضل لمرضى كوفيد-19 في المستشفيات.
وبالمثل، طورت هيئة الخدمات الصحية الوطنية أداة ذكاء اصطناعي يمكنها الكشف عن أمراض القلب في 20 ثانية فقط، بينما لا يزال المريض في ماسح التصوير بالرنين المغناطيسي. عادةً، يستغرق الطبيب 13 دقيقة أو أكثر لتحليل فحوص التصوير بالرنين المغناطيسي للمريض يدوياً.
وتستخدم المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها أداة الذكاء الاصطناعي لتبسيط عملية تتبع فيروس شلل الأطفال والإبلاغ عنه. ويمكنه تحديد أنواع الفيروسات وتشكيل مجموعات من تقارير الأمراض المختلفة.
أما نظام مراقبة المتلازمات «فريدس»، الذي تستخدمه الحكومة الأسترالية، فيضمن مراقبة أعراض المرضى في المستشفيات يومياً لتحديد تفشي الأمراض الناشئة ورسم السياسات الصحية وفقاً لذلك.
3- المراقبة الشاملة للبنية التحتية
تواجه الحكومات في جميع أنحاء العالم صعوبة في مراقبة العقارات، وتمثل الإدارة اليدوية التقليدية تحدياً كبيراً وغالباً ما تكون غير كافية في تحديد تطوير الأراضي. وتمهد هذه التحديات الطريق لإدراج الذكاء الاصطناعي في الحكومة لأتمتة مراقبة وإدارة الممتلكات.
ومن النماذج الرائدة على هذا الصعيد الاتفاقية التي أبرمتها الحكومة الفرنسية مع شركة «غوغل» عبر شركة «كاب جيمني» الاستشارية، لتطوير برنامج ذكاء اصطناعي يمكنه تحليل الصور الجوية لاكتشاف الممتلكات غير المسجلة، وتمكن البرنامج من اكتشاف 20 ألف تجمع مبان غير مسجلة في جميع أنحاء فرنسا، وقد ساعد هذا الاكتشاف سلطات الضرائب الفرنسية على جمع 10 ملايين يورو إضافية من عائدات الضرائب، وعلاوة على ذلك، تقول السلطات إنها ستستخدم البرنامج لتحديد الأفنية وشرفات المراقبة وملحقات المنازل غير المسجلة.
وتستخدم المنظمات الحكومية وشركات التأمين الأمريكية أداة الذكاء الاصطناعي لتحديد أي تغييرات في البنية التحتية أو الممتلكات. وقد طورت شركة «نيرماب» الأسترالية تطبيقاً بالذكاء الاصطناعي يوفر تحديد الأراضي وتقسيمها من الصور الجوية. وتم تدريب التطبيق على بيانات الصور التي تغطي 380 ألف ميل مربع عبر الولايات المتحدة وأستراليا.
ويمكّن الذكاء الاصطناعي المعتمد في الحكومة السلطات من فرض السياسات التي تؤدي إلى مراقبة أفضل للبنية التحتية لمكافحة التهرب الضريبي والتغييرات غير القانونية في الممتلكات.
4- معالجة كميات كبيرة من البيانات
تتعامل جميع إدارات القطاع العام مع الكثير من الأعمال الورقية. يستهلك إدخال البيانات أو التحقق منها يدوياً الكثير من الوقت والموارد، ما يجعل من الصعب تنفيذ الخدمات السريعة للجمهور.
وكشف تقرير لمجلة «كوفرننغ» أن 53% من مسؤولي الحكومة المحلية لا يستطيعون إكمال عملهم في الوقت المحدد بسبب انخفاض الكفاءة التشغيلية مثل الأعمال الورقية اليدوية وجمع البيانات وإعداد التقارير. ونتيجة لذلك، يستمر تأجيل المهام المتراكمة، ما يتسبب في مزيد من التأخير في سير العمل الحكومي.
ومن الممكن أن تؤدي الأتمتة المعرفية القائمة على الذكاء الاصطناعي، مثل الأنظمة القائمة على القواعد، والتعرف إلى الكلام، والترجمة الآلية، ورؤية الكمبيوتر، إلى أتمتة المهام الحكومية بسرعة وحجم غير مسبوقين.
ويمكن لأدوات إدخال البيانات للتعرف الضوئي على الحروف «أو سي آر» معالجة عمليات تفريغ المستندات الكبيرة في دقائق، والتي قد تستغرق ساعات حتى تكتمل مع الأنظمة القديمة. وعلى سبيل المثال، نجحت لجنة الشفافية وتمويل الحملات الانتخابية التابعة لحكومة جورجيا في رقمنة 40 ألف نموذج إفصاح عن تمويل الحملات الانتخابية عبر التعرف الضوئي على الحروف.
5- تعليم الآلة
يمكن لروبوتات الدردشة المدعمة بالذكاء الاصطناعي أتمتة التفاعلات بين الجهة الحكومية والمتعاملين بشكل فعال، ما يسمح لموظفيها بالتركيز على المهام الأكثر تعقيداً.
وتوفر الروبوتات قاعدة معرفية شاملة للمواطنين، مع دعم متعدد اللغات وتجمع تعليقات المواطنين مهما كان حجمها كبيراً.
وعلى سبيل المثال، تستخدم حكومة دبي مساعد الذكاء الاصطناعي «رماس» الذي يرشد المواطنين فيما يتعلق بدفع الفواتير وتتبع الطلبات وطلبات العمل.
ويستخدم موقع التجنيد التابع للجيش الأمريكي مساعداً افتراضياً اسمه «إس جي تي ستار»، أجاب حتى الآن على أكثر من 10 ملايين استفسار عام، حيث يرشد الزائرين حول موقع الويب، ويجيب على الأسئلة الأساسية، ويعيد توجيه الاستفسار إلى عنصر بشري عند الحاجة.
كما تستخدم وزارة الأمن الداخلي الأمريكية برنامج «إيما» وهو مساعد افتراضي يقدم خدمات الهجرة. وقد نجح بتوجيه نحو مليون متقدم شهرياً فيما يتعلق بالخدمات المختلفة التي يقدمها القسم وأوصل المتعاملين إلى الصفحات والموارد ذات الصلة.
6- الحماية من الهجمات السيبرانية
تتولى الوكالات الحكومية الاطّلاع على البيانات العامة والدفاعية الهامة. وهذا يجعلها هدفاً للهجمات السيبرانية. ومعلوم أن أي اقتحام لقواعد البيانات الحكومية يؤثر في الأمن القومي ويضر بثقة الجمهور، وباستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن للمؤسسات الحكومية:
مراقبة نشاط الشبكة غير العادي ونقاط الدخول. تحديد نقاط الضعف المحتملة في البيانات وتعزيز قيود الوصول إلى البيانات المهمة. تحسين دقة أنظمة كشف التسلل. محاكاة الهجمات السيبرانية في البيئات الخاضعة للرقابة لتحديد نقاط الضعف في النظام. أتمتة تصحيح النظام والتحديثات الأمنية.تعقيد الهجمات
بات من المؤكد بالتجربة أن تزايد تعقيد الهجمات الإلكترونية، يحبط محاولات الأنظمة القديمة في منع الأنشطة الضارة،
وقد طورت شركة «مايكروسوفت» أداة تسمى«سايبر سيجنال» تتعقب بنشاط أكثر من 140 مجموعة تهديد وأكثر من 40 جهة فاعلة في 20 دولة، وبذلك تساعد في تبادل المعلومات الاستخبارية عبر الوكالات الحكومية المختلفة من خلال تحديد الكيانات الضارة ووضع علامات عليها.
صنع السياسات بشكل أكثر ذكاءً
يمكن للوكالات وصناع السياسات الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لإجراء عملية صنع سياسات ذكية تركز على المواطن. وتوفر أدوات الذكاء الاصطناعي تحليلات متقدمة للبيانات العامة، ما يسمح لصانعي السياسات بتحديد القضايا الناشئة المتعلقة بمناطقهم وناخبيهم.
وهناك فائدتان رئيسيتان في هذا المجال هما زيادة الكفاءة والفاعلية في تخطيط السياسات حيث يسهل فهم التوقعات واستهداف المشكلات الكبرى، والتعرف بشكل أسرع على الاتجاهات المجتمعية المتغيرة، مما يسمح بتعديل السياسات وفقاً لذلك.
على سبيل المثال، استخدمت السلطات البلجيكية أداة التعهيد الجماعي للذكاء الاصطناعي التي طورتها شركة التكنولوجيا البلجيكية «سيتزين لاب» لفهم المطالب العامة خلال احتجاجات تغير المناخ في عام 2019. ونتيجة لذلك، تمكنت بلجيكا من تحديد 15 برنامجاً للعمل المناخي حسب الأولوية تم تنسيقها عبر الرأي العام.
المخاطر والتحديات
تتطلب تكنولوجيات الاستخدام العام مستوى أعلى من المساءلة والامتثال للوائح التنظيمية مقارنة بالتكنولوجيات التي يطورها القطاع الخاص، وهذا يسبب بعض التحديات والمخاطر الكبرى في اعتماد الذكاء الاصطناعي في الحكومة لعل أبرزها:
1- الافتقار إلى الخبرة في مجال الذكاء الاصطناعي:
لا شك أن موارد الذكاء الاصطناعي عالية الجودة نادرة. وغالباً ما يفتقر العاملون الحكوميون إلى مهارات علوم البيانات والذكاء الاصطناعي اللازمة للتعامل مع الحجم الهائل من بيانات المواطنين وبناء نماذج حديثة للذكاء الاصطناعي تعود بالنفع على الجمهور.
2- الافتقار إلى الحافز:
عادةً ما يعتاد الموظفون الحكوميون على سير عملهم الحالي. وقد لا تشجع ثقافتهم التنظيمية الحالية على وجود بيئة قائمة على البحث والتطوير وهو أمر بالغ الأهمية لاعتماد الذكاء الاصطناعي.
3- تحدي العدالة والمساواة:
لطالما كان تحيز الذكاء الاصطناعي يمثل تحدياً للخبراء. ويمكن أن تظهر نماذج الذكاء الاصطناعي تحيزاً بناءً على خصائص مختلفة، ما يثير تساؤلات حول عدالة الحكومة ونزاهتها.
4- المخاوف المتعلقة بالخصوصية:
قد يُقابل جمع كميات كبيرة من بيانات المواطنين باحتجاجات من المواطنين المعنيين بحماية هوياتهم. بالإضافة إلى ذلك، تقوم معظم الوكالات الحكومية بالاستعانة بمصادر خارجية لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، ما يؤدي إلى مشاركة بيانات المواطنين مع شركات خارجية.
5- الأخلاق وانعدام المساءلة:
كانت نماذج الذكاء الاصطناعي دائماً خاضعة لقضايا أخلاقية، ولا تختلف تطبيقاتها في القطاع العام عن ذلك. تنشأ المشكلات الأخلاقية في الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي بسبب تحيز البيانات والخصوصية. تؤثر تحيزات البيانات في كيفية تعامل النموذج مع بعض الطوائف والمجتمعات، كما أن استخدام البيانات العامة يعرض خصوصيتها للخطر.
يجب على الوكالات الحكومية اعتماد المبادئ التوجيهية الأخلاقية للذكاء الاصطناعي وتنفيذها في مراحل مختلفة من دورة حياة الذكاء الاصطناعي لضمان الشفافية والقدرة على المنافسة والمساءلة. ومع ذلك، فإن معظم مبادرات الذكاء الاصطناعي في القطاع العام تعاني نقص التمويل ونقص الموظفين لتنفيذ سياسات الذكاء الاصطناعي الأخلاقية بشكل فعال.
وأخيراً ينطوي الذكاء الاصطناعي على توفير إمكانات هائلة لتحسين الخدمات الحكومية. ومن خلال التقنيات المتقدمة، يمكن للوكالات الحكومية خفض تكاليف العمالة، وتسريع العمليات، وتوفير ساعات العمل وتقديم خدمات سلسة وسريعة للجمهور.
ومع ذلك، كما هو الحال مع أي مشروع آخر، يفرض اعتماد الذكاء الاصطناعي تحديات يجب على القطاع العام التغلب عليها. يمكن أن تبدأ المكاتب الحكومية في بناء ثقافة الذكاء الاصطناعي وزيادة وعي الموظفين. ويمكن للحكومات أن تبدأ بمشاريع تجريبية، وفي الوقت نفسه، تصدر تشريعات تسهل اعتماد الذكاء الاصطناعي المستدام على المدى الطويل.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات الإمارات القمة العالمية للحكومات الذكاء الاصطناعي الذکاء الاصطناعی فی الحکومة تطبیقات الذکاء الاصطناعی اعتماد الذکاء الاصطناعی على الذکاء الاصطناعی للذکاء الاصطناعی على سبیل المثال القطاع العام فی الوقت من خلال یمکن أن فی مجال أکثر من
إقرأ أيضاً:
يساعدك في اتخاذ القرار.. كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي صورة الإنسان عن نفسه؟
يشهد العالم المعاصر تحوّلًا غير مسبوق في تاريخ الوجود البشري، تقوده التكنولوجيا بصفتها القوة الأكثر تأثيرًا في تشكيل ملامح الحياة الحديثة.
لم تعد التكنولوجيا مجرد أدوات أو منصات مساعدة، بل أصبحت بحد ذاتها بيئةً كلية نعيش فيها، وعاملًا حيويًا يُعيد صياغة مفاهيم الإنسان عن ذاته، وعن العالم، وعن الآخرين من حوله. وفي قلب هذا التحول تقف الأجيال الجديدة لا كمتلقٍّ سلبي، بل كنتاجٍ حيّ لهذا العصر الرقمي بكل تعقيداته وتناقضاته.
نتحدث هنا تحديدًا عن جيل Z (المولود بين 1997 و2012)، وجيل ألفا (المولود بعد 2013)، وهما جيلان نشآ في ظل تحوّل تكنولوجي عميق بدأ مع الثورة الرقمية في نهاية القرن العشرين، وتفاقم مع دخول الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز والميتافيرس والبيانات الضخمة إلى صلب الحياة اليومية.
جيل Z يمثل الجسر بين عالمين: عالم ما قبل الثورة الرقمية، وعالم أصبحت فيه الخوارزميات هي "العقل الجمعي" الجديد.
لقد عاش هذا الجيل مراحل الانتقال الكبرى: من الكتب الورقية إلى الشاشات، من الاتصالات الهاتفية إلى الرسائل الفورية، من الصفوف المدرسية إلى التعليم عن بُعد. أما جيل ألفا، فهو الجيل الذي لم يعرف سوى الرقمية منذ لحظة الميلاد، إذ تفتحت حواسه الأولى على شاشة، وتكوّنت مهاراته اللغوية من خلال مساعد صوتي، وتعلّم المفاهيم الأولى عن طريق تطبيقات ذكية وخوارزميات دقيقة تستجيب لسلوك المستخدم لحظيًا.
إعلانإننا لا نتحدث عن تغيّر في أنماط الحياة فقط، بل عن إعادة تشكيل حقيقية للذات الإنسانية. ففي السابق، كانت الهوية تُبنى عبر التفاعل مع الأسرة، والمدرسة، والثقافة المحلية، وكانت تنشأ ضمن سياق اجتماعي واضح المعالم.
أما اليوم، فالأجيال الرقمية تبني صورها الذاتية في فضاءات افتراضية عالمية، تتخطى الحواجز اللغوية والثقافية والجغرافية. إنها هوية "مُفلترة"، تُنتجها الصور والمنشورات والتفاعلات المرسومة وفق خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي، وتُقاس بكمية "الإعجابات" والمشاهدات، لا بتجربة الذات العميقة.
هذا التحول لا يخلو من مفارقات. فعلى الرغم من الكمّ الهائل من التواصل الرقمي، تشير دراسات عديدة إلى تصاعد مشاعر الوحدة والعزلة، خصوصًا بين المراهقين والشباب.
وقد ربطت تقارير صحية بين الإفراط في استخدام التكنولوجيا وبين ارتفاع معدلات القلق، واضطرابات النوم، وضعف التركيز، وتراجع المهارات الاجتماعية.
جيل Z، برغم إتقانه المذهل للتكنولوجيا، يواجه صعوبة متزايدة في بناء علاقات واقعية مستقرة. أما جيل ألفا، فيُظهر مبكرًا قدرة رقمية خارقة، لكنها تقترن أحيانًا بضعف في التطور اللغوي والعاطفي، وكأن المهارات الإنسانية الكلاسيكية باتت تُستبدل تدريجيًا بكفاءات رقمية جديدة.
هذا لا يعني أن الأجيال الرقمية "أقل إنسانية"، بل إنها مختلفة في تركيبها المعرفي والعاطفي والاجتماعي. إنها أجيال تعيش فيما يمكن تسميته "الواقع الموسّع"، حيث تتداخل فيه الذات البيولوجية بالذات الرقمية، ويذوب فيه الخط الفاصل بين ما هو واقعي وما هو افتراضي.
وهذه الحالة تطرح سؤالًا وجوديًا جوهريًا: من أنا في عالم يُعاد فيه تشكيل الذات بواسطة أدوات لا أتحكم بها بالكامل؟ من يوجّهني فعلًا: أنا، أم البرمجية التي تختار لي ما أقرأ وأشاهد وأرغب؟
في هذا السياق، تتزايد الحاجة إلى تفكيك العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا من جديد. فنحن لم نعد فقط نستخدم التكنولوجيا، بل يُعاد تشكيلنا من خلالها، وقد أصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا خفيًا في اتخاذ القرارات، وتوجيه السلوك، وحتى في تكوين القيم وتصورات العالم. منصات مثل تيك توك ويوتيوب وإنستغرام لم تعد وسائط ترفيهية فحسب، بل منصات لإنتاج الثقافة والهوية والسلوك الاستهلاكي.
إعلانولعل المفارقة الكبرى تكمن في أن هذه التكنولوجيا التي وُعدنا بها كوسيلة لتحرير الإنسان، باتت تخلق أشكالًا جديدة من التبعية. فمن جهة، تسهّل الحياة وتختصر الوقت، لكنها من جهة أخرى تُعيد تشكي إدراكنا بطريقة غير مرئية. إنها "القوة الناعمة" الأشد تأثيرًا في تاريخ البشرية.
في ظل هذا الواقع، لا يكفي أن نُحمّل الأفراد مسؤولية التكيف. المطلوب هو تفكير جماعي لإعادة توجيه العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا. المؤسسات التعليمية مطالبة بأن تراجع مناهجها، لا فقط لتُدخل التقنية، بل لتُعيد التوازن بين ما هو رقمي وما هو إنساني.
الأسرة، بدورها، لم تعد فقط مصدرًا للقيم، بل أصبحت "ساحة مقاومة" للحفاظ على الحميمية في وجه التمدد الرقمي. أما صانعو السياسات، فعليهم مسؤولية أخلاقية وتشريعية للحدّ من تغوّل التكنولوجيا في تفاصيل الحياة اليومية، ووضع ضوابط تحمي الأجيال من فقدان الجوهر الإنساني.
ينبغي ألا يكون السؤال: كيف نُقلل من استخدام التكنولوجيا؟ بل: كيف نستخدمها بطريقة تحافظ على إنسانيتنا؟ كيف نُدرّب أبناءنا على التفكير النقدي، والقدرة على التأمل، والانفتاح العاطفي، لا فقط على البرمجة والتصميم؟
نحن نعيش لحظة مفصلية، لحظة يُعاد فيها تعريف الإنسان، لا بالمعنى البيولوجي، بل بالمعنى الوجودي. وإذا لم نُحسن إدارة هذا التحوّل، فإننا قد نخسر القدرة على أن نكون ذاتًا فاعلة حرة في عالم تتزايد فيه السيطرة غير المرئية للأنظمة الذكية.
المستقبل لا تصنعه الآلات، بل الإنسان الذي يعرف كيف يتعامل معها. ولهذا، فإن المعركة الأهم ليست بين الأجيال والتكنولوجيا، بل بين الإنسان وإنسانيته.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline