إعداد : بنيمين زرزور

فرضت سعادة المواطنين ورضاهم نفسها على رأس جدول أعمال الحكومات المعاصرة، وصار الحديث عن توفيرها مثار فخر ومباهاة في المنتديات الرسمية، بعد أن كانت موضوعاً حساساً للغاية، بحيث لا يمكن طرحه إلا في الغرف الهادئة للبيروقراطيات الحكومية.

وقد ابتكرت الكثير من حكومات العالم المتحضّر، طرائق وأساليب لزيادة مستويات سعادة مواطنيها ورفاهيتهم.

وأرست دولة الإمارات معايير إسعاد المواطنين عالمياً، بعد أن أطلقت وزيرة السعادة خطة وطنية طموحة تتضمن أدوات لقياس سعادة المواطنين ورضاهم. كما عيّنت المملكة المتحدة أخيراً وزيراً للوئام الوطني، لمعالجة العزلة الاجتماعية لنحو 90 مليون مواطن.

وتتسابق الحكومات اليوم لوضع سعادة مواطنيها ورفاهيتهم، على رأس خططها السياسية، حيث صارت المجتمعات أكثر هوساً بالسعادة، في تعريفها وتحقيقها والحفاظ عليها.

وما يؤكد هذا التوجه أن عملية البحث عن مفهوم السعادة وطرائق الحصول عليها على محرك بحث «غوغل» تعطيك 75 مليون نتيجة، بينما تشارك 160 دولة في المؤتمر السنوي الذي تنظمه الأمم المتحدة عن رضا المواطن وسعادته.

ويجمع خبراء علم الاجتماع على أن السعادة الشخصية تتأتّى من تطابق أربعة عناصر: إشباع الاحتياجات الأساسية، ولحظات البهجة اليومية، والعلاقات الاجتماعية، والشعور بالهدف الأسمى والمعنى الأعمق للحياة؛ فهل الحكومات قادرة على تحقيق هذه العناصر الأربعة لمواطنيها؟

هناك حكومات باشرت عملياً وأحرزت نتائج لا بأس بها، لكن الكثير من الحكومات لا تأبه للفكرة أصلاً، ما قد يجعل المهمة معقدة على الصعيد العالمي.

الحد المطلوب

والحقيقة أن مساعي الحكومات لتحقيق الحد المطلوب من رضا مواطنيها تواجه صعوبات في التوازن بين أهداف السعادة الوطنية التي حددتها الحكومات من جهة، وتوقعات مواطنيها في الحياة الواقعية اليومية من جهة ثانية. لكن تلك الصعوبات ليست عصية على الحل ويمكن تذليلها بالتركيز على أداء الهيئات الحكومية التي لها اتصال مباشر مع المواطنين.

وهناك قواعد حددها علماء النفس الاجتماعي وخبراء علم الاجتماع يمكن أن تكون الأكثر فاعلية في تحقيق أهداف الحكومة في زيادة معدلات رضا المواطنين.

من هذه القواعد ربط السعادة ببيئة العمل الرئيسي للفرد. وتتماشى استراتيجية السعادة الجيدة مع الاستراتيجيات التنظيمية ومؤشرات الأداء، وتدعمها بأدوات القياس والحوافز، كما أنها مصممة لتلبية احتياجات المواطنين. وتتمثل الفكرة في التركيز في المقام الأول على النتائج الأكثر أهمية بالنسبة للناس، وفي الوقت نفسه قياس مدى جودة تنظيم الهيئة أو الدائرة الحكومية لتقديم خدماتها، مثل دوائر النقل والمرافق الخدمية والحدائق العامة والترفيه.

التفاعل مع العملاء

والقاعدة الثانية تتمحور حول فهم متطلبات رضا المواطنين وسعادتهم؛ فمن المسلّم به أن الهيئة الحكومية تتمتع عموماً بالكفاءة في التفاعل مع العملاء والموظفين والشركاء، وفي معظم الحالات، يناط بها تقديم الفائدة للمجتمع. لكن رفع مستويات السعادة لدى المواطنين الأفراد يتطلب اتباع نهج أعمق، يفهم بشكل أفضل الاحتياجات والتوقعات الخاصة للمواطنين ويوفر التجارب المتميزة عبر جميع نقاط وقنوات الاتصال والقنوات. وهنا لا بدّ من اعتماد الرقمنة والابتكار القائم على التكنولوجيا كعاملين فعالين تعميق وتوسيع تجارب السعادة الشخصية.

ولكي تكون الجهود مثمرة، تقضي القاعدة الثالثة بإجراء التغيرات سواء كانت سهلة أو صعبة، بشكل فوري ومستمر. وتبذل الكثير من الهيئات والدوائر الحكومية جهوداً مهمة في تحديد شكل وطبيعة التغييرات المطلوبة، لبناء تجارب سعادة حقيقية وذات مغزى. وقد تبدو التغييرات «تجميلية» من حيث الظاهر (مثل نشر مجسمات الوجوه المبتسمة). لكن في الحياة الواقعية، يتطلب ترسيخ السعادة في العمل الرئيسي إجراء تقييم صادق، وإعادة تصميم دقيق لسياسات الدائرة الحكومية وعملياتها وأنظمة تكنولوجيا المعلومات التي تعتمدها، ناهيك بالثقافة التنظيمية.

ممارسات التوظيف

وأخيراً عند اتخاذ قرار التغيير، ينبغي البدء بالأهم في تصميم تجارب تتمحور حول السعادة ورضا المواطنين، كأن يكون البدء من موظفي خدمة العملاء الذين يتعاملون مع المواطن مباشرةً، مع التركيز على تطوير خبراتهم وإيجابية مواقفهم الوظيفية وممارسات التوظيف. ولا شك في أن موقف موظف خدمة العملاء الذي يركز على السعادة جنباً إلى جنب مع الاستجابة لجميع شكاوى العملاء، سوف يحقق أفضل النتائج المرجوة في أقصر فترة زمنية.

يؤكد الباحثون في تطوير تجارب سعادة المواطنين أن تعدد القدوات لا يقل أهمية عن تكرار التجارب، ذلك لأن تجارب السعادة مبنية على الاستعداد لتحمل المخاطر، وتجربة مبادرات جديدة، وتجربة البرامج والحلول. من المهم رصد قياسات التجارب الناجحة وغير الناجحة لتجنب الوقوع في فخ تكرار نفس المبادرات، وبالتالي تدني معدلات التطوير في الممارسات العملية. لا شك في أن إنشاء ثقافة قوية للتقييم والرصد يسمح بالحصول على المعرفة المؤسسية وإجراء تعديلات سريعة.

تأمل هذه التجربة، مواطن يتصل بإحدى مؤسسات الدولة بحثاً عن معلومات عن كيفية التقدم بطلب للحصول على عقد زواج. موظفو المؤسسة أو الدائرة متحمّسون للردّ، لكن في زحمة العمل اليومية يسود الارتباك، نتيجة عدم الرد بسرعة رغم أن المطلوب ليس مهمة صعبة. ومع ذلك أدى الآن إلى تعذر الرد، واحتمال الانتظار لمدة طويلة. ثم يتبين للموظفين أن الإجابة من اختصاص دائرة أخرى.

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات القمة العالمية للحكومات الإمارات

إقرأ أيضاً:

"غرفة شمال الباطنة" تناقش تحديات سوق العمل في استقطاب وتشغيل الكفاءات الوطنية

 

 

صحار- خالد بن علي الخوالدي

استضاف فرع غرفة تجارة وصناعة عُمان بمحافظة شمال الباطنة، سعادة خالد بن سالم الغماري وكيل وزارة العمل للعمل، وذلك في لقاء جمعه مع ممثلي ومُلّاك المصانع والشركات الكبرى بالمحافظة. حيث يأتي هذا اللقاء ضمن جهود لجنة سوق العمل بالفرع.

حضر اللقاء سعادة محمد بن سليمان الكندي محافظ شمال الباطنة، والمهندس سعيد بن علي العبري رئيس مجلس إدارة فرع الغرفة، وأعضاء مجلس الإدارة، وعدد من مدراء العموم ومسؤولي الجهات الحكومية والخاصة، والرؤساء التنفيذيين.

وناقش اللقاء أبرز التحديات التي تواجه سوق العمل في استقطاب وتشغيل الكفاءات الوطنية، إلى جانب استعراض مرئيات القطاع الخاص حول سياسات التعمين والإحلال، واقتراح آليات عملية لتعزيز فاعلية هذه السياسات في مختلف القطاعات الاقتصادية.

وشهد اللقاء بحث سبل تعزيز الشراكات بين الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص؛ بما يُسهم في تحفيز بيئة عمل قادرة على استيعاب الكوادر الوطنية بكفاءة واستدامة.

مقالات مشابهة

  • من الجعفري إلى الكاظمي: توافقات سياسية تحدد مصير الحكومات
  • تعديلات المسطرة الجنائية تشدد العقوبة في حق حاملي السلاح بالشارع.. وزير العدل : حتى ولو تورنوفيس
  • "غرفة شمال الباطنة" تناقش تحديات سوق العمل في استقطاب وتشغيل الكفاءات الوطنية
  • استعراض الفرص الاستثمارية البيئية في البريمي
  • عمر ومحمد الحجوري يدخلان قفص السعادة
  • افتتاح نادي محضة للعلوم والابتكار
  • متى يكون للحياة طعم؟
  • الموضوع مش سهل.. تعليق قوي من أحمد موسى على انفجار ميناء في إيران
  • المشاط تعقد اجتماعات مكثفة ومسئولي الحكومات والمؤسسات الدولية والقطاع الخاص
  • التعبير والنشر جائز…حتى لو كان يشكل جرم التشهير…. متى يكون هذا ؟