بحملة دعائية كاذبة.. نتنياهو يشن حملة صليبية ضد الفلسطينيين
تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT
قبل أسبوعين من قيام حركة حماس بالهجوم على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وقف بنيامين نتنياهو أمام غرفة فارغة في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك، ولوح بخريطة لما وعد بأن يكون "الشرق الأوسط الجديد".
على هذه الخريطة تم محو غزة والضفة الغربية. الفلسطينيون لم يكونوا موجودين.
وقال "يا له من تغيير تاريخي لبلدي، وكما ترون، فإن أرض إسرائيل تقع على مفترق الطرق بين أفريقيا وآسيا وأوروبا.
خلال ذلك الخطاب، صور نتنياهو التطبيع الكامل للعلاقات مع المملكة العربية السعودية، وهي المبادرة التي أطلقتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب واحتضنها البيت الأبيض في عهد بايدن، باعتبارها محور رؤيته لهذا الواقع "الجديد"، الذي من شأنه أن يفتح الباب أمام "ممر ذو رؤية سيمتد عبر شبه الجزيرة العربية وإسرائيل، وسوف يربط الهند بأوروبا من خلال الروابط البحرية وخطوط السكك الحديدية وخطوط أنابيب الطاقة وكابلات الألياف الضوئية".
وبعد أيام فقط، عندما اخترقت قوات حماس الحواجز المحيطة بغزة وشرعت في غاراتها التي استهدفت العديد من المنشآت العسكرية بالإضافة إلى الكيبوتسات، تغير كل شيء في لحظة. كل شيء، باستثناء الأجندة الأساسية التي كانت في قلب مسيرة نتنياهو السياسية الطويلة: التدمير المطلق لفلسطين وشعبها.
وكما استغلت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن هجمات 11 سبتمبر لتبرير حرب كاسحة، فإن نتنياهو يستخدم 7 أكتوبر لشن الحملة الصليبية التي كان يستعد لها طوال حياته السياسية.
ومع تلاشي قبضته على السلطة الخريف الماضي، فقد وفرت له هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول الفرصة التي كان يحتاج إليها، وربط بقاءه السياسي بالحرب على غزة وما قد يشكل فرصته الأخيرة للقضاء على مشكلة إسرائيل الفلسطينية إلى الأبد. وبهذا المعنى، أنقذت حماس "بيبي".
فشل المخابرات
وبعد مرور أربعة أشهر، تحولت حرب الإبادة التي يشنها نتنياهو ضد غزة إلى حرب عصابات استنزاف. ولم يتم تحرير أي أسير إسرائيلية بالقوة العسكرية، وقد أظهرت حماس مرونة وقدرة دائمة على اصطياد جنود جيش الاحتلال. وقد ظهر على الجمهور الإسرائيلي، علامات التعب واليأس. وارتفع صوت العديد من أفراد عائلات الأسرى للمطالبة بالتوصل إلى اتفاق فوري مع حماس، فحياة أحبائهم تتركز على الأجندة السياسية التي وضعها نتنياهو وزمرته.
وطالب البعض بانتخابات جديدة أو استقالة نتنياهو. وبدأت الاحتجاجات ضد الحرب، رغم صغرها، في النمو داخل إسرائيل، مع بعض المظاهرات التي تردد الدعوات العالمية التي تطالب بوقف إطلاق نار إنساني وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
ومع تجاوز عدد الشهداء في غزة 27 ألف شخص، فإن العديد من الروايات الأساسية التي نشرتها الحكومتان الإسرائيلية والأمريكية لتبرير المذبحة تخضع لمزيد من التدقيق؛ تم فضح بعضها.
في إسرائيل، ليس هناك شك في أن حماس قتلت أعداداً كبيرة من الإسرائيليين. لكن كيف تمكنوا من القيام بذلك بينما كانوا يعيشون تحت أعين الموساد والشاباك ووكالة الأمن الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي التي تحظى بإشادة ويقظة.
كانت هناك عدة تقارير موثوقة تفيد بأن محللي الاستخبارات الإسرائيلية حذروا من أن مقاتلي حماس يتدربون على ما يبدو على شن غارات على إسرائيل.
وأفادت صحيفة نيويورك تايمز ووسائل إعلام أخرى بوجود وثيقة داخلية لحماس مكونة من 40 صفحة تحمل الاسم الرمزي "جدار أريحا".
ويقال إن المخابرات الإسرائيلية حصلت عليها، وبينما تم تجاهل تحذيرات المحللين الإسرائيليين الذين راجعوا الوثيقة من قبل كبار المسؤولين، فقد حث ضابط استخبارات الإشارات في يوليو/تموز الماضي القيادة على أخذ الأمر على محمل الجد.
وفي إشارة إلى التدريب الذي أجرته حماس مؤخرًا والذي استغرق يومًا واحدًا في غزة، أكد المحلل أن التدريب يعكس بدقة العمليات المنصوص عليها في الوثيقة. وقالت: "إنها خطة مصممة لبدء الحرب".
وفي الليلة التي سبقت غارة حماس، بدأ محللو الاستخبارات في الإبلاغ عن أدلة مهمة تشير إلى أن حماس ربما تستعد لهجوم داخل إسرائيل. وسافر رئيس الشاباك إلى الجنوب وصدرت أوامر بنشر قوة خاصة لمكافحة الإرهاب لمواجهة أي توغلات محتملة، وفقا لتقرير استقصائي في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية.
وبعد الساعة الثالثة صباحًا بقليل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، خلص مسؤول استخباراتي كبير إلى أن النشاط في غزة كان على الأرجح تدريبًا آخر لحماس، قائلاً: "ما زلنا نعتقد أن [زعيم حماس يحيى] السنوار لا يتجه نحو التصعيد".
وبعد بضع ساعات، وبينما كان المسؤولون الإسرائيليون يتجمعون في مركز القيادة ويسارعون بشكل فوضوي لنشر قوات للرد على الهجمات المتعددة الجوانب التي تقودها حماس، أسكت ضابط كبير الغرفة قائلاً: "تم التغلب على فرقة غزة".
في وقت مبكر من الحرب ضد غزة، سعى نتنياهو إلى صرف اللوم عن فشله في توقع هجمات حماس على أجهزة استخباراته.
وجاء في تغريدة نُشرت على حساب نتنياهو الرسمي على تويتر: "خلافا للادعاءات الكاذبة: لم يتم تحذير رئيس الوزراء نتنياهو تحت أي ظرف من الظروف وفي أي مرحلة من نوايا حماس الحربية. على العكس من ذلك، فإن جميع المسؤولين الأمنيين، بما في ذلك رئيس المخابرات العسكرية ورئيس الشاباك، قدروا أن حماس تم ردعها وتبحث عن تسوية. وتم تقديم هذا التقييم مرارا وتكرارا إلى رئيس الوزراء والحكومة من قبل جميع قوات الأمن وأجهزة المخابرات، حتى اندلاع الحرب".
لكن أسئلة جدية ظلت عالقة حول كيفية تمكن حماس من فرض حصار على أجزاء كبيرة مما تسميه إسرائيل "غلاف غزة"، وما إذا كان نتنياهو على علم بأن هجومًا من هذا النوع بالذات تم التخطيط له على مرأى ومسمع من أنظمة المراقبة وشبكات التجسس الإسرائيلية الواسعة.
وهناك أيضاً مجموعة متزايدة من الأدلة التي تشير إلى أن القوات الإسرائيلية تلقت أوامر في 7 أكتوبر/تشرين الأول بوقف هجمات حماس بأي ثمن، بما في ذلك قتل المدنيين الإسرائيليين الذين أسرهم المقاتلون الفلسطينيون.
اقرأ أيضاً
ضغوط أمريكية على نتنياهو للقبول بأي صفقة مع حماس.. حتى لو بثمن باهظ
وأشار الجيش الإسرائيلي، إلى أنه يعتزم إجراء تحقيق "صارم" في الإخفاقات الاستخباراتية، مما أثار غضب بعض الأعضاء اليمينيين المتطرفين في الحكومة.
ادعاءات كاذبة
"إن رؤية نتنياهو لنفسه باعتباره المدافع الرئيسي عن الشعب اليهودي ضد الكارثة سمحت له بتبرير أي شيء من شأنه أن يبقيه في السلطة"، كما جاء في مذكرات الرئيس السابق باراك أوباما لعام 2020.
وفي أعقاب أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وصف نتنياهو الحصار الذي فرضته إسرائيل على شريط صغير من الأرض بحجم فيلادلفيا باعتباره حرب عوالم حيث كان مصير البشرية ذاته على المحك.
وسرعان ما نشرت الحكومة الإسرائيلية استراتيجية دعائية متعددة الجوانب لكسب دعم غير مسبوق من الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى لشن حرب شاملة ضد جميع سكان غزة. إن معارضة حرب إسرائيل هي معاداة للسامية. والتشكيك في تأكيداتها بشأن أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول يشبه إنكار المحرقة؛ إن الاحتجاج على القتل الجماعي للمدنيين الفلسطينيين هو تنفيذ لأوامر حماس.
وفي قلب حملة حرب المعلومات الإسرائيلية هناك مهمة تكتيكية تهدف إلى تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم وإغراق الخطاب العام بسيل من الادعاءات الكاذبة التي لا أساس لها ولا يمكن التحقق منها.
وقال نتنياهو للرئيس جو بايدن في مكالمة هاتفية في 11 أكتوبر/تشرين الأول: “لقد تعرضنا يوم السبت لهجوم أستطيع أن أقول إننا لم نشهد وحشيته منذ المحرقة".
وأضاف: "لقد أخذوا عشرات الأطفال وقيدوهم، أحرقوهم وأعدموهم". وأضاف: "لم نشهد مثل هذه الوحشية في تاريخ الدولة. إنهم أسوأ من تنظيم الدولة الإسلامية وعلينا أن نعاملهم على هذا النحو".
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت في 9 تشرين الأول/أكتوبر: "نحن نحارب الحيوانات البشرية ونتصرف على هذا الأساس".
,ولم يتم إثبات هذه الافتراءات بأدنى قدر من الأدلة. وتم دحض العديد منها بشكل كامل من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية الكبرى.
لم تكن هناك عمليات قطع جماعي لرؤوس الأطفال، ولم تكن هناك عمليات إعدام جماعية في الحضانة، ولم يتم تعليق الأطفال على حبال الغسيل، ولم يتم وضع الأطفال الرضع في الأفران.
ولم يتم شق بطن أي امرأة حامل وطعن الجنين أمامها وأمام أطفالها الآخرين. هذه القصص خيالية تمامًا، وهي عبارة عن مجموعة من الأكاذيب الجريئة التي تم استخدامها كسلاح لتوليد نوع من الغضب الجماعي المستخدم لتبرير ما لا يمكن تبريره.
ولم تنته الأكاذيب التي انتشرت في أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول مباشرة عند هذا الحد. كل أسبوع تقريبًا، وأحيانًا كل يوم، تطلق الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي وابلًا جديدًا من الادعاءات التي تهدف إلى تبرير المذبحة المستمرة. المستشفيات هي حماس، والأمم المتحدة هي حماس، والصحفيون هم حماس، والحلفاء الأوروبيون هم حماس، ومحكمة العدل الدولية معادية للسامية.
وهذا التكتيك فعال، خاصة وأن الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الرئيسيين دأبوا على غسل مزاعم إسرائيل التي لم يتم التحقق منها كدليل على عدالة القضية.
إن الدعاية والأكاذيب المسلحة لا يمكن إلا أن تحجب الجثث، والمجاعة القسرية، والقتل الجماعي للأطفال، والتدمير التام لمجتمع بأكمله لفترة طويلة.
اقرأ أيضاً
حماس تؤجل ردها على صفقة تبادل الأسرى.. وأزمة في حكومة نتيناهو
وبمرور الوقت، يصبح من الصعب على نحو متزايد إخفاء العلاقة بين الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، والروايات الكاذبة التي نشرتها، ونضال نتنياهو اليائس للاحتفاظ بالسلطة السياسية وحريته الشخصية.
المصدر | theintercept + الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: إسرائيل حماس نتنياهو طوفان الأقصى أکتوبر تشرین الأول العدید من ولم یتم لم یتم إلى أن من قبل
إقرأ أيضاً:
بعد التهنئة برمضان.. ما أبرز الفتاوى اليهودية التي تشجع على قتل الفلسطينيين والعرب؟
تزدحم الصفحات الإسرائيلية الرسمية الناطقة بالعربية بالعديد من "التهاني" بحلول شهر رمضان المبارك، في محاولة لتحسين صورة الاحتلال عربيا وإسلاميا، ضمن جهود الدعاية المنظمة.
وتتبع أغلب هذه الصفحات إما لجيش الاحتلال الإسرائيلي مباشرة أو إلى جهات رسمية أخرى مثل وزارة الخارجية أو وزارة الإعلام والشتات.
عشية حلول شهر رمضان الكريم نتقدم بالتهاني لعموم المسلمين في اسرائيل والعالم قاطبة داعين من الله عز وجل ان تتنامى فيه الألفة بين القلوب وترفرف روح التعايش في المنطقة بأسرها.
نحن لسنا باولاد عمومة فحسب، انما جيران ايضا والله اوصى بسابع جار .
صياما مقبولا وذنبا مغفورا#رمضان_كريم pic.twitter.com/olutgS1fHe — إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) February 28, 2025
وتأتي هذه الدعوات رغم التحريض المباشر في "إسرائيل" منذ سنوات على قتل الفلسطينيين بمختلف أعمارهم، مع اعتبار أن كل غير اليهود من الممكن قتلهم.
بعد ثبوت رؤية هلال #شهر_رمضان نهنئ المسلمين بمناسبة الشهر الفضيل. اللهم صفّد شياطين ودواعش التنظيمات الإرهابية من حماس وحزب الله ووكلاء إيران وغيرهم من الارهابيين وابعد عن اهل الشرق الأوسط دعاة الخير والسلام الارهاب البغيض pic.twitter.com/CLno7coHas — افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) February 28, 2025
"عدالة إلهية"
في شباط/ فبراير 2023 قارن الحاخام الإسرائيلي، شموئيل إلياهو، زلزال تركيا وسوريا بـ "غرق المصريين في البحر" وفق القصة التوراتية، قائلا إن الكارثة "عدالة إلهية".
وإلياهو رجل دين مشهور في "إسرائيل"، وهو مقرب من إيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي المستقيل، واعتبر في ذلك الوقت الكارثة الإنسانية التي لحقت بسوريا وتركيا بعد الزلزال بأنها "تطهر العالم وتجعله أفضل".
ونشر إلياهو تفسيراته للزلزال ضمن مقال في صحيفة "أولام كاتان"، وهي نشرة أسبوعية يمينية دينية ذات شعبية بين صفوف المتطرفين الإسرائيليين.
ونقل موقع "تايمز أوف إسرائيل" مقال الحاخام الذي تضمن قوله: "ليس هناك شك في أن أولئك الذين رأوا المصريين يغرقون في البحر والذين لم يتذكروا الحدث بأكمله من البداية إلى النهاية كانوا سيمتلئون بشفقة كبيرة عليهم وسيحاولون إنقاذهم من الغرق".
وأضاف "لكن بني إسرائيل غنوا الأغاني لأنهم يعرفون المصريين، وفهموا أن هؤلاء الغرقى أرادوا قتل بعضهم والاستمرار في استعباد البقية، لقد غنوا الأغاني لأنهم فهموا أن هناك عدالة إلهية هنا تهدف إلى معاقبة المصريين الذين أغرقوا بني شعب إسرائيل في النيل، حتى يرى جميع الأشرار في العالم ويخافون".
وقال إلياهو: "الله يحكم على جميع الدول من حولنا التي أرادت غزو أرضنا عدة مرات ورمينا في البحر"، مهاجما سوريا وتركيا بالقول: "كل ما يحدث، يحدث من أجل تطهير العالم وجعله أفضل".
"اليهودي مقدس"
في آذار/ مارس 2023، قال الحاخام اليعازر ميلاميد، في كلمة تأبين لمستوطنين شقيقين قتلا في عملية نفذها مقاوم فلسطيني في بلدة حوارة بالضفة الغربية في 26 شباط/ فبراير من العام ذاته: إن "كل يهودي يُقتل لمجرد كونه يهوديا فهو مقدس".
ووسّع ميلاميد صفة القداسة لتشمل جميع المستوطنين، حيث قال "إذا كان هذا هو ما يقال عن كل يهودي، فمن المؤكد أنه ينبغي أن يقال عن المستوطنين الذين يعيشون في الخط الأمامي للاستيطان في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)".
وأضاف خلال كلمة التأبين "لم نعد إلى بلادنا لنطرد العرب من ديارهم، بل لجلب الخير والبركة للعالم، ويمكن للعرب أيضا الاستفادة من ذلك"، على حد زعمه.
وفي كلمة أخرى لميلاميد مع عدد من طلابه قال: "طالما أنه لا يوجد عدد كافٍ من اليهود في أرض إسرائيل، فإن أعداءنا مستمرون في الوجود هناك ويقتلوننا"، زاعما أن "حدود إسرائيل هي من نهر النيل في مصر حتى الفرات بالعراق، وأنه لم يتم الاستحواذ سوى على المنطقة المحيطة بنهر الأردن"، في إشارة إلى أرض فلسطين.
وقال ميلاميد: "أحيانا يسأل الأولاد الصغار أسئلة كبيرة بصدق ويفتحون الباب للتفكير العميق، فعندما التقيت مؤخرا بأولاد لإجراء محادثة، سأل أحدهم بجدية وألم: لماذا توجد هجمات إرهابية؟ لماذا يقتل اليهود الصالحون؟"، فأجابهم: "لأنه لا يوجد عدد كاف من اليهود في إسرائيل"، بحسب ما نقلت "القناة السابعة" حينها.
وأضاف: "لا يوجد عدد كافٍ من اليهود في أرض إسرائيل عموما وفي يهودا والسامرة (التسمية الإسرائيلية للضفة الغربية) بشكل خاص، فكما قيل في التوراة: وإذا لم تترك سكان الأرض أمامك، فليكن أن تتركهم عبيدا في عينيك حتى لا يحاصرونك في الأرض التي تسكن فيها".
وتابع: "يعتقد البعض أن المشكلة خارجية، إذا لم يكن هناك أعداء في الأرض، فستنتهي المشاكل، ومع ذلك، فقد تعلمنا من التوراة أن الواقع هو عكس ذلك فإذا لم يكن هناك أعداء، فقد تنشأ مشاكل أكبر من البرية، فمن غير السار الاعتراف بأن القتال ضد العدو يصوغ إسرائيل ويوحدها، ومن يدري ما هي الأزمات والحروب الأهلية التي كنا سنخوضها بدونها. وبمعنى آخر، طالما أنه لا يوجد عدد كافٍ من اليهود للاستيطان في الأرض بأكملها بالطول والعرض، حتى لا تبقى أماكن مقفرة، فإن الله يرى في طريق الطبيعة أن الأعداء سيبقون في الأرض".
وأضاف أنه بعد أن يتكاثر اليهود سيكونون قادرين على التوسع تدريجياً نحو شرق الأردن وجميع أراضي "أرض الميعاد" في إشارة إلى كيان الاحتلال.
تمجيد غولدشتاين
وفي ذكرى مجزرة الحرم الإبراهيمي، أشاد الحاخام البارز في أوساط "الحريديم"، مئير مازوز، بالإرهابي باروخ غولدشتاين الذي قتل 27 مصليا فلسطينيًا عام 1994 في الحرم الإبراهيمي، معتبرا أن جريمته منعت "خطرًا كبيرًا".
وقال الحاخام مازوز: "في مغارة المكفيلة (الحرم الإبراهيمي) وضع العرب فؤوسا وبنادق وسكاكين تحت السجاد الذي يصلون عليه- وكان هناك خطر كبير جدا. وبفضل هذا اليهودي تم تجنب الخطر".
وهذا الموقف تكرر من قبل بن غفير التي وصف أيضا منفذ المجزرة بـ "الدكتور غولدشتاين"وأنه "البطل والقديس والطبيب الذي أنقذ حياة اليهود".
"شريعة الملك"
وفي مطلع عام 2023، أحدث الوزير الإسرائيلي السابق، عامي أيالون، ضجة عقب توثيقه السلبي في أحد كتبه، للقاء جمعه بالحاخام الهشير يتسحاق شابيرا، صاحب فتوى "قتل الأطفال العرب، لأنهم قد يكبرون ويصبحون أشرارا".
وفي ذلك اللقاء، الذي لم يُوضع تاريخ حدوثه، برر شابيرا فتواه بأنه "حسب التوراة والإجماع بين حكمائنا اليهود، فإن التحريم المطلق للقتل ينطبق على اليهود فقط، وليس على الوثنيين".
وجاءت هذه الفتوى ضمن "شريعة الملك" أو "توراة الملك" أو هو مصنف فقهي يهودي من تأليف الحاخامين شابيرا ويوسيف اليتسيور، اللذان أدارا في مستوطنة "يتسهار" في الضفة الغربية، ومدرسة دينية تدعى "مازال يوسف حيا".
ويضم الكتاب المنطلقات والقواعد الفكرية والأيديولوجية التي تدعو لاستباحة وسفك دماء الأغيار (الغوييم وتعني غير اليهود بشكل عام) على أيدي اليهود في أوقات السلم والحرب.
وحرر الكتاب بلغة عبرية قديمة، هو مزيج من أحكام منتقاة وفقا لمجموعة نصوص دينية، معتمدا على تفسيرات وأقوال فلاسفة وعلماء يهود متطرفين من عدة عصور، ويقدم أرضية عقائدية لجنود الاحتلال والمستوطنين تبيح قتل الفلسطينيين.
ويعتبر مؤلفو الكتاب أن "الله خلق هذا الكون من أجل اليهود فقط، وخلق باقي العالم الذي له منزلة البهائم لخدمة اليهود"، ويدعو الكتاب بوضوح إلى قتل وإبادة الفلسطينيين ويقدم أرضية دينية عقائدية تبيح سياسات وأعمال جيش الاحتلال ومستوطنيه تجاه الفلسطينيين.
ويستخلص المؤلّفان أنّ "اليهود يُسمح لهم بقتل الآخرين أكثر مما يسمح للأغيار بقتل أناس من الأغيار الآخرين"، ويتم التركيز في الفصل الرابع على استباحة دماء غير اليهود.
ويتناول الفصل الخامس من الكتاب احكام قتل غير اليهود في الحروب، ويشير إلى "وجوب قتل أيِّ مواطن في المنطقة المعادية يشجع المقاتلين أو يعبر عن رضاه عن أعماله، وجواز قتل مواطني الدولة أو المنطقة المعادية وإن كانوا لا يشجعون دولتهم في أعمال الحرب".
ويبرر الكتاب جواز القتل بأن "الشريعة اليهودية تعتقد أنهم يرغبون في أوقات السلم بسفك دماء اليهود، فيما ويتعاظم هذا الاعتقاد برغبتهم في سفك دماء اليهود في حالة الحرب".
قتل الجميع
في آذار/ مارس 2024، وخلال حرب الإبادة ضد قطاع غزة، دعا حاخام في مدينة يافا إلياهو مالي، إلى "إبادة كل سكان قطاع غزة، بمن في ذلك الأطفال والنساء والمسنين".
وقال الحاخام إلياهو مالي مدير المدرسة الدينية في يافا، التي يخدم طلابها في جيش الاحتلال إنه "يجب اتباع مبدأ (لا تدع نفسا على قيد الحياة) و(إذا لم تقتلهم سيقتلونك)".
وفي اجتماع للمدارس الدينية، اعتبر أن "مخربي اليوم هم الأطفال الذين تركتهم على قيد الحياة في المعركة السابقة"، عندما سئل عن قتل أطفال غزة.
أما عن النساء فقال الحاخام: "هن من ينتجن المخربين"، مضيفا أن "من يشكل خطرا عليك ليس فقط الفتيان في عمر 14 أو 16 ومن يرفع السلاح بوجهك، بل جيل المستقبل ومن ينتجن جيل المستقبل، فالحقيقة لا يوجد فرق بينهم".
وعن المسنين أضاف: "أحكام المدنيين في غزة تختلف عن أحكام المدنيين في مناطق أخرى، ففي غزة وفق التقديرات ما بين 95 إلى 98 بالمئة يؤيدون إبادتنا".
الإبادة بالصواريخ
رغم أن كل هذه الدعوات جاءت في السنوات الأخيرة مع تصاعد المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن الفتاوى والدعوات التحريضة على القتل جاءت من الحاخام الأشهر في "إسرائيل" وهو عوفاديا يوسف.
ويعد يوسف الزعيم الروحي لحزب "شاس" لليهود الشرقيين ومؤسسه، وهو الحاخام الذي عرف بمواقفه العنصرية المتشددة نحو الفلسطينيين والعرب، فضلا عن معارضته الشديدة للمس بالقضايا المحورية في الصراع مع العرب وأهمها القدس والمستوطنات وعودة اللاجئين.
وعرف عن عوفاديا كرهه الشديد للعرب الذي بلغ حد دعوته إلى إبادتهم جميعا بالصواريخ، ففيتموز/ يوليو 2001 دعا إلى "إبادة العرب بالصواريخ"، وأضاف في "عظة" السبت في كنيس بالقدس بمناسبة عيد الفصح اليهودي أن العرب "يجب ألا نرأف بهم، ولا بد من قصفهم بالصواريخ وإبادة هؤلاء الأشرار والملعونين".
وقال لأتباعه إن "العرب يتكاثرون في المدينة المقدسة كالنمل.. عليهم أن يذهبوا إلى الجحيم".
وبعد ذلك في عام 2004، قال يوسف في خطبة بثتها الفضائيات الإسرائيلية إن "اليهودي عندما يقتل مسلما فكأنما قتل ثعبانا أو دودة، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن كلا من الثعبان أو الدودة خطر على البشر، لهذا فإن التخلص من المسلمين مثل التخلص من الديدان أمر طبيعي أن يحدث".
وكان يوسف قد أثار عام 2005 عاصفة من الانتقادات في "إسرائيل" عندما "دعا الله في خطبة دينية أن يقضي على رئيس الوزراء السابق أرييل شارون بسبب خطته للانسحاب من قطاع غزة".