تحل على اليمنيين الذكرى الثالثة عشرة لثورة الحادي عشر من فبراير والبلاد على مفترق طرق أكثر من أي وقت مضى، بين حرب تبدو بلا نهاية وسلام ليس له من اسمه شيء.

 

بعد 13 عاماً من اندلاعها، مازالت ثورة الـ11 من فبراير حاضرة في الوجدان الشعبي رغم كل المنعطفات التي مرت بها اليمن خلال العقد الماضي، والتي أدت إلى فقدان اليمنيين للدولة واستمرار النضال الشعبي المقاوم لاستعادتها، وسط جدل عن المكتسبات الوطنية للثورة.

 

خلال الأعوام الماضية شهدت البلاد تحوّلات جوهرية في الأوضاع شمالا وجنوبا ومرت الثورة بإرهاصات حالت دون تحقيق أحلام الشباب الذين خرجوا من أجلها، في ظل حرب شرسة تمارسها دولا اقليمية في إطار ما يسمى بالثورات المضادة للربيع العربي.

 

وتأتي الذكرى هذا العام في ظل تعقيد للأوضاع في البلاد أكثر، تزامنا مع تصعيد جماعة الحوثي في البحر الأحمر واستهدافها للسفن الشحن، تحت مزاعم إيقاف الإبادة الجماعية التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في قطاع غزة.

 

كثيرا من الشباب والناشطين يرون أن ما يمر به اليمن من أزمة سياسية وإنسانية واقتصادية كانت نتاج للغدر بالثورة والانقلاب على الدولة في الـ21 من سبتمبر 2014.

 

لكن في هذه الذكرى تحديدا قل تفاعل اليمنيين بشكل لافت قياسا بالاحتفالات للأعوام السابقة، حيث كان يجهز للاحتفال بالذكرى منذ مطلع الشهر، وكان التفاعل رسميا وجماهيرا بأغلب المحافظات، إلى جانب تحويل اليمنيين منصات مواقع التواصل الاجتماعي إلى صالات أفراح ابتهاجا بهذه المناسبة الغالية على قلبهم والتي كان من أبرز ثمارها الإطاحة بنظام المخلوع علي عبدالله صالح الذي جثم على صدورهم 33 عاما، والقضاء على نظام التوريث الذي كان يجهز له.

 

ففي مدينة تعز أحيا الآلاف مساء اليوم السبت، الذكرى الثالثة عشر لثورة 11 فبراير بإيقاد الشعلة في شارع جمال، أعقبها مباشرة إطلاق الألعاب النارية في عدد من المرتفعات بالمدينة.

 

الثورة المضادة أسهمت في صعود المشاريع المتطرفة

 

مجلس شباب الثورة السلمية، قال في بيان له اليوم السبت، إن الانقلاب على ثورة فبراير ومضامينها المدنية أسهم في صعود المشاريع المتطرفة التي تنطلق من شعارات دينية ومناطقية، متحديةً كل ثوابت الحركة الوطنية اليمنية ونضالاتها خلال العقود الماضية.

 

وقال "عندما اندلعت ثورة فبراير قبل ثلاثة عشر عاما، كانت الفكرة التي تمسكت بها الجماهير هي رد الاعتبار للجمهورية، حيث كان مشروع التوريث هو المشروع الوحيد لسلطة فشلت في تأسيس دولة تحتكم إلى المؤسسات والقوانين".

 

وأضاف بأنه "لا تزال الجماهير التي تعاني من تسلط الميليشيات وتدخلات الخارج لديها الفكرة نفسها، وهي رد الاعتبار للجمهورية، وهذا لن يتم إلا إذا انتهى عصر الميليشيات، وأصبح الأمر كله للشعب" وهو، ما يؤكد "جوهر" ثورة فبراير الشعبية.

 

 

وأوضح أن "النيل من ثورة فبراير يفتقد للإنصاف والنزاهة معا، فهو بمعنى من المعاني دفاع عن حقبة تم فيها الاستهتار بمؤسسات الدولة وتكريس المحسوبيات وإضعاف الجيش وإدارة البلد بالأزمات، وإضعاف الحياة السياسية، وصولا لإفشال الانتقال الديمقراطي الذي كان سينتج سلطة تكون مسؤولة أمام الشعب".

 

ما يجري في اليمن استمرار للثورة المضادة لفبراير

 

وفي السياق أكدت الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، أن المليشيا تقضم جسد الدولة وتعبث بمقدراتها برعاية جيران اليمن والأمم المتحدة.

 

وقالت كرمان -في كلمة لها بالذكرى الـ 13 لثورة فبراير الشعبية- إن محاولة طمس الحقائق عن ثورة فبراير لن تنجح وأن ما يتردد اليوم هو استمرار للثورة المضادة".

 

وأكدت أن أي اتفاق سلام في اليمن ليس بديلا عن العدالة ومتطلباتها في اليمن، كما دعت إلى إنشاء محكمة جنائية خاصة باليمن مؤكدة أن "العدالة حق لكل يمني ويمنية".

 

 

وتابعت "البديل عن ثورة الـ11 فبراير في اليمن هي المشاريع السلالية والمناطقية والمليشيا، ولا أمن في البحر الأحمر دون استقلال الجمهورية اليمنية والحفاظ على ثوابتها الوطنية".

 

وذكرت كرمان أن التحالف السعودي الإماراتي في اليمن وراء إطالة أمد الحوثيين، وقالت "لن يخدعونا بموقفهم، ونرفض الاعتداء على بلادنا وندين الغارات الأمريكية البريطانية على اليمن".

 

الكاتب الصحفي جمال أنعم كتب "كل الثورات نتاج يأس حارق، ووعي فارق، لا بد من مجاوزة الوعي السلبي وإحداث صدمة حقيقية على مستوى الوعي والشعور، تخرج المرء من حالة التواطؤ مع قهره وفساد واقعه بحيث يركز طاقاته وإمكانياته وإرادته نحو الخلاص".

 

 

وقال "نختبر هذا الوعي غير الواضح وهذه المشاعر المتداخلة، مع استمرارنا في هذا التيه ومع كل فعل قعيد لا يفضي إلا لمزيد من الخيبة والأسى والحسرة".

 

محطة تاريخية

 

الصحفي والباحث نبيل البكيري قال "لم تكن ثورة 11 فبراير 2011م خياراً ضمن قائمة خيارات متاحة أمام اليمنيين حينها، فقد كانت لحظة انسداد سياسي وتاريخي عاشها الجميع ليس في اليمن وإنما على امتداد الجغرافية العربية".

 

وأضاف "كانت لحظة تاريخية بكل ملابساتها، وتعقيداتها ومآلاتها اليوم، لا يملك أحدُ حق إلغائها من تاريخ اليمن، أو مصادرتها أو حتى ادعاء حقاً حصرياً لها، وستبقى محطة تاريخية خاضعة للدراسة والتقييم وفقاً للحظتها تلك وليس للحظتنا هذه".

 

وتابع البكيري بالقول "من حقك أن تكره تلك اللحظة، ومن حقك أن تحبها أيضاً، لكن ليس من حقك أن تلغيها وتتجاوزها أو تمحيها من التاريخ".

 

 

وأكد أن ثورة 11 فبراير هي جزء من ذاكرة الناس بكل سلبياتها وايجابياتها، ولا يمكن الخروج من مأزق هذه اللحظة اليمنية إلا بقراءة كل لحظة ومحطة وتجربة وفقا لسياقاتها المولدة لها بعيداً عن لغة العواطف والمشاعر المُبغضة أو المُحبة فهذه ليست من أدوات قراءة التاريخ والاجتماع البشري مطلقا"ً.

 

وقال "فليس في قراءة الأحداث كرهاً أو حباً، وإنما منطقُ وواقعُ يُقرى بلغة العلم والمنهج والواقع والانصاف والمنهجية لا بلغة الحب أو الكٌره وبعيداً عن أي مصلحة مرجوة من هذه التقييم مدحاً أو قدحاً".

 

وختم الباحث البكيري منشوره بالقول "سواء أحببنا أو كرهنا فلن يزيد كرهنا أو حبنا شيء في ذلك، هي لحظة تاريخية عاشها الناس جميعاً ويمتلكون ذاكرة قوية تستذكر كل ملابساتها ولدى الناس تقييم لها كل حسب زاوية نظره التي نظر منها للحدث، فلا أعتقد أن أحدُ يمكنه توجيه الناس واعتساف ذاكرتهم ووعيهم حول حدث لا تزال ذاكرة الناس طرية ومليئة بتفاصيله اليوم".

 

الميلاد والمجد لثورة 26 سبتمبر

 

الكاتب الصحفي عامر الدميني علق بالقول "سيذهب أناس ويأتي غيرهم، وتقع أحداث، وتطوى أخرى، لكن تظل ثورة 11 فبراير هي الحدث الأكثر أهمية في اليمن".

 

وأضاف "هي الميلاد، والمجدد لثورة 26 سبتمبر، هي من كشفت كل هذه الأمراض المدفونة في جسد نظام ظل يحكم البلد لعقود، لمصلحته وعائلته وحزبه، ثم انفجرت تلك الأمراض دفعة واحدة لتؤكد المستوى الذي أدار به صالح ونظامه البلد".

 

 

وتابع "فبراير هو نتيجة، ولم يكن سبب أبدا، فبراير هو من منح اليمنيين الضوء ليدركوا حجم بلدهم، وكيف جرى حكمهم، وكيف يتكالب عليه الأعداء، وفي كل عام يأتي فبراير ليذكر بهؤلاء، ومستواهم وأفعالهم وما ارتكبوه".

 

وأردف "هم يبكون مجدا زال عنهم، لكننا نذكر محطة من أهم المحطات بتاريخ اليمن، تلك التي كشفت غطاءهم، وغطاء المتآمرين خارجيا".

 

الحدث أكثر أهمية في اليمن

 

في حين قال الناشط توفيق أحمد "11 فبراير طوفان الشعب الذي أغرق الطغاة وحطم أوهام التوريث، فقد فتح أبواب الحرية وأغلق أبواب التوريث، وخنق من وصفهم بـ "الدنق" وأسقط عفاش الطاغية السفاح وانتصر على الأسرة الخبيثة"، حد قوله.

 

وقال "سيذهب أناس ويأتي غيرهم، وتقع أحداث، وتطوى أخرى، لكن تظل ثورة 11 فبراير هي الحدث الأكثر أهمية في اليمن".

 

 

وأردف "هي الميلاد، والمجدد لثورة 26 سبتمبر، هي من كشفت كل هذه الأمراض المدفونة في جسد نظام ظل يحكم البلد لعقود، لمصلحته وعائلته وحزبه"، في إشارة لنظام المخلوع صالح وجماعة الحوثي الإمامية والسلالية".

 

فيما قال الناشط عيسى الشفلوت "ليس ذنب ثورة 11 فبراير أعظم ثورة مرت في تاريخ اليمن، إذا سقط بعض من تسلقوا على ابطالها، لان الثورة فعل مستمر ولن تحقق كامل أهدافها إلا بعد التخلص من المتسلقين وأصحاب المشاريع الصغيرة والأهداف الشخصية والمصالح الذاتية".

 

 

كذلك الصحفي عبدالجبار نعمان غرد بالقول "يذكرنا 11فبراير بمدى سلمية هذا الشعب العظيم حيث تخلى عن السلاح الذي هو جزء من زينته وخرج إلى الساحات يحمل معه اللافتات والهتافات، وقابل أطقم الشرطة بالهتافات، ورد على القنابل بالقبلات، ورمى الجنود الذين أطلقوا عليه البارود بالورود".

 

 


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن الربيع العربي مليشيا الحوثي ثورة فبرایر فی الیمن

إقرأ أيضاً:

صرخة التأسيس في زمن التكديس

17 أبريل، 2025

بغداد/المسلة: رياض الفرطوسي

في زمنٍ تسيّده السرعة وتُدار فيه المعارف بضغطة زر، لم يعد الذكاء يقاس بمدى امتلاء الذهن بالمعلومات، بل بقدرة العقل على الخلق، وعلى التفاعل مع الواقع، وتجاوزه نحو آفاق غير مسبوقة. نحن لا نعيش فقط في عصر المعلومات، بل في قلب الشبكة العنكبوتية، حيث المعارف مؤرشفة، مبوّبة، جاهزة للاستدعاء الفوري. وهنا يكمن الفرق الجوهري بيننا وبين الغرب: إنهم سلّموا الذاكرة إلى الآلة، واحتفظوا بعقولهم للابتكار.

كتب الفيلسوف الألماني “نيتشه” يوماً: “لا قيمة للمعرفة ما لم تتحوّل إلى قوة خلاقة”. ونحن، في مجتمعاتنا، لا نزال نغرق في بحر الحفظ والتكرار، نُعلّم أبناءنا كيف يحفظون لا كيف يفكرون، نُقمع السؤال بدلاً من أن نحتفي به، ونعيد اجترار ما قاله الأولون بدل أن نغامر في قول جديد.

إن أطفالهم، أدبائهم، فلاسفتهم… يبدون وكأنهم ينتمون إلى مستقبلٍ لم نصل إليه بعد، لا لأنهم يملكون “ذاكرة أقوى”، بل لأنهم حرروا أنفسهم من عبء التكديس، وذهبوا نحو التأسيس. نحن لا نفتقر إلى الذكاء، بل نفتقر إلى المنهج.

الإشكال في نظام التعليم، في الطريقة، في العقلية. مدارسنا لا تصنع مبدعين، بل تحفظةً مهذبين. نُقيم الطالب بعدد الصفحات التي حفظها، لا بعدد الأسئلة التي طرحها أو بعدد الأفكار التي تجرأ على تخيلها. كل من يحاول الخروج عن النسق يتهم بالبدعة أو يُخشى منه. وهكذا تتحول كل محاولة للخلق إلى تهديد، وكل شرارة إبداع إلى خطأ في المقرر.

يقول المفكر الفرنسي “ميشيل فوكو”: “المعرفة ليست بريئة، بل هي أداة للسلطة”. وهذه السلطة، حين تُوظف لقمع الخيال، تُحوّل العقل إلى آلة صامتة. التلميذ الذي يُربّى على التكرار، يكبر ليصبح “موسوعة متنقلة”، لكنه لا يكون أبداً عقلاً مبتكراً. والموسوعة، مهما بدت مدهشة، مكانها الرفوف لا المختبرات، لا ورشات الإبداع، لا المستقبل.

لقد أصبح الذهن الممتلئ بالمعلومات كالسفينة المُحملة فوق طاقتها: غير قادرة على الإبحار. وما لم نحرر أذهاننا من عبء الحشو، لن نحلق في سماء الابتكار.

لقد أشار المفكر “إدوارد سعيد” ذات مرة إلى أن الاستعمار الحقيقي يبدأ حين يتم احتلال العقل. ونحن، دون أن ندري، نعيش تحت استعمارٍ غير مرئي: استعمار التلقين والتكرار.

كل شيء في ثقافتنا يحث على إعادة القول، لا على اختراعه. نعيش في الماضي لا لأننا نحبه، بل لأننا لم نتعلم كيف نغادره.

لذلك، حان الوقت لأن نعيد التفكير في معنى “التعليم”، وأن ننتقل من عصر الذاكرة إلى عصر الخلق. أن نصنع جيلًا يجرؤ على السؤال، لا جيلًا يخاف من الامتحان. أن نعلّم أبناءنا كيف يصنعون المعلومة، لا كيف يستهلكونها. فكما قال “ألبير كامو”: “الثورة الحقيقية تبدأ في العقل”.

ولعل أولى بوادر هذه الثورة أن نتوقف عن تمجيد من يحفظ أكثر، ونبدأ بالاحتفاء بمن يبدع، ولو فكرة واحدة. ففي النهاية، الحضارة لا تُبنى بكمٍّ من المعلومات، بل بجرأة واحدة… على أن نفكر بأنفسنا.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • صرخة التأسيس في زمن التكديس
  • مذكرة تفاهم تجمع اتحاد العمال والقومي لحقوق الإنسان.. هذه أهم أهدافها
  • مفتي تعز يحذّرُ المرتزِقةَ من الانخراط في قتال اليمنيين المساندين للشعب الفلسطيني
  • ذكرى ميلاد خيرية أحمد.. صوت البهجة الذي لم يغب (تقرير)
  • 2.5 مليون مسافر عبر مطارات عُمان بنهاية فبراير
  • خالد صقر وعائشة كاي يقدمان حفل افتتاح مهرجان الأفلام السعودية
  • تقرير حقوقي: نحو 3500 انتهاك في اليمن خلال 2024
  • أكثر من 2.5 مليون مسافر عبر مطارات سلطنة عُمان بنهاية فبراير 2025
  • اليمن يحبط استعراضَ القوة الأمريكي.. حاملةُ الطائرات خارج الخدمة وقاذفات B-2 تعجزُ عن تحقيق أهدافها
  • حارس مرمى يُهدي المنافس هدفًا بطريقة غريبة