تجاوز المفاهيم القديمة: البربرية.. ام الجنجاوية!!
تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT
(1) اطلقت صفة البربرية على مراحل تاريخية مختلفة ، اطلقها الاوربيون على المجموعات غير الحضرية أو ما يصفونهم بالمتوحشين barbarian ، وارتبط فى مجتمعات اخرى مع روايات البيزنطيين والاتراك ، ولكنه رسخ أكثر فى ذهن العرب والعالم الاسلامي بثورة الأمازيغ أو البربر على الخلافة الأموية عام 740 م (تقريبا) ، وتحالفهم مع بعض الخوارج ضد إنحرافات السلطان هشام بن عبدالملك فى ذلك الوقت ، وحشدهم لحليقي الرؤوس فى مواجهة جيوش الامبراطورية الأموية وعرفوا بوحشية القتل.
ومع مراجعات التاريخ ، فإن ما فعله البرابرة ، أقل كثيرا مما فعله الجنجويد فى السودان ، ولذلك من الظلم التاريخي تسمية ما يجرى من جرائم وإنتهاكات و ممارسات وافعال الدعم السريع ووصفها بأنها أفعال (بربرية) ، إنها أكثر و أبشع من ذلك بكثير..
من المهم وضع توصيفات دقيقة أو (صك) مفردة جديدة ، مثلما سار فى التاريخ جرائم النازية والبربرية والتتار ، فمن الضرورى أن يكون للجنجا مكان فى تعريفات (الهمجية البشرية والنكبات الإنسانية)..
(2)
هناك تعريفات متنوعة للجرائم ، واعنى هنا (جرائم الحرب) و (الجرائم ضد الإنسانية) و (الإبادة الجماعية) ، والمتفق عليه إجمالا إن تعبير جرائم الحرب أوسع مجالا ، ويمكن حصرها وفق القانون الدولي فى :
1. القتل العمد.
2 .التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية.
3. تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة.
4 . إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها بدون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة.
5. إرغام أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية.
6. تعمد حرمان أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية.
7. الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع.
8. أخذ رهائن.
فهل أبقى الجنجا من تلك الجرائم شىء ، لقد فعلوا أكثر من ذلك ، نهبوا ممتلكات المواطنين واغتصبوا وأسترقوا الفتيات والنساء وباعوهن فى الأسواق ، واضافوا عليها الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بما يفوق كل الخيال الانساني ، ولذلك أستحقوا أن نطلق عليهم توصيفا جديدا تحت وصف (الجنجاوية)..
(3)
هل يمكننا وضع صورة تخيلية لتوصيف (الوحشية) ؟ ، ما رأيكم فى إعادة النظر فى الطريقة التى قتل بها والى غرب دارفور ، خميس أبكر (15 يونيو 2023م) ، وهو ليس من غرماء حميدتى ، ولا يمكن القول أنه جيش أو فلول ، إنه من قائمة (شركاء السلام) ، اخذوه عنوة من مكتبه وبين حرسه ومن عائلته وقتلوه بعد أن اشبعوه شتما وسبا وإهانة ولكما ، واطلقوا رصاصة على قلبه وراسه ، ثم افرغوا بنادقهم على بطنه ، لم يكتفوا بذلك ، ربطوه فى سيارة وطافوا به ارجاء مدينة الجنينة ، ثم ألقوا جثته وداسوا عليها بالسيارة ، ورفعوا بقية الاشلاء للأطفال يتبادلون فيها الضرب ، مع تلذذ وفرح ، وتركوا بقية الجثة على قارعة الطريق وأكثر من ذلك وثقوا جريمتهم بأيديهم كأنهم فى حفلة عرس ، ماذا ينتظر العالم ؟ وماذا تنتظر الإنسانية ؟.. لقد قتلوا فى ذلك اليوم وحده 5 آلاف مواطن مدنى وخاصة أبناء قبيلة المساليت ، وتم تهجير بقية المواطنين من بيوتهم ، وقتلوا على بوابة المدينة كل طفل (ذكر) ، وأذلوا النساء ، هل هذه وسيلة الوصول للديمقراطية والحكم المدني ، لا أحد عاقل يصدق ذلك ، لقد أقاموا من الجثث المكدسة متاريس فى طرقات المدينة ، ربما لسنا بحاجة للحديث عن المقابر الجماعية فى منطقة مينا ودفن الجرحى أحياء..
هذه صورة من فعائلهم ، فماذا فعل البرابرة قياسا معاهم ؟.. إن فظاعة الجنجا أكثر بكثير عن كل شواهد التاريخ ووقائعه المعهودة..
(4)
الإنسانية مشغولة وإن حضرت فإنها متحيزة ، لم تعد القوانين والمواثيق الدولية والقيم الانسانية هى مقياس المواقف والخيارات ، وإنما المصالح ، وهذه نفسها رهينة بعلاقات شديدة التعقيد ، وإن شئت فأنظر ما حدث فى غزة وما حدث فى اوكرانيا ، بل ما حدث فى اثيوبيا أيام انتفاضة التقراى فى اثيوبيا (3 نوفمبر 2020م – 3 نوفمبر 2022م) ، أكتفى العالم بالصمت كثيرا وبالتنديد قليلا ، ولا شيء سوى أكثر من 300 ألف لاجىء وآلاف الضحايا.. المصالح تتحكم فى ارادات الشعوب..
وذات المصالح الدولية والإقليمية والاجندة قصيرة النظر تحاول إدارة الصراع فى السودان مع الحفاظ على مصالحها واجندتها ، وهى أجندة تستند على قاعدة بقاء الجنجا وإعادتهم للمشهد رغم كل شىء وفوق كل شىء ، ولذلك أغاظهم حين قال الشعب لا ، وانتظم فى خيار المدافعة والمقاومة الشعبية ..
ليس بمقدور احد تركيع الشعوب ، ولكن من الواضح أن بإمكانهم إحداث ضرر كبير وتدمير ممنهج..
د.ابراهيم الصديق على
8 فبراير 2024م
موقع عربي 21
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً: