لجريدة عمان:
2025-04-07@11:22:42 GMT

تخطيط التنمية: المناطق الحرجة

تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT

هناك إرثٌ جيدٌ من تجربة التخطيط التنموي في سلطنة عُمان يمكن البناء عليه ومواءمة دروسه للتواكب مع المرحلة الراهنة، أو مع المعطيات المستقبلية. فالناظر إلى هيكل الخطط التنموية (الخمسية) ومساراتها والتي بدأت في سبعينيات القرن الفائت يجد أن حوكمة منظومة التخطيط التنموي بنيت على أسس واضحة، وجُرِّبت مع تعاقبها عديد الممارسات التي كانت تتناسب مع تلك المرحلة، سواء فيما يتعلق بإيجاد وحدات معنية بحوكمة التخطيط والتنفيذ والتقييم، أو بناء الخطط اللاحقة على تقييم المعطيات الدقيقة للخطط السابقة، أو فيما يتصل بأبعاد التركيز القطاعي ومعالجة الأوضاع القائمة، أو تجديد الممارسات المرتبطة بالتخطيط الإقليمي.

هذا الإرث استفادت منه الرؤية الاقتصادية (عُمان 2020) وما انبثق عنها من خطط تنموية لاحقة. وصولًا للمرحلة الحالية في سياق رؤية (عُمان 2040). لكن المرحلة الحالية تطرح جملة من الأسئلة فيما يتصل بتخطيط التنمية. وهنا لا نتحدث عن ربط مستويات التخطيط، أو آليات التحقق من مؤشرات الأداء والمستهدفات؛ بقدر ما نتحدث عن (فلسفة تخطيط التنمية) في كلياتها وأسئلتها الكبرى، ومنها: هل ما زلنا نحتاج إلى المدى المتوسط (الخطط الخمسية) في تخطيط التنمية، أم أن هناك ضرورة لمراجعة هذا المدى أو التعامل معه بنهج أكثر تفصيلًا؟ وكيف نضمن أن تكون الخطط الموضوعة أكثر مرونة في التعامل مع عالم يتسم بالتقلب، والديناميكية، والغموض، وسرعة المتغيرات، وتعقيد تأثيراتها؟ وكيف ندمج فكرة (قواطر التنمية) ونضعها في قلب نماذج التنمية؟ وكيف نتعامل مع المعطى الجديد في نموذج التنمية في سلطنة عُمان (اللامركزية) ونضمن أن يكون التخطيط الإقليمي متسقًا مع التخطيط الوطني؟ وما هي شبكة التشاركية التي تضمن لنا وجود خطط تنموية أكثر ملامسة للحاجيات المجتمعية والقطاعية، وفي ذات الوقت محققة للتنافسية الوطنية؟

تلك أسئلة رئيسية، تتبعها العديد من الأسئلة التفصيلية. ولكن يمكن القول أن مطلع الألفية شهد تحولًا عالميًا في سياق تخطيط التنمية، حيث تزايد عدد الدول التي تضع إطارًا للتخطيط التنموي، وغالبية هذه الدول تنتهج نمط الخطط الخمسية، هذا التحول أسهم فيه صعود فكرة أهداف التنمية المستدامة، ومن قبلها الأهداف الإنمائية للتنمية، حيث أصبحت أجندة التنمية العالمية تعزز ثقافة ونمط التخطيط التأشيري، والتخطيط التشاركي، وتركز أيضًا على نقطة أن (تمويل التنمية) هو العامل الحاسم في نجاح الأجندة التنموية، وما يؤطرها من أهداف سياسية. تشير خلاصات دراسة بعنوان: «The ‘New’ national development planning and global development goals: Processes and partnerships» إلى أن «الخطط التنموية للبلدان الغنية بالموارد الطبيعية أصبحت بعد الألفية تركز بشكل واضح على «التحول الهيكلي» لاقتصاداتها من خلال تعزيز التنويع الاقتصادي. وفي بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، هناك تركيز على الحد من الاعتماد على الموارد الطبيعية وعلى خلق فرص العمل، ويتم تمييز الشباب باعتبارهم مجموعة تحتاج إلى اهتمام خاص». وفي تحليل أنماط نهج وضع الخطط تشير ذات الدراسة إلى غالبية خطط التنمية في دول العالم اليوم تحتوي على دليل على مشاركة مجموعات أخرى غير النخب البيروقراطية والسياسية والشركات، إضافة إلى وجود تشاور اجتماعي أوسع نطاقا بشأن ما يشكل القيم والأولويات الوطنية. وهو ما يعكس التواصل والتفاوض مع أصحاب المصلحة المتعددين، الداخليين والخارجيين.

في السياق المحلي نعتقد بضرورة أن يراجع منظور التنمية الراهن المدى الزمني لوضع الخطط التنموية، إما بتقليص ذلك المدى أو وضع إطار كلي خمسي وتجزئته إلى (برامج تنفيذية سنوية) يكون لها محدداتها ومؤشراتها وآليات واضحة لمتابعتها؛ وهو ما يضمن تواكب تلك الخطط مع سرعة المتغيرات وحداثتها وتأثيراتها. نعتقد كذلك بإدماج أربع منظومات أساسية في وضع خطط التنمية وهي: منظومة المخاطر الوطنية المتوقعة، منظومة استشراف المستقبل الكلي والقطاعي، منظومة المشاركة الاجتماعية، منظومة التخطيط الإقليمي. فمنظومة المخاطر الوطنية ستعنى بإيجاد توقعات قصيرة - متوسطة المدى للمخاطر المتوقعة، والآليات والبرامج والمشروعات والإجراءات ومنظومات التمويل اللازمة للتعامل معها خلال أمد الخطة. أما منظومة استشراف المستقبل الكلي والقطاعي فهي ستعنى بتطوير السيناريوهات المتوقعة لمسارات مجالات الخطة ومحاور تركيزها، وآليات تكييف الخطة للتعامل المرن مع متغيرات المستقبل، أما منظومة المشاركة الاجتماعية فستتيح تنويع أطر التخطيط تصاعديًا وتنازليًا للموازنة بين رؤى المجتمع بمختلف أطيافه، ورؤى المخططين التنمويين والخبراء القطاعيين. أما منظومة التخطيط الإقليمي فنتوقع أن تضع الخطط التنموية فصلًا مخصصًا لمشروعات المحافظات على المستوى الاستراتيجي بما يتضمن آلياتها ومشروعاتها لتحقيق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للتنمية العُمرانية ومختلف الاستراتيجيات الوطنية القطاعية الأخرى.

على مستوى الموضوعات، فإن الخطط التنموية المقبلة أمام خمس مناطق حرجة، وهي: آليات التعامل مع المعطيات الديموغرافية من خلال السياسات السكانية، وآليات الانتقال من توفير الخدمات الأساسية إلى تجويد وتنافسية تلك الخدمات، إضافة إلى الطرق والآليات التي يمكن من خلالها تمكين منظومة الدولة والمجتمع في عالم تسيطر عليه المعطيات التقنية بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والانتقال إلى الفعل بدلًا من التلقي التقني. عوضًا عن ضرورة تحديد القطاعات القاطرة للتنمية Sectors driving development سواء في مجالات التنويع الاقتصادي أو في تعزيز تنافسية القوى الثقافية والناعمة لسلطنة عُمان، أو فيما يتصل بالقطاعات القاطرة والمحققة لجودة الحياة. أما المنطقة الخامسة فهي تتصل بالطرق التي يمكن من خلالها الاستثمار في معطى الجيل الصاعد (فكريًا، ثقافيًا، ابتكاريًا، وتقنيًا) وتوظيفه لتسريع وتنافسية التنمية المحلية. لا يمكن كذلك إهمال المخاطر العالمية - خاصة تلك التي يشير إليها تقرير المخاطر العالمية 2024 - الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، ومنها مخاطر الاستقطاب المجتمعي، وثورة المعلومات المضللة، وفقدان التنوع البيولوجي، عوضًا عن الطقس المتطرف، والهجمات السيبرانية. فكل تلك المخاطر اليوم تضرب في صميم استدامة عمليات وبرامج التنمية، وتقوض جهودها، وتقف عائقًا أمام تحقيق مستهدفاتها.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التخطیط الإقلیمی الخطط التنمویة تخطیط التنمیة

إقرأ أيضاً:

الغرف المهنية وموقعها في السياسات التنموية بالمغرب

في ظل الأوراش الإصلاحية الكبرى التي يشهدها المغرب خاصة تلك المرتبطة بانخراط المؤسسات والمقاولات العمومية في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، من واجبي وبحكم موقعي كمنتخب في غرفة الصناعة التقليدية أن أتساءل عن دور الغرف المهنية في هذه المنظومة. في هذا المقال سأركز على غرف الصناعة التقليدية، لكن هذا لا يمنع أن الغرف المهنية الأخرى تعيش وتـئن تحت وطأة نفس الإشكالات البنيوية. فما يسري على غرف الصناعة التقليدية نجده واقعا معاشا في الغرف الأخرى.
وأسباب نزول هذا المقال هو إصدار كتابة الدولة في الصناعة التقليدية مؤخرا وثيقة عبارة عن
استمارة قصد استطلاع أراء مختلف الفاعلين في القطاع حول ورش إصلاح المنظومة القانونية المؤطرة لغرف الصناعة التقليدية، وذلك بغية  » تمكينها من القيام بوظائفها الدستورية كاملة وجعلها فاعلا أساسيا محوريا مساهما في تنمية قطاع الصناعة التقليدية وشريكا أساسيا للدولة في تنمية هذا القطاع وتطويره والارتقاء به » حسب ما ورد في ديباجة الوثيقة.
وتجاوبا مع رغبتها في « مقاربة تشاركية تعتمد الاستماع والحوار والتفاعل بين السلطة الحكومية المكلفة بالصناعة التقليدية ومختلف الفاعلين في القطاع » حس ب نفس الوثيقة دائما، ارتأيت في هذه المقالة أن أدلو بدلوي من خلال ما راكمته من تجربة ميدانية كحرفي وكعضو في غرفة الصناعة التقليدية لمراكش لما يقارب ثلاثة عقود.
وسأحاول قدر الإمكان عدم الغوص في التفاصيل، مع التركيز على الخطوط العريضة لمختلف الإشكالات والمعيقات للمحاور الثلاث التي جاء ذكرها في الوثيقة وهي تتابعا: أولا: قيام الغرف بوظائفها الدستورية كاملة، ثانيا: جعلها فاعلا أساسيا محوريا مساهما في تنمية قطاع الصناعة التقليدية وثالث ا: جعلها شريكا أساسيا للدولة في تنمية هذا القطاع وتطويره والارتقاء به .
المحور الأول: قيام الغرف بوظائفها الدستورية.
الحديث عن هذا المحور يستوجب الغوص بإسهاب في حيثياته حيث يكمن الخلل البنيوي في ماهية الغرف والأدوار المنتظر أن تلعبها. فعملية تفكيك مكامن الخلل هي الطريق السليم للوقوف على أصل تخلف الغرف عن أداء الأدوار المنوطة بها. ويمكن أن نوجز ذلك في عدة نقاط.
التمثيلية.
إن نجاح كل مؤسسة عمومية، وأخص بالذكر هنا المؤسسات العمومية المنتخبة ينطلق أساسا من مدى تمثيليتها الحقيقية لواقع القطاع الذي تمثله. فتحديد المجال الترابي، نمط الاقتراع، توزيع الأصناف، عدد المنتخبين عن كل صنف، المعايير والشروط الواجب توفرها في الناخبين وفي المرشحين ليست مجرد آليات تقنية بحتة، بل وجب اعتبارها العمود الفقري في هيكلة كل مؤسسة تبتغي توفير الأرضية الصلبةوالشروط الموضوعية لوضع مخططات وسياسات تنموية.
ومما يزيد الطين بلة، ونحن نتفق أن الوظيفة الأساسية للغرف هي المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمهنيين، هو إقحامها في التجاذبات والصراعات السياسية، والتي تفاقمت في الولايتين الأخيرتين بشكل فظيع. وللمتتبع لشؤون الغرف أمثلة عديدة وصلت إلى حالة شلل في بعضها والتركيز على خلافات هامشية أفقدت جل الغرف بوصلتها. لذا وجب تقنين الترشيح للغرف بدون انتماء سياسي .وحتى تشكل قوة فاعلة ومؤثرة داخل مجلس المستشارين، فيمكن جمع مستشاري الغرف في فريق برلماني كما هو الحال بالنسبة للكونفدرالية العامة لأرباب العمل.
إشكال آخر يخص التمثيلية، هذه المرة تمثيلية القطاع داخل المؤسسات المنتخبة الأخرى. حتى 2015، كانت الغرف ممثلة بمجالس العمالات والأقاليم وبمجالس الجهات، مما يجعل صوت الصانع التقليدي، ولو بشكل محدود يتواجد داخل مداولات هذه المجالس، تحققت معه تمويل وإنجاز عدة برامج ومشاريع لفائدة القطاع. لكن بحذف تلك التمثيلية، لاحظنا بشكل جلي خلال العقد الأخير، غياب تام لأي بادرة لهذه المجالس في برامجها وميزانياتها. فأملنا في خضم الإصلاحات القانونية والهيكلية المقبلة أن يتم التنصيص مجددا على تمثيلية الغرف في هذه المجالس.
اختصاصات ومهام الغرف.
حين قراءتنا لمضامين القانون الأساسي لغرف الصناعة التقليدية، نذهل للحيز الكبير الذي يشغله باب اختصاصات الغرف. ويتضح جليا أن المشرع كان سخيا في » إقحام » الغرف في مجالات يعلم جيدا أن ليس لديها الإمكانات لا التنظيمية ولا المالية ولا التدبيرية لتحملها أو حتى المساهمة في إنجازها.
كما يلاحظ منحها اختصاصات دون وضع رؤية واضحة ودون التحضير اللوجستيكي والتقني والمالي من أجل تفعيلها، وبعضها ما زال ينتظر نصوصا تنظيمية، فهي اختصاصات مع وقف التنفيذ، وبالتالي ظلت حبرا على ورق. ومن ضمن هذه الاختصاصات على سبيل الذكر لا الحصر:
غياب تفعيل مسك سجل المقاولات والتعاونيات.
إحداث مراكز للمحاسبة والتدبير.
إحداث خلية للمنشطين الاقتصاديين.
عدم تعيين أعضاء شركاء في الجمعية العامة لغياب نص تنظيمي.
تمثيل شكلي دون قيمة مضافة في المجالس التي تدبر مؤسسات التكوين المهني ودون أدنى مساهمة في خلق مراكز للتدرج المهني أو وضع البرامج البيداغوجية لهذا النوع من التكوين بسبب غياب أيعمل قاعدي داخل الغرف يؤسس للمساهمة بشكل فعال.
إنجاز الدراسات المرتبطة بالقطاع.
وحتى الاختصاصات التي نرى أن الغرفة تلعب فيها أدورا نجدها هزيلة ولا ترقى إلى مستوى طموحات الصناع التقليديين، إما لغياب الوسائل الضرورية أو لسوء الحكامة والتدبير في مجالات عدة منها الترويج، التسويق والتكوين، والتي سنعود لها في المحور الثاني.
تداخل الاختصاصات.
إشكالية أخرى تطرح عن تداخل أدوارها واختصاصاتها مع مؤسسات أخرى. فمثلا، نجد داخل المجال الترابي للغرفة عديدة هي المهام المنوطة بها تمارسها بالموازاة معها المديريات الجهوية والإقليمية التابعة للوزارة . كما نجد كذلك فيدرالية مقاولات الصناعة التقليدية بتنظيماتها الجهوية بالرغم من أن القانون الأساسي ينص على أن الغرف تمثل مقاولات الصناعة التقليدية. وحسب علمي لم يتم ولو لقاء واحد بين الغرف وجامعتها وهذه الفدرالية ولو لمجرد التنسيق أو التشاور!
تداخل آخر ولو أنه مؤجل إلى حين يتمثل في الاختصاصات والمهام التي منحها المشرع للهيئات الحرفية الجهوية والإقليمية في إطار القانون رقم 17-50 المتعلق بمزاولة أنشطة الصناعة التقليدية ،خاصة المواد 14-15-16 و19، التي تتحدث عن نفس الاختصاصات الممنوحة للغرف بالرغم من استهلال هذه المواد بعبارة فضفاضة وغير محددة وهي  » مع مراعاة المهام والاختصاصات المسندة لغر ف الصناعة التقليدية… ». فرغم صدور القانون في الجريدة الرسمية بتاريخ 30 يوليوز 2020 إلا أن هذه الهيئات الحرفية لم ترى النور بعد لعدم صدور العديد من النصوص التنظيمية.
الهيكلة الإدارية.
من عجائب القانون الأساسي لغرف الصناعة التقليدية هو تخصيصه لمادة واحدة لإدارة الغرفة وهي المادة 26:  » يساعد رئيس غرفة الصناعة التقليدية في القيام بمهامه طاقم إداري تحت إشراف مدير »… ، وهذا ما يعكس بجلاء نظرة المشرع السلبية والمسبقة لهذه المؤسسة. فالكل يعلم أن دور الإدارة أساسي في حسن التدبير وخاصة في حسن التنفيذ لكل مخططات ومشاريع كل مؤسسة عمومية كيفما كانت طبيعتها. وبالتالي كما يقول المثل الشعبي  » من الخيمة خرج مائلا. » فغياب إطار قانوني شفاف لمنظومة الموارد البشرية للغرف يجعل هذه الأخيرة تعيش وضعية هشة، دون تحديد صريح لحقوقها وواجباتها. فالموظف داخل الغرف هو الحلقة الأضعف، نظرا لتطاول العديد من المنتخبين في تجاوز سافر لاختصاصاتهم. ويجد الموظف نفسه محصورا بين مطرقة التدبير الإداري السليم من جهة وإرضاء المنتخبين، خاصة إن كانوا من أغلبية الرئيس من جهة أخرى. وهذا ما تؤكده درجة الغليان والاحتقان التي تعيشه مجموعة من الغرف من حين لآخر، و هو ما يعكس ضعف المردودية وعدم الانخراط بشكلفعال في حسن التدبير .وحتى لا أدخل في تفاصيل أكثر ،أسرد في عجالة أهم الإشكالات المطروحة: – هيكلة إدارية عبثية موروثة من التقسيم السابق للغرف لا تستجيب للمتطلبات الفعلية لأداء أمثللدور الغرف وتقريب الإدارة من المرتفقين.
عدم تحديد مواصفات معينة حين التوظيف في غياب رؤية واضحة للحاجيات الفعلية.
غياب فرص الترقي في المهام تحد من طموح الموظف للعمل والاجتهاد.
سوء انتشار للموظفين بين المقرات المركزية وملحقات الغرف .
تمركز كل سلط التدبير الإداري بيد الرئيس، عوض منح اختصاصات مستقلة للمدير في تدبير شؤون الميزانية والموظفين. ولنا في تجربة غرف الفلاحة منذ 2011 خير نموذج يحتذى به، حيث تم خلق منصبين. الكاتب العام وهو مرتبط بالرئيس ومهمته تتبع أنشطة الغرفة بمختلف هياكلها. بينما المدير مهمته تنحصر في تدبير الميزانية والموارد البشرية ويعين ويقال مباشرة من طرف الوزارة الوصية .
لذلك من أجل توفير مناخ ملائم وتحسين التدبير الإداري للغرفة، نقترح إدماج فصل خاص بالموارد البشرية في القانون الأساسي ومراجعة شاملة للنظام الأساسي الخاص بمستخدمي غرف الصناعة التقليدي ة وتضمينهما آليات لتفعيل مجموعة من الإجراءات أهمها:
تحصين مجال التدبير الإداري من القرارات المزاجية .
دعم مؤسسات الرئيس بالتنصيص على ديوان يضم مستشارين ذوي تكوين عالي وتجربة مهنية.
وضع هيكلة إدارية واضحة تعكس الاستجابة للحاجيات والمتطلبات.
وضع خطة بمعايير واضحة لإعادة انتشار الموظفين بين الإدارة المركزية والملحقات حسب الحاجيات.
تسريع رقمنة الخدمات المقدمة للمرتفقين.
وضع برامج للتكوين تراعي الحاجيات وتطورها.
لقد حان الوقت لفتح نقاش موسع من أجل إصلاح شامل لهيكلة الغرف التي مر عن إحداثها أزيد من ستة عقود دون تغيير عميق بالرغم من التحولات البنيوية الجذرية لواقع القطاعات المهنية.
المحور الثاني: الغرفة كفا عل أساسي ومحوري ومساهم في تنمية قطاع الصناعة التقليدي ة
حتى اليوم يبقى دور الغرف هامشيا وأثبت عقمه وعدم نجاعته في خدمة الصانع التقليدي في تحسين ظروف اشتغاله من جهة وفي ترويج وتسويق المنتوج التقليدي من جهة أخرى. فالتمثيلية الحقة وإيصال أصواتهم لمختلف المؤسسات العمومية الأخرى، مازال مبتغى بعيد المنال للصناع التقليديين .
فالغرفة غائبة في مواكبة الصانع التقليدي في كل الصعوبات والعراقيل التي يواجهها بدءا من مصاحبتهفي خلق مقاولته أو بدء مشروعه، مرورا بمشاكل المواد الأولية، التكوين المستمر، التسويق وغيرهاووصولا إلى الوساطة في ميادين التمويل والترويج.
وتبقى المساهمة اليتيمة للغرف تتمثل في التسويق باعتماد صيغة وحيدة هي تنظيم معارض محلية وجهوية عشوائية دون دراسة الجدوى لا للفضاءات ولا للتوقيت التي يتم اختيارها ولا حتى تحديد معايير دقيقة لعملية انتقاء المشاركين، ولا تحديد الفئات المستهدفة من التظاهرة. لم تتم على مر السنين، أية دراسة تقييمية لهذه التظاهرات للوقوف على الجانب الإيجابي وتحصينه وتحديد مكامن الخلل والسلبيات لمعالجتها وتجاوزها. لكن الأكيد أن الاستمرار بنفس المنهجية وبنفس الآليات في تنظيم هذه المعارض منذ عقود دون تطوير وابتكار هو إهدار للمال العام.
نفس التخبط، تعيشه الغرف مع برامج التكوين بالتدرج المهني التي تخصص لها سنويا على الصعيد الوطني ملايين الدراهم، لكن دون وقع إيجابي ملموس سواء على مستوى التكوين أو على مستوى ولوج سوق الشغل. مئات الخريجيين ينضافون إلى طوابير البطالة، دون الحديث عن النسبة المهولة للمنقطعين خلال مدة التكوين.
نحن في أمس الحاجة إلى وقفة للقيام بدراسات وافتحاصات لتقييم نجاعة الأداء بقياس العديد من المؤشرات ومدى تطورها في العديد من المجالات منها:
الترويج للمنتوج التقليدي )تقييم كمي وكيفي(.
اتساع رقعة التسويق والكمية المسوقة )التجارة الكلاسيكية، التجارة العادلة والتجارة الالكترونية(.
التمويل والقروض )عدد المشاريع التي تم تمويلها والغلاف المالي المخصص لها(.
التكوين )المستمر والتدرج المهني( من خلال عدد المكونين ومجالات التكوين ونسبة إدماجهم في سوق الشغل .
هيكلة القطاع )عدد المقاولات العاملة في القطاع، حجمها، رقم معاملاتها ونسبة التصدير.(
حصة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في النسيج الاقتصادي الوطني.
ومن أجل تشجيع المبادرات الهادفة إلى دعم تسويق منتجات الصناعة التقليدية نقترح:
توفير الدعم المادي واللوجستيكي للصناع الراغبين في تسويق منتجاتهم على الصعيدين الوطني والدولي بصيغ تمويلية مبتكرة وعدم الاعتماد على مؤسسة دار الصانع وحدها.
وضع رؤية للتنسيق مع المؤسسات التي تعنى بالترويج السياحي لإبراز أمثل لقيمة وعراقة المنتوج التقليدي المغربي خاصة المنتوج ذو الحمولة الثقافية والحضارية )المكتب الوطني للسياحة ،المندوبيات الجهوية للسياحة، المكتب الوطني للمطارات، الخطوط الملكية المغربية .(…
وضع إطار قانوني أو عبر اتفاقيات متعددة الأطراف للاستثمار في مختلف التظاهرات الدوليةالمقامة ببلادنا أو بالخارج )فنية، ثقافية، رياضية …( والحضور بقوة في مجالات وأنشطة القوى الناعمة.
المحور الثالث: كيف للغرف أن تكون شريكا أساسيا للدولة ولمختلف المؤسسات.
ما دامت الغرف هي ممثلة الصانع التقليدي أمام المؤسسات الأخرى، فكل مناحي الحياة المرتبطة بعمله وبوضعه الاجتماعي والصحي هي جزء من اهتماماتها. ومن خلال قراءة للاختصاصات والمهام المنوطة بالغرف في القانون الأساسي نجد مبدئيا التنصيص على إمكانية التعامل والتنسيق والشراكة مع العديد من الأطرا ف على مختلف الأصعدة محليا، جهويا، وطنيا وحتى دوليا.
مع المصالح الخارجية والمؤسسات العمومية المحلية والجهوية، للأسف الشديد يبقى دور الغرف ضعيفا في مجالات الدعم والتوجيه والمواكبة. فباستثناء بعد اللقاءات التحسيسية التي تستدعى فيها بع ض المصالح الخارجية )الضمان الاجتماعي، مديرية الضرائب ،مديرية الجمارك ،مكتب تنمية التعاون (…. لتقديم إيضاحات والجواب عن استفسارات، نفتقد المتابعة الميدانية والمواكبة الشخصية لملفات الصناع التقليديين. فمن الواجب أن تتوفر الغرف على خلايا متعددة، كل واحدة تشرف على محور من محاور الاشتغال. لكن كما سبق ذكره ضعف الموارد البشرية، ليس عددا ولكن عدة وتأهيلا، إضافة إلى ضعف انخراط المكاتب المسيرة تجعل شراكات الغرفة مع هذه المصالح الخارجية مناسباتية ودون المستوى المرغوب.
مع الجماعات الترابية، نجد الغياب الواضح للغرفة. فمع المجالس الجماعية، يتخبط الصانع التقليدي في مشاكل جمة بدءا من ترخيص الممارسة، وتأطير احتلال الملك العمومي، مرورا بالجبايات المحلية ،ووصولا إلى غياب أحياء صناعية من الدرجة الثالثة وصعوبة تنظيم تظاهرات ترويجية للمنتوج التقليدي .
أما مع مجالس العمالات والأقاليم ومجالس الجهات فسبق الحديث عنها في المحور الأول.
مع الإدارة المركزية، نرى عدم وضوح الرؤيا وتذبذب واضح في تعامل الوزارة مع الغرف، بممارسة وصاية « أبوية » أحيانا والتعامل مع الغرف كفاعل « قاصر ». فاستشارتها في ميادين التشريع وفي وضع البرامج والمخططات تبقى شكلية. كما أن تقزيم أدوارها في تفاقم مستمر. ونورد أمثلة على ذلك:
منذ وضع استراتيجية رؤية 2015، لم يعد للغرف دور يذكر في إنجاز البنيات التحتية.
الغاء الاتفاقيات التي تربط بالغرفة بمؤسسات بنكية لمنح قروض بمعدلات فائدة تفضيلية.
سحب اختصاصات ومدها للمديريات الجهوية كالسجل الوطني للصناعة التقليدية.
لكل ما سبق نحن أمام ضرورة إصلاح شمولي حتمي . وفي خضم الثورة الهادئة والناعمة التي يشهدها الاقتصاد المغربي في العقدين الأخيرين، وحتى لا أكون أكثر تشاؤما وأطالب بتصفية هذه الغرف ،لأن مساهمتها الفعلية حاليا في مسلسل التنمية تلامس الصفر حتى لا أقول إنها سلبية ما دامت تبتلع جزءاغير يسير من المال العام، وجب تحديد بشكل دقيق لهذه الغرف أدوارا وظيفية داخل منظومة المؤسسات والفاعلين الاقتصاديين بدءا من تغيير جذري في هيكلتها .
لذا وتماشيا مع أحكام القانون رقم 50.21 المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، وأمام الأوضاع الحالية التي تعيشها الغرف، أرى أنه من الواجب العمل عل تجميع الغرف المهنية في غرفة واحدة. وتحدد هيكلتها وتنظيمها على شاكلة هيكلة غرف الصناعة والتجارة والخدمات. فتجميع الغرف في غرفة واحدة ليست بدعة جديدة بل تعمل بها مجموعة من الدول وفي مقدمتها اسبانيا. كما أن لنا في التجربة الفرنسية مثال في التنظيم الترابي بين المستويين الجهوي والإقليمي. فاستلهام دروس من هذه التجارب مع مراعاة خصوصيات واقعنا المهني، سيمنحنا الوصول إلى مؤسسات ذات فاعلية، مع تحقيق مجموعة من الأهداف أهمها:
تيسير ترشيد النفقات المالية، خاصة في تمويل البرامج والدراسات للإشكالات المشتركة بين مختلف القطاعات المهنية )فلاحة، صناعة، تجارة وصناعة تقليدية(
الحد من مصاريف التعويضات المختلفة بتقليص عدد المنتخبين عن كل فئة والمساهمة في خلق نخب قادرة على تمثيل المهنيين.
ربط المسؤولية بالمحاسبة والتنصيص عليه صراحة في القانون الأساسي.
التقييم الدوري لعمل الغرف للوقوف على مكامن الخلل ومواكبتها في الإصلاحات الهيكلية، وعدم الاكتفاء بالافتحاصات المالية التي لم تحقق الغايات المرجوة منها.
حسن تدبير الموارد البشرية، بالتأهيل وإعادة الانتشار.
اللجوء بشكل أكبر وسلس إلى برامج -عقود مع الغرف في انجاز مشاريع البنيات التحتية وتمكين مختلف مؤسسات الدولة من تتبع مختلف مراحل إنجازها.
كل هذه الإصلاحات الهيكلية، وإن كانت ضرورية لا يجب أن تتم بمعزل عن تطوير الحكامة في الأداء وأن يكون المهني وخدمته في صلب السياسات التنموية للغرف وذلك بتوفير:
الحق في الولوج للمعلومة. على الغرف أن تيسر للصانع التقليدي دون قيود التوفر على المعطيات التي يرغب فيها من خلال تنشيط مواقعها الالكترونية، دور ها التعريف بأنشطة الغرفة والخدمات التي تقدمها ومعطيات لمختلف المجالات التي تشغل بال الصانع التقليدي )شواهد إدارية، فرص تمويل المشاريع، الترويج والتسويق، التغطية الصحية، الجمارك بالنسبة للمصدرين ….(.
لقاءات تحسيسية وتأطير لفائدة الصناع لإبراز الأدوار الحقيقية للغرف وحدود اختصاصاتها وإمكاناتها وكيفية اللجوء الرقمي لخدماتها.
إدماج أكبر للفاعلين في المجتمع المدني )مقاولات وتعاونيات( في رسم وتنفيذ برامج الغرفة .
خلاصة القول، على الجميع التحلي بالواقعية والتفكير بعمق في الدور الذي وجب أن تلعبه الغرف داخل منظومة مختلف المؤسسات العمومية وأن تتماشى مجالات تدخلها أخذا بعين الاعتبار إمكاناتها المالية، الهيكلية، التنظيمية والبشرية. فالإطار القانوني لا يجب أن ينسلخ عن الواقع وأن يكون ذا طبيعة ديناميكية، وبالتالي يمكن أن تتطور وتتوسع هذه المهام موازاة مع تطور بنياتها السالف ذكرها.

مقالات مشابهة

  • انطلاق أعمال الاجتماع السابع لمجموعة تخطيط وتنفيذ سلامة المطارات (7/ASPIG)
  • تنفيذ الخطط التنموية ومراعاة المتغيرات التي قد تؤثر على الاقتصاد وخاصة الركود وانخفاض أسعار النفط
  • محمد بن زايد: الإمارات ماضية في تعزيز نهجها الذي يضع الصحة في قمة الأولويات التنموية
  • عقب مصرع سيدة.. محافظ بورسعيد يوجه بإعادة تخطيط شارع سعد زغلول
  • الغرف المهنية وموقعها في السياسات التنموية بالمغرب
  • استجابة لشكاوى المواطنين .. سحب تجمعات مياه صرف صحي بمناطق المناخ ببورسعيد
  • المفتي قبلان: اللحظة للتضامن الوطني وليس لتمزيق القبضة الوطنية العليا التي تحمي لبنان
  • قرارات ترامب تثير الفوضى.. تخطيط لأكثر من 1200 مظاهرة تشعل أميركا
  • حماس: لن ننقل "الرهائن" من المناطق التي طلبت إسرائيل إخلائها
  • حماس: لن ننقل "الرهائن" من المناطق التي طلبت إسرائيل إخلائها