تخطيط التنمية: المناطق الحرجة
تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT
هناك إرثٌ جيدٌ من تجربة التخطيط التنموي في سلطنة عُمان يمكن البناء عليه ومواءمة دروسه للتواكب مع المرحلة الراهنة، أو مع المعطيات المستقبلية. فالناظر إلى هيكل الخطط التنموية (الخمسية) ومساراتها والتي بدأت في سبعينيات القرن الفائت يجد أن حوكمة منظومة التخطيط التنموي بنيت على أسس واضحة، وجُرِّبت مع تعاقبها عديد الممارسات التي كانت تتناسب مع تلك المرحلة، سواء فيما يتعلق بإيجاد وحدات معنية بحوكمة التخطيط والتنفيذ والتقييم، أو بناء الخطط اللاحقة على تقييم المعطيات الدقيقة للخطط السابقة، أو فيما يتصل بأبعاد التركيز القطاعي ومعالجة الأوضاع القائمة، أو تجديد الممارسات المرتبطة بالتخطيط الإقليمي.
تلك أسئلة رئيسية، تتبعها العديد من الأسئلة التفصيلية. ولكن يمكن القول أن مطلع الألفية شهد تحولًا عالميًا في سياق تخطيط التنمية، حيث تزايد عدد الدول التي تضع إطارًا للتخطيط التنموي، وغالبية هذه الدول تنتهج نمط الخطط الخمسية، هذا التحول أسهم فيه صعود فكرة أهداف التنمية المستدامة، ومن قبلها الأهداف الإنمائية للتنمية، حيث أصبحت أجندة التنمية العالمية تعزز ثقافة ونمط التخطيط التأشيري، والتخطيط التشاركي، وتركز أيضًا على نقطة أن (تمويل التنمية) هو العامل الحاسم في نجاح الأجندة التنموية، وما يؤطرها من أهداف سياسية. تشير خلاصات دراسة بعنوان: «The ‘New’ national development planning and global development goals: Processes and partnerships» إلى أن «الخطط التنموية للبلدان الغنية بالموارد الطبيعية أصبحت بعد الألفية تركز بشكل واضح على «التحول الهيكلي» لاقتصاداتها من خلال تعزيز التنويع الاقتصادي. وفي بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، هناك تركيز على الحد من الاعتماد على الموارد الطبيعية وعلى خلق فرص العمل، ويتم تمييز الشباب باعتبارهم مجموعة تحتاج إلى اهتمام خاص». وفي تحليل أنماط نهج وضع الخطط تشير ذات الدراسة إلى غالبية خطط التنمية في دول العالم اليوم تحتوي على دليل على مشاركة مجموعات أخرى غير النخب البيروقراطية والسياسية والشركات، إضافة إلى وجود تشاور اجتماعي أوسع نطاقا بشأن ما يشكل القيم والأولويات الوطنية. وهو ما يعكس التواصل والتفاوض مع أصحاب المصلحة المتعددين، الداخليين والخارجيين.
في السياق المحلي نعتقد بضرورة أن يراجع منظور التنمية الراهن المدى الزمني لوضع الخطط التنموية، إما بتقليص ذلك المدى أو وضع إطار كلي خمسي وتجزئته إلى (برامج تنفيذية سنوية) يكون لها محدداتها ومؤشراتها وآليات واضحة لمتابعتها؛ وهو ما يضمن تواكب تلك الخطط مع سرعة المتغيرات وحداثتها وتأثيراتها. نعتقد كذلك بإدماج أربع منظومات أساسية في وضع خطط التنمية وهي: منظومة المخاطر الوطنية المتوقعة، منظومة استشراف المستقبل الكلي والقطاعي، منظومة المشاركة الاجتماعية، منظومة التخطيط الإقليمي. فمنظومة المخاطر الوطنية ستعنى بإيجاد توقعات قصيرة - متوسطة المدى للمخاطر المتوقعة، والآليات والبرامج والمشروعات والإجراءات ومنظومات التمويل اللازمة للتعامل معها خلال أمد الخطة. أما منظومة استشراف المستقبل الكلي والقطاعي فهي ستعنى بتطوير السيناريوهات المتوقعة لمسارات مجالات الخطة ومحاور تركيزها، وآليات تكييف الخطة للتعامل المرن مع متغيرات المستقبل، أما منظومة المشاركة الاجتماعية فستتيح تنويع أطر التخطيط تصاعديًا وتنازليًا للموازنة بين رؤى المجتمع بمختلف أطيافه، ورؤى المخططين التنمويين والخبراء القطاعيين. أما منظومة التخطيط الإقليمي فنتوقع أن تضع الخطط التنموية فصلًا مخصصًا لمشروعات المحافظات على المستوى الاستراتيجي بما يتضمن آلياتها ومشروعاتها لتحقيق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للتنمية العُمرانية ومختلف الاستراتيجيات الوطنية القطاعية الأخرى.
على مستوى الموضوعات، فإن الخطط التنموية المقبلة أمام خمس مناطق حرجة، وهي: آليات التعامل مع المعطيات الديموغرافية من خلال السياسات السكانية، وآليات الانتقال من توفير الخدمات الأساسية إلى تجويد وتنافسية تلك الخدمات، إضافة إلى الطرق والآليات التي يمكن من خلالها تمكين منظومة الدولة والمجتمع في عالم تسيطر عليه المعطيات التقنية بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والانتقال إلى الفعل بدلًا من التلقي التقني. عوضًا عن ضرورة تحديد القطاعات القاطرة للتنمية Sectors driving development سواء في مجالات التنويع الاقتصادي أو في تعزيز تنافسية القوى الثقافية والناعمة لسلطنة عُمان، أو فيما يتصل بالقطاعات القاطرة والمحققة لجودة الحياة. أما المنطقة الخامسة فهي تتصل بالطرق التي يمكن من خلالها الاستثمار في معطى الجيل الصاعد (فكريًا، ثقافيًا، ابتكاريًا، وتقنيًا) وتوظيفه لتسريع وتنافسية التنمية المحلية. لا يمكن كذلك إهمال المخاطر العالمية - خاصة تلك التي يشير إليها تقرير المخاطر العالمية 2024 - الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، ومنها مخاطر الاستقطاب المجتمعي، وثورة المعلومات المضللة، وفقدان التنوع البيولوجي، عوضًا عن الطقس المتطرف، والهجمات السيبرانية. فكل تلك المخاطر اليوم تضرب في صميم استدامة عمليات وبرامج التنمية، وتقوض جهودها، وتقف عائقًا أمام تحقيق مستهدفاتها.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التخطیط الإقلیمی الخطط التنمویة تخطیط التنمیة
إقرأ أيضاً:
الوزير ومنال عوض يبحثان الموقف التنفيذي لمشروعات التنمية الصناعية بالصعيد
عقد المهندس كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل، اجتماعا موسعاً مع الدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية لاستعراض الموقف التنفيذي لمشروعات التنمية الصناعية ببرنامج التنمية المحلية بصعيد مصر، بحضور الدكتورة ناهد يوسف رئيس الهيئة العامة للتنمية الصناعية، والدكتور هشام الهلباوي مساعد وزيرة التنمية المحلية للمشروعات القومية ومدير برنامج التنمية المحلية بصعيد مصر، وعدد من قيادات وزارة الصناعة وفريق المكتب التنسيقي للبرنامج بوزارة التنمية المحلية.
استعرض الاجتماع، مكونات برنامج التنمية المحلية بصعيد مصر الذي أطلقته الحكومة المصرية عام 2016 بالتعاون مع البنك الدولي بهدف التنمية الاقتصادية لعدد من المناطق بصعيد مصر بهدف إرساء بيئة مواتية لتحسين تقديم الخدمات وتوفير فرص عمل بقيادة القطاع الخاص وذلك في محافظتي قنا وسوهاج، وحيث يشمل مكون التنمية الصناعية بالبرنامج ترفيق وتنفيذ أعمال الطرق لعدد 4 مناطق صناعية وهي منطقتي "قفط" و"هو" بمحافظة قنا ومنطقتي "غرب جرجا" و "غرب طهطا" بمحافظة سوهاج من خلال هيئة التنمية الصناعية.
وخلال الاجتماع تم استعراض نسب التنفيذ لمكون التنمية الصناعية بالمرحلة الأولى من البرنامج والتي تتمثل في أعمال شبكات البنية التحتية (أعمال الكهرباء، والصرف الصحي والمياه، وشبكات الحماية من الحريق، والاتصالات والغاز في منطقتي قفط وهو بمحافظة قنا، وكذلك نسب الإنجاز لاعمال المرافق بمنطقتي غرب جرجا وغرب طهطا بمحافظة سوهاج وكذلك نسب الإنجاز بالمرحلة الثانية (أعمال الطرق وتنسيق الموقع العام وإنشاء الأسوار والبوابات، والموزعات الرئيسية والكابلات، وإنشاء وتجهيز المباني الخدمية والإدارية) في منطقتي قفط وهو بمحافظة قنا ونسب الإنجاز بمنطقتي غرب جرجا وغرب طهطا.
ووجه الوزير بعقد اجتماع عاجل لكافة الشركات المنفذة لأعمال المرافق والطرق الخاصة بالمناطق الصناعية المشمولة في البرنامج لوضع مخطط تنفيذي مكثف للانتهاء من أعمال الترفيق ورصف الطرق الخاصة بهذه المناطق بحلول شهر مايو 2025 لتحقيق الاستفادة القصوى للمستثمرين الصناعيين بهذه المناطق الصناعية الأربعة.
كما أكد الوزير، أهمية تشكيل جمعية مستثمرين لكل منطقة صناعية من المناطق المدرجة بالبرنامج بحيث يكون دور الجمعية إدارة المنطقة الصناعية والإشراف على أعمال صيانة المرافق الداخلية وأعمال النظافة والأمن، وتحصيل مصروفات الصيانة ومقابل الخدمات من مستثمري المنطقة الصناعية للصرف منها على أغراضها بما يسهم في رفع كفاءة المنطقة الصناعية والتيسير على المستثمرين ويضمن استدامة المرافق بالمنطقة الصناعية.
من جانبها أكدت الدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية أن البرنامج يسعي للتنمية الاقتصادية والتي تتضمن ترفيق المناطق الصناعية وتحديث نظم إدارتها وإشراك القطاع الخاص في عملية الادارة والإهتمام بمحور التكتلات الاقتصادية والعمل علي تنميتها وربطها بالمناطق الصناعية وتحسين بيئة الأعمال عن طريق تحسين إجراءات التراخيص وبيئة الاستثمار، مشيرةً إلى تركيز البرنامج علي إشراك القطاع الخاص في عملية التنمية، حيث يعد محور التنمية الاقتصادية والتنافسية من المحاور الهامة بالبرنامج بما يتكامل مع زيادة البنية الأساسية لمحافظات الصعيد، حيث تم تنفيذ العديد من المشروعات علي أرض المحافظات المستهدفة ضمن البرنامج في مجالات الصرف الصحي ومياه الشرب والإنارة والرصف وتحسين الميادين والكورنيش، إلي جانب تطوير الإدارة المحلية وجعلها قادرة علي تبني طرق لا مركزية سواء مالية أو اقتصادية أو اجتماعية وتنمية الموارد الذاتية.
كما أشارت وزيرة التنمية المحلية إلي أن الآليات والممارسات الناتجة عن برنامج التنمية المحلية بصعيد مصر لتعزيز إشراك القطاع الخاص في إدارة المناطق الصناعية جارى تعميمها بالتعاون مع وزارتي الصناعة والنقل، حيث يسير البرنامج بخطى واعدة لسرعة الانتهاء من خطط ترفيق المناطق الصناعية الأربعة بمحافظتى قنا وسوهاج والتي ستكون المرة الأولى التي سيتم فيها ترفيق كافة المناطق الصناعية والتغلب على عدد من التحديات، مؤكدةً حرص وزارة التنمية المحلية على تطبيق الاشتراطات والاعتبارات البيئية والاجتماعية والسلامة والصحة المهنية، وانتهاجها في البرنامج نهج شامل، إلى جانب سعي الوزارة إلى تطوير آلية معالجة الشكاوي ووضع إجراءات تشغيل موحدة وذلك لتعزيز التواصل مع المجتمعات المحلية.