لكل من يحمل أمانة الكلمة بوعى، وصدق، وإخلاص، يحتفل العالم فى ١٣ فبراير من كل عام.. إنه اليوم العالمى للإذاعة، وقد جاءت فكرة الاحتفال بهذا اليوم من قِبل الأكاديمية الإسبانية للإذاعة، وأقرته اليونسكو فى ٣ نوفمبر ٢٠١١ فى دورتها السادسة والثلاثين المنعقدة بتارِيخ ١٣ فبراير بوصفه اليوم العالمى للإذاعة، وتم إقراره فى شهر دِيسمبر من عام ٢٠١٢ من قِبل الجمعية العامة للأُمم المتحدة، ويرجع اختيار هذا اليوم إلى بدء بث أول إذاعة للأمم المتحدة عام ١٩٤٦.
ويواكب الاحتفال عام ٢٠٢٤ تجاوُز الإذاعة عتبة مئويتها الثانية، بكل ما تمثله باعتبارها مرحلة مهمة من مراحل التطور البنائى لوسائل الإعلام؛ فقد ارتبط ظهور الإذاعة بتطورات تكنولوجية وعلمية سبقت مباشرة مراحلها وأدت إليها، لتصبح الإذاعة واحدة من أكثر وسائل الإعلام التى يعوَّل عليها، والأوسع استخدامًا فى العالم، وذلك فى عصر تتسارع فيه عجلة الابتكارات التكنولوجية إلى حد لا يوصف، وتتقادم فيه المنصات الرقمية التى سرعان ما يخفت بريقها الصاعد، واحدة تلو الأخرى.
ويصعب تحديد تاريخ ولادة الإذاعة أو تسمية مخترعها؛ فهى وليدة سلسلة من الاكتشافات التى تتابعت وتكاملت تدريجيا على مدى سنوات كثيرة. ويعود الفضل فى تطوير تقنيات البث إلى الأعمال التى قام بها كثير من الرواد فى القرن التاسع عشر؛ مثل أمبير ومورس وهرتز وماركونى.
وظهور وسيلة إعلامية جديدة لا يلغى أو يقلل من أهمية ما سبقتها من وسائل، حيث يظل لكل وسيلة بريقها وخصائصها التى تميزها من غيرها؛ فعلى سبيل المثال، لم يقلل ظهور التليفزيون من أهمية الراديو، بل على العكس قد ساعد ظهوره كوسيلة مرئية فى إبراز ما يميز الراديو من قدرة فائقة على إثارة حاسة الخيال لدى المستمعين بشكل يفوق كل ما أعقب الراديو من وسائل إعلام جديدة، مرئية وتفاعلية، ويظل المسلسل الإذاعى بالراديو «ألف ليلة وليلة» شاهد عيان على قدرة هذه الوسيلة الفائقة فى تحفيز خيال المتلقى.
والسؤال الآن: من أين تستمد الإذاعة خصوصيتها الخيالية؟
إنها، ببساطة، تستمدها من جوهر عملية التلقى الإذاعى؛ فالتلقى الإذاعى يقوم فى جوهره على وجود الصوت وحده، وهذا يحقق ميزتين؛ الأولى: أنه لا يتيح الصورة وبالتالى يعطى الذهن والوجدان البشريين الفرصة لأن يخلعا على هذا الصوت أبعادا صورية تتفق وما يثيره لديهم من عواطف وأفكار، والأخرى: أن التأثير العاطفى للأصوات على المتلقى ليس تأثيرا مباشرا، بل هو تأثير يعتمد عاطفيا على تداعى الخواطر والأفكار أكثر مما يعتمد على الصوت نفسه.
فى النهاية وبمناسبة اليوم العالمى للإذاعة ٢٠٢٤، تنشر اليونسكو ٢٠ ملفًا صوتيًا، مدة كل منها دقيقة واحدة، ويمكن بثه ومشاركته واستخدامه مجانًا ودون قيود على حقوق الطبع والنشر، بحيث يمكن استخدامه وتضمينه فى البرامج أو الفعاليات، وكذلك تحميله على منصات التواصل الاجتماعى، كما يمكن التصرف فيها بإجراء تعليق صوتى عليها فى إطار النشاطات أو البرامج الإذاعية، ولا يجوز استخدامها للإعلان أو التسويق أو بأى طريقة تتعارض مع رسالة اليونسكو، ولا يجوز تعديل ملفات اليونسكو الصوتية أو بيعها أو إعادة توزيعها.
أستاذ الإعلام المساعد بكلية الآداب
جامعة المنصورة
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د أحمد عثمان الأكاديمية الإسبانية
إقرأ أيضاً:
تناقضات الإدارة الأمريكية
ملحمة ومشهد عودة مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة، كان أبلغ رد على دعوات التهجير التى أطلقها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أنها تعنى ببساطة تمسك هذا الشعب بأرضه، ولا شىء آخر غير الأرض والوطن، بعد أن فقد كل مقومات الحياة، وكل ما يملك من مسكن أو أثاث أو مرافق أو خدمات، وأبسط مقومات المعيشة، بسبب الحرب البربرية التى استمرت لأكثر من عام، وكان هدف الاحتلال الإسرائيلى من شنها القضاء تمامًا على مدينة غزة، وتحويلها إلى ركام يستحيل العيش فيها، واجبار الفلسطينيين على هجرها.. ومع كل هذا جاء هذا المشهد الذى شكل واحدًا من ملامح الصمود الفلسطينى على اعتبار أن جميع العائدين على يقين بأنهم عائدون إلى ركام وحياة شبه مستحيلة وأيام صعبة، إلا أنهم قطعوا عشرات الأميال على أقدامهم فى فرحة وتهليل وتكبير للعودة إلى موطنهم، حتى وإن كان العيش فيه مضنيًا، وهو أمر بالتأكيد كان له مردود إيجابى على كل الدول التى تدافع عن الحق الفلسطينى، وتقف فى مواجهة مخطط التهجير، وتصفية القضية الفلسطينية، وعلى رأس هذه الدول مصر والأردن، نظرًا لتأثير عمليات التهجير على أمنهما القومى.
الحقيقة أن مصر قالت كلمتها بوضوح فى مخطط التهجير الفلسطينى، وسجلت موقفها التاريخى والراسخ عندما أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن مصر لن تشارك فى ظلم الفلسطينيين وترفض عملية التهجير، وهو موقف نابع من خبرات مصر المتراكمة فى هذا الملف، على اعتبار أن عملية التهجير ليست حلاً للقضية التى دامت سبعين عامًا، ولن يكون سببًا فى تأمين إسرائيل والعيش بسلام فى المنطقة.. بل إن عملية التهجير ستكون سببًا فى تفجير الأوضاع وزيادة الصراع ونقله إلى مناطق أخرى، بعد أن أكدت التجربة نفسها سابقًا أن عمليات التهجير التى حدثت فى عام 1948 وما بعدها كانت سببًا فى عدة حروب بين إسرائيل والعرب، واستمرار الصراع فى الداخل الفلسطينى الإسرائيلى، حتى جاءت الخطوة الشجاعة من الرئيس الراحل أنور السادات بعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل كان أساسها الأرض مقابل السلام، وهى التجربة التى أكدت نجاحها بعد مرور أكثر من نصف قرن عليها، وهى أيضًا نفس التجربة التى فحت الباب لطرح مبادرة السلام التى أطلقها العاهل السعودية الملك عبدالله بن عبدالعزيز فى قمة بيروت عام 2002 على أساس حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيل، وإقامة علاقات معها مع كل الدول العربية، إلا أن الرفض الإسرائيلى والاستمرار فى استخدام القوة وضم المزيد من الأراضى كان سببًا فى استمرار هذا الصراع.
للأسف الموقف الأمريكى بات يشكل أهم معوقات حل القضية الفلسطينية، بسبب الانحياز الأعمى للجانب الإسرائيلى والدعم غير المحدود عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، ولم تكن دعوة الرئيس الأمريكى ترامب لتهجير الفلسطينيين إلا استمرارًا لهذا النهج المعكوس الذى يتسبب فى مزيد من تعقيد هذه القضية التى تشكل قنبلة موقوتة لمنطقة الشرق الأوسط، ولها مردود سلبى على الولايات المتحدة الأمريكية بسبب سياستها المتناقضة مع كل قواعد وقرارات القانون الدولى والشرعية الدولية وحقوق الإنسان، وأيضًا مع موقف الولايات المتحدة نفسها فى تعاملها مع قضية المهاجرين إليها وإعلان حالة الطوارئ للقبض على المهاجرين وإعادتهم على طائرات عسكرية إلى أوطانهم سواء فى المكسيك أو كولومبيا وغيرهما من الدول، ورفض إقامتهم على الأراضى الأمريكية.. وفى ذات الوقت يدعو الرئيس ترامب إلى تهجير شعب بأكمله من أرضه ووطنه إلى دول مجاورة، ومطالبة هذه الدول بقبول المهجرين من أجل تأمين دولة تحتل وتغتصب أرض هذا الشعب! وهو تناقض غريب وتحد سافر لكل قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، ويجب على الإدارة الأمريكية أن تعود إلى الخبرات المصرية والقاعدة التى رسختها مصر - الأرض مقابل السلام - إذا أرادت أن تحل هذا النزاع وتحقق الأمن والاستقرار لإسرائيل وكل منطقة الشرق الأوسط.
حفظ الله مصر