لا أدري هل هي الصُدفة وحدها التي قادتهم إلى طرح الموضوع نفسه «الأسلوب الأمثل لتعليم الأبناء الاعتماد على النفس» في جلستهم تلك أم لأن الإنسان أصبح حائرًا وبحاجة فعلية إلى من يعينه على فهم أساليب التربية السليمة بسبب ما يحدث حوله من تطور هائل ومتسارع في وسائل الاتصالات وكمية المعلومات التي يتلقاها عبر مواقع التواصل ؟
كنت مُنصتًا عندما كان الجميع يطرحون وجهات نظرهم حول الطرق المثالية لجعل الابن قادرًا على بناء حياة مستقلة بعيدًا عن عين والده ورعايته وإمكاناته المالية.
كان الاختلاف في وجهات النظر بين الفريقين قد ظهر جليا من خلال ما أورده كل فريق من حجج وقناعات تبلورت نتيجة التنشئة ومستوى التعليم وعوامل أُخرى.
من الأفكار التي لفتت انتباهي رؤية شخص يؤمن إيمانا مُطلقا بنظرية «خليه يكِد ويتعب ويصير رجّال» تبيّنتُ لاحقًا أنه رجل ثري يُقاتل من أجل الحصول على شهادة الدكتوراة في إدارة الموارد المالية.
من سياق حديثه يبدو أنه رافع يديه عن ابنه الموظف الحكومي ويرفض رفضًا تامًا دعم مشروعه الخاص أو إقالة عثرته بسبب الديون من باب الدفع به إلى معترك الحياة حتى يُحسن التعامل معها أوقات الأزمات.
ورغم أنني في الغالب لا أزج بنفسي في حوارات تدور في دائرة مفرغة من مبدأ أن «الباب اللي تجيلك منه الريح سده واستريح» إلا أنني هذه المرة لم أطق صبرًا ووجهت إليه سؤالا يتصل بالفكرة من حرمان ابنه الاستفادة من إمكانيات ستؤول إليه يومًا ما.
جاءت مبررات رجل الأعمال وصاحب أكبر محل لاستيراد مواد البناء في المنطقة أن والده مات عنه فقيرًا لا يملك ريالًا واحدًا وهذا علمه الصبر والجَلد والمعاناة ما صنع منه رجلاً صلبًا «ما متنغنغ» أما أن تُحسب تلك الطريقة لغير صالِحهِ كأن يُعد بخيلًا مُقتِرًا في حق أبنائه أو أن تُحيل تلك الممارسة العلاقة بهم إلى علاقة فاترة خالية من مشاعر الأُبوة «فهذا لا يعنيه».
واصل الرجل مبررًا: «ربما هم يكرهونني الآن ويتمنون موتي لكنني أؤكد لكم أنها طريقة للتربية مُجربة ولا تقوم على الحرمان.. إنني تركتهم يؤسسون لحياتهم بأنفسهم ويصنعون أحلامهم لتكون حقيقة أمام أعينهم يعانون مثلما عانى أبوهم.. سيقولون إنه أناني مُسرف في الغِلظة لكنني لا أرى عيبًا أن يقود ابني سيارة أُجرة أو يقوم بتوصيل طلبات أو أن يعمل معاونًا في أحد الأسواق الشعبية.. أليس بيننا بشر يقومون بتلك الأعمال؟!».
آخر نقطة:
«إن من يخاطرون بالدخول إلى المجهول هم فقط من يمكنهم أن يدركوا إلى أي مدى يُمكن للمرء أن يتقدم».
ت. س. إيليوت
عمر العبري كاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
السيارة سقطت في ترعة الفاروقية.. مصرع أب وابنه في حادث أليم بسوهاج
في صباح يوم عادي، كان "حسني" يودع نجله "كاراس" قبل أن ينطلقا معًا في رحلة بسيطة على متن سيارتهما الخاصة، صباح يوم العيد، كان الابن ذو الـ16 عامًا ينتظر اليوم الذي سيقضيه مع والده، يتحدثان عن مستقبله وأحلامه.
على الرغم من الظروف الحياتية الصعبة، كان الأب يسعى دائمًا لإسعاد ابنه ومنحه الأمل في الحياة، لكن القدر كان يخبئ لهما مصيرًا مختلفًا، بينما كانا في طريقهما إلى وجهتهما، انزلقت السيارة فجأة.
لتسقط في ترعة الفاروقية، في لحظة مظلمة وغير متوقعة، لا أحد يعرف بالضبط كيف حدث ذلك، ولكن ما يظل ثابتًا هو أن السيارة انقلبت وابتلعتها المياه العميقة بسرعة، حاول الأب أن يُهدئ من روع ابنه، لكنه كان عاجزًا عن السيطرة على الوضع.
فجيعة الموت تنهي العيدبحضور مصطفى كامل.. إيهاب توفيق يحتفل بعيد ميلادهمجاهد العزب: اكتشفت موهبتي بالفن التشكيلي وأنا في الابتدائيةفي تلك اللحظات العصيبة، بدأت محاولات الإنقاذ، كانت المياه قاسية، وكانت جثتا الأب وابنه تطفوان بين الأمواج، فاقدتين للوعي تمامًا، وصلت الفرق الإسعافية إلى المكان بعد لحظات، وعلى الرغم من محاولاتهم المستميتة لإنقاذهما.
لم يكن هناك شيء يمكنهم فعله، فقد فارقا الحياة قبل أن يتمكنوا من الوصول إليهما، حمل المسعفون جثتي الأب والابن إلى المستشفى، حيث كانت المفاجأة الحزينة في انتظار الجميع.
كان الجميع يعجز عن تصديق أن هذه اللحظات السعيدة التي كانا يعيشانها قد تحولت إلى مأساة لا يمكن تعويضها.