رد حماس بين نقاط القوة ومحاذير الضعف
تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT
وصل طرفا الحرب المباشران، المقاومة الفلسطينية الباسلة ودولة العدوان والاحتلال إلى مرحلة مماثلة، كالتي جعلت هدنة وتبادل الأسرى في نوفمبر الماضي ممكنة. الإنهاك العسكري وإنهاك المجتمعين المتحاربين لأسباب مختلفة، وما يمليه ذلك من حاجة الطرفين الماسة إلى فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب القوات والتسليح وحل مشكلات جوهرية.
المقاومة -رغم كل كذب ماكينة الدعاية الحربية الإسرائيلية الغربية وأبواقهم من بعض العرب- مشاكلها أقل ونقاط ضعفها محددة، بينما تتراكم مشاكل الطرف الإسرائيلي وتتعدد نقاط ضعفه وبالتالي حساباته، فيصبح في وضع المماطلة والعجز عن اتخاذ القرار الذي صار محط سخرية الجميع.
مشاكل إسرائيل معروفة وباتت مثار الحديث ليل نهار، خاصة بعد عجزها عن تحقيق هدف واحد من أهدافها في الحرب. وما قاد إليه ذلك من تزايد الشروخ في الطبقة السياسية الحاكمة وبين القيادة السياسية والقيادة العسكرية وداخل المجتمع الإسرائيلي، الذي لولا صدمة الحرب التي توحد مشاعره لقلنا إنه بلد على شفا حرب مجتمعية أهلية.
لكن ما لا يلقي الضوء عليه كثيرا هي حسابات المقاومة ونقاط ضعفها وقوتها، والتي مثل ردها على مقترح باريس للهدنة وتبادل أسرى جديد، انعكاسا دقيقا وذكيا لها.
بعد أربعة أشهر ونصف تقريبا من الصمود الأسطوري لفصائل المقاومة -التي لم تتلق أي دعم عربي أمام عدوان إسرائيلي يتلقى دعما عسكريا غير محدود من أمريكا وحلف الناتو - تبلور هاجسان مقلقان الأول عسكري والثاني شعبي.
الهاجس العسكري، هو هاجس مزدوج تمثل في تزايد القلق على قدرة المقاومة التي تركت لوحدها على الصمود لفترة قادمة أخرى، وتزايد القلق على مدى اقتراب جيش الاحتلال من الوصول إلى قادتها السبعة الكبار، وعلى رأسهم السنوار ومعهم مدى اقتراب جيش الاحتلال من أسراه المحتجزين في قبضة المقاومة.
رغم كل أكاذيب آلة الحرب الإسرائيلية، أكدت مصادر موثوقة للمقاومة لكاتب هذا المقال، أنها لم تخسر أكثر من ٢٥ إلى ٣٠٪ من قوتها البشرية والتسليحية، وأن عددا من كتائبها مثل كتائب رفح مازال بكامل قوته لم يخسر مقاتلا ولا سلاحا.
وإنها قادرة عمليا على مواصلة قتال حرب المدن والشوارع وهي حرب انهاك واستنزاف للعدو، بإلحاق أكبر قدر من الخسائر البشرية (نحو ٧٠٠ جندي وضابط قتلى ونحو ١٢ ألف جريح)، وأكبر قدر من الخسائر في المعدات (أكثر من ألف آلية عسكرية تشمل دبابات وجرافات وناقلات جنود ومعدات سلاح الهندسة الإسرائيلي).
الأهم من ذلك أن وسائل الإعلام الإسرائيلية وجنرالاتها السابقين المخضرمين هم من كذبوا مزاعم وزير الدفاع جالانت الذي زعم أنهم يقتربون كثيرا من مكان السنوار، وأن السنوار أصبح في حالة هروب مستمر وفقد وقادته نظام القيادة والسيطرة على قوات كتائب القسام.
ويدللون على ذلك ليس فقط باستمرار المقاومة في تكبيد العدو خسائر يومية موجعة، ولكن أيضا وصول رد حماس المحكم على مقترح باريس الذي تلاعب بأعصاب الإسرائيليين أسبوعا كاملا أخذوا وقتهم فيه بكل تمهل وتروٍ.
حسب مصادر المقاومة أيضا، هذا الرد الشامل لم يكن ليتم لولا أن التواصل بين قيادة حماس في الخارج مع السنوار وقيادة الداخل متواصل ومتدفق على مدى الـ٢٤ ساعة، وما يعنيه ذلك من هدوء أعصاب قيادة المقاومة في غزة وقدرتها على الرد على مقترحات باريس المركبة بين الهدنة والأسرى وسؤال اليوم التالي بهذا الشمول والتأني.
هذا لا يعني أن قدرة المقاومة عامة وحماس خاصة القتالية ومخزونها من السلاح لم يتضررا وأنهما في حاجة إلى فرصة استعراض وإعادة انتشار وترتيب أوراق ومواقع، ولكن هي ليست نقطة ضعف تجبرها على تقديم تنازلات فادحة في أي صفقة كما يأمل الأمريكيون والإسرائيليون.
بقي الهاجس الأكبر الذي يمثل نقطة ضعف لابدّ أن تأخذها حماس والجهاد والشعبية وهم يتشاورون معا حول الحد الذي يمكن أن ينزلوا إليه في مفاوضات هذه الصفقة.
هذا الهاجس هو الوضع الإنساني الكارثي لنحو مليونين من أهل غزة الأبطال، الذين تحملوا ويتحملون ما لم يتحمله شعب في التاريخ المعروف. فغزة التي عجز أشقاؤها حتى الآن عن إجبار أمريكا أن تأمر إسرائيل بوقف الحرب والتدمير رغم مرور ١٣٠ يوما على العدوان واستشهاد وإصابة أكثر من مائة ألف فلسطيني وتدمير ٩٠٪ من القطاع، هي نفسها غزة التي يعاني شعبها بسبب عجز عربي آخر عن إلزام أمريكا بإلزام إسرائيل بدخول المساعدات من مخاطر الموت جوعا أو مرضا أو بردا في عراء الشتاء القارس.
حماس والمقاومة لا تستطيعان تجاهل حاضنتهما الشعبية ولا تستطيعان سوى رد الجميل لوقوفها الجبالي معهما الذي فاق كل خيال والذي حطم كل محاولات واشنطن وإسرائيل لقلب الغزاويين على المقاومة، مستخدمين كل الطرق وكل الأطراف بما في ذلك -للأسف الشديد- روافع عربية وفلسطينية.
الناظر في رد المقاومة يستطيع أن يلمح بشكل لا لبس فيه أن هدفها الأول من عقد اتفاق الهدنة ذي الثلاث مراحل وتبادل الأسرى، هو تخفيف معاناة شعبهم الفلسطيني في غزة ورد الجميل لهم على احتضانهم المجتمعي للمقاومة ولعملها الجريء المظفر في ٧ أكتوبر.
كل الأقواس المفتوحة عن تفاوض لنقاط معقدة خلال مراحل التفاوض وعدم الإصرار على حسمها هي مستوى عال ومتقدم من المرونة السياسية تركها رد حماس فقط لكي يشجع على عقد الصفقة التي تخفف معاناة شعبها واستمرار الجمهور الفلسطيني في تأييد المقاومة نهجا وثقافة وسلاحا ورموزا.
هل هذا معناه أن إسرائيل والولايات المتحدة عثرا أخيرا على «كعب آخيل» المقاومة ونقطة ضعفها التي سيستغلونها حتى تقدم تنازلات مهينة تضيع نصر ٧ أكتوبر الاستراتيجي وتجعل تضحيات غزة وشعبها من دمار وقتل وضياع مدخرات عمر معظم السكان هباء وبلا ثمن؟
الجواب هو النفي؛ فحسب مصدر في المقاومة يوجه بوصلتنا فلسطيني من غزة استطاع الوصول للعلاج في القاهرة قائلا لأهل المقاومة: «فقدت أسرتي كاملة عن بكرة أبيها، ها هي فاتورة الدم قد دفعتها كاملة، فأين هو مكسب فلسطين ومكسب شعبها في غزة وفي كامل الجغرافيا الفلسطينية؟؟»، المعنى واضح وهو أن هذا الشعب نفسه الذي تضع المقاومة إنقاذه من التدمير والقتل والمجاعة والأوبئة هو نفسه الذي لن يقبل منها أن تقدم تنازلا استراتيجيا يضيّع تضحياته الجسيمة في أولاده وذويه.
المقاومة ستتفاوض وستقبل مثلا أن تنزل عن هدفها في إفراغ السجون الإسرائيلية من جميع الأسرى الفلسطينيين «نحو ٧ آلاف» وتقبل بنحو ٤ أو ٥ آلاف منهم مقابل الأسرى الإسرائيليين ولكنها لن تتخلى عن هدف أن يقود التفاوض في نهاية المراحل الثلاث أي بعد ١٣٥ يوما من عقد الاتفاق المزمع إلى نهاية الحرب وتدفق تام للمساعدات وإعادة الإعمار. المقاومة قد تقبل بالتنازل عن حكم غزة سياسيا ولكنها لن تقبل أن يبقى جندي إسرائيلي واحد محتل لقطاع غزة. كما أنها لن تتنازل لسلطة مؤقتة إقليمية ودولية ولكن ستتنازل لحكومة كفاءات وطنية متفق عليها وطنيا من المقاومة والسلطة الفلسطينية وبقية الفصائل. الأهم أن حماس والجهاد والشعبية لن توافق على نزع سلاح المقاومة قبل الوصول النهائي إلى حقوق الشعب الفلسطيني، أقله في دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو ٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
حسين عبد الغني إعلامي وكاتب مصري
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الإعلام السوداني والتحديات التي تواجهه في ظل النزاع .. خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية
خاص سودانايل: دخلت الحرب السودانية اللعينة والبشعة عامها الثالث ولا زالت مستمرة ولا توجد أي إشارة لقرب انتهاءها فكل طرف يصر على أن يحسم الصراع لصالحه عبر فوهة البندقية ، مات أكثر من مائة ألف من المدنيين ومثلهم من العسكريين وأصيب مئات الالاف بجروح بعضها خطير وفقد معظم المصابين أطرافهم ولم يسلم منها سوداني فمن لم يفقد روحه فقد أعزً الاقرباء والأصدقاء وكل ممتلكاته ومقتنياته وفر الملايين بين لاجئ في دول الجوار ونازح داخل السودان، والاسوأ من ذلك دفع الالاف من النساء والاطفال أجسادهم ثمنا لهذه الحرب اللعينة حيث امتهنت كرامتهم واصبح الاغتصاب احدى وسائل الحرب القذرة.
خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية:
بالطبع كان الصحفيون السودانيون هم أكثر من دفع الثمن قتلا وتشريدا وفقدا لأعمالهم حيث رصدت 514 حالة انتهاك بحق الصحفيين وقتل 21 صحفي وصحفية في مختلف أنحاء السودان اغلبهن داخل الخرطوم وقتل (5) منهم في ولايات دارفور بعضهم اثاء ممارسة المهنة ولقى 4 منهم حتفهم في معتقلات قوات الدعم السريع، معظم الانتهاكات كانت تتم في مناطق سيطرتهم، كما فقد أكثر من (90%) من منتسبي الصحافة عملهم نتيجة للتدمير شبه الكامل الذي الذي طال تلك المؤسسات الإعلاميّة من صحف ومطابع، وإذاعات، وقنوات فضائية وضياع أرشيف قيم لا يمكن تعويضه إلى جانب أن سلطات الأمر الواقع من طرفي النزاع قامت بالسيطرة على هذه المؤسسات الاعلامية واضطرتها للعمل في ظروفٍ أمنية، وسياسية، بالغة التعقيد ، وشهد العام الماضي وحده (28) حالة تهديد، (11) منها لصحفيات ، وتعرض العديد من الصحفيين للضرب والتعذيب والاعتقالات جريرتهم الوحيدة هي أنهم صحفيون ويمارسون مهنتهم وقد تم رصد (40) حالة اخفاء قسري واعتقال واحتجاز لصحفيين من بينهم (6) صحفيات ليبلغ العدد الكلي لحالات الاخفاء والاعتقال والاحتجاز منذ اندلاع الحرب إلى (69) من بينهم (13) صحفية، وذلك حسب ما ذكرته نقابة الصحفيين في بيانها الصادر بتاريخ 15 أبريل 2025م بمناسبة مرور عامين على اندلاع الحرب.
هجرة الاعلاميين إلى الخارج:
وتحت هذه الظروف اضطر معظم الصحفيين إلى النزوح إلى بعض مناطق السودان الآمنة داخل السودان منهم من ترك مهنة الصحافة ولجأ إلى ممارسة مهن أخرى، والبعض الاخر غادر إلى خارج السودان إلى دول السودان حيث اختار معظمهم اللجوء الى القاهرة ويوغندا وكينيا أو اللجوء حيث يمكنهم من ممارسة أعمالهم الصحفية هناك ولكن أيضا بشروط تلك الدول، بعض الصحفيين الذين لجأوا إلى الخارج يعيشون أوضاع معيشية وانسانية صعبة.
انتشار خطاب الكراهية والأخبار الكاذبة والمضّللة
ونتيجة لغياب دور الصحافة المسئولة والمهنية المحايدة عمل كل طرف من أطراف النزاع على نشر الأخبار والمعلومات الكاذبة والمضللة وتغييب الحقيقة حيث برزت وجوه جديدة لا علاقة لها بالمهنية والمهنة تتبع لطرفي الصراع فرضت نفسها وعملت على تغذية خطاب الكراهية والعنصرية والقبلية خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجدت الدعم والحماية من قبل طرفي الصراع وهي في مأمن من المساءلة القانونية مما جعلها تمعن في رسالتها الاعلامية النتنة وبكل أسف تجد هذه العناصر المتابعة من الالاف مما ساعد في انتشار خطابات الكراهيّة ورجوع العديد من أفراد المجتمع إلى القبيلة والعشيرة، الشئ الذي ينذر بتفكك المجتمع وضياعه.
منتدى الإعلام السوداني ونقابة الصحفيين والدور المنتظر منهم:
ولكل تلك الاسباب التي ذكرناها سابقا ولكي يلعب الاعلام الدور المناط به في التنوير وتطوير قطاع الصحافة والاعلام والدفاع عن حرية الصحافة والتعبير ونشر وتعزيز قيم السلام والمصالحة وحقوق الانسان والديمقراطية والعمل على وقف الحرب تم تأسيس (منتدى الاعلام السوداني) في فبراير 2024م وهو تحالف يضم نخبة من المؤسسات والمنظمات الصحفية والاعلامية المستقلة في السودان، وبدأ المنتدى نشاطه الرسمي في ابريل 2004م وقد لعب المنتدى دورا هاما ومؤثرا من خلال غرفة التحرير المشتركة وذلك بالنشر المتزامن على كافة المنصات حول قضايا الحرب والسلام وما يترتب عليهما من انتهاكات إلى جانب التقاير والأخبار التي تصدر من جميع أعضائه.
طالب المنتدى طرفي النزاع بوقف القتال فورا ودون شروط، وتحكيم صوت الحكمة والعقل، وتوفير الحماية للمدنيين دون استثناء في كافة أنحاء السودان، كما طالب طرفي الصراع بصون كرامة المواطن وحقوقه الأساسية، وضمان الحريات الديمقراطية، وفي مقدمتها حرية الصحافة والتعبير، وأدان المنتدى التدخل الخارجي السلبي في الشأن السوداني، مما أدى إلى تغذية الصراع وإطالة أمد الحرب وناشد المنتدى الاطراف الخارجية بترك السودانيين يقرروا مصيرهم بأنفسهم.
وفي ذلك خاطب المنتدى المجتمع الدولي والاقليمي بضرورة تقديم الدعم اللازم والمستدام لمؤسسات المجتمع المدني السوداني، خاصة المؤسسات الاعلامية المستقلة لكي تقوم بدورها المناط بها في التنوير ورصد الانتهاكات، والدفاع عن الحريات العامة، والتنديد بجرائم الحرب المرتكبة ضد المدنيين، والمساهمة في جهود تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية.
وكذلك لعبت نقابة الصحفيين السودانيين دورا هاما أيضا في رصد الانتهاكات التي طالت الصحفيين والمواطنين حيث أصدرت النقابة 14 تقريرًا يوثق انتهاكات الصحفيين في البلاد.
وقد وثّقت سكرتارية الحريات بنقابة الصحفيين خلال العام الماضي 110 حالة انتهاك ضد الصحفيين، فيما بلغ إجمالي الانتهاكات المسجلة منذ اندلاع النزاع في السودان نحو 520 حالة، من بينها 77 حالة تهديد موثقة، استهدفت 32 صحفية.
وأوضحت النقابة أنها تواجه صعوبات كبيرة في التواصل مع الصحفيين العاملين في المناطق المختلفة بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة وانقطاع الاتصالات وشبكة الانترنت.
وطالبت نقابة الصحفيين جميع المنظمات المدافعة عن حرية الصحافة والتعبير، والمنظمات الحقوقية، وعلى رأسها لجنة حماية الصحفيين، باتخاذ إجراءات عاجلة لضمان أمن وسلامة الصحفيين السودانيين، ووقف حملات التحريض الممنهجة التي تشكل انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية التي تكفل حماية الصحفيين في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة.
خطورة ممارسة مهنة الصحافة في زمن الحروب والصراعات
أصبح من الخطورة بمكان أن تمارس مهنة الصحافة في زمن الحروب والصراعات فقد تعرض كثير من الصحفيين والصحفيات لمتاعب جمة وصلت لحد القتل والتعذيب والاعتقالات بتهم التجسس والتخابر فالهوية الصحفية أصبحت مثار شك ولها تبعاتها بل أصبح معظم الصحفيين تحت رقابة الاجهرة الامنية وينظر إليهم بعين الريبة والشك من قبل الاطراف المتنازعة تهمتهم الوحيدة هي البحث عن الحقيقة ونقلها إلى العالم، ولم تسلم أمتعتهم ومنازلهم من التفتيش ونهب ومصادرة ممتلكاتهم خاصة في المناطق التي تقع تحت سيطرة الدعم السريع.