“تعو خدوني”؛ قصة الطفلة هند مع آلة القتل الإسرائيلية
تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT
أثير- مكتب أثير في دمشق
“أمانة تعالوا خدوني أمانة”
وانقطع الاتصال مع الإنسانيّة، كلمات كررتها طفلة الخمس سنوات وهي مسجونة مع الموت في بقايا سيارة خالها الذي قتل مع أبنائه وزوجته.
ساعات بطيئة ثقيلة وكلّ ثانية فيها تعادل الملايين من سنين الرعب وربما أكثر، ساعات مرّت على طفلة صغيرة لم تعرف بعد ما معنى أن تكون هدفا ثمينا وحيدا لآلة الموت الإسرائيلية.
هند طفلة ذنبها الوحيد أنها تعيش في بقعة منكوبة مظلومة من هذا العالم، لم تكن تعرف أن الحق في الحياة ليس للجميع على هذه الأرض، فالكرامة والعزة والأنفة لا تكفي لتبقى على قيد الحياة، بل قد تدفع حياتك ثمنا لهذه المبادئ.
تظهر أنياب الظلم، وفي عينيه طفلة تنوء تحت حمل الواقع الذي حصل منذ ثوان معدودة، تحولت الحياة من حول هند إلى عدم، تلفّتت حولها، الكل نيام للأبد، الدخان يختمر مع الهواء ليكوّن رائحة الموت.
هند أدركت بحسّ غامض أنه لا فائدة من إيقاظهم، والحلُّ بعيد عن هنا، وباتصال مع الحياة، الهلال الأحمر، تصرخ هند: تعوا خدوني….
هند طفلة البرد والرّعب، طفلة العيش لساعات طويلة في حضن العدم على هدير الدبابات وأزيز الرصاص في مواجهة طواغيت هذا القرن.
دعونا نكمل القصّة على الشّكل الآتي:
اقتربت الدبابة الإسرائيلية من السيارة المحروقة فوجدت الطفلة ما تزال حيّة بين الجثامين، فأخذتها كأسيرة حرب رغم سنواتها الخمس، فهم (الإسرائيليون) متمرّسون في أسر الأطفال حتى في بطون أمهاتهم، لكن وقتها كان دعاة الإنسانية والحرية سيربتون بأكفّهم على كتف إسرائيل مهنّئين لها على إنسانيتها المتفرّدة، ولكن حتى هذه التمثيلية المصطنعة لم تعد تعني إسرائيل.
إذا….لنكمل القصة كما حصلت تعو خدوني، كانت هند تربط نفسها بالحياة وتحاول أن تلوذ بصوت المرأة التي تحدّثها من الهلال الأحمر، وتستصرخها ، تعو خدوني، وتلك المسعفة تفتح من مفرداتها حضنا يحتوي هند بينما يتدبرون الوصول إليها.
في هذه الأثناء، دبابة إسرائيلية تقترب، لم يزدد رعبها بالتّأكيد لأن عتبة الرعب عندها كانت قد بلغت عنان السماء السابعة.
“تعوا خدوني أمانة” لا أدري إن كانت قد استطاعت البكاء فالرّعب يجفّف ماء الحياة.
سيصل المسعفون بعد قليل، وكانت هذه حقيقة.
وصل المسعفون بلا خوف من آلة الدّمار الإسرائيلي، فهناك طفلة تطلب اللّجوء إلى الأمان، إلى الحق في الحياة، إلى الإنسانيّة.
كانت الطفلة وما تزال تشدّ طرف خيط الحياة والمسعفة ترمي لها حبل الأمان.
ارتفع صوت إطلاق النار، وانطفأ صوت الطفلة، وانقطع الاتصال مع الإنسانيّة بقذائف دبابة على طفلة بعمر الخمس سنوات.
وفي ركام سيارة محروقة..المسعفان يدركان أنه بات من المؤكد أنّهما في طريقهما إلى السماء، لكنهما لن ولم يتراجعا، سيارة الإسعاف تلك كانت تؤسّس لإنقاذ حياة، فكانت هدفًا لآلة الموت، والضّمير العالمي يشيح بنظره ويصمّ آذانه، فهو لا يحب ولا تعنيه روايات الرّعب التي أبطالها فلسطينيون من لحم ودم …أقصد ضحاياها
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
خلال ندوة بالمعرض.. كيف كانت الحياة اليومية في عصر الرعامسة؟
استضاف معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56، وتحت محور "مصريات"، ندوة لمناقشة كتاب "الحياة اليومية في مصر في عصر الرعامسة" لعالم الآثار الفرنسي بيير مونتيه.
وتولي إدارة النقاش الباحث محمود أنور، بينما قدم التحليل العلمي للكتاب الدكتور ميسرة عبد الله حسين، أستاذ الآثار والديانة المصرية القديمة بجامعة القاهرة.
واستهل محمود أنور الندوة بالإشارة إلى عظمة الحضارة المصرية القديمة وما قدمته للبشرية من إنجازات لا تزال ماثلة حتى اليوم.
وأوضح أن كتاب "الحياة اليومية في مصر في عصر الرعامسة" يعد دراسة رائدة تبتعد عن السرد التاريخي التقليدي، وتقترب من تفاصيل الحياة اليومية للمصريين القدماء، متناولًا المساكن، الحرف، الفنون، النشاط الزراعي، الأسرة، والمعابد، ليقدم صورة أكثر حيوية وإنسانية عن المجتمع المصري القديم.
وأضاف أن مونتيه استند إلى مصادر أصلية غنية، وهو ما دفعه لاختيار عصر الرعامسة تحديدًا، إذ يتميز بوفرة الوثائق والنقوش التي تسجل ملامح الحياة خلال تلك الحقبة التي شهدت ازدهارًا حضاريًا واسع النطاق.
من جانبه، أكد الدكتور ميسرة عبد الله حسين، أن الكتاب يشكل علامة فارقة في دراسات التاريخ المصري، حيث يتناول عصر الرعامسة، وهو العصر الذي شهد استعادة أمجاد الإمبراطورية المصرية بعد تأسيسها في الأسرة الثامنة عشرة.
وأوضح أن بيير مونتيه ينتمي إلى المدرسة الفرنسية في علم المصريات، وهي إحدى أهم المدارس الأثرية التي أسهمت بعمق في دراسة الآثار المصرية، حيث كان على رأسها جان فرانسوا شامبليون، مكتشف رموز حجر رشيد. كما أشار إلى أن علم الآثار المصرية كان يُصنّف في الماضي ضمن الآثار الشرقية، إلا أن جهود علماء مثل مونتيه جعلته مجالًا مستقلاً بذاته.
وسلط الدكتور ميسرة عبد الله حسين الضوء على الرحلة البحثية لـبيير مونتيه، حيث بدأ اهتمامه بالآثار الشرقية، ثم انتقل إلى مصر عام 1932، وتوجه إلى منطقة تانيس حيث أجرى أهم اكتشافاته. وكان من أبرز إنجازاته العثور على المقابر الملكية للأسرتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين، حيث اكتشف خمس مقابر ملكية بحالة جيدة الحفظ عام 1939. وعلى الرغم من أهمية هذه الاكتشافات، إلا أنها لم تحظ بالاهتمام الإعلامي الكافي بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، مقارنة بمقبرة توت عنخ آمون التي اكتُشفت في ظروف أكثر استقرارا.
وأوضح الدكتور ميسرة عبد الله، أن مونتيه اتبع منهجية دقيقة في دراسة الحياة اليومية، حيث اختار فترة تاريخية محددة بدلًا من التعميم الذي لجأ إليه بعض الباحثين. فبدلًا من تقديم صورة شاملة عن مصر القديمة بكل عصورها، ركّز على عصر الرعامسة، مستعرضًا تأثير الظروف الاجتماعية والسياسية على تفاصيل الحياة اليومية.
وأشار إلى أن الكتاب يختلف عن الدراسات التقليدية من حيث التعمق في تفاصيل معيشة المصريين القدماء، إذ يناقش جوانب مثل أنماط السكن، أساليب الزراعة، النشاط الحرفي، وشكل الحياة الأسرية، مقدمًا بذلك صورة نابضة بالحياة عن المجتمع المصري في تلك الفترة.