لجريدة عمان:
2024-12-27@07:18:38 GMT

الجرح الفلسطيني.. بين غسان أبو ستة ومحمود درويش

تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT

«لا تكتب التاريخ شعرا» يقول محمود درويش لشاعرٍ مهووس بقهر ثور التاريخ الهائج من قرونه حتى يطوّعه لصالح قصيدته. لا، لا تكتب التاريخ شعرا فتلك مهمة الأسلحة التي يطورها الأعداء لمحو أعدائهم؛ إن التاريخ ليس سوى «يوميات أسلحة مدونة على أجسادنا» كما يتابع الشاعر الراحل. ولقد كان هذا بالضبط هو المعنى الشعري-الطبي الذي التقطه طبيب الجرح الفلسطيني وكاتب سرديته، الدكتور غسان أبو ستة، الرجل الذي عايش هذه الحرب والحروب الإسرائيلية السابقة على غزة، ليشرح في أكثر من مناسبة ضرورة أن نقرأ تطورات هذه الحرب من خلال القراءة الطبية للجروح التي تُخلفها في أجساد الفلسطينيين.

في كلام أبو ستة ما يشير إلى أن القراءة السياسية والعسكرية للحرب ستظل قاصرة ما لم تُقرأ هذه الحرب طبيا؛ ولا يكون ذلك إلا بدءا من قراءة طبيعة الجروح والحروق والتشوهات التي يلهث بها سكان القطاع، بعد كل استهداف، نحو أقرب المستشفيات المنكوبة. وكما يراها الجراح وطبيب التجميل الفلسطيني، فإن هذه الجروح المختلفة والحروق والتشوهات الغريبة تكشف عن نوعية الأسلحة الجديدة التي تطورها الصناعة الإسرائيلية (المزيفة) بهدف بيعها لاحقا لدول أخرى، وذلك بعد اختبارها على جسد الشعب الفلسطيني للتأكد من فاعليتها وضمان نجاحها. كما تتصل قراءة الجرح الفلسطيني، طبيا وسياسيا في وقت واحد، بقراءة الأسلوب المنهجي الذي يتبعه العدو الإسرائيلي منذ بداية العدوان في تدمير القطاع الصحي بمنشآته وكوادره ومعداته، وفي صور جنونية رعناء بلغت إلى حد إطلاق النار على الأجهزة الطبية، كما روت شهادات الأطباء في مستشفى الشفاء بعد اقتحامه من قبل القوات الإسرائيلية، حيث كانت أجهزة التنفس وأجهزة غسيل الكلى وأجهزة العناية المركزة، بحد ذاتها، هدفا عسكريا!

وبقراءة الأرشيف الصحي للحروب الإسرائيلية السابقة على غزة سنجد أن استهداف المستشفيات والأطباء وطواقم الإسعاف لم تكن ظاهرة تخص هذه الحرب المستمرة وحدها، بل كانت ظاهرة واضحة على امتداد جميع الحروب السابقة التي شنها الصهاينة على قطاع غزة منذ حرب عام 2008، تلك الحرب التي ما زلت أذكر متابعتي لها عبر التلفزيون وأنا في العاشرة من عمري، يوم أن سمعت لأول مرة بسلاح جديد يدعى «الفسفور الأبيض» الذي كان الطيران الحربي الإسرائيلي يرشه بكثافة على المباني والسكان كما لو أنه يرش مبيدا حشريا على مساحات زراعية مفتوحة.

إذا لم يقتل الجرحُ الجريحَ فإنه سيحدث في أحسن الأحوال تشوها عميقا سيبقى إلى الأبد، وقد يستمر لأجيال، وهذا بحد ذاته يكشف عن نية إسرائيلية لإيجاد مجتمع مشوه مليء بالعاهات والإعاقات المستدامة، إلى جانب كونه منهكا جسديا بفعل الجوع وسوء التغذية وشح المياه الصالحة للشرب وغياب الأدوية والرعاية الصحية، بعد كل جولة يعود فيها المجتمع الغزي من حالة الحرب إلى وضعه «الطبيعي»: الحصار.

علينا أن نتذكر دائما أن جروح الفلسطينيين هي حقائق الحرب الصغيرة، هي الحقائق المجهرية التي لا تبلغ أغوارها الدقة العالية لعدسات المصورين الحديثة، ولا يستطيع حتى الجريح نفسه في أغلب الأحيان أن يقرأ فيها شيئا أبعد من الألم المباشر. تبقى تلك الجروح معالم تتطلب قراءتها أطباء من نوع الدكتور غسان أبو ستة، الذي يحاول بدوره أن يحولها من حالة صحية دامية إلى وثيقة سياسية تفضح العقلية الصهيونية المسكونة بسياسة التطهير العرقي كحل نهائي للصراع الديمغرافي مع الفلسطينيين، الحل الذي يغذيه هاجس بن غوريون القديم حين يصرح عام 1947 بأنه «لا يمكن أن يكون هناك دولة يهودية مستقرة وقوية ما دامت الأغلبية اليهودية فيها لا تتعدى 60 %».

لكننا اليوم لسنا بحاجة لقراءة الخطاب السياسي الإسرائيلي وفحصه للتنقيب فيه عن نوايا إبادة جماعية، إذ يكفي أن نسأل الأطباء الفلسطينيين فحسب عن النوايا الإسرائيلية التي يقرأونها يوميا موشومة على اللحم الفلسطيني.

يُضاف الدكتور غسان أبو ستة اليوم إلى أعلام فلسطين بوصفه طبيب الجرح الفلسطيني، الوسام الذي يستحقه عن جدارة، حتى لو كان الوقت مبكرا على توزيع الأوسمة، لكن ذاك ليس لمجرد خبرته المهنية التي يمارسها بحس إنساني عالٍ في أسوأ الظروف المتخيلة، بل لقدرته على تأمل هذا الجرح من أجل تحديد طبيعة الآثار والتشوهات العميقة التي يخلفها الاستعمار الاستيطاني على الجسد البشري. وهو بذلك يذكرنا بشاعر لطالما وصفناه بشاعر الجرح الفلسطيني، شاعر انبرى لنفس المهمة ولكن بطبيعته اللغوية، إنه محمود درويش الذي كتب هذا الجرح بلغة نستعيدها كل يوم لنستعين بها على وصف الكارثة:

«يا لحم الفلسطيني...

يا حقل التجارب للصناعات الخفيفة والثقيلة،

أيها اللحم الفلسطينيُّ،

يا موسوعة البارود منذ المنجنيق إلى الصواريخ التي صُنِعَتْ لأجلك في بلاد الغرب...».

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: غسان أبو ستة هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

«شؤون الكنائس بفلسطين»: الحرب الإسرائيلية تسلب فرحتنا بعيد الميلاد

وجّهت اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس في فلسطين، ممثلة برئيسها عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، رمزي خوري، اليوم، رسائل إلى رؤساء الكنائس والمؤسسات المسيحية حول العالم، بمناسبة حلول عيد الميلاد المجيد، في وقت يستمر فيه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة للعام الثاني على التوالي. وفقا لوكالة الأنباء الفلسطينية وفا.

وأكد خوري في رسائله المتطابقة تحيات الرئيس محمود عباس لكنائس العالم، معبرًا عن أمله في أن يكون العام المقبل أفضل وخالٍ من الحروب، وأن يعم السلام والاستقرار في المنطقة.

غياب مظاهر العيد عن فلسطين

وأشار خوري إلى المعاناة الكبيرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في الأراضي المقدسة، خاصة في بيت لحم مسقط رأس السيد المسيح، التي تغيب عنها مظاهر العيد هذا العام بسبب الجرائم الإسرائيلية، مضيفا أنّ هذه الجرائم أسفرت عن تدمير العديد من العائلات في غزة، بالإضافة إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو مليوني شخص، في ظل مجاعة تلوح في الأفق نتيجة لتوظيف إسرائيل للمساعدات الإنسانية كسلاح للسيطرة على المدنيين.

وأوضحت اللجنة أنّ الحرب الوحشية ليست جديدة، بل هي استمرار لحرب مفتوحة منذ 76 عامًا، استهدفت خلالها الكنائس والمساجد والمدارس والمستشفيات الفلسطينية، ودمرت البنية التحتية للبلاد، وحرم الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية.

معاناة الفلسطينيين

وتطرقت الرسائل إلى المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في جميع المحافظات، حيث يسود الظلم والاحتلال الإسرائيلي في كل مدينة وقرية ومخيم للاجئين، بما في ذلك بيت لحم، التي تحولت من أرض السلام إلى أرض المعاناة. كما أُسرِفَت أفراح عيد الميلاد، وسُرِقَت براءة الأطفال وكرامة الإنسان.

وتحدثت الرسائل عن معاناة أطفال غزة الذين عبروا عن حزنهم وقلقهم بمناسبة عيد الميلاد، معربين عن رغبتهم في العودة إلى مدارسهم، التي دُمرت جراء الحرب، لتزيين شجرة الميلاد والاحتفال بعيدهم.

انتهاك المعايير الدولية

وشددت اللجنة على أنّ الممارسات الإسرائيلية جزءا من خطة ممنهجة تستهدف قتل الفلسطينيين وتشريدهم، وتدمير ممتلكاتهم، وتدنيس مقدساتهم، في انتهاك صارخ للقانون الدولي والمعايير الإنسانية.

واستنكر خوري في رسائله الصمت العالمي تجاه هذه الانتهاكات، وتقاعس المجتمع الدولي عن تحمل مسؤولياته في حماية حقوق الإنسان في فلسطين. داعيا المجتمع الدولي إلى الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقيادته في سعيهم لتحقيق العدالة والسلام، وتنفيذ القرارات الدولية، ومحاسبة مجرمي الحرب، ووضع حد للمعايير المزدوجة التي تهدد حقوق الفلسطينيين. مؤكدا أن تطلعات الشعب الفلسطيني للعيش في حرية وكرامة، وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس، هي تطلعات مشروعة ينبغي أن تتحقق.

مقالات مشابهة

  • رغم إنها حربكم ربما تفصد السموم التي حقنتم بها الوطن!
  • 45399 قتيلاً حصيلة الحرب الإسرائيلية على غزة
  • غسان سلامة: المنطقة العربية تعاني ظواهر لن تسمح لها بالاستقرار
  • خبير في الشئون الإسرائيلية: نتنياهو وضع العراقيل أمام تطلعات الشعب الفلسطيني
  • ○ من الذي خدع حميدتي ؟
  • كيف يخنق الاحتلال الإسرائيلي الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة؟
  • الشاهد جيل ثورة ديسمبر الذي هزم انقلاب 25 أكتوبر 2021 بلا انحناء
  • وثيقة مسربة تكشف علم مسؤولي الاتحاد الأوروبي بجرائم الحرب الإسرائيلية في غزة
  • الأنروا: استشهاد طفل في غزة يوميا بسبب الحرب الإسرائيلية
  • «شؤون الكنائس بفلسطين»: الحرب الإسرائيلية تسلب فرحتنا بعيد الميلاد