لجريدة عمان:
2025-02-05@08:34:52 GMT

الجرح الفلسطيني.. بين غسان أبو ستة ومحمود درويش

تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT

«لا تكتب التاريخ شعرا» يقول محمود درويش لشاعرٍ مهووس بقهر ثور التاريخ الهائج من قرونه حتى يطوّعه لصالح قصيدته. لا، لا تكتب التاريخ شعرا فتلك مهمة الأسلحة التي يطورها الأعداء لمحو أعدائهم؛ إن التاريخ ليس سوى «يوميات أسلحة مدونة على أجسادنا» كما يتابع الشاعر الراحل. ولقد كان هذا بالضبط هو المعنى الشعري-الطبي الذي التقطه طبيب الجرح الفلسطيني وكاتب سرديته، الدكتور غسان أبو ستة، الرجل الذي عايش هذه الحرب والحروب الإسرائيلية السابقة على غزة، ليشرح في أكثر من مناسبة ضرورة أن نقرأ تطورات هذه الحرب من خلال القراءة الطبية للجروح التي تُخلفها في أجساد الفلسطينيين.

في كلام أبو ستة ما يشير إلى أن القراءة السياسية والعسكرية للحرب ستظل قاصرة ما لم تُقرأ هذه الحرب طبيا؛ ولا يكون ذلك إلا بدءا من قراءة طبيعة الجروح والحروق والتشوهات التي يلهث بها سكان القطاع، بعد كل استهداف، نحو أقرب المستشفيات المنكوبة. وكما يراها الجراح وطبيب التجميل الفلسطيني، فإن هذه الجروح المختلفة والحروق والتشوهات الغريبة تكشف عن نوعية الأسلحة الجديدة التي تطورها الصناعة الإسرائيلية (المزيفة) بهدف بيعها لاحقا لدول أخرى، وذلك بعد اختبارها على جسد الشعب الفلسطيني للتأكد من فاعليتها وضمان نجاحها. كما تتصل قراءة الجرح الفلسطيني، طبيا وسياسيا في وقت واحد، بقراءة الأسلوب المنهجي الذي يتبعه العدو الإسرائيلي منذ بداية العدوان في تدمير القطاع الصحي بمنشآته وكوادره ومعداته، وفي صور جنونية رعناء بلغت إلى حد إطلاق النار على الأجهزة الطبية، كما روت شهادات الأطباء في مستشفى الشفاء بعد اقتحامه من قبل القوات الإسرائيلية، حيث كانت أجهزة التنفس وأجهزة غسيل الكلى وأجهزة العناية المركزة، بحد ذاتها، هدفا عسكريا!

وبقراءة الأرشيف الصحي للحروب الإسرائيلية السابقة على غزة سنجد أن استهداف المستشفيات والأطباء وطواقم الإسعاف لم تكن ظاهرة تخص هذه الحرب المستمرة وحدها، بل كانت ظاهرة واضحة على امتداد جميع الحروب السابقة التي شنها الصهاينة على قطاع غزة منذ حرب عام 2008، تلك الحرب التي ما زلت أذكر متابعتي لها عبر التلفزيون وأنا في العاشرة من عمري، يوم أن سمعت لأول مرة بسلاح جديد يدعى «الفسفور الأبيض» الذي كان الطيران الحربي الإسرائيلي يرشه بكثافة على المباني والسكان كما لو أنه يرش مبيدا حشريا على مساحات زراعية مفتوحة.

إذا لم يقتل الجرحُ الجريحَ فإنه سيحدث في أحسن الأحوال تشوها عميقا سيبقى إلى الأبد، وقد يستمر لأجيال، وهذا بحد ذاته يكشف عن نية إسرائيلية لإيجاد مجتمع مشوه مليء بالعاهات والإعاقات المستدامة، إلى جانب كونه منهكا جسديا بفعل الجوع وسوء التغذية وشح المياه الصالحة للشرب وغياب الأدوية والرعاية الصحية، بعد كل جولة يعود فيها المجتمع الغزي من حالة الحرب إلى وضعه «الطبيعي»: الحصار.

علينا أن نتذكر دائما أن جروح الفلسطينيين هي حقائق الحرب الصغيرة، هي الحقائق المجهرية التي لا تبلغ أغوارها الدقة العالية لعدسات المصورين الحديثة، ولا يستطيع حتى الجريح نفسه في أغلب الأحيان أن يقرأ فيها شيئا أبعد من الألم المباشر. تبقى تلك الجروح معالم تتطلب قراءتها أطباء من نوع الدكتور غسان أبو ستة، الذي يحاول بدوره أن يحولها من حالة صحية دامية إلى وثيقة سياسية تفضح العقلية الصهيونية المسكونة بسياسة التطهير العرقي كحل نهائي للصراع الديمغرافي مع الفلسطينيين، الحل الذي يغذيه هاجس بن غوريون القديم حين يصرح عام 1947 بأنه «لا يمكن أن يكون هناك دولة يهودية مستقرة وقوية ما دامت الأغلبية اليهودية فيها لا تتعدى 60 %».

لكننا اليوم لسنا بحاجة لقراءة الخطاب السياسي الإسرائيلي وفحصه للتنقيب فيه عن نوايا إبادة جماعية، إذ يكفي أن نسأل الأطباء الفلسطينيين فحسب عن النوايا الإسرائيلية التي يقرأونها يوميا موشومة على اللحم الفلسطيني.

يُضاف الدكتور غسان أبو ستة اليوم إلى أعلام فلسطين بوصفه طبيب الجرح الفلسطيني، الوسام الذي يستحقه عن جدارة، حتى لو كان الوقت مبكرا على توزيع الأوسمة، لكن ذاك ليس لمجرد خبرته المهنية التي يمارسها بحس إنساني عالٍ في أسوأ الظروف المتخيلة، بل لقدرته على تأمل هذا الجرح من أجل تحديد طبيعة الآثار والتشوهات العميقة التي يخلفها الاستعمار الاستيطاني على الجسد البشري. وهو بذلك يذكرنا بشاعر لطالما وصفناه بشاعر الجرح الفلسطيني، شاعر انبرى لنفس المهمة ولكن بطبيعته اللغوية، إنه محمود درويش الذي كتب هذا الجرح بلغة نستعيدها كل يوم لنستعين بها على وصف الكارثة:

«يا لحم الفلسطيني...

يا حقل التجارب للصناعات الخفيفة والثقيلة،

أيها اللحم الفلسطينيُّ،

يا موسوعة البارود منذ المنجنيق إلى الصواريخ التي صُنِعَتْ لأجلك في بلاد الغرب...».

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: غسان أبو ستة هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

محلل سياسي: العملية الإسرائيلية بالضفة الغربية تأتي في وضع أمني معقد لتل أبيب

أكد مصطفى إبراهيم، المحلل السياسي، من مدينة غزة، أن ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي من عمليات عسكرية وقصف وتدمير في الضفة الغربية جاء بأوامر من الحكومة الإسرائيلية التي نقلت ساحة الحرب والتدمير من غزة إلى مخيمات ومحافظات الضفة الغربية، وعملت على زيادة وإدخال عدد كبير من القوات الإسرائيلية بالضفة ضمن أهداف الحرب التي كانت موضوعة بغزة.

العملية العسكرية الإسرائيلية بالضفة الغربية

وشدد «إبراهيم»، خلال مداخلة عبر الإنترنت مع الإعلامية هاجر جلال، ببرنامج «منتصف النهار»، المُذاع عبر «القاهرة الإخبارية» على أن العمليات العسكرية التي يقوم بها جيش الاحتلال بالضفة ليس فقط لإرضاء المستوطنين كما يدعي المحللون الإسرائيليون، ولكن هذه العملية بدأت في شهر يوليو 2023 أي قبل بدء عملية الإبادة بغزة بأشهر قليلة؛ إذ جرى إجبار عدد كبير من الفلسطينيين على النزوح من مخيم جنين.

تسريع العملية العسكرية على جنين 

وتابع: «الحرب الإسرائيلية الآن على الضفة الغربية جاءت في سياقات مهمة وربما تأتي في وضع سياسي وأمني معقد بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، وبوجود الائتلاف الحكومي في إسرائيل والضغط على نتنياهو تم التسريع بهذه العملية العسكرية على جنين بعد أن كانت قوت الأمن الفلسطينية شنت حملة أمنية موسعة على الخارجين عن القانون، وبعدها بدأت قوات الاحتلال بشن هجماتها على محافظات الضفة الغربية».

مقالات مشابهة

  • هل تقلل الأسواق المالية من خطورة الحرب التجارية التي أشعلها ترامب؟
  • رولا الدرة: الصحفي الفلسطيني بطل في الحرب ويستحق الحماية
  • المعارضة الإسرائيلية: وقف إطلاق النار لن يسقط حكومة نتانياهو
  • محلل سياسي: العملية الإسرائيلية بالضفة الغربية تأتي في وضع أمني معقد لتل أبيب
  • هذه أبرز النزاعات التي تواجه العالم في عام 2025.. حروب ترامب من بينها
  • أكثر من 61 ألف شهيد.. الإعلام الحكومي بغزة يكشف أرقاما  لخسائر حرب الإبادة الإسرائيلية
  • ما الذي ورط الجمهوريون أنفسهم فيه؟!
  • باحث في الشؤون الإسرائيلية: الولايات المتحدة غطت العجز الاقتصادي لتل أبيب
  • جيش المليشيات.. كتاب صادم لضابط إسرائيلي يفضح آلة الحرب الإسرائيلية
  • ماذا نعلم عن الفلسطيني المقتول بالضربة الإسرائيلية في الضفة الغربية السبت؟