لجريدة عمان:
2024-11-25@05:57:55 GMT

الجرح الفلسطيني.. بين غسان أبو ستة ومحمود درويش

تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT

«لا تكتب التاريخ شعرا» يقول محمود درويش لشاعرٍ مهووس بقهر ثور التاريخ الهائج من قرونه حتى يطوّعه لصالح قصيدته. لا، لا تكتب التاريخ شعرا فتلك مهمة الأسلحة التي يطورها الأعداء لمحو أعدائهم؛ إن التاريخ ليس سوى «يوميات أسلحة مدونة على أجسادنا» كما يتابع الشاعر الراحل. ولقد كان هذا بالضبط هو المعنى الشعري-الطبي الذي التقطه طبيب الجرح الفلسطيني وكاتب سرديته، الدكتور غسان أبو ستة، الرجل الذي عايش هذه الحرب والحروب الإسرائيلية السابقة على غزة، ليشرح في أكثر من مناسبة ضرورة أن نقرأ تطورات هذه الحرب من خلال القراءة الطبية للجروح التي تُخلفها في أجساد الفلسطينيين.

في كلام أبو ستة ما يشير إلى أن القراءة السياسية والعسكرية للحرب ستظل قاصرة ما لم تُقرأ هذه الحرب طبيا؛ ولا يكون ذلك إلا بدءا من قراءة طبيعة الجروح والحروق والتشوهات التي يلهث بها سكان القطاع، بعد كل استهداف، نحو أقرب المستشفيات المنكوبة. وكما يراها الجراح وطبيب التجميل الفلسطيني، فإن هذه الجروح المختلفة والحروق والتشوهات الغريبة تكشف عن نوعية الأسلحة الجديدة التي تطورها الصناعة الإسرائيلية (المزيفة) بهدف بيعها لاحقا لدول أخرى، وذلك بعد اختبارها على جسد الشعب الفلسطيني للتأكد من فاعليتها وضمان نجاحها. كما تتصل قراءة الجرح الفلسطيني، طبيا وسياسيا في وقت واحد، بقراءة الأسلوب المنهجي الذي يتبعه العدو الإسرائيلي منذ بداية العدوان في تدمير القطاع الصحي بمنشآته وكوادره ومعداته، وفي صور جنونية رعناء بلغت إلى حد إطلاق النار على الأجهزة الطبية، كما روت شهادات الأطباء في مستشفى الشفاء بعد اقتحامه من قبل القوات الإسرائيلية، حيث كانت أجهزة التنفس وأجهزة غسيل الكلى وأجهزة العناية المركزة، بحد ذاتها، هدفا عسكريا!

وبقراءة الأرشيف الصحي للحروب الإسرائيلية السابقة على غزة سنجد أن استهداف المستشفيات والأطباء وطواقم الإسعاف لم تكن ظاهرة تخص هذه الحرب المستمرة وحدها، بل كانت ظاهرة واضحة على امتداد جميع الحروب السابقة التي شنها الصهاينة على قطاع غزة منذ حرب عام 2008، تلك الحرب التي ما زلت أذكر متابعتي لها عبر التلفزيون وأنا في العاشرة من عمري، يوم أن سمعت لأول مرة بسلاح جديد يدعى «الفسفور الأبيض» الذي كان الطيران الحربي الإسرائيلي يرشه بكثافة على المباني والسكان كما لو أنه يرش مبيدا حشريا على مساحات زراعية مفتوحة.

إذا لم يقتل الجرحُ الجريحَ فإنه سيحدث في أحسن الأحوال تشوها عميقا سيبقى إلى الأبد، وقد يستمر لأجيال، وهذا بحد ذاته يكشف عن نية إسرائيلية لإيجاد مجتمع مشوه مليء بالعاهات والإعاقات المستدامة، إلى جانب كونه منهكا جسديا بفعل الجوع وسوء التغذية وشح المياه الصالحة للشرب وغياب الأدوية والرعاية الصحية، بعد كل جولة يعود فيها المجتمع الغزي من حالة الحرب إلى وضعه «الطبيعي»: الحصار.

علينا أن نتذكر دائما أن جروح الفلسطينيين هي حقائق الحرب الصغيرة، هي الحقائق المجهرية التي لا تبلغ أغوارها الدقة العالية لعدسات المصورين الحديثة، ولا يستطيع حتى الجريح نفسه في أغلب الأحيان أن يقرأ فيها شيئا أبعد من الألم المباشر. تبقى تلك الجروح معالم تتطلب قراءتها أطباء من نوع الدكتور غسان أبو ستة، الذي يحاول بدوره أن يحولها من حالة صحية دامية إلى وثيقة سياسية تفضح العقلية الصهيونية المسكونة بسياسة التطهير العرقي كحل نهائي للصراع الديمغرافي مع الفلسطينيين، الحل الذي يغذيه هاجس بن غوريون القديم حين يصرح عام 1947 بأنه «لا يمكن أن يكون هناك دولة يهودية مستقرة وقوية ما دامت الأغلبية اليهودية فيها لا تتعدى 60 %».

لكننا اليوم لسنا بحاجة لقراءة الخطاب السياسي الإسرائيلي وفحصه للتنقيب فيه عن نوايا إبادة جماعية، إذ يكفي أن نسأل الأطباء الفلسطينيين فحسب عن النوايا الإسرائيلية التي يقرأونها يوميا موشومة على اللحم الفلسطيني.

يُضاف الدكتور غسان أبو ستة اليوم إلى أعلام فلسطين بوصفه طبيب الجرح الفلسطيني، الوسام الذي يستحقه عن جدارة، حتى لو كان الوقت مبكرا على توزيع الأوسمة، لكن ذاك ليس لمجرد خبرته المهنية التي يمارسها بحس إنساني عالٍ في أسوأ الظروف المتخيلة، بل لقدرته على تأمل هذا الجرح من أجل تحديد طبيعة الآثار والتشوهات العميقة التي يخلفها الاستعمار الاستيطاني على الجسد البشري. وهو بذلك يذكرنا بشاعر لطالما وصفناه بشاعر الجرح الفلسطيني، شاعر انبرى لنفس المهمة ولكن بطبيعته اللغوية، إنه محمود درويش الذي كتب هذا الجرح بلغة نستعيدها كل يوم لنستعين بها على وصف الكارثة:

«يا لحم الفلسطيني...

يا حقل التجارب للصناعات الخفيفة والثقيلة،

أيها اللحم الفلسطينيُّ،

يا موسوعة البارود منذ المنجنيق إلى الصواريخ التي صُنِعَتْ لأجلك في بلاد الغرب...».

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: غسان أبو ستة هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

مجلس النواب العراقي يعقد جلسة طارئة غدا لمناقشة التهديدات الإسرائيلية للبلاد

الثورة نت/
أعلن رئيس مجلس النواب العراقي، محمود المشهداني، أن “مجلس النواب حدد موعد جلسة طارئة لمناقشة التهديدات الإسرائيلية للعراق”.
وقال المشهداني، إن المجلس حدد يوم غد الاثنين موعداً للجلسة، مؤكدا أن جزءا منها يكون علنياً والآخر سرياً.

وصرح وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، الجمعة الماضي، بوجود تهديدات واضحة من الكيان الصهيوني ضد العراق، مشددا على أن الحكومة العراقية لا تسعى إلى الحرب وتعمل على تجنبها عبر سياسات مدروسة.
وأوضح حسين خلال كلمته في المنتدى الخامس للسلام والأمن في الشرق الأوسط (ميبس 2024)، الذي استضافته الجامعة الأمريكية في دهوك، أن “العراق قلق من الأوضاع في المنطقة”، مشيرا إلى أن “الحكومة اتخذت خطوات داخلية وخارجية لمواجهة التهديدات الإسرائيلية”.

وأضاف أن “رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، وجه القوات المسلحة باتخاذ إجراءات صارمة ضد أي جهات تستخدم الأراضي العراقية لشن هجمات، فيما تواصل الحكومة جهودها الدبلوماسية مع عواصم غربية مؤثرة لوقف التصعيد على العراق”، وفقا لوكالة الأنباء العراقية (واع).
يأتي هذا بعد أن رفض رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الشكوى التي تقدم بها الكيان الصهيوني لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بشأن الضربات التي شنتها “المقاومة الإسلامية” في العراق على الكيان الغاصب.

وأكد السوداني خلال ترؤسه الجلسة الاعتيادية الـ47 لمجلس الوزراءالعراقي، أن “الرسالة التي أرسلها الكيان الصهيوني إلى مجلس الأمن الدولي، تمثل ذريعة وحجّة للاعتداء على العراق، وتحقيقا لمساعي الكيان المستمرة نحو توسعة الحرب في المنطقة”، وفقا لوكالة الأنباء العراقية (واع).

وشدد على أن “العراق يرفض هذه التهديدات، وأن قرار الحرب والسِّلم هو قرار بيد الدولة العراقية، وغير مسموح لأي طرف بأن يصادر هذا الحق، لافتا إلى رفض العراق الدخول في الحرب، مع الثبات على الموقف المبدئي بإنهائها، والسعي لإغاثة الشعبين الفلسطيني واللبناني”.

كما وجه رئيس مجلس الوزراء العراقي، وفق البيان، “بعقد اجتماع طارئ للمجلس الوزاري للأمن الوطني، لمتابعة التطوّرات وتأكيد الموقف العراقي”.
وذكرت “المقاومة الإسلامية” في العراق، أنها أطلقت عشرات الطائرات المسيرة على الكيان الصهيوني، منذ اندلاع الحرب العام الماضي في قطاع غزة، في السابع من أكتوبر 2023.

وبدعم أمريكي، تتواصل الحرب الصهيونية العدوانية على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر 2023 ما أسفر عن استشهاد 44,176 مواطنا، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 104,473 آخرين، في حصيلة غير نهائية، إذ لا يزال آلاف الضحايا تحت الركام وفي الطرقات ولا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.

مقالات مشابهة

  • في اليوم الـ415.. صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع
  • أوكرانيا تخسر 40% من الأراضي التي سيطرت عليها في مقاطعة كورسك الروسية
  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
  • مجلس النواب العراقي يعقد جلسة طارئة غدا لمناقشة التهديدات الإسرائيلية للبلاد
  • الدفاع المدني ينشر مجمل الخسائر التي تكبدها جرّاء الحرب على قطاع غزة
  • من بحري إلى بيالي: قصة الموسيقار اللاجئ الذي يبحث عن الأمل في المنفى 
  • جلسة مرتقبة للبرلمان السويسري للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • اليونيسف: أطفال غزة يعيشون كابوس بسبب الحرب الإسرائيلية
  • يونيسف يعلن وجود خسائر كبيرة في صفوف أطفال غزة بسبب الحرب الإسرائيلية