جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-18@12:42:03 GMT

من هم أصحاب السعادة؟!

تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT

من هم أصحاب السعادة؟!

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

أجمل ما يتمناه الإنسان في هذه الحياة التي قُدِّرَ لنا أن نعيش فيها وأن نصارع فيها مختلف التيارات ونركب الأمواج العاتية وننحني أمام العواصف المختلفة، وذلك لتحقيق حلم أو بالأحرى "وَهْمٍ" اسمه "السعادة الأبدية"؛ وذلك بأي ثمن كان، نريد أو لا نريد هكذا هي الأقدار!

الكثير من الناس في هذا الكون الرحب يعتقدون- بما لا يدع مجالًا للشك- أن مفاتيح السعادة تتمثل في وجود عدة مقاومات أو عوامل يجب أن تكون حاضرة في حياتنا اليومية، كامتلاك المال والعمارات وتقلُّد المناصب الرفيعة، والاقتران بنوعية معينة من البشر يتمتعون بمواصفات معينة من الجمال اليُوسفيّ، وكذلك الصحبة الطيبة من الأصدقاء الذين يصدقوننا القول ويكونون لنا مثل المرآة التي تعكس لنا واقعنا وتساعدنا على تصحيح سلوكنا واعوجاجنا إذا ما حصل ذلك منا؛ لكي نتجنب نقد الآخرين وكلامهم الذي قد يعكر أجواء السعادة التي نطمح إليها.

لكن في واقع الأمر، نجد على الجانب الآخر من هذه الحياة من البسطاء من البشر الذين هم في أعلى درجات السعادة والوئام، وكذلك يتمتعون بصحة جيدة، بعيدًا عن التوترات اليومية والقلق الزائد الذي يُنهك الأجسام ويعطِّل العقول ويقصر الأعمار نتيجة الضجر والخوف من المستقبل، والسبب في ذلك بالطبع هي القناعة والرضا والإيمان بالله بأنه هو الرازق لكل المخلوقات في هذا العالم. ولعلنا هنا نتذكر الحديث النبوي الشريف لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقول "من أصبح منكم معافى في جسده، آمنًا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها".

لا شك أن القناعات الحقيقية هي مصدر سعادة وبهجة للقليل من البشر في كوكبنا الذي نقاتل فيه بعضنا بعضاً من أجل الفوز بالمكاسب والسيطرة على منافع هذه الدنيا الفانية. وهذا لا يحصل على مستوى الأفراد فقط؛ بل على مستوى الجماعات والشعوب والأمم مُنذ خطيئة قابيل الذي قتل شقيقه هابيل بسبب الغيرة والمنافسة والحصول على المكاسب حتى ولو على حساب الإخاء والصحبة حتى يومنا هذا.

هناك اعتقاد على نطاق واسع بأن السعداء في الدنيا هم سكان الأكواخ والبيوت البسيطة والخيام من أصحاب الدخل المحدود؛ لأنهم وضعوا أطماع الدنيا جانبًا وأصبح همهم الأكبر الكفاح والعمل بجدية وإخلاص، للحصول على ما يسد رمقهم ويسترهم عن السؤال. بينما نجد على الدوام الشقاء والأحزان مرسومة بوضوح على وجوه وملامح من يرتاد القصور المنيفة وناطحات السحاب الزجاجية من أصحاب النفوذ والسلطة والمال، والتي تضم أرقى أنواع الأثاث والموائد التي يرفع لها مختلف أصناف الطعام، وهؤلاء في الأساس ينتمون إلى الطبقة المخملية التي تملك كل شيء إلّا راحة البال.

فإذا كانت السعادة على علاقة وثيقة بالفقراء الذين يثقون بخالقهم ويؤمنون بقسمة الله بين عباده؛ فهناك قاعدة وسنة إلهية في خلقه، وهي التغيير؛ فالدوام لله وحده، فقد يتم تبادل المراكز والأدوار بين الناس يوماً ما، بحيث يخسر الغني ثروته ويصنف في أعداد المُعدمين والمساكين، والعكس صحيح أن يتحول الفقير من طبقة الكادحين إلى علية القوم من الأثرياء، بحيث يتم تبادل الأدوار في الثروة والمال بينما يفقد الطرفان السعادة الدائمة.

ولا يمكن أن تُرفرف أجنحة السعادة بيننا، إلّا بالخروج من هذا الصراع الطبقي في مجتمعنا الذي أصبح بحاجة ماسة للتوافق والانسجام أكثر من أي وقت مضى، وقبل ذلك كله تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية بين المواطنين؛ والرضا بقسمة الله وقدره، فعلى التاجر المقتدر أن يتصدق من ماله على الفقراء، ويخرج الزكاة، لأن لا استقرار لتجارته وسط بلد فيه فقراء يبحثون عن لقمة العيش. وعلى حامل الشهادات العلمية أن يكون مخلصًا وأمينًا في إفادة المجتمع بما تعلمه، وعلى المسؤول أو صاحب المنصب أن يدرك أنه أتى لهذه الوظيفة لخدمة المجتمع وليس للتعالي والتكبر، انطلاقًا من مبدأ أن المسؤولية تكليف قبل أن تكون تشريفًا.

قد ابتُلينا بالعديد من الأمراض الاجتماعية المقيتة والمدمرة للمجتمع؛ كالحسد والكراهية والتعالي على الآخرين؛ مما ترتب على ذلك مراقبتنا للناس من حولنا، بهدف التعرف على أملاكهم ووظائفهم ودخلهم من أعمالهم التجارية. فعندنا تُهم جاهزة لهؤلاء الذين يظهر ثراؤهم على الملأ، أو يتولون مناصب عُليا، ونصفهم اجتماعيًا بكبار المسؤولين والأغنياء، وتتمثل هذه التهم بالغش والسرقة وجمع المال بطرق غير مشروعة.

وفي الختام.. يجب التأكيد هنا على أن السعادة لا تشترى ولا تمنح ولا تباع؛ بل يجب أن نعرف كيف نصنع لنفسنا ولمن حولنا مقومات السعادة الحقيقية، لنكون أسعد هذا الخلق في الدارين، وذلك بالإيمان بالقدر خيره وشره، وبما قسّمه الله لنا من أرزاق، والأهم من ذلك أن نملك شجاعة التسامح والعفو عند المقدرة عن الناس، ونترك شؤون الخلق للخالق؛ فالسعادة هي شعورنا الإيجابي نحو قطار الحياة الملئ بالمغامرات والتحديات التي يمكن أن نحولها إلى مكاسب حقيقية، إذا ما أحسنّا التصرف في إدارة أمورنا، معتمدين في ذلك على ما منحه الله لنا من عقل وخبرات متراكمة؛ لكي ننظر بأمل وتفاؤل لمن حولنا فقد نجد السعادة تحيط بنا من كل صوب.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

40 عاما في السجن.. من هو جورج عبد الله الذي أفرجت عنه فرنسا رغما عن أمريكا؟

أصدرت محكمة فرنسية الجمعة، قرارًا بالإفراج المشروط عن الناشط اللبناني جورج إبراهيم عبد الله، بعد قضائه 40 عامًا في السجن.

وينص القرار على مغادرة عبد الله الأراضي الفرنسية وعدم العودة إليها.

ويأتي هذا القرار بعد محاولات عديدة لتقديم طلبات إفراج مشروط، حيث يعد هذا الطلب الحادي عشر الذي يُقبل منذ بدء حبسه.

من جهة أخرى، أعلنت النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب في فرنسا نيتها استئناف القرار، مما يفتح الباب أمام تأجيل تنفيذه.

 تفاصيل اعتقال جورج عبد الله
واعتقل جورج إبراهيم عبد الله، الذي ينتمي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، السلطات الفرنسية عام 1984 بتهمة تورطه في اغتيال دبلوماسيين من الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي في الثمانينيات.

وحُكم عليه بالسجن المؤبد عام 1987،وعلى الرغم من أن فترة سجنه القانونية انتهت في عام 1999، إلا أن التدخلات السياسية، خاصة من جانب الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي، حالت دون الإفراج عنه، مما أثار الجدل حول العدالة ومدى استقلالية القضاء الفرنسي.

إفراج المحكمة الفرنسية عن جورج عبد الله اليوم ليس قراراً قضائياً بريئاً؛ إنه اعتراف بفشل محاولات كسر إرادة المقاومة. من أرادوا دفنه خلف القضبان نسوا أن الرموز الحقيقية تولد من رحم الصمود وليس من خلف الأبواب المغلقة. يا جورج،… pic.twitter.com/doRp4yXONL — Mazen A. Nakkach | مازن أنيس النقاش (@NakkachM) November 15, 2024


الضغوط السياسية والحقوقية
طوال سنوات سجنه، واجهت القضية ضغوطات كبيرة من قبل الحكومات والمنظمات الحقوقية، واستمرت الإدارات الأمريكية والإسرائيلية في ممارسة الضغط على الحكومة الفرنسية لمنع الإفراج عنه، ما جعل القضية تُعتبر مثالًا على تسييس القرارات القضائية، وهذا التدخل دفع منظمات حقوقية عديدة إلى انتقاد الوضع ووصفه بانتهاك للحقوق الإنسانية.

 ردود الفعل
أثار القرار الأخير موجة من التعليقات على مختلف الأصعدة، في لبنان، تلقى الخبر بترحيب حذر، حيث عبّر شقيق عبد الله عن أمله في أن تتم العملية دون تدخلات سياسية كما حدث في الماضي. من جانب آخر، قد يثير القرار اعتراضات داخل الأوساط السياسية الدولية التي تتابع القضية عن كثب.
يمثل جورج عبد الله رمز للمقاومة والصلابة، انسان لم يتراجع عن مبادئه أو يساوم على قناعاته رغم العقود الطويلة التي قضاها في السجون الفرنسية. #الحرية_لجورج_عبدالله #LibertéPourGeorgesAbdallah #FreeGeorgesAbdallah pic.twitter.com/7g07VnicsX — nou⚯͛???????????????????????????????? (@_AGoldenSnitch) November 14, 2024
جورج إبراهيم عبد الله هو عربي لبناني من بلدة القبيات في شمال لبنان عمل مع الحزب الشيوعي اللبناني والجبهة الشعبية لتحرير #فلسطين وأسس تنظيم الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية. اعتقل في فرنسا عام 1984 بطلب أمريكي. في 10 كانون الثاني 2013 م، أصدر القضاء الفرنسي #جورج_عبدالله ✌️✌️ pic.twitter.com/cwSTMYuyqE — ameenahaydar (@amenahaydar0) November 15, 2024


من هو جورج عبد الله
ويعد جورج إبراهيم عبد الله لبناني معروف بنشاطه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ولد في قرية القبيات، قضاء عكار، في شمال لبنان في الثاني من نيسان/ أبريل عام 1951.

نشأ في بيئة متأثرة بالاحتلال الإسرائيلي وأحداث الحرب الأهلية اللبنانية، مما ساهم في تشكيل توجهاته السياسية.

درس عبد الله في الجامعة اللبنانية حيث تأثر بالأفكار اليسارية والثورية، مما قاده إلى الانضمام إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. عمل في البداية كمدرس قبل أن يتوجه إلى العمل النضالي.

في أوائل الثمانينيات، أصبح معروفًا بنشاطه المناهض للسياسات الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة، وقد ارتبط اسمه بعدة عمليات ضد دبلوماسيين أجانب.

في عام 1984، اعتقلته السلطات الفرنسية بتهمة حيازة أوراق مزورة ثم وجهت له لاحقًا تهما بالضلوع في عمليات اغتيال لدبلوماسي أمريكي وإسرائيلي في باريس. في عام 1987، أصدرت محكمة فرنسية حكمًا بسجنه بالمؤبد.

مقالات مشابهة

  • أمل عزّت بعفيف: العمل الجبان الذي لا يقوم به سوى هذا العدو
  • عاش في السعودية وحصل على منحة منها.. الكشف عن مفاجأة بشأن ناطق ‘‘حزب الله’’ الذي قُتل أمس بغارة جوية إسرائيلية
  • أين هي
  • من هو المعاجز الذي توعد الله له بسوء الخاتمة ؟.. علي جمعة يوضحه
  • عواقب عقوق الوالدين في الدنيا والآخرة
  • لو مش بتعرف تدعي ربنا ردد هذا الدعاء .. فيه خير الدنيا والآخرة
  • ما هي الأعمال التي تجعلنا نرى رسول الله في الجنة؟
  • مفتي سلطنة عمان: لله در مغاوير اليمن الأبطال الذين واجهوا قوى الاستكبار الصهيونية
  • ردد هذا الدعاء 7 مرات يكفيك الله هم الدنيا والآخرة
  • 40 عاما في السجن.. من هو جورج عبد الله الذي أفرجت عنه فرنسا رغما عن أمريكا؟