جريدة الرؤية العمانية:
2024-07-02@00:06:44 GMT

من هم أصحاب السعادة؟!

تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT

من هم أصحاب السعادة؟!

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

أجمل ما يتمناه الإنسان في هذه الحياة التي قُدِّرَ لنا أن نعيش فيها وأن نصارع فيها مختلف التيارات ونركب الأمواج العاتية وننحني أمام العواصف المختلفة، وذلك لتحقيق حلم أو بالأحرى "وَهْمٍ" اسمه "السعادة الأبدية"؛ وذلك بأي ثمن كان، نريد أو لا نريد هكذا هي الأقدار!

الكثير من الناس في هذا الكون الرحب يعتقدون- بما لا يدع مجالًا للشك- أن مفاتيح السعادة تتمثل في وجود عدة مقاومات أو عوامل يجب أن تكون حاضرة في حياتنا اليومية، كامتلاك المال والعمارات وتقلُّد المناصب الرفيعة، والاقتران بنوعية معينة من البشر يتمتعون بمواصفات معينة من الجمال اليُوسفيّ، وكذلك الصحبة الطيبة من الأصدقاء الذين يصدقوننا القول ويكونون لنا مثل المرآة التي تعكس لنا واقعنا وتساعدنا على تصحيح سلوكنا واعوجاجنا إذا ما حصل ذلك منا؛ لكي نتجنب نقد الآخرين وكلامهم الذي قد يعكر أجواء السعادة التي نطمح إليها.

لكن في واقع الأمر، نجد على الجانب الآخر من هذه الحياة من البسطاء من البشر الذين هم في أعلى درجات السعادة والوئام، وكذلك يتمتعون بصحة جيدة، بعيدًا عن التوترات اليومية والقلق الزائد الذي يُنهك الأجسام ويعطِّل العقول ويقصر الأعمار نتيجة الضجر والخوف من المستقبل، والسبب في ذلك بالطبع هي القناعة والرضا والإيمان بالله بأنه هو الرازق لكل المخلوقات في هذا العالم. ولعلنا هنا نتذكر الحديث النبوي الشريف لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقول "من أصبح منكم معافى في جسده، آمنًا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها".

لا شك أن القناعات الحقيقية هي مصدر سعادة وبهجة للقليل من البشر في كوكبنا الذي نقاتل فيه بعضنا بعضاً من أجل الفوز بالمكاسب والسيطرة على منافع هذه الدنيا الفانية. وهذا لا يحصل على مستوى الأفراد فقط؛ بل على مستوى الجماعات والشعوب والأمم مُنذ خطيئة قابيل الذي قتل شقيقه هابيل بسبب الغيرة والمنافسة والحصول على المكاسب حتى ولو على حساب الإخاء والصحبة حتى يومنا هذا.

هناك اعتقاد على نطاق واسع بأن السعداء في الدنيا هم سكان الأكواخ والبيوت البسيطة والخيام من أصحاب الدخل المحدود؛ لأنهم وضعوا أطماع الدنيا جانبًا وأصبح همهم الأكبر الكفاح والعمل بجدية وإخلاص، للحصول على ما يسد رمقهم ويسترهم عن السؤال. بينما نجد على الدوام الشقاء والأحزان مرسومة بوضوح على وجوه وملامح من يرتاد القصور المنيفة وناطحات السحاب الزجاجية من أصحاب النفوذ والسلطة والمال، والتي تضم أرقى أنواع الأثاث والموائد التي يرفع لها مختلف أصناف الطعام، وهؤلاء في الأساس ينتمون إلى الطبقة المخملية التي تملك كل شيء إلّا راحة البال.

فإذا كانت السعادة على علاقة وثيقة بالفقراء الذين يثقون بخالقهم ويؤمنون بقسمة الله بين عباده؛ فهناك قاعدة وسنة إلهية في خلقه، وهي التغيير؛ فالدوام لله وحده، فقد يتم تبادل المراكز والأدوار بين الناس يوماً ما، بحيث يخسر الغني ثروته ويصنف في أعداد المُعدمين والمساكين، والعكس صحيح أن يتحول الفقير من طبقة الكادحين إلى علية القوم من الأثرياء، بحيث يتم تبادل الأدوار في الثروة والمال بينما يفقد الطرفان السعادة الدائمة.

ولا يمكن أن تُرفرف أجنحة السعادة بيننا، إلّا بالخروج من هذا الصراع الطبقي في مجتمعنا الذي أصبح بحاجة ماسة للتوافق والانسجام أكثر من أي وقت مضى، وقبل ذلك كله تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية بين المواطنين؛ والرضا بقسمة الله وقدره، فعلى التاجر المقتدر أن يتصدق من ماله على الفقراء، ويخرج الزكاة، لأن لا استقرار لتجارته وسط بلد فيه فقراء يبحثون عن لقمة العيش. وعلى حامل الشهادات العلمية أن يكون مخلصًا وأمينًا في إفادة المجتمع بما تعلمه، وعلى المسؤول أو صاحب المنصب أن يدرك أنه أتى لهذه الوظيفة لخدمة المجتمع وليس للتعالي والتكبر، انطلاقًا من مبدأ أن المسؤولية تكليف قبل أن تكون تشريفًا.

قد ابتُلينا بالعديد من الأمراض الاجتماعية المقيتة والمدمرة للمجتمع؛ كالحسد والكراهية والتعالي على الآخرين؛ مما ترتب على ذلك مراقبتنا للناس من حولنا، بهدف التعرف على أملاكهم ووظائفهم ودخلهم من أعمالهم التجارية. فعندنا تُهم جاهزة لهؤلاء الذين يظهر ثراؤهم على الملأ، أو يتولون مناصب عُليا، ونصفهم اجتماعيًا بكبار المسؤولين والأغنياء، وتتمثل هذه التهم بالغش والسرقة وجمع المال بطرق غير مشروعة.

وفي الختام.. يجب التأكيد هنا على أن السعادة لا تشترى ولا تمنح ولا تباع؛ بل يجب أن نعرف كيف نصنع لنفسنا ولمن حولنا مقومات السعادة الحقيقية، لنكون أسعد هذا الخلق في الدارين، وذلك بالإيمان بالقدر خيره وشره، وبما قسّمه الله لنا من أرزاق، والأهم من ذلك أن نملك شجاعة التسامح والعفو عند المقدرة عن الناس، ونترك شؤون الخلق للخالق؛ فالسعادة هي شعورنا الإيجابي نحو قطار الحياة الملئ بالمغامرات والتحديات التي يمكن أن نحولها إلى مكاسب حقيقية، إذا ما أحسنّا التصرف في إدارة أمورنا، معتمدين في ذلك على ما منحه الله لنا من عقل وخبرات متراكمة؛ لكي ننظر بأمل وتفاؤل لمن حولنا فقد نجد السعادة تحيط بنا من كل صوب.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الى الابطال في سنجة وفي كل مكان

الى الابطال في سنجة وفي كل مكان :
يذكر الخواص في تاريخهم أنه وعندما جز القتلة الرأس تركوا ما تبقى من الجسد إذ طافت فوقه وصعدت عليه وهشمته وساوته بالأرض الخيول ، استشهد وكان دمه بداية لتاريخين جديدين داخل التاريخ الخاص بالإسلام تاريخ ظل للحق ومعه وتاريخ ظل مع الباطل وواصل معه ، إذ مر المؤمنين بامتحانات المبادئ ولم يصمد فيها إلا قليل ،

لم يكن عدد الذين قاتلو مع الإمام كبير إلا أن للتاريخ صنو وحركة ، قبر يحرك التاريخ من خلفه وقبر يلعنه التاريخ ويتحرك من فوقه ، تاريخين لقبرين منفصلين ، من يتذكر اسماء القتلة ؟ أنهم ملعونون دون الحاجة لذكرهم حتى إلا أن الذي ذهب شهيدا ظلت ذكراه حاضرة في كل لحظات حياتنا التي نصاب فيها باليأس ،

عندما اشعر بذلك البؤس الذي يحاك ضد شعب مثلنا والتشريد الذي يراد لنا وبفعل فاعلين ، وحين أصاب بالذهول من ممارسات ملاقيط الصحراء ومن يبررون لهم مثل تجار الشام الذين اشتراهم يزيد وفقهائها ، اتذكر أنها وضاعة اعراب الشتات الموروثة منذ القدم الذين فقدوا ارتباطهم الاصيل بقيم الحرب والفروسية واصبحوا مسوخا وبرابرة متوحشين ، تاريخ جديد للاعراب وشرورهم بدأ بتلك اللحظة التي حمل فيها الامام ابنه ورفع طالبا له الماء ، حتى إذا رج الرواة أحد اشقياء الدنيا والآخرة فخز الرضيع في نحره بالسهام ، حينها لم يكن من الامام إلا أن اشهد على دمه ودم طفله الشاهد الذي لا يموت ولا يترك الحق يموت ” اللهم فاشهد ، اللهم فاشهد ، ” .

ذلك الانحراف الذي انقسم في الاسلام الى اسلام شعارات واسلام سوبرماركتات معلق على ارفف باعة الكذب والحديث والفتاوى وبين اسلام يقف فيه الإنسان مع الحق ، حق الإنسان في الحياة والحماية .

ابطال اخوة لنا يقفون الان ضد ملاقيط الصحراء صامدين لا يضرهم من خذلهم وكأني بهم يقولون ” هيهات منا الذلة ” يرى السودانيون في أعينهم العزة لا الذل الامان لا الخوف ، بل يسرع الناس إلى أماكنهم بينما يمعن عدوهم في تخريب اي مكان يمرون به ، أعداء يسرت لهم دول كل السبل وكل الدعايات ليهزمونا واشترت لهم كل الذمم لتصمت وكل الأبواق لتكذب وتجمل صورتها إلا أنهم مخذولين ومردودين .

يرفع الله ذكر من يقف دفاعا عن أهله ويحط الله من ذكر من يعتدي عليهم ومن يعاونه قولا أو صمتا

Jihad Hussain Elhindi

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الى الابطال في سنجة وفي كل مكان
  • بعد أن يسدل الستار علي الحرب العالمية الثالثة في السودان يمكن اجراء مناظرة سياسية بين الجنرالين
  • من كلّ بستان زهرة – 68-
  • روح كأس العالم 1966 تلهم منتخب إنجلترا في يورو 2024
  • الشمس وأوميجا 3.. عادات صحية بسيطة وفعالة لتعزيز هرمونات السعادة
  • بعض أساليب الحرب الناعمة
  • عادل عسوم: إلى الذين أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ
  • عودة: ما يحصل يوميا من عنف وتدمير ووحشية يندى له الجبين
  • الإمبريالية المتوحشة.. أمريكا أنموذجاً..!
  • كيف فسّر الشعراوي آيات وصف الجنة في القرآن؟.. بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت