من هم أصحاب السعادة؟!
تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT
د. محمد بن عوض المشيخي **
أجمل ما يتمناه الإنسان في هذه الحياة التي قُدِّرَ لنا أن نعيش فيها وأن نصارع فيها مختلف التيارات ونركب الأمواج العاتية وننحني أمام العواصف المختلفة، وذلك لتحقيق حلم أو بالأحرى "وَهْمٍ" اسمه "السعادة الأبدية"؛ وذلك بأي ثمن كان، نريد أو لا نريد هكذا هي الأقدار!
الكثير من الناس في هذا الكون الرحب يعتقدون- بما لا يدع مجالًا للشك- أن مفاتيح السعادة تتمثل في وجود عدة مقاومات أو عوامل يجب أن تكون حاضرة في حياتنا اليومية، كامتلاك المال والعمارات وتقلُّد المناصب الرفيعة، والاقتران بنوعية معينة من البشر يتمتعون بمواصفات معينة من الجمال اليُوسفيّ، وكذلك الصحبة الطيبة من الأصدقاء الذين يصدقوننا القول ويكونون لنا مثل المرآة التي تعكس لنا واقعنا وتساعدنا على تصحيح سلوكنا واعوجاجنا إذا ما حصل ذلك منا؛ لكي نتجنب نقد الآخرين وكلامهم الذي قد يعكر أجواء السعادة التي نطمح إليها.
لكن في واقع الأمر، نجد على الجانب الآخر من هذه الحياة من البسطاء من البشر الذين هم في أعلى درجات السعادة والوئام، وكذلك يتمتعون بصحة جيدة، بعيدًا عن التوترات اليومية والقلق الزائد الذي يُنهك الأجسام ويعطِّل العقول ويقصر الأعمار نتيجة الضجر والخوف من المستقبل، والسبب في ذلك بالطبع هي القناعة والرضا والإيمان بالله بأنه هو الرازق لكل المخلوقات في هذا العالم. ولعلنا هنا نتذكر الحديث النبوي الشريف لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقول "من أصبح منكم معافى في جسده، آمنًا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها".
لا شك أن القناعات الحقيقية هي مصدر سعادة وبهجة للقليل من البشر في كوكبنا الذي نقاتل فيه بعضنا بعضاً من أجل الفوز بالمكاسب والسيطرة على منافع هذه الدنيا الفانية. وهذا لا يحصل على مستوى الأفراد فقط؛ بل على مستوى الجماعات والشعوب والأمم مُنذ خطيئة قابيل الذي قتل شقيقه هابيل بسبب الغيرة والمنافسة والحصول على المكاسب حتى ولو على حساب الإخاء والصحبة حتى يومنا هذا.
هناك اعتقاد على نطاق واسع بأن السعداء في الدنيا هم سكان الأكواخ والبيوت البسيطة والخيام من أصحاب الدخل المحدود؛ لأنهم وضعوا أطماع الدنيا جانبًا وأصبح همهم الأكبر الكفاح والعمل بجدية وإخلاص، للحصول على ما يسد رمقهم ويسترهم عن السؤال. بينما نجد على الدوام الشقاء والأحزان مرسومة بوضوح على وجوه وملامح من يرتاد القصور المنيفة وناطحات السحاب الزجاجية من أصحاب النفوذ والسلطة والمال، والتي تضم أرقى أنواع الأثاث والموائد التي يرفع لها مختلف أصناف الطعام، وهؤلاء في الأساس ينتمون إلى الطبقة المخملية التي تملك كل شيء إلّا راحة البال.
فإذا كانت السعادة على علاقة وثيقة بالفقراء الذين يثقون بخالقهم ويؤمنون بقسمة الله بين عباده؛ فهناك قاعدة وسنة إلهية في خلقه، وهي التغيير؛ فالدوام لله وحده، فقد يتم تبادل المراكز والأدوار بين الناس يوماً ما، بحيث يخسر الغني ثروته ويصنف في أعداد المُعدمين والمساكين، والعكس صحيح أن يتحول الفقير من طبقة الكادحين إلى علية القوم من الأثرياء، بحيث يتم تبادل الأدوار في الثروة والمال بينما يفقد الطرفان السعادة الدائمة.
ولا يمكن أن تُرفرف أجنحة السعادة بيننا، إلّا بالخروج من هذا الصراع الطبقي في مجتمعنا الذي أصبح بحاجة ماسة للتوافق والانسجام أكثر من أي وقت مضى، وقبل ذلك كله تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية بين المواطنين؛ والرضا بقسمة الله وقدره، فعلى التاجر المقتدر أن يتصدق من ماله على الفقراء، ويخرج الزكاة، لأن لا استقرار لتجارته وسط بلد فيه فقراء يبحثون عن لقمة العيش. وعلى حامل الشهادات العلمية أن يكون مخلصًا وأمينًا في إفادة المجتمع بما تعلمه، وعلى المسؤول أو صاحب المنصب أن يدرك أنه أتى لهذه الوظيفة لخدمة المجتمع وليس للتعالي والتكبر، انطلاقًا من مبدأ أن المسؤولية تكليف قبل أن تكون تشريفًا.
قد ابتُلينا بالعديد من الأمراض الاجتماعية المقيتة والمدمرة للمجتمع؛ كالحسد والكراهية والتعالي على الآخرين؛ مما ترتب على ذلك مراقبتنا للناس من حولنا، بهدف التعرف على أملاكهم ووظائفهم ودخلهم من أعمالهم التجارية. فعندنا تُهم جاهزة لهؤلاء الذين يظهر ثراؤهم على الملأ، أو يتولون مناصب عُليا، ونصفهم اجتماعيًا بكبار المسؤولين والأغنياء، وتتمثل هذه التهم بالغش والسرقة وجمع المال بطرق غير مشروعة.
وفي الختام.. يجب التأكيد هنا على أن السعادة لا تشترى ولا تمنح ولا تباع؛ بل يجب أن نعرف كيف نصنع لنفسنا ولمن حولنا مقومات السعادة الحقيقية، لنكون أسعد هذا الخلق في الدارين، وذلك بالإيمان بالقدر خيره وشره، وبما قسّمه الله لنا من أرزاق، والأهم من ذلك أن نملك شجاعة التسامح والعفو عند المقدرة عن الناس، ونترك شؤون الخلق للخالق؛ فالسعادة هي شعورنا الإيجابي نحو قطار الحياة الملئ بالمغامرات والتحديات التي يمكن أن نحولها إلى مكاسب حقيقية، إذا ما أحسنّا التصرف في إدارة أمورنا، معتمدين في ذلك على ما منحه الله لنا من عقل وخبرات متراكمة؛ لكي ننظر بأمل وتفاؤل لمن حولنا فقد نجد السعادة تحيط بنا من كل صوب.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أمير منطقة تبوك يستقبل المواطن عبداللطيف العطوي الذي تنازل عن قاتل ابنه لوجه الله تعالى
المناطق_واس
استقبل صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة تبوك، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سعود بن عبدالله بن فيصل بن عبدالعزيز نائب أمير المنطقة، في القصر الحكومي مساء أمس، المواطن عبداللطيف بن محمد العطوي وأبناءه، الذي تنازل عن قاتل ابنه لوجه الله تعالى.
أخبار قد تهمك أمير تبوك يعزي أبناء غزاي العتيبي في وفاة والدهم 10 ديسمبر 2024 - 12:01 مساءً أمير منطقة تبوك يكرم الفائزين بجائزة “تبوك للعمل التطوعي” في دورتها الأولى 9 ديسمبر 2024 - 3:51 مساءً
وثمّن سمو أمير منطقة تبوك هذه المبادرة النبيلة، مشيرًا إلى أن ما قام به المواطن عبداللطيف العطوي من تنازل لوجه الله تعالى عمل عظيم وأجره كبير سيناله في الدنيا والآخرة إن شاء الله، وهذه بادرة إنسانية تدل على صفات النبل التي يتحلى بها أبناء المجتمع السعودي.
من جانبه أعرب المواطن عبداللطيف العطوي عن شكره وتقديره لسمو أمير منطقة تبوك على هذه اللفتة والرعاية الكريمة من سموه باستقباله وشكره على تنازله لوجه الله تعالى، مثمنًا اهتمام سموه المستمر بأهالي المنطقة، سائلًا المولى القدير أن يتقبل منه هذا العمل ويجعله خالصًا لوجه الكريم.