فرص الحل في السودان تتضاءل.. سلام شبه مستحيل بين البرهان وحميدتي
تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن التحديات الكبيرة التي تواجه السودان في تحقيق السلام بين قادته العسكريين.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه بعد أكثر من تسعة أشهر من الحرب بين القوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان والقوات شبه العسكرية التابعة لقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، لا يوجد أي احتمال للتوصل إلى حل الصراع.
وذكرت الصحيفة أنه منذ اندلاع الصراع في 15 نيسان/أبريل 2023، تضاعفت محاولات الوساطة بين البرهان وحميدتي، دون أن تسفر عن نتائج ملموسة.
ومع ذلك، تشعر جميع المنظمات الإنسانية العاملة في البلاد بالقلق، ففي حين فرّ ما يقارب 8 ملايين شخص من القتال، بما في ذلك مليون شخص إلى البلدان المجاورة، يعد الصراع في السودان الآن أكبر أزمة نزوح سكاني في العالم وفقا للأمم المتحدة.
كما يعاني نصف السكان البالغ عددهم 44 مليون نسمة من انعدام الأمن الغذائي الخطير، وقد خلّفت الاشتباكات آلاف القتلى، بما في ذلك ما بين 10 آلاف و15 ألف شخص في بلدة واحدة في غرب دارفور.
والأربعاء الماضي، أعلن وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، أن الطرفين اتفقا على الاجتماع تحت رعاية الأمم المتحدة لبحث إيصال المساعدات الإنسانية إلى البلاد.
ومن الممكن أن يُعقَد اللقاء في سويسرا، لكن لم يتم تحديد موعد بعد وتدعو اللقاءات السابقة إلى الحذر الشديد، حيث باءت كل المحاولات لجمع المعسكرين حول طاولة واحدة بالفشل.
وذكرت الصحيفة أن آخر مبادرة تعود إلى شهر كانون الثاني/ يناير.
وبحسب عدة مصادر، فقد جرّت محادثات سريّة ثلاث مرات في العاصمة البحرينية المنامة بين المتحاربين.
واجتمعت الوفود بقيادة الجنرال شمس الدين كباشي، الرجل الثاني في القوات المسلحة السودانية، واللواء عبد الرحيم دقلو، شقيق حميدتي والذراع الأيمن له، بحضور ضباط المخابرات المصرية والإماراتية بالإضافة إلى أمريكيين وسعوديين.
الفشل المتكرر للمحادثات
ووفقا للباحثة خلود خير، من مؤسسة "كونفلونس" الاستشارية، "قد تكون مفاوضات المنامة خطوة إلى الأمام، أولا بسبب سرية مكان إقامتها، ثم لأنها ستقام على أرض محايدة - البحرين - وقبل كل شيء لأنها ستجمع لأول مرة بين أطراف حاسمة مثل القاهرة وأبو ظبي".
وتعتبر مصر والإمارات الداعمين الرئيسيين "للقوات المسلحة السودانيّة" و"قوات الدعم السريع"، حيث يقدمان لهما الدعم السياسي وخاصة العسكري.
وبحسب قول الباحثة السودانية "هذه المناقشات لا يمكن أن تؤدي إلا إلى وقف إطلاق النار في أحسن الأحوال، دون أن تتمكن من حل النزاع على المدى الطويل".
ومنذ الأسابيع الأولى للصراع، تم إنشاء منصة مفاوضات في جدة، بقيادة الرياض وواشنطن، لكن الاتفاقيات المتعاقبة المبرمة بين المتحاربين، والهدنة المؤقتة، والممرات الإنسانية، لم تُحترم قط.
وعقب الفشل المتكرر لمحادثات جدة، ثم بعد محاولة الوساطة الفاشلة بقيادة مصر وتشاد مع الدول الأخرى المتاخمة للسودان، استعادت الهيئة الحكومية للتنمية (إيجاد) التي تضم رؤساء دول القرن الأفريقي، زمام المبادرة بشأن القضية السودانية.
وحاولت المنظمة الإقليمية، من ناحية تنظيم لقاء مباشر بين الجنرالين، ومن ناحية أخرى، إشراك ممثلين سياسيين مدنيين سودانيين في المفاوضات.
وانتهت عملية الهيئة الحكومية الدولية للتنمية (إيجاد) في نهاية المطاف خلال كانون الثاني/ يناير.
وخلال جولة غير مسبوقة في القارة، تم استقبال الجنرال حميدتي كرئيس دولة في عدة عواصم للدول الأعضاء في المنظمة، ثم دُعيَ لحضور قمة "إيجاد" في مدينة عنتيبي في 18 كانون الثاني/يناير.
وكان من المفترض أن يجلس الجنرال البرهان هناك، لكنه قاطع الاجتماع وأوقف مشاركة السودان في هذه الهيئة.
الاشتباكات تشتد
وأوردت الصحيفة أنه في مواجهة الإنجاز الدبلوماسي الذي حققه الجنرال حميدتي، يحاول عدوه استعادة زمام المبادرة.
فقد استقبله الرئيس عبد المجيد تبون بمرتبة الشرف في الجزائر، حيث يبحث زعيم القوات المسلحة السودانية عن حليف قوي داخل الاتحاد الإفريقي.
بعد فشل "إيجاد"، تحاول المنظمة الإفريقية التدخل في القضية السودانية، ومن المقرر عقد اجتماع لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي على هامش قمة رؤساء الدول في 15 شباط/فبراير.
وبالنسبة للعديد من مراقبي الصراع، فإن تزايد اقترحات الوساطة يؤخر حل الصراع.
وذكر خبير عسكري غربي: "ما زلنا بعيدين عن التوصل إلى موقف يكون فيه الطرفان المتحاربان مستعدين لإيجاد حل عن طريق التفاوض، ففي الخارج، يقومان بتقييم بعضهما البعض ويحاولان تعزيز شبكة تحالفاتهما، لكن على الأرض، لم ينته القتال بعد، وما زالا مقتنعين بأن الحل لا يمكن أن يكون سوى عسكريًّا".
وأشارت الصحيفة إلى أن الانتكاسات المتتالية التي تعرض لها الجيش النظامي وضعت القوات المسلحة السودانية في موقف ضعيف للدخول في المفاوضات.
ووفقا للخبير العسكري الغربي "كانت قوات الدعم السريع أكثر ميلا إلى التفاوض، ولكن إذا كانوا يتمتعون بالأفضلية على الصعيد العسكري، فإنهم يواجهون مشكلة كبرى وهي إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتهم والتي تضم سكانا معادين لهم في كثير من الأحيان، وكلما زاد عدد انتصاراته، قلت شعبية حميدتي".
وعلى الجانب الآخر، تبتعد القوات المسلحة السودانية وتتمسك بمواقف أكثر صرامة، مدفوعة من قبل مجموعة من القادة الإسلاميين المتعنّتين تجاه أي محاولة للتفاوض.
وبعد فترة هدوء نسبية في القتال في كانون الثاني/ يناير، تزامنًا مع اجتماعات المنامة، زادت حدة الاشتباكات في الأيام الأخيرة.
وقد ظهر الجنرال البرهان في عدة ثكنات شرق البلاد، ووعد بالنصر الكامل على قوات الدعم السريع.
وشنّت قواته هجومًا مضادًا كبيرًا في الجزء الغربي من العاصمة وتكثفت الغارات الجوية على المواقع شبه العسكرية في جميع أنحاء البلاد.
ومنذ الرابع من فبراير/شباط، انقطعت الاتصالات عن معظم أنحاء البلاد. ويلقي كل من المعسكريْن اللوم على الآخر، مما يغرق السودان في مزيد من الظلام.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية السودان البرهان الدعم السريع حميدتي الجيش السودان معارك الجيش حميدتي الدعم السريع صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القوات المسلحة السودانیة الدعم السریع کانون الثانی
إقرأ أيضاً:
اتفاقية سلام جوبا: التمادي في بذل العهود المستحيلة (6-7)
عبد الله علي إبراهيم
التمادي في بذل العهود الآيلة للنقض
لم تخرج اتفاقية جوبا كغيرها من الاتفاقيات من جنسها مع العسكريين الحكام عن تغليب إحلال السلام في مناطق الحركات المسلحة على إحلاله في شرط الديمقراطية لسائر القطر كما تقدم. واقتصت الديمقراطية المغيبة منها بنقض الديكتاتوريين للميثاق (أديس أبابا 1972) أو تهافته نتيجة الفتنة حول ثماره بين الحركات المسلحة الموقعة عليه (اتفاق الشرق 2006، واتفاق سلام دارفور 2011). وسنتناول هنا نقض الرئيس جعفر نميري في 1983 لاتفاق أديس أبابا (1972) لتبيين هشاشة بناء السلام في الهامش معرضين عن الديمقراطية.
عنوان هذه الورقة "التمادي في بذل العهود" مراوحة على عنوان كتاب أبل ألير، القاضي والوزير وعراب اتفاقية أديس أبابا ممثلاً للحكومة السودانية، الذي عربه بشير محمد سعيد بعنوان هو "التمادي في نقض العهود". وهو "عرضحال" وثيق في توزير المركز بنقض عهوده مع الهامش. وعاب الكتاب مع ذلك خروج الهامش من الوزر خروج الشعرة من العجين. فالكتاب حالة من الحالات التي يأمن فيها الهامش إلى دور الضحية من فرط قلة حيلته حيال المركز. ولعب دور الضحية هو ما اتقنته صفوة الهامش وناصرته فيه كتابات متعاطفة مع محنته التي لا مِراء فيها بالطبع. ولعِبُ دور الضحية سهلٌ. والكتابة نسجاً على منواله أسهل وأرخص وأروج. وهذه كتابة برع فيها منصور خالد ولوَّث بها الأفهام وأفسدها.
ولكنها كتابة تنزع عن الضحية ما تواضع علماء الاجتماع على وصفه بـ"agency". وهي مصطلح يريدون به أنه لا يوجد جلاد وضحية بصورة نقية واضحة في الواقع. فالضحية قد لَعِبَ دوراً ما مكّن للجلاد من التضحية به. وهذا غير لوم الضحية المعروف بالطبع. لأن لوم الضحية هروب من قولة "أعور" للجلاد، وتبرير لعدوانه، وعجز عن صدِّه. أما "agency" فهي مطلب ليتحرى الضحية ذاته، ويتفحَّص أداءه، وينهض من عثراته، ويصحّح من رؤيته، لكي يُحرِّر نفسه باقتدار. وقد احترنا في مؤتمر انعقد يوماً حول صورة تعريب هذا المصطلح. وقد اتفق لي من قبل أن قلت إننا ربما استعنّا بالعبارة العربية "أصالة عن نفسه لا وكالة" لتقريب المعني الإنجليزي. فالضحية، عملاً بهذه العبارة، هو أصل في محنته في مثل تَفَرُّقِه في وجه الخصم ومَيْله للشِّقاق الداخلي الذي يمنعه من الوحدة والمنعة.
حجب أبل ألير في كتابه الإجنسي الجنوبية في ردة نميري عن اتفاقية أديس أبابا بحذافيرها. فذكر اللواء جوزيف لاقو، زعيم حركة أنيانيا المسلحة التي وقعت على اتفاق أديس أبابا ورأس السهم في الحملة لنقض الاتفاقية في نطاق السياسة الجنوبية لاحقاً، في ثلاثة مواضع من واقعة تقسيم الجنوب ليس فيها قوة عارضته في ذلك السبيل. فذكره في المرة الأولى حين استعان به نميري لفض الاتفاقية حين وجد أن دون تعديلها من فوق سلطاته خرط القتاد. فسأل نميري لاقو ولويجي أدوك وألوفر البينو وفيلب أوبانق لتقديم عريضة باسمهم يطالبون فيها بتقسيم الجنوب. أما المرة الثانية فذكر أبل جلوس لاقو بجانب نميري على التلفزيون وهو يعلن تعديل الاتفاقية. وذكره في مرة ثالثة اشترك فيها معه في مذكرة احتجاج ما لنميري عن خطوة متطرفة اتخذها. ولم يذكر لا في نصه ولا مراجعه كتاب لاقو "اللامركزية: ضرورة للمديريات الجنوبية في السودان" (24 صفحة، مطبعة سمر بالخرطوم) مانيفستو الثورة ضد سيطرة شعب الدينكا، الذي ينتمي أبل له، على دولة الحكم الذاتي في الجنوب. وجاء فيه عن هذه السيطرة بأن بالدينكا "جوع للحكم". وبدأ الكتاب بقوله "حين يأكل الرجل الأناني لحد التخمة يصف الرجل الجائع حقاً بأنه طماع".
ولبونا ملوال، الوزير بدولة نميري، وقفة تملك فيها الإجنسي بلا لجاجة غير باحث عن كباش فداء يعفيه من لوم الذات. فوجدَ في كتابه "الشعب والشوكة في السودان" (1981) السماحة في نفسه لقبول حصته في وِزر تهافت اتّفاقية أديس أبابا. فكان تفرّغ بعد خروجه على نميري في 1979 لبحث إشكال الجنوب في جامعة كولمبيا بالولايات المتحدة. وكان إحساسه بالخيبة في نميري، والشك في جدوى جيله الجنوبي كله طازجاً. فقال إن السودان بحاجة لحلِّ سياسي. وهو حلٌّ لم يعْدُ جيله من السياسيين قادراً على افتراعه. وواصل: "السياسيون الجنوبيون عن بكرة أبيْهم، بما فيهم كاتب هذه السطور، قد سمحوا لنميري أن يستغفلهم، وأن ينزع عنهم كل مصداقية في نظر شعبهم. فقد استقرّ عند الشعب الجنوبي العادي أن كل سياسي جنوبي فاسد وسبّاق إلى المناصب. وهذا ما جعله عاجزاً عن حماية الجنوبيين، أو حتى أهله الأقربين، من بطش جيش نميري". وهكذا تحمل "بونا" قسمته من العار جهرة.
وعرض بونا في كتابه الأخير "السودان وجنوب السودان: من دولة واحدة إلى دولتين" (2015) لنذر تنمر نميري الباكرة على الاتفاقية التي غضوا الطرف عنها حتى جاء اليوم الذي عصف بها فيه. فقال بونا إن نميري لم يسعد أبداً بالجنوب الذي خرج بالاتفاقية "متحرر من نميري" معززاً بالحق في الانتخاب لمجلس الشعب الإقليمي والمجلس التنفيذي. وإمعاناً في حرص الجنوبيين على أن يكونوا تلك الجزيرة "الديمقراطية" في بحر استبداد نميري اللجب أخذوا من النظام الحزب الواحد، الاتحاد الاشتراكي، وجنوبوه. ولم يكف الوحش الديكتاتوري فيه من السعي لتجريد الجنوب من صفته كجزيرة ديمقراطية في بحر استبداده. فرشح بلا اختصاص أبل ألير لرئاسة أول مجلس تنفيذي. وسمع الجنوبيون ذلك منه بغض النظر بذريعة حظيان أبل بالثقة في أوساطهم. وعاد نميري ليطلب من أبل بغير اختصاص للمرة الثانية أن يتنحى للاقو في رئاسة المجلس في 1978. وسعر لغايته الإثنية بين صفوة الجنوبيين ضد الدينكا. وعليه لم يكن نقض اتفاقية أديس أبابا حكراً للمركز. كان بالأحرى استثماراً للمركز لصراع جنوبي-جنوبي بين شعب الدينكا وجماعات أخرى برز منها شعب الباريا الذي تقع جوبا، عاصمة الإقليم، في نطاق داره. ولاقو من هذا الشعب.
وعرض الأكاديمي موم كونيال أرو صورة لهذا الصراع من أسفل. فقسَّم وزر تحلل اتّفاقية أديس أبابا (1972) بين القوميِّين الجنوبيين والرئيس نميري بالقِسط على الديكتاتور وساسة الجنوب معاً. فلم يكن تقسيم الجنوب فكرة من فحيح نميري، أو إبليسه، بل كانت عقيدة ساسة ولاية الاستوائية، وأعالي النيل، والبحيرات ممّن ضاقوا بما وصفوه بهيمنة الدينكا كما تقدم. وكانوا أصدروا "كتباً سوداء" عن نسب الدينكا العالية في قسمة السلطة في الجنوب. وكان ذلك انقساماً إثنياً حقيقيا أشاعه السياسيون بين طلاب المدارس فتماسكوا الحِزَزْ في قاعات الدرس، الدينكا ضد كل جماعة أخري. ولم يكن بوسع نميري، بكل جَزرِه وعصيِّه، أن يقسِّم الجنوب لولا الخلاف الإثني الجبار الذي دارت رحاه في تلك الأيام. وجدَ نميري الشَّقّ ووسَّعه. وإلى هذا ذهب دوقلاس جونسون في كتابه "جذور حروب السودان الأهلية" (2004) ذو الرأي القريب من ذلك الذي أذاعه بونا عن صغار السياسي الجنوبي في عين أهلهم. فقال إن فساد الساسة الجنوبيين المدنيين هو أصل كبير في اتّباع شباب القوميين الجنوبيين خطة حرب التحرير. فهي حرب في مواجهة الشمال بالطبع. ولكنها موجَّهة نحو ساسة الجنوب الذين استقرت عنهم هذه الصور السالبة عند جمهرة الجنوبيين في قول ملوال.
وحتى حين لا يسفر نقض المركز للاتفاقية عن نفسه تجد من الشماليين من يوزر هذا المركز بصورة غير مباشرة. فقال سلمان محمد سلمان إن الجنوب انفصل عن السودان برغم أن الحركة الشعبية اختطت منهجاً وطنياً شاملاً لكل السودان تقاطر له الناس من كل فج في حرب تحرير أهلية لم تعد تقتصر على الجيش الشمالي وحركة جنوبية "متمردة". فتغير الحال تغيراً صار به الشمالي يقاتل جنباً إلى جنب مع رفيقه الجنوبي ضد القوات المسلحة على أمل تحقيق السودان الجديد. ومعلوم أن الحركة الشعبية لم تتمسك بدعوة السودان الجديد الموحد خلال اتفاق السلام الشامل (2005) بينها وحكومة الإنقاذ، وأرجأت بدلاً من ذلك القرار حول استمرار الجنوب في وحدة مع الشمال، أو تقرير مصيره حتى تنقضي الفترة الانتقالية التي ستشارك الإنقاذ فيها إلى 2011 لترى رأيها. فإذا لم تجد الوحدة جاذبة (وهي العبارة) خلال تلك الفترة فزعت إلى حقها في الاستفتاء على تقرير المصير المنصوص عليه في الاتفاق. وجاء التصويت فيه لمصلحة الانفصال بأغلبية استثنائية. وحصل.
وفطن سلمان هنا إلى أن الحركة قد نقضت وعدها في ميثاقها بتنزيل السودان الجديد بحد السلاح ومهما كلف. وغادرت السودان نهائياً رامية بالدعوة إلى السودان الجديد على قارعة الطريق. ولم يجد سلمان مع ذلك مانعاً من أن يلقى لها المعاذير بقوله "فإذا كانت الحركة الشعبية قد نكثت بوعودها الرامية للسودان الجديد الموحد، فكم من الوعود كانت الأحزاب الشمالية قد نقضتها قبل ذلك؟ الفرق أن الحركة قد أدت دورها بذكاء وحنكة كانا غائبين غياباً تاماً في أحزاب الشمال". وهكذا وجد سلمان للحركة الشعبية مخرجاً من عيب نكث العهد عنها بالتنويه بوسامتها الفكرية.
ibrahima@missouri.edu