قالت السفيرة د.نميرة نجم خبير القانون الدولي و مديرة المرصد الأفريقي للهجرة  أن ما يحدث الآن في منطقة الشرق الاوسط و ما يتعرض له الشعب الفلسطيني اليوم  من إبادة جماعية علي يد الإحتلال الإسرائيلي يجعل العديد من الشباب ليس في هذه المنطقة وحدها ، ولكن حول العالم يفقدون الثقة في منظومة العدالة الدولية ، نظرا لعدم قدرتها للتصدي للجرائم التي ترتكب  ضد البشر والشعوب ، وهو أمر يقتضي منا وقفة حتى يمكن لنا الاستفادة من اخطائنا في مكافحة الإرهاب وربطها بالعوامل المؤدية لانتشار التطرف العنيف أو بجذور الإرهاب ، جاء ذلك أثناء كلمة السفيرة ‏ كعضو المجلس الاستشاري للمعهد الدولي للعدالة وسيادة القانون في ندوة " هل سيادة القانون مهمة حقا للأمن العالمي؟ " وذلك بمناسبة الاحتفال بالعيد  العاشر لتأسيس المعهد والتي أقيمت بمقر المعهد في جامعة مالطا  .


‏وأشارت السفيرة في كلماتها  تحت عنوان "حول نظرة تاريخية في مجال جهود مكافحة الإرهاب والدروس المستفادة لتحسين الأداء الدولى لمواجهته " إلى أهمية الدور الذي يلعبه المعهد على المستوى الدولي و تزايده لان من شأنه تدريب العاملين في مكافحة الإرهاب على الأسس القانونية والعملية لتكون جهود مكافحة  الارهاب مجدية وناجعة. 
ونوهت الى انه  بالنظر إلى ما حدث خلال السنوات السابقة نجد أنه لا يزال الطريق أمامنا طويل في هذه القضية ، خاصة في ضوء ان التعامل الأمني وحده لا يكفي لمكافحة الإرهاب وإفريقيا تعاني من ظاهرة تنامي الإرهاب  بشكل خطير بسبب ، عدم وجود تنمية كافية في الدول الإفريقية ، واستمرار استغلال ثرواتها من قبل المستعمرين السابقين، إلي جانب العوامل الأخري من سوء الإدارة والفساد و غياب الديمقراطية  و التي تؤدي في مجملها الي  وقوع الشعوب فريسة للإرهابيين، و تدفع الافراد في ظل ظروف معيشية صعبة للغاية إلى الهجرة غير النظامية أو تجبرهم حينما  يكون البعض منهم  في موقف ضعيف على الإنخراط في الجريمة المنظمة اوالإرهاب ،فحتى الآن لا يزال يربط البعض  بين الإسلام والإرهاب دون اتخاذ إجراءات كافية للتوعية حول أسباب اتجاه الإرهابيين إلى النصوص الدينية القديمة و المقدسة ، وان القصور وغياب تعاليم مفاهيم أصول الديانات السماوية الحقيقية من التسامح والمحبة و السلام  تؤدي إلى سهولة الإنحراف في استخدام البعض للنصوص الدينية لدفع باقي  افراد المجتمع للتعاطف معهم وخلق البيئة  الحاضنة للإرهاب ،  مما يسهل خلق واعداد  جيل من المتطرفين يسهل انخراطهم  في عمليات  ارهابية تحت غطاء مسميات الدفاع عن الرب او التمسك بأصول الدين.
واكدت نجم أن استخدام البعض اليوم ليس فقط نصوص القرآن ولكن النصوص من التوراة لحشد التأييد لجهود غير مشروعة ، حتي يحصل البعض على رخصة آلهية لمزيد من القتل بإسم المفهوم الخاطئ المتعمد   لفهم الأديان السماوية   ،  ولم يتوقف الامر عند ذلك  الا ان العديد يستخدم  النصوص القديمة لحشد الدعم الشعبي للتطرف العنيف على غرار استخدام الكهنة البوذيين النصوص الدينية لقتل المسلمين في ميانمار والتى لا علاقة لها بتعاليم بوذا المسالمة  حتي في الأديان الغير سماوية .
وركزت نجم على أهمية نشر التعليم النقدي حتى يتمكن افراد المجتمع من فرز و فهم والتدقيق في معاني النصوص الدينية  الحقيقية لفهمها فهما صحيحا وحتى يمكن لهم المساهمة في مكافحة الإرهاب والتطرف .
وأشارت ان علينا  جميعا العمل على رفع الوعي السياسي  بمتطلبات العدالة  خاصة في المناطق التي تعاني  من فقدان العدالة ،  على اعتبار أن العدالة هي الأساس  ضد التطرف والإرهاب ، وأن الافتقار إلى العدالة والشعور بالظلم يولد تطرف فكري يصاحبه  مزيد من التطرف في العنف  والإرهاب .
وقالت السفيرة  انه منذ 10 سنوات كان مرفوض من قبل العديد من الدول الإشارة إلى جذور الإرهاب ،فالشعور الأفراد  بالظلم والفقر وعدم العدالة من الاسباب المباشرة المؤدية إلى الإرهاب وهي كلها أمور اليوم نرى أنها تتغير بعض الشيء ، ولكن يجب علينا أن نقوم بإجراءات عملية تعيد ثقة الاجيال الجديدة في منظومة العدالة ، مع ضرورة عمل برامج تنموية شاملة لأفريقيا ، والتي تقتضي إعادة النظر في كيفية التعامل مع الموارد الطبيعية الإفريقية و استغلالها لصالح دول أخرى وليس لصالح شعوبها حتى يمكن الحد من النزوح القسري و  الهجرة غير نظامية بسبب النزاعات و الحروب و الإضطهاد  والظروف الإقتصادية وغياب الحكم الرشيد ،  والتي تتضافر  جميعا في تهيئة الأشخاص الضعيفة لان تكون عرضة للالتحاق بالإرهابيين .
‏و أوضحت السفيرة  أننا لا يزال ينقصنا الدراسة حول الهجرة والتطرف والإرهاب وبحث العلاقة بينهم وهي أمور يجب علينا النظر فيها في ضوء تزايد أعداد المهاجرين الذين يواجهون بعنف في بلاد المقصد ،أو يتعرضون إلى ظروف بائسة و غير إيجابية و غير إنسانية قد تؤدي بهم إلى التطرف بسبب العنصرية .
و شددت نجم  على أهمية التعليم مجددا لأنه جزء لا يتجزأ من حل المشكلة ، وبدون تعليم صحيح و تنمية حقيقية سوف نستمر في دائرة مفرغة،  ونعود إلى هذه القاعة الرصينة بعد 10 سنوات لنتحدث عن ذات المشاكل و عن ذات الأسباب ، وعلى الرغم من موقفنا الثابت لفرض المشروطية المقترنة بالمنح والقروض الا انه على الدول المانحة التى تربط المساعدات للدول النامية بالمشروطية الا تقع فريسة للنفاق السياسي وان تلتزم هى بمبادىء العدالة وحقوق الانسان قبل ان تحاول فرضها على الاخرين لان ذلك  يفقدها المصداقية ويفقد الشعوب المصداقية في حكوماتها. 
وانهت نجم حديثها بضرورة تطوير آليات مكافحة الارهاب لتواكب التطور السريع للسبل التى يستخدمها الارهابيين بما في ذلك سبل  مكافحة تمويل  الارهاب والجريمة المنظمة. 
وقال ستيفن هيل، السكرتير التنفيذي للمعهد الدولي للعدالة وسيادة القانون انه عندما تأسس المعهد عام 2014، كان تنظيم داعش في صعود على مستوى العالم، حيث سافر الآلاف من المقاتلين الإرهابيين الأجانب من جميع أنحاء العالم إلى العراق وسوريا، وسيطر التنظيم على مساحات شاسعة من الأراضي ، وكان هناك اعتراف متزايد في ذلك الوقت بأن نهجنا في مكافحة الإرهاب يحتاج إلى التكيف، مع التركيز بشكل أكبر على بناء سيادة مستدامة لبنية مكافحة الإرهاب القائمة على القانون ،وكان المعهد أحد العناصر المهمة في جهود المجتمع الدولي لمعالجة هذه الثغرات.
وأضاف على مدى السنوات العشر الماضية، استثمر المجتمع الدولي موارد كبيرة في بناء المؤسسات والأطر القانونية للتصدي للإرهاب والأنشطة الإجرامية العابرة للحدود الوطنية ذات الصلة. وفي العديد من المجالات، أصبحت سيادة القانون مقبولة باعتبارها حجر الزاوية في الاستجابة العالمية للإرهاب، وقد تحقق تقدم كبير ، وقد لعب المعهد دوراً حيوياً في هذا الجهد، بتدريب ٩ الاف خريج  من القضاة والمدعين العامين والمحققين والبرلمانيين وغيرهم من ممارسي العدالة الجنائية من عدد كبير من الدول الافريقية والشرق الاوسط وآسيا و من 130 دولةً.
وأوضح انه مع ذلك، في البلدان المستفيدة والمانحة على حد سواء، تستمر الهجمات الكارثية ويتصدر التطرف العنيف قائمة التهديدات للأمن القومي ، و تطور مشهد التهديد الإرهابي بشكل كبير منذ عام 2014، مع ظهور تهديدات جديدة مثل التطرف العنيف ذو الدوافع العنصرية أو العرقية وتراجع تهديدات أخرى.
وقال هيل أن الهدف من هذه الاحتفال  هو إنشاء منتدى لتبادل الآراء الصريحة حول العالم المعقد والمتطور لسياسة مكافحة الإرهاب ، وللنظر في طرق جديدة لتحديد وقياس نجاح جهودنا ،ولإلهام مجتمع المعهد بأكمله للفصل التالي في حملتنا الجماعية.
وكان علي رأس ضيوف الاحتفال رئيس مالطا جورج فيلا الذي قال في كلمته الإفتتاحيةً للإحتفال: "بعد بضعة أسابيع من المفاوضات الشاملة، نيابة عن حكومة مالطا، كوزير للخارجية في ذلك الوقت ، كان من دواعي سروري إطلاق المعهد الدولي للعدالة وسيادة القانون في 18 يونيو 2014 مع 13 شريكًا مؤسسًا آخر".
وأشار  رئيس مالطا إنه من خلال مشاريعه العملية وتعاونه مع المؤسسات الرائدة، عالج المعهد الدولي للعدالة وسيادة القانون بعض القضايا العابرة للحدود الأكثر إلحاحًا التي تواجه المجتمع العالمي اليوم في الوقت المناسب وبطريقة مؤثرة، بما في ذلك الإرهاب المحلي لمواجهة الدوافع العنصرية أو العرقية ، التطرف العنيف.
وشدد على أن المعهد يساهم بشكل ملموس في تطوير وتعزيز ممارسي العدالة الجنائية، وفي ظل السيناريو المضطرب الذي نعيشه اليوم، وأنشأ منتدى لتبادل الممارسات الجيدة لمكافحة الإرهاب وغيره من الأنشطة الإجرامية العابرة للحدود الوطنية .
وقال الرئيس فيلا إن المعهد في وضع جيد لقيادة الطريق ولعب دور مهم في معالجة التهديدات الناشئة في مواجهة المشهد الجيوسياسي والأمني المتدهور.
وكان من ضيوف الندوة و المتحدثين أندرو بيج، من المديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن بالأمم المتحدة،وعضو المجلس الاستشاري للمعهد  ، ونيكولاس غيو، قاضي، الدوائر الخاصة بكوسوفو، في هولندا ،والقاضي المنتخب للمحكمة الجنائية الدولية ،و عضو المجلس الاستشاري للمعهد ، و جوليان لوتي، مديرية إدارة السجون، مهمة مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، بوزارة العدل الفرنسية ، و جولييت إيبيكاكو، المدير التنفيذي للمركز الأفريقي للحوكمة واسترداد الأصول والتنمية المستدامة ،إسلام الغزولي، مدير برنامج بناء السلام والاستقرار،المنظمة الدولية للهجرة بالعراق ، و عثمان فيكتور كوليبالي، رئيس النيابة العامة، محكمة النقض، كوت ديفوار ، و كونستانس ميلستين، سفيرة أمريكا بمالطا ، و غريغوري د. لوجيرفو، القائم بأعمال النائب الرئيسي لمساعد المنسق مكافحةً الإرهاب بوزارة الخارجية الأمريكية ، وستيفن ج. براير، قاضي السابق في المحكمة العليا بالولايات المتحدة .

 

IMG-20240210-WA0021 IMG-20240210-WA0023 IMG-20240210-WA0024 IMG-20240210-WA0026 IMG-20240210-WA0028 IMG-20240210-WA0030 IMG-20240210-WA0031 IMG-20240210-WA0032 IMG-20240210-WA0027 IMG-20240210-WA0029

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نميرة نجم خبير القانون الدولي مديرة المرصد الأفريقي للهجرة منطقة الشرق الأوسط فی مکافحة الإرهاب IMG 20240210 فی ذلک

إقرأ أيضاً:

بدلا من خطة ترامب لغزة.. هذا ما يجب أن يحدث

ترجمة: أحمد شافعي

في الوقت الذي يلقي فيه زعماء العالم تهديداتهم بشأن إنهاء وقف إطلاق النار في غزة هذا الأسبوع، سوف يستعرض الفلسطينيون حطام منازلهم داعين لوقف إطلاق النار أن تصمد. ولقد قوبل اقتراح دونالد ترامب بأن «ما علينا هو أن نزيل» السكان من غزة ونرسلهم للعيش في الأردن ومصر بإدانة واسعة النطاق في شتى أنحاء العالم. ولكن من واقع تجربتي، لن يكون ترامب هو الزعيم الوحيد الذي يفكر في ذلك.فمن وراء تلك الكلمات يكمن عدد من الافتراضات، أكبرها أنه لن يوجد من يرغب في البقاء هنا. فقد وصف عمال وكالات الإغاثة مشهدًا للجحيم. في إحاطة في الثلاثين من يناير، وصفت مها الخطيب، منسقة الصحة في لجنة الإنقاذ الدولية، النظام الصحي بأنه «منهار بالكامل». وقالت: إن ما يحتاج إليه الفلسطينيون على الفور هو الإمدادات الطبية والمياه والغذاء. ولكن ما يحتاجون إليه أيضا هو «العمل بعيد المدى» من أجل أن تصبح الحياة ممكنة في غزة.

إذا ما تمكن ترامب من تحقيق هدفه، فلن تكون هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها نقل شعب بسبب حرب. فقد تم تهجير مليوني شخص قسرا خلال صراع البوسنة والهرسك في الفترة بين عامي 1992 و1995، ولا يزال أكثر من مليوني شخص نازحين داخليا في العراق. ولن تكون هذه هي المرة الأولى أيضًا التي يتم فيها نقل الناس باعتبار أن نقلهم يمثل استراتيجية استجابة طارئة وحسنة النية. ففي أعقاب إعصار كاترينا في عام 2005، تجمع سكان مدينة نيو أورلينز التي غمرتها الفيضانات في الحافلات وتم توزيعهم على ولايات أخرى باعتبارهم «لاجئين داخليين»، في عمل وحشي تذكر به البعض زمان العبودية.

غالبا ما يحب مقاولو الكوارث العمل وفقًا لما أسميه «نموذج المريخ» لإعادة البناء الإنساني أي وكأنهم يستعمرون كوكبا. فيفضلون عدم وجود بشر يعترضون طريقهم بمطالب فوضوية، راغبين فقط في أنقاض يطحنونها وطرق يقيمونها. وتنتشر رأسمالية الكوارث بسبب وجود مبالغ ضخمة من المال يمكن جنيها في أعقاب الحرب. ولا يمت نموذج المريخ بصلة لأفكار الوطن، أو لصلة الإنسان بالتربة التي تحته.

تجربتي المتكررة بعد الكوارث البيئية تتمثل في نقل مجتمعات بأكملها إلى مساكن مؤقتة في أماكن أخرى، بما يتسبب في تصدع كامل لحياتهم ومجتمعاتهم. وبينما يرحلون، لا يبقى لهم إلا الرجاء في أن يتصرف المقاولون المعينون بأخلاقيات الرعاية، وهو ما لا يمكنهم الاعتماد عليه دائما. فقد تبين لتقرير نشر بعد ثلاث سنوات من فيضانات عام 2007 في حال أنه «تحتم على العديد من الناس أن يتعاملوا مع الصدمة المزدوجة التي تحدث عندما تتفاقم الكارثة الأولى (أي كارثة الفيضان) بكارثة ثانوية هي المعاملة السيئة من الشركات والوكالات المختلفة التي يفترض أن تساعد في التعافي». قد تكون هناك أخلاقيات إنسانية ومخاوف أمنية حقيقية تكمن وراءها، كما حدث عندما شهدت نقل الناجين من «المناطق الحمراء» التي ضربها زلزال كرايستشيرش بنيوزيلندا في عام 2011، ولكن يبقى من الممكن أن يتسبب الاقتلاع من الأرض في مشاكل على المدى البعيد.

وصف البعض ما يلاقي العائدون إلى غزة من أضرار بـ«الدمار التام» ولكن هذه البلاغة تخاطر بإضافة ثقل إلى الحجة المنادية بـ«التطهير»، إذ يصبح من السهل أن نزعم أن أحدًا لن يرغب في العيش في مكان ما عندما يصعب للغاية رؤية ما كان موجودا فيه من قبل. ولكن حب المكان يتعلق بأكثر من محض ما تقع عليه العيون. يقوم البشر في مختلف أنحاء العالم، وبغض النظر عن ثقافاتهم أو عقائدهم، بأمور متشابهة تشابها كبيرا عندما يعودون إلى أماكنهم المحطمة وهي أمور «عاطفية» من قبيل ربط الزهور بأقماع المرور وأذرع الرافعات، ففي إيطاليا ونيوزيلندا، بعد زلازل مدمرة، كنت شاهدة على مسابقات طهي جماعية، ووقفات احتجاجية، وإصلاح مغاسل، وتخصيص مساحات لرعاية الأطفال الصغار. وعادة ما يظهر شخص ما فيبدأ بيع القهوة في شاحنة، ويحدث كل ما من شأنه أن يؤدي إلى إبطاء برنامج العمل ويعرقل عمل المهندسين ورأسماليي الكوارث.يفرض «التعافي» المادي إعطاء الأولوية للطرق والمياه والصرف الصحي والطاقة. وليس من الخطأ أن نفعل ذلك: ففي ظل نقص النظافة يزداد خطر الإصابة بالأمراض. ولكن من واقع عملي في كل مكان عملت فيه بالعالم، فإن أول ما يريد البشر القيام به هو العثور على الموتى ثم دفنهم. وتقدر وكالة الدفاع المدني في غزة أن أكثر من عشرة آلاف جثة لا تزال ملقاة تحت الأنقاض، ولا يمكن أن يعاد بناء أي مجتمع على مقبرة جماعية. ولكن العظام تعترض مسار الطرق التي تجب إقامتها، فيكون محكوما على العديد من الأسر أن تمنى بخسارة غامضة معناها أنها لن ترتاح حقا مرة أخرى.

في الشهر الماضي، قال مبعوث الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف: إن إعادة بناء غزة ستستغرق ما بين عشرة أعوام وخمسة عشر. وبطبيعة الحال، قد تعتمد إعادة بناء أي شيء على ما تتسامح معه إسرائيل. وإذن، فسوف ينحرف أي بناء مادي عن مساره بسبب نكسات مستمرة تتمثل في توترات وسياسة وجشع وكذلك تدفق ثابت من الهجرة. ولقد وصفت لنا أدبيات الكوارث والصراعات نوع الهجرة التي تحدث عندما لا يستطيع الناس البقاء على قيد الحياة في المكان الذي يحبونه. لعل ترامب يرى بالفعل عملية التطهير، لكنها ستكون بطيئة: فيتم إرسال الشباب للدراسة أو لكسب المال في مكان آخر، ويغادر كبار السن لعدم احتمالهم المزيد من الضوضاء أو المخاطرة أو التوترات. والحقيقة أنه ليس من المستحيل إعادة بناء غزة، إذا ما سمحت إسرائيل بذلك، وتوافرت للعالم الإرادة. لقد قالت أمهات أجريت معهن حوارات الأسبوع الماضي: إنهن سيعشن في خيام إلى الأبد، طالما استطعن الاستمرار في العيش على هذه التربة. لكن الخيام لن تكون كافية. فبالإضافة إلى الغذاء والمياه والأدوية العاجلة، وكذلك البنية الأساسية بعيدة المدى وأعمال إعادة البناء، سيحتاج سكان غزة إلى المساعدة والوقت والمساحة للتعافي. تقول الدكتورة ماهيم قريشي جراحة الأوعية الدموية في هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية التي عملت في مستشفى الأقصى في غزة في أبريل وأكتوبر 2024: إن أشد ما صدمها هو أن الأطفال فقدوا رد فعلهم الانعكاسي لدى سماع دوي القنابل بعد أن سمعوها وهي تسقط لعدة أشهر. وتتحدث عن تأثير عابر للأجيال سيستمر لعقود من الزمن. بجانب مضخات المياه وغرف العمليات والمخابز، ستكون هناك حاجة إلى أماكن لدعم لهؤلاء الأطفال كي يتعافوا على مهل وبشكل جزئي.عندما يعمل المرء في أعقاب الكارثة، فإنه يتعلم التعامل مع كل يوم على حدة، والاحتفاء بكل خطوة صغيرة إلى الأمام. يتعلم الابتهاج بشاحنة القهوة وبالزهور إذ توضع في أقماع المرور. فالعودة إلى مكان «مدمر تمام التدمير» والبقاء فيه من أشجع الأمور التي رأيتها على الإطلاق. وإنني أدعو الله أن يدعم العالم هذا العمل ويقاوم إغراء «التطهير»، وأدعوه أن يزدهر الأطفال مرة أخرى في غزة، وسوف يتطلب هذا الأمر أكبر جهد دبلوماسي شهده العالم على الإطلاق.

مقالات مشابهة

  • محاكم بلا نفوذ: كيف تُفشل واشنطن العدالة الدولية؟
  • وزير الخارجية لطلاب الجامعات الدولية: مصر ترفض الاستقطاب وتدعم العدالة بلا انتقائية
  • واشنطن بوست: تجميد ترامب للمساعدات الخارجية يهدد مكافحة الإرهاب
  • صحف العالم| نتنياهو يرفض إدخال مساعدات إعمار غزة ..بريطانيا: حرب أوكرانيا خط الدفاع عن أوروبا.. ترامب يوقف برامج مكافحة الإرهاب
  • بقايا خلايا التنظيمات الإرهابية على طاولة القاضي زيدان ورئيس جهاز مكافحة الإرهاب
  • التعاون يفقد خدمات مدافعه أمام الشباب
  • بدلا من خطة ترامب لغزة.. هذا ما يجب أن يحدث
  • أنطونيو جوتيريش: يجب إصلاح المنظومة الدولية لتحقيق العدالة في مواجهة الكوارث المناخية
  • مكافحة الإرهاب.. من التجربة الميدانية إلى الشراكة الدولية
  • خبراء قانونيون: ترامب يهدد العدالة بعقوباته على الجنائية الدولية